الأربعاء، 22 أبريل 2020

منّ لا يرى من غربال كرونا فهو أعمي - د. لؤي ديب

منّ لا يرى من غربال كرونا فهو أعمي 
  
د.لؤي ديب
ما يحدث في العالم علي كل الصُعد السياسية والإقتصادية والإجتماعية لم يكن وليد كرونا وانما كان كرونا بمثابة إختصار عنصر الزمن لأحداث إفتعلت للحصول علي نتائج كرونا والتي أتت سريعا لتفاجيء العنصر البشري.
هل يستطيع عاقل ان يربط انهيار أسعار النفط الأمريكية بكرونا فقط ويتجاهل كل العقوبات الأمريكية التي سبقت كرونا علي الصين ومصدري النفط الأساسيين للصين مثل ايران وروسيا بهدف خنق الإقتصاد الصيني ، ولا ننسي المحاولة التي قادتها السعودية قبل كرونا برعاية ودعم امريكي للخروج من اتفاق خفض الإنتاج وزيادة الانتاج بشكل جنوني من السعودية وحلفائها واستئجار كل ناقلات النقط العالمية وخفض سعر البرميل وسرعان ما جعل كرونا السعودية تتراجع عما اتفقت مع امريكا .


لذا بكلمات اخرى يمكن ان يفهمها كل مواطن بسيط علي هذه الأرض ان اسعار النفط تتهاوي لان امريكا بقيادة ترامب فشلت في عقوباتها ضد الصين ولم تؤثر فيها لذا انهارت اسعار النفط . 

ضربة النفط حاليا تُشكل ضربة لأمريكا ومعها باقي المنتجين ، ولكن ! 
هل يمكن ان تنخفض اسعار الطاقة والمواصلات وباقي الاشياء مع وصول سعر برميل النفط الي اقل من ثمن البرميل الحديدي الذي يحمله ناهيك عن تكاليف النقل والتأمين ؟ 
طبعاً لن ينخفض سعر شيء ولكن تأكدوا جميعاً انه بمجرد ارتفاع البرميل بضع دولارات وسيكون بعيدا عن ملامسة اخر سعر قبل كرونا سيرتفع سعر كل شيء الطاقة والغذاء واشياء كثيرة وسوف تستمر عملية نهب مدخرات الأرض والانسان عليها . 

من لا يري التطورات المتسارعة في امريكا اعمي ، فمن تنازل امريكا عن دورها القيادي في ادارة الأزمه عالميا ، الي صراع ترامب مع حكام الولايات ، وعجز امريكا عن توفير الفحص والعلاج المجاني لمواطنيها ، وكشف كرونا للمستور بالفوارق الاجتماعية التي تنعكس علي الصحة والاصابات والوفيات المرتفعة والتي تلامس 70‎%‎ من ذوي الاصول الافريقية واستفحال المرض في مجتمعات اهملتها حكومة امريكا الفيدرالية والولايات التي يتغذي بعضها يوميا علي العنصرية المحمية بالقانون ،فالبلد الأعظم في العالم اهداه كرونا 22 مليون عاطل عن العمل أغلبهم بدون تأمين صحي وجائت قوانيين التسريح المصاحبة لكرونا لتحمي اصحاب العمل من دفع مستحقات وتعويضات ملايين العمال ليس في امريكا وحسب بل في اوروبا ، وفي الوقت الذي ادارت الحكومة الامريكية ظهرها للفئات الأضعف مكتفية بشيك انتخابي يحرره ترامب لمره واحدة الأمر الذي رفع نسبة الجريمة الي 40 ‎%‎ في امريكا رغم الحظر ومنع التجوال . 

الصين المتهمة غربياً بالمسؤولية عن الفايروس والتي كانت قد انجزت بنسبة 80‎%‎ طريق الحرير الذي يربطها بأوروبا ، استطاعت رغم تراجع اقتصادها والضغوط عليها من ملء الفراغ الامريكي ولم تنقطع قوافل الاغاثة الصينية عن حلفاء امريكا في اوروبا ، واستطاعت استغلال كل ثغرة وخطأ في سياسات امريكا لصالحها ولم تقف عن هذا الحد ، بل اطلقت سفن التنقيب الخاصة بها للانطلاق بعيدا في بحر الصين للبحث عن النفط بحراسة البحرية الصينية مما دعا الي تحرك البحرية الاسترالية بصحبة ما هو متوفر في بحر الصين في انتظار وصول مزيد من القطع الامريكية لمنع الصين من فرض امر واقع يجعل حدود الصين علي مشارف استراليا ويزيد من مخاطر واحتمالات التصادم العسكري . 
اوربا التي تخبطت في الازمة وبرهنت علي فشل كذبتها الكبري بالرفاه وانظمة الرعاية الصحية المتينة ، باستثناء المانيا استطاع كرونا تعريتها وتعرية كذبتها ويطرح تساؤلات عن ميزانيات سابقة خصصت للرعاية وتطوير القطاع الصحي حيث بدأت بعض التقارير تتحدث ان ميزانيات القطاع الصحي والتعليمي ما قبل الأزمة كانت تتعرض للسرقة بنسب لا نقل عن 50‎%‎ . 
ايضا سقط مع كرونا مبدأ التضامن الاوروبي وتم تسجيل فشل ذريع في الاستعداد الصحي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وبين كرونا كما امريكا انه كان اسرع في التغلل بين الاقليات العرقية التي تعاني من الفقر وقلة النظافة والاهمال الحكومي والازدحام السكني ، واستطاع كرونا ان يضع القارة العجوز امام المقارنه بين اجراءات اليمين الشعبوي الذي استبق كرونا بالتضيق علي اللاجئين والاجانب ومطاردة القدماء منهم والجدد في محاكم تقوم علي النظريات والاهواء السياسية مما جعل النظام القضائي في اوروبا قبل كرونا كلعبة في ايدي السياسيين ، ورغم ان كرونا بين ان الالاف الاطباء والممرضين والعاملين الصحيين من اصول اجنبية هم من كانوا في الصفوف الامامية في مواجهة الخطر والموت من اجل ان يحيا من كان يحاربهم ويكفي ان نعرف ان طبيب اتم تعليمه من خارج اوروبا كان يحتاج الي اربع سنوات في معادلة شهادته ليواجه بعدها التنمر في العمل وجاء كرونا بقوانيين الطواريء التي سوف تستمر ليكون عالم اوربا القادم غير مزدهر وقاتم واقل ديموقراطية وبدون رخاء ونستطيع ان نقول ان كرونا اضافة الي الاسئلة الصعبة التي ستعصف بالاوربيين لعقد قادم هدوءا وعنفا ، فانه جعل اوربا مستهلكا علي الاقل لخمس سنوات قادمه دون تأثير سياسي قوي فجل ما تحلم به اوروبا الان هو النجاة والاحتماء باحد الحلفاء الاقوياء . 
وجه كرونا ضربة قاضية لا قيام بعدها لنظام العولمة التي اسست قبل قدوم كرونا للتفاوتات الاجتماعية وتدمير الطبقات المتوسطة وجاء كرونا ليكشف نقص الامدادات وان العولمة قشرة ضعيفة سرعان ما تنهار لصالح الدولة المستقلة واحتياجاتها وفشلت الصين بمليء الاعتماد الغربي كليا عليها وفشلت الامم المتحدة بقيادة الازمة وتقريبا لا دور لها وفشلت مجموعة العشرين ومجموعة السبع وعدم الانحياز والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ونمور اسيا ودول الكومونلث ... الخ وخضعت منظمة الصحة لضغوط الصين وامريكا وما زالت تدير الازمة وفق الحساسيات السياسية وليس وفق صحة البشرية ، وفشلت مفوضية حقوق الانسان في توجيه انتقاد واحد للتعسف المصاحب لكرونا او لتلك القوانيين التي تحمل في عمقها دكتاتوريات وفاشيات توشك ان تولد وتكون اشد علي البشرية من كرونا بالف مره. 

الم يساوي كرونا بين الانظمة التي كانت تدعي الديموقراطية وبين الانظمة الفاشلة والاستبداية ، بل تعتبر الانظمة الاستبداية الاكثر استفادة من كرونا الذي سمح لها بتعزيز سيطرتها علي المجتمعات دون انتقاد بل ان كرونا جاء ليعزز مفهوما سابقا عندما طرح السؤال لمن الاولوية للأمن المصاحب للارهاب ام لحقوق الانسان ، وقتها وقبل كرونا بقليل كانت الارض كلها تسجل انتصار مفهوم الامن الذي جاء كحاجة للارهاب المصطنع وانتزع الحقوق وكرونا لن يختلف وسيجعل الكثير من الانظمة تركز علي الامن الصحي والغذائي علي حساب الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وليس ذلك فحسب ولكن سترون دول فاشلة تنقل تجاربها في الديكاتورية لديموقراطيات كبري . 
منّ منكم لا يري المصير الجديد والمجهول الذي ينتظر افريقيا التي يقترب منها الوباء دون استعداد وانهدام للبنية التحتية بل حتي انعدام الماء والصابون وليس الدواء فحسب وكل التجارب السابقة في افريقيا تؤكد عجزها علي احتواء اي وباء سابقا حتي في اشد حالات التضامن الدولي لمساعدتها فما بالكم في زمن يقول الكل فيه يا الله نفسي . 
من لا يري صعود قوي وهبوط قوي بعد كرونا لم يمسك بغربال كرونا ليري منه الرعب القادم علينا من خلال السيطرة الرقمية واهمال الاعتماد علي العنصر البشري وحصول شركات كبري علي مميزات الدول في النظام الدولي الجديد. لا احد يستطيع ان يجزم شكل النظام القادم بنسبة قاطعة لكن! الاكيد بنسبة 100‎%‎ ان كرونا ضرب وعري وهاجم اسس النظام الدولي القائم بقوة وكشف عيوب متراكمة من مطلع القرن العشرين ، وبشكل اخر استطاع كرونا ان يضع النظام العالمي في غرفة انعاش كاسقاط واجب وليس املا بالشفاء الذي تدرك كل الدول استحالته ولكن من اجل الاستعداد لجنازة النظام الدولي وتشيعه وما هي الا محاولات لتجنب الاصطدام بالمجهول .لذا من لا يري بغربال كرونا هو اعمي وسيكون وقود المرحلة القادمة التي ستحتاج الي الكثير من الطاقة .
د. لؤي ديب

الاثنين، 13 أبريل 2020

هكذا حول فيروس كورونا الإنسان المعولم إلى فارس بلا وجود - عبد العزيز كوكاس

هكذا حول فيروس كورونا الإنسان المعولم إلى فارس بلا وجود 

عبد العزيز كوكاس
« الموت يدفع الإنسان لأن يكون أكثر تيقظا للحياة » باولو كويلو
فجأة فقدنا ثقتنا بعالم الوفرة وعصر السرعة والتقنية المتطورة، إذ اكتسى فيروس كورونا المستجد نفس سمات عصرنا.. التكاثر والتناسل والانتشار السريع، كل التقدم التكنولوجي وتكاثر الخيرات الطبيعية والأغراض المادية التي وصفها بدقة جان بودريار في كتابه عن المجتمع الاستهلاكي الذي تحولت فيه وفرة الأغراض والسلع إلى أسطورة جديدة، حيث تحول الاستهلاك إلى جوهر أخلاق عالمنا الذي يوشك أن يحطم كل أسس الكائن البشري..  كل هذه الوفرة والبذخ السلعي الزائد لم يصد عن الإنسانية حاجتها الأولى للبقاء في الحياة.

في سطوة حضارة الإشباع والجشع أصبح الكائن الإنساني المتعدد الأبعاد، مثل نسخ مكرورة، واحدي الأبعاد ك »فارس بلا وجود » كما وصفه الكاتب الإيطالي « إيتالو كالفينو »، مستغرقا في قعر وجوده البيولوجي والفيسيولوجي، مجردا من الخيال والشعر والدين، حتى جاء فيروس كورونا المستجد ليعيدنا إلى صميم ما يشكل جوهر وجودنا، أي الوعي بقيمة الحياة وقيمة العالم الذي نعيش فيه، بعدما أصبنا بغربة عميقة عن ذواتنا وعن الكون الذي نسكنه، وأصبحنا مثل كائنات تتحدث بلغات متبلبلة، نحتاج إلى مترجمين لفهم بعضنا وفهم رسائل العالم إلينا..

حرب وجود لا حرب حدود

إنها الحرب.. هكذا بلا سابق إنذار، تقرع الطبول ويعلو صوت النفير في كل أرجاء الكون، وينزل الجيش إلى الشارع بأسلحته الثقيلة، ويتكلف الإعلام بتأثيث المعركة ونقل صولاتها وجولاتها بالتفصيل كل دقيقة، بمعجم عسكري مثل الصحافيين مراسلي الحروب يغطون يوميات هذه الحرب النادرة الحدوث بمعجم عسكري(جنود، الصف الأمامي، العدو المشترك للأمة، وطننا المسالم، نكسب المعركة، لا صوت يعلو اليوم على الحرب ضد كورونا، لنؤجل تصفية حساباتنا في هذه المعركة المصيرية…)، وهو ما يهيج مشاعر الناس ويثير فزعهم كما يوقد حماسهم، فيعودون إلى وحشيتهم الأولى أو إلى تضامن العشيرة.

إنها حرب ضد عدو غير مرئي، مراوغ، خفي.. فيروس يقترب من الأسطرة بسبب المحكيات المتناسلة عن هالته، إنه مثل الإلكترون أدق الجسيمات المولدة لطاقة مغناطيسية، لا يُرى ولكنه يترك الأثر: إنه الوباء المعمم بالتقسيط المريح على البشرية جمعاء.. حيث نعيش تحت سلطة ديكتاتورية للإمبراطور كوفيد التاسع عشر الذي أحدث رُهابا غير مسبوق في النفس البشرية وزادت الآلة الإعلامية من هالته وسطوة رعبه، حتى أضحى مثل مديوزا تحول أعينها الأصحاء إلى مرضى والمرضى إلى موتى بلا طقوس جنائزية ولا قبر يترحم عليه الحزانى..

منذ بداية العقد الثاني للألفية الثالثة تحول فيروس كورونا المستجد إلى وباء حقيقي وليس مجرد كائن أسطوري قادم من هذا الشرق الأقصى الأسيوي، وبحكم سرعة زحفه في كل بلدان العالم، أصيبت البشرية بالذعر ولم يعد هناك ما يسيطر على تفكير صناع القرار غير حفظ البقاء والخروج بأقل الخسائر من هذه الجائحة، فقد شلت الدورة الاقتصادية وتعطلت أسس الحياة الاجتماعية، وأضحت الفضاءات الاجتماعية مهجورة، والشوارع  أضحت يتيمة مثل أماكن مهجورة تحسسك بالذعر، وانتقلنا من فضاءات الحركة والتنقل والسرعة، إلى حضارة الجمود والسكون، وهو ما جعلنا وجها لوجه مع صفاقة العالم ومع جوهر ذواتنا، نعيد تقييم أسس الوجود ومعناه..

« شيطان » كورونا يعيدنا إلى الخطيئة الأولى

لقد عصفت حرب كورونا المستجد بكل النظام القيمي الذي انتهجته البشرية إيمانا وفعلا، أو انقيادا وتبعية، كل منظومة القيم التي آمنا بنجاعتها والتي تتمحور أساسا حول كونية الديمقراطية وحرية السوق وخضوع الثانية للأولى، أصيبت بالشلل، وبشكل غير متوقع سادت العالم الكثير من الهلوسات والتفسيرات الشيطانية حول سبب فيروس كورونا المستجد، حتى في قلب قائدة العالم حيث تحدث الناس عن كون مصدر « كوفيد 19 » هو هجوم مخلوقات فضائية زرعت الفيروس الجرثومي في الأرض.. وأضحى الهم الأساسي لنا اليوم هو الحفاظ على البقاء واستمرار الوجود.

إن توقف الدورة الاقتصادية وشلل الإنتاج وحظر التنقل والتجوال ومرض التسوق الجهنمي، جعلنا نخشى من الموت الحقيقي للأغراض والسلع والخدمات التي ظلت متراكمة على مرمى حجر منا، ونحن الذين كنا شهودا على صنعها ورعاية مسار حياتها وموتها في آن، أو نخشى أن تبقى بعدنا فيما ننقرض نحن، وهو ما أعادنا إلى دائرة الخطيئة الأولى، فيما يشبه ثورة العالم علينا وعودة الشر إليه، كما الشيطان في المحكيات القروسطية يقربنا من القيامة الآن ويؤثث جنازة العالم بشكل جماعي بلا طقوس ولا شعائر تليق بنا.

لذلك هرع الناس إلى الأسواق، وجففوها من كل المعروضات التي كانوا حتى أمس يصنعونها ويرسمون مسار حياتها وفنائها، وهم الذين تآلفوا مع هلوسات حكاياتها في الإعلانات الكاسحة التي هزمت كل مقاومة وحطمت أي مناعة لقدرة الإنسان على مقاومة الرغبات الجامحة، وتساوت مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية في هذا الافتراس الوحشي الذي أعادنا إلى بدائيتنا الأولى.. اكتناز المؤن لدوائر الزمن الغادر، وعلينا أن نفهم اقتناء المستهلكين المذعورين من الجحيم لأكوام ورق التواليت، بلاوعي الإنسان الحديث للتطهر من كل الجرائم والآثام التي اقترفها في حق نفسه واتجاه محيطه، فيما يشبه محاولة منه للتخلص من الجلد المسحور الذي يطبق على الهيكل العظمي الذي هو صورة الموت كما يروي بلزاك في روايته الشهيرة « الجلد الحزين ».

كيف انتقل العالم من قيم التبذير وارمه بعد الاستعمال، وذاك الاستعراض السحري الذي كانت تمارسه علينا المنتوجات والسلع بوفرة غير مسبوقة في تاريخ الجنس البشري، إلى عالم الندرة والخوف من الجوع والموت بالفيروس القاتل، وحتى ما توفر من مال لدى من لم يمسس الوباء أجرتهم أو مداخيلهم الشهرية بسوء، بحكم إغلاق جل محلات الاستهلاك الرفاهي: مقاهي، حانات ومطاعم وفنادق، والمحلات التجارية الكبرى موطن التبضع الزائد عن الحاجة، جعلت هذا الكرم الحاتمي لعالم الوفرة بلا معنى، وغدت حتى الأوراق النقدية ذاتها مصدر رعب حقيقي لانتقال عدوى الفيروس القاتل، أضحت مثل وسخ الدنيا في استعادة لمحكيات آبائنا.

الانتقال من حضارة الخارج إلى حضارة الداخل

أصيبت النرجسيات والفردانية الأنانية بجراح عميقة بسبب فيروس كورونا المستجد، فالحجر الصحي أعاد للفضاء الحميمي- البيت والأسرة- قيمته كمكان للعيش المشترك ودفئه الإنساني وحتى جحيمه لدى البعض أصبح ملاذا لا مفر من التكيف معه وخلق علاقات جديدة به، حيث سنميز منذ اليوم بين المفيد والضروري لبقاء الجنس البشري، والتافه والعابر مع نمط الاستهلاك الافتراسي.. استعادة الحميميات، الوعي بالمصير المشترك، وقفة تأمل مع الذات والوعي بإنتاج شروط جديدة للعيش، لقد دمر فيروس كورونا كل نظام التفاهة وسعار الاستهلاك الذي كنا نعيش أسيرين بين قضبانه باختيار أو وفق منطق الضرورة معتقدين أنه ملاذنا الأكبر للحرية واللذة.. وهو ما يمكن أن يعيد العالم المقلوب على قدميه لنرى له هيئة معقولة كما فعل ماركس مع جدل هيغل.

لقد بتنا نلعب لعبة القط والفأر مع فيروس كورونا بالأمس كنا نتسيد لوحدنا في الخارج، نطوع الطبيعة، نؤله الإنسان، وأصبحت الشوارع والمقاهي والحانات والمطاعم هي جوهر حضارتنا، حضارة الخارج وأمسى الداخل الإنساني أجوف مثل نفق مظلم، والوعي والهوية، الأسرة والتفكير في روح شرطنا الإنساني مغيبا، وها قد انقلبت الآية حيث أضحى الخارج محرما علينا، لأنه مصدر تهديد قاتل لوجودنا، يتسيد فيه فيروس كورونا والشرطة والموت، ها قد تعطل الجسد من الحركة والإنتاج واستهلاك السلع، ولم يعد لنا سوى جوهرنا الإنساني كمخلص من هذا الهباء الجائحي الذي ضرب المعمور.


اخبار كرونا من المختبرات و من خلف الكواليس - د . لؤي ديب

اخبار كرونا من المختبرات و من خلف الكواليس و من تحت المجاهر 
د.لؤي ديب

ربما يتسائل البعض لماذا هذا الاهتمام الزائد بفيروس كرونا وعكسه علي السياسة والاقتصاد اجابة هذا السؤال بسيطه وهي ان العالم الجديد يتشكل وفقاً لتفاعلات تقدم وتراجع كرونا.
ومن معرفة أين يذهب العالم ، علينا ان نعرف اين يذهب كرونا وما هي المعوقات التي يزرعها في طريق الدواء واللقاح وتطوير ذاته .


من اجل ذلك اعتبروها جولة في زوايا الغير مسموح به في اهم المختبرات العالمية حيث ان:
1/ الفيروس يشبه الي حد ما الربوت الالي الذي لا يمكنه التكاثر، لذا هو يحتاج لخلايا حية لصنع مواده من البروتينات والدهون والنيوكليوتيدات لبناء نسخ من نفسه.
2/ يسمح غلاف الفيروس بالتعلق بغشاء خلية مستهدفة، ثم يندمج الفيروس مع الخلية وينشر قائمة تعليمات حول كيفية بناء وتجميع فيروسات جديدة. هذه القائمة هي عبارة عن جينوم الفيروس، وهي محفوظه في نيوكليوتيدات حمضه النووي الريبوزي (RNA).
3/ أول مهمة للفيروس عندما يدخل أجسامنا هي غزو الخلايا المستهدفة ونشر حمضه النووي الريبوزي بشكل سريع وسهل. ومن ثم يسيطر على الخلية ويبدأ باستحداث المزيد من الفيروسات قبل أن تكتشفه الخلايا المناعية وتدق ناقوس الخطر. تسمى البروتينات التي لها القدرة على الكشف عن بروتينات الفيروسات بالأجسام المضادة
4/ تقوم الخلايا المصابة بالفيروس بتدمير نفسها حتى ترسل إشارة استغاثة للخلايا التائية، التي تكتشف الأمر وتبدأ بقتل الخلايا بسرعة.
5/ الخلايا التائية هي خلايا سامة، وهي خلايا ذات مهارات قتالية عالية يمكنها التعرف على شظايا الببتيد للفيروسات الموجود على سطح الخلايا المصابة.
6/ بمجرد معرفة ذلك، تطلق حمولة من الإنزيمات السامة التي تقتل الخلية المصابة. هذه العملية يتم تنظيمها من قبل الجهاز المناعي لحرمان الفيروس من مصانع التكاثر الخاصة به.
7/ يستغرق الأمر تقريباً عدة أيام لمحاربة الفيروس وتوليد أجسام مضادة.
8/ المفروض في حاله كل الفيروسات إذا ما واجهنا نفس الفيروس مرة أخرى، فإن خلايا الذاكرة المناعية يمكنها أن تتفاعل فوراً مع الدفاعات الموجودة مسبقاً وتقضي على الفيروس دون أن يؤثر علينا.
لكن في حالة فيروس كورونا المستحدث :
9/ فقد اتت كل النتائج لتعطينا صورة مخيفة حيث حتي الان ليس لدي اي من البشر ذاكرة مناعة وقائية وبالتالي يصيب الفايروس حامليه السابقين مرة اخرى.
10/ اللقاحات التي يتم تحضيرها تواجه مشكلتين مع الفايروس حيث يتركز الجهد حاليا علي استخدام اجزاء غير ضارة من الفايروس لبناء ذاكرة قوية في الجهاز المناعي للتعامل مع الفايروس اذا هاجم مجدداً .
11/ ايضا فيروس كرونا 19 خبير في التنقل من شخص لآخر، حتى أنه في بعض الأشخاص يمكن أن يكون متخفياً مع أعراض خفيفة أو معدومة، لكن بمجرد استنساخ نفسه، فإنه يحتاج إلى الانتقال لمضيف آخر.
12/ حتي الان ثبت بالدليل ان الفايروس يتنقل عبر رذاذ العطاس أو السعال لمسافة يمكن أن تصل إلى مترين، هذا الرذاذ يمكن أن يعيش على الأسطح لعدة ساعات أو يمكن استنشاقه بشكل مباشر وهناك تحقيق في 118 حالة جماعية تحمل ادلة علي انتقاله بالهواء مثل حادثة حاملة الطائرات الفرنسية والتي كلنت في اعالي البحار قبل انتشار الفايروس ولم تتلقي اي طرد ولم يزرها او يغادرها احد ورغم ذلك انتشر بها الفايروس .
13/ بشكل عام اثبت جهاز المناعة البشري قدرته علي الفايروس في بداية انتشاره ، وعاني جهاز المناعة المسن أو الضعيف من صعوبة نشر ترسانة وقائية في وجه الفايروس بداية انتشاره.
14/ حتي اسبوعين مضت كان الجهاز المناعي البشري يحتا حوالي اسبوعين من اجل التغلب على الفايروس ، وقد ثبت في اغلب الحالات ان :
- الأجسام المضادة في جسم الإنسان احتاجت من ثلاث ايام الي اربعة من اجل الظهور بعد اختراق الفايروس لجسم الانسان .
- منذ ظهور سارس وميرس اجمعت المختبرات علي ان هذه السلاله تصيب الذاكرة المناعية حيث كانت الذاكرة المناعية داخل اجسامنا للفيروسين المذكورين من سنه الي ثلاث اما كوفيد 19 فاننا نمتلك امامه ذاكرة صفرية .
الاخطر في كوفيد 19
——————————
1/ اضافة لما سبق ومشكلة الذاكرة المناعية فان Covid-19 يمكن أن يهاجم جهاز المناعة البشري، ويسبب أضرارا مماثلة لتلك الموجودة في مرضى فيروس نقص المناعة البشرية الايدز .
2/ الخلايا الليمفاوية التائية، والمعروفة بالخلايا التائية، تؤدي دورا محوريا في التعرف على الغزاة الأجانب في الجسم والقضاء عليهم .
3/ تقوم تلك الخلايا بذلك عن طريق التقاط خلية مصابة بفيروس، وحفر حفرة في غشائها وحقن المواد الكيميائية السامة في الخلية، ثم تقتل هذه المواد الكيميائية كلا من الفيروس والخلية المصابة وتمزقها إلى قطع.
4/ المفاجأة مع كرونا 19 في تجربة مخبرية كانت تجري بالتوازي في الثين وامريكا اعطت نتائج متطابقة بأن الخلية التائية أصبحت فريسة لفيروس كورونا حيث صُدم العلماء بنية فريدة من نوعها في بروتين ارتفاع الفيروس، الذي بدا أنه أدى إلى اندماج الغلاف الفيروسي وغشاء الخلية عندما لامسهما، ثم دخلت جينات الفيروس إلى الخلية التائية وأخذت المضيف، مما أدى إلى تعطيل وظيفتها في حماية البشر.
5/ باعادة التجربة نفسها مع متلازمة الجهاز التنفسي الحادة أو سارس، وهو فيروس تاجي آخر، ووجدوا أن فيروس سارس ليس لديه القدرة على إصابة الخلايا التائية ، اذا كوفيد 19 طور الخاصية.
6/ هذا الاكتشاف أضاف دليلا آخر إلى القلق المتزايد في الأوساط الطبية، من أن الفيروس التاجي يمكن أن يتصرف في بعض الأحيان مثل بعض الفيروسات الأكثر شهرة التي تهاجم جهاز المناعة بشكل مباشر.
7/ ايضا اصبح ثابتا وغير محل جدال ان عدد الخلايا التائية ينخفض بشكل كبير في مرضى Covid-19، خاصة عندما يكونون كبارا أو يعانون من امراض مزمنه مع العلم انه كلما انخفض تعداد الخلايا التائية، زاد خطر الوفاة.
8/ نتائج تشريح جثث بعض موتي كرونا افضت الي نتيجة واحدة كلها انه تم تدمير أنظمتهم المناعية بالكامل تقريبا .
9/ هناك اختلاف رئيسي واحد بين Sars-CoV-2 وفيروس نقص المناعة البشرية، حيث :
- يمكن لفيروس نقص المناعة البشرية أن يتكاثر في الخلايا التائية وتحويلها إلى مصانع لإنتاج المزيد من النسخ لإصابة الخلايا الأخرى.
- لم يسجل كرونا اي نمو للفيروس بعد دخول الخلايا التائية، مما يشير إلى أن الفيروس والخلايا التائية قد ينتهي بهما المصير إلى الموت.
كانت تلك اخر اخبار كرونا من المختبرات ومن خلف الكواليس ومن تحت المجاهر
د. لؤي ديب

السبت، 7 مارس 2020

كورونا، بين المكافحة والعادات والتقاليد - د. رياض عبدالكريم عواد

  كورونا، بين المكافحة و العادات والتقاليد

د. رياض عبدالكريم عواد
تمثل مقاومة وباء فيروس كورونا الجديد تحديا حقيقيا للعقلية العشوائية العربية التي تمتاز بالتواكل وعدم الايمان بالممارسة الواعية، وصعوبة التغلب على العادات الموروثة السائدة، إضافة إلى الاستهتار وضعف الالتزام وحب المناكفة والشك في قرار السلطات والحكومات، وصولا الى تبني نظرية المؤامرة، هذا ناهيك عن ضعف الامكانيات، بل فقرها على الصعيد العام والخاص، مقارنة بمتطلبات واحتياجات هذه المقاومة.

نظرية المؤامرة، يواجهنا بها بعض الثوريين من قدامى اليسار والمتدينين الجدد الذي يرددون ان هذا الفيروس مفتعل ومصنع في مختبرات المخابرات الأمريكية أو حتى في مختبرات الصين، كما يدعي بعضهم، في إطار الحرب التجارية بين البلدين، ويدللون على ذلك بانتشار الوباء في الدول المعادية لأمريكيا، مثل إيران التي ترفع نظرية الشيطان الاكبر، وإيطاليا التي تعارض سياسات أمريكيا في أوروبا. كما يتساءل عدد من هؤلاء عن سبب هذا التضخيم الإعلامي حول خطورة الفيروس رغم أنه لم يسبب وفيات مثلما سبب فيروس ايبولا أو حتى فيروس الانفلونزا الموسمية العادي، طبعا غير قادر كثير من هؤلاء أن يعي خطورة أن هذا الفيروس سريع الانتشار، غير قاتل وأنه ينتقل عن طريق الرذاذ.
تتدخل السياسة هنا ايضا، لتعارض القوى السياسية إجراءات الحكومات وتصفها اما بالمبالغة أو حتى بالكذب لتغطى هذه الحكومات، كما تدعي المعارضة والمعارضون، من خلال إجراءاتها على أهدافها الحقيقية وضعفها وملاحقة النشطاء السياسيين؟! عقلية تأمرية بامتياز، لا يرون في الشعوب الا أدوات؟! من هنا حاول هؤلاء تسييس قرار الرئيس ابو مازن، الصحيح والمبرر صحيا ووطنيا، بإعلان حالة الطوارئ في الأراضي المحتلة وحاولوا من خلال رفض هذا القرار تجزئة انتماء هذه الأراضي؟!
منذ بداية انتشار الوباء في إقليم ووهان في الصين والعديد من النشطاء والمثقفين والمختصين ينشرون حول مختلف نواحي هذا الفيروس وطرق انتقاله وخصائصه واختلافه عن الفيروسات الأخرى في امرين هامين:
الأولى، انه فيروس سريع الانتشار غير قاتل، معدل الوفيات بين الأصحاء 1.4%، واجمالي معدل الوفاة من المرض أقل من 4%. ان خاصية سرعة الانتشار لهذا الفيروس مع خاصية الانتقال عن طريق الرذاذ، وليس عن طريق التنفس فقط، وهي الخاصية الثانية، جعل وسائل انتقال هذا الفيروس وانتشاره بين الناس متعددة من خلال لمس أي من الأدوات أو الأجهزة أو الملابس أو حتى الأشياء التي تلوثت، دون أن نشعر، من الرذاذ الذي خرج من أحد المرضى أو المصابين في فترة الحضانة، التي قد تطول إلى أكثر من 14 يوما، خاصة إذا عرفنا أن لهذا الفيروس المقدرة على الحياة على الأشياء في جو الحرارة العادي من 5 إلى 9 ايام، فترة طويلة وحضانة طويلة هما اللتان تجعلان من سرعة انتشار هذا الفيروس الخطر الحقيقي التي تواجه طرق مكافحته.
مكافحة الفيروس لا تعتمد على القرارات والإجراءات التي تتخذها الحكومات والسلطات الصحية، رغم أهميتها القصوى، ولكن ترتكز في الأساس على مدى التزام المجتمع، افرادا ومؤسيات، بكسر سلسلة انتشار هذا الفيروس بين الناس من خلال النظافة العامة وغسل اليدين، تكرارا لمدة 20 ثانية بالصابون والمواد المعقمة، وتقليل الاختلاط في أماكن التجمعات العامة ما أمكن، مع الشفافية في نشر المعلومات والبيانات.
وهنا تصدم مكافحة الفيروس مع عاداتنا، فمن يقنع والدي، الذي يبلغ من العمر 87 سنة، أو حتى يقدر على مناقشته في أهمية عدم الذهاب إلى صلاة الجمعة التي ينتظرها من الاسبوع إلى الاسبوع، رغم ما يعانيه من مشاكل صحية. وكيف نحرم أنفسنا من الذهاب إلى المساجد في اليوم خمس مرات، وهي سلوانا الوحيدة، وكيف نقنع هذا الواعظ ونحرمه من الوقوف فوق المنبر امام عبادالله ليخطب فيهم أو يؤمهم في صلاة الجماعة، الأمر ليس بالسهل ولا الهين. ان مجرد طرح فكرة إغلاق المساجد تجد رفضا نفسيا ممن يطرحها.
لذلك والى حين أن نصل إلى قرار، فإنه من الضروري تقصير وقت الخطبة ومدة الصلوات الجماعية والتخفيف من السجود ورفع السجاد والموكيت من المساجد وفتح الشبابيك بصفة مستمرة وغسل الأرض وتطهيرها يوميا، ونصح كبار السن والأطفال والمرضى بعدم القدوم إلى المساجد، ليس فقط خوفا عليهم، ولكن خوفا منهم على نقل العدوى للبيئة والمجتمع، لانهم الفئات الأكثر عرضة للمرض.
لا تقتصر عاداتنا على الصلوات في المساجد بل تمتد إلى الاعراس والمأتم والدواوين، واستقبال الزوار في المناسبات وغير المناسبات، وفناجين القهوة التي تنتقل من شخص إلى آخر، والارجلية تنتقل من فم إلى فم، لا نستطيع أن نواصل تعداد الكثير من عاداتنا وممارساتنا التي بحاجة الى تغيير سريع تماشيا مع حملة مكافحة وباء الكورونا.
أن مكافحة هذا الوباء هي مهمة مجتمعية عامة تشارك فيها الحكومة بمؤسساتها المتخصصة والمجتمع المدني والمجتمع ككل، افرادا وعائلات، هؤلاء من يعول عليهم، ومن غير التزامهم لا يمكن كسر حلقة نشر الوباء في المجتمع.
ان مشاركة الأفراد الفاعلة في مكافحة الفيروس لا يمكن الاعتماد عليها دون مراقبة حثيثة، فمن يضمن ذلك العائد من العمرة أو من أحد البلاد التي تعاني من هذا الوباء من تقبيل أولاده وأهل بيته، بعد طول انقطاع واشتياق، وهل سيقبل هذا الضيف العزيز أو ذويه الا تقام له الاستقبالات والتهنئة والتقبيل بسلامة العودة والدعاء بقبول العمرة، ستجد من يقول لك خليها على الله..... لا يمكن في مثل بلادنا أن تنجح إجراءات الحجر الصحي في المنازل، أن عاداتنا وتقاليدنا عائق حقيقي أمام هذه المهمة الخطرة.
اننا لا نعرف حجم الامكانيات المادية التي سخرتها الصين في إقليم ووهان، الذي يبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمه، يقول البعض أنها خصصت 140 مليار الحقتها ب 28 مليار دولار اخرى، لتنجح حتى اللحظة في الحد من نسبة انتشار الوباء وزيادة معدلات الشفاء. لقد سخرت الصين 45 مستشفى، 39 مستشفى منهم للعناية المكثفة بمرضى الكورونا، ووفرت كل الامكانيات وأجرت العديد من المناورات الطبية، واستخدمت كل وسائل التقنية الحديثة، وشارك الشعب بمختلف قطاعاته وفئاته في عزف سمفونية مشتركة، بالتزام حديدي واعي، نتج عنه سرعة تحقيق النجاحات على طريق الوصول إلى احتواء هذا الوباء. كما وافق الكونجرس الأمريكي على دعم القطاع الصحي ب 8.3 مليار دولار لمكافحة وباء الكورونا، هذه الامكانيات والإجراءات لا تمتلكها الشعوب الضعيفة ولا تستطيع الالتزام بها الشعوب العشوائية.
ان تحول إيران وإيطاليا إلى بؤرتين خطيرتين لانتشار وتفشي هذا المرض، وتسجيل معدلات وفيات مرتفعة مقارنة بالصين، وضعف وفقر إمكانياتنا على الصعيد العام والشخصي، إضافة إلى عاداتنا وموروثنا وعقليتنا البالية، كل هذه وغيرها تدق ناقوس الخطر أمام كل الشعوب والدول النامية لترفع شعار "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، خاصة وأنها قد لا تمتلك هذا القنطار.

الأحد، 2 فبراير 2020

خطاب الرئيس وسياسة إنعدام اليقين - د.لؤي ديب

خطاب الرئيس وسياسة إنعدام اليقين 

د.لؤي ديب

 قد نختلف كثيراً مع سياسات الرئيس الفلسطيني علي الصعيد الداخلي الفلسطيني ، لكني لن أختلف معه نهائياً في سياسته الخارجية سابقاً وحالياً .
منذ خطاب الرئيس امام اجتماع وزراء الخارجية العرب ، انطلقت كالعادة حملات التأييد والتهميز علي الخطاب ، لكن دعونا نقرأ سياسة السيد الرئيس بشكل مختلف ونضعه بميزان المنطق .
علينا قبل الولوج للخطاب أن ندرك في أعماقنا أن العالم من حولنا يعيش حروباً مستعرة لكن ! الكثير من الفلسطنيين لا يشعرون بها لانهم تعودوا علي حروب القصف والقتل والتي أضحت الحلقة الأقصر في حروب نهايات الجيل الرابع ودخول الجيل الخامس.
فاليوم فيروس صغير يستنزف الصين ويجعلها غير قادرة علي الوفاء بالتزاماتها الدولية ، بل ويدفعها لتقديم تنازل في المفاوضات حول الاتفاقية التجارية لتعطي حق الانسحاب وعدم الشراء في ظل الكوارث الطبيعية وامريكا لديها كل يومين اعصار ، ونتائج الحرب العالمية تتغير فالمانيا منزوعة السلاح تتسلح والبوارج الحربية لليابان أصبحت قوة في مياه الخليج واقصي الشرق الاسيوي وهناك صراع علي من يقود العالم وتحالفات من اجل اصلاح او تقويض منظومة الامم المتحدة بالكامل لصالح الاقوياء ، وهناك خارطة ترامبية لاعادة رسم حدود العالم الاقتصادية ،
هذا العالم الجديد بكل ما ترونه مطحون في حرب اقتصادية وهجمات سايبر والمنطقة العربية ككل ، كأنها محتلة بشظايا هذه الحرب .
عالم يريدون له علي أن يقوم علي خدمة مصالح الأقوياء ، وما محاولة ترامب وفريقه من صفقة القرن الا لاعطاء اسرائيل مقعد علي طاولة الكبار .
وربما هناك تساؤل يفرض نفسه علي كل فلسطيني ، ما الذي دولة مثل امريكا عمرها 242 سنه ، تنتزع القدس الضاربة في التاريخ لأكثر من 6000 سنه ، ويهديها لكيان اسرائيلي عمره بضع و 70 سنه ؟
ما الذي يجعله يتجرأ ان يعرض علينا تعويض ب 50 نصفه قروض وفوائد والنصف الاخر للجيران وهو يعلم انه اقل مما حصلت عليه طليقة مؤسس موقع امازون في طلاقها الذي حصلت فيه علي 66 مليار ؟
ترامب صحيح وكما ذكر الرئيس لا يعلم شيء عن الخطة ولكن كيف ؟
في الادارة الامريكية هناك انشغال كبير لرسم خارطة جديدة للعالم تتكون من الدول المنتصرة والمهزومة ، وترامب حكم علينا بالهزيمة وطلب من فريقه اعداد اتفاق الاستسلام علي طريقة العالم الجديد دون ان يزعج نفسه .
لذلك ليس الرئيس وحده من يدرك ، بل دول كثيرة في العالم وثقيلة بأن الشعب الفلسطيني برفض صفقة القرن يضيع فرصة واحدة وهي ( الاستسلام للصهاينه)
هو يدرك بأن هناك قوي عالمية وقوي في امريكا لن تسمح بولادة النموذج المسخ للدولة العنصرية والاستعمارية ليتكرر في اجزاء اخرى من العالم.
عالم جديد يتنكر للتاريخ ويكون فيه السرقه الاسرائلية بحث عن السلام ومقاومة ذلك ارهاب .
هو يدرك ان الشعب الفلسطيني لن يفوت كل فرصة لمقاومة اعطاء قاهريهم الحق في قهرهم ، وايضا ان اسرائيل لن تفوت فرصة واحدة لفرض الاذعان علي الشعب الفلسطيني .
هو يدرك وضع العرب وقوة العرب ومخاطر الاشتباك مع العرب ولكن الاهم هو يعرف كيف يُرجع العرب في ظل تعاكس تحالفات العرب .
باختصار وبقراءة مختلفة انا اري خطاب الرئيس بالامس كالتالي :
1/ إشارة واضحة لحل السلطة من مسؤلياتها عن المناطق التي تسيطر او تنوي اسرائيل السيطرة عليها ووضعها تحت سلطة منظمة التحرير .
2/ كل ارض محتلة لها شرعية المواجهة مع اسرائيل ،
3/ ما وضعه ابو مازن علي طاولة اجتماع وزراء الخارجية العرب لم يكن خطاب عابر كالعادة ، ولم يكن تهديد وقرارات لم تنفذ كما السابق ، بل وضع قنبله زمنية بتوقيت انفجار سيتزامن مع حملة تعبئة دولية تهيء لولادة وضع جديد في فلسطين .
4/ هو حرر الجسم الرسمي الفلسطيني من ضغوط السياسة والمال ، وقال اتمسك بادني الادني لكنه في الوقت نفسه قال للميدان في فلسطين افعلوا ما ترونه مناسبا .
5/ هو اخذ العبر من انتفاضة الاقصي وما تلاها ويحاول اللعب باسلوب نضالي مختلف .
6/ مخطيء من يستهين في جدية وقف التنسيق الامني ومخاطره علي اسرائيل بل والعالم اجمع ، ورسالته المختصرة التي وصلت لاسرائيل لا معلومات منا بعد اليوم ، لن نحميكم ، نحن لا نري ولا نسمع ولا نتكلم .
7/ هو زرع انعدام اليقين لدي اسرائيل ، ولديه خطة لا يجب ان يعلنها في خطابه وربما يعكس مفرداتها ، ولكن اليقين الذي سينعدم في كل بيت اسرائيلي ، سيدخل كل بيت فلسطيني سيكون بعد الاعلان عن نتائج جلسة القوي الفلسطينية في غزة ، والتي سوف تتوج بزيارة الرئيس والقاءه الخطاب الوطني الفلسطيني في حضور الشعب الفلسطيني .
8/ الخطاب بالأمس فهمه العالم بطريقة غير سطحية ، لقد كان اخطار استراتيجي للفوضي .
9/ انها مقدمه لانتفاضة شعبية ذكية في الوسائل والادوات وكل شيء وسيناقش ذلك الكل الفلسطيني وليس الكل العربي.
10/ وعلينا كشعب فلسطيني ان نفرق بين الخطاب الموجه للداخل والخارج فتلك هي السياسة.
11/ لمح ان اجهزة الامن الامريكية حضرت وطلبت التريث الي حين سقوط ترامب ورحيله في الانتخابات ويعلم ايضا ان هذا هو مطلب اجهزة الامن الاسرائلية .
12/ جعل من ورقة الانقسام التي كانت طعنة في ظهر الشعب ورقة رابحة ورهان خاسر لمن اعدوا الصفقة .
13/ نجح في انتزاع البيان من الاجتماع رغم ادراكه لحقيقة الامور عربيا وخوف الجميع ، الا انه نجح في انتزاع القرار كاول وثيقة اقليمية في وجه قرار ترامب ، سيلي ذلك قرار من الاتحاد الافريقي ، وقرار اخر من مجموعة عدم الانحياز ، ثم سيذهب لمجلس الامن ليجعله فاشلا في القيام بدوره ، ليعود للجمعية العامة وغيرها ليحارب اخطر ما في الصفقة وهو ان تصبح مرجعية معترف بها للصراع .
14/ وسيكمل صفعته في امريكا عندما يستقبل كل زعيم معارض لترامب ويجعل الصفقة نقمته في اللانتخابات .
ماذا تريدون منه ردة فعل غير محسوبه ، ودماء تسيل في الشوارع ، لا العالم تغير ونحتاج لدهاء ، اسرائيل بنتنياهو وغانتس توحدوا خلف الصفقة وهاجموه بعد ان القي بقنبله يهودية الدولة والاعراق بداخلها وانظروا للسجال في المجتمع الاسرائيلي من بعد الخطاب ، فعلي الاقل المطلوب من كل عاقل الان هو التوحد خلف موقف واحد وانتظار انتهاء اجتماع القوي واتفاقها علي ما لا يجوز اعلانه الان في خطة المواجهة التي ستُعرض وسيكون لكل مكون فلسطيني دور فيها .
فاسرائيل تعيش الان عدم اليقين وانتم ستعانقوه قريبا ، وكل ما اقوله للجميع والجميع بلا استثناء انتظروا .. ثم ناقشوا.. ثم اتفقوا وقريبا وليس ببعيد سيفاجئنا ما اجتمع عليه لم الشمل .
د. لؤي ديب

الثلاثاء، 28 يناير 2020

مبادرة ترامب والموقف الفلسطيني - د. رياض عبدالكريم عواد

مبادرة ترامب والموقف الفلسطيني
د. رياض عبدالكريم عواد

قررت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 إصدار قرار التقسيم بعد التصويت (33 مع، 13 ضد، 10 ممتنع)، والذي يتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، دولة عربية على 42.3% من فلسطين، ودولة يهودية على 57.7% من فلسطين، والقدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.


رفض الجانب العربي والفلسطيني هذا القرار، ما عدا عصبة التحرر الفلسطيني، ولم يجرؤ الحزب العربي الفلسطيني بقيادة النشاشيبي أو أي من السياسيين الإعلان عن وجهة نظرهم الحقيقية بقبول هذا القرار، التي كانوا يعلنوها في المجالس الخاصة، خوفا من التخوين والبطش والتكفير.

تلقف الاتجاه الرئيسي للحركة الصهيونية والوكالة اليهودية هذا القرار وأعلنوا قبولهم لهم، رغم الرفض الشديدة التي ابدتها المعارضة لهذا القرار حيث أعلن مناحيم بيغن، الذي كان في ذلك الحين أحد زعماء المعارضة في الحركة الصهيونية، في 30 نوفمبر 1947، عن بطلان شرعية التقسيم، وأن كل أرض الميعاد والتي تشمل كامل فلسطين الإنتدابية (بما في ذلك شرق الأردن) ملك لليهود وستبقى كذلك إلى الأبد.

كما ان بن غوريون في يونيو 1938، في كلام أمام قيادة الوكالة اليهودية، بشأن اقتراح آخر لتقسيم فلسطين، كان قد أعلن عن نيّته في إزالة التقسيم العربي-اليهودي والاستيلاء على كلّ فلسطين بعد أن تقوى شوكة اليهود بتأسيس وطن لهم.

كما حذر بن غريون من اعتبار القبول بقرار التقسيم تنازلا، لان الصهيونية العميقة هي التي تقدر على التطبيق المتدرج للاهداف والايدلوجيا والتي لا يمكن تحقيقها دفعة واحدة، وخصوصا تحويل فلسطين إلى دولة يهودية، حيث تجبرنا الظروف القائمة على تبني المرحلية في التطبيق. كما سجل بن غوريون في يومياته عشية تأسيس دولة اسرائيل في 14 مايو 1948 "لنأخذ اعلان الاستقلال الامريكي مثالا.... انه لا يحتوي على ذكر للحدود الجغرافية، ونحن لسنا مجبرين على الاعلان عن حدود دولتنا"

وفي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بقبول عضوية إسرائيل، والصادر في 11 مايو 1949 اشترط على اسرائيل بأنها "تتعهد بتطبيق قرارا الجمعية الصادر 29 نوفمبر 1947 (قرار تقسيم فلسطين) و 11 ديسمبر 1948 (قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين) وهذا ما لم يحدث لحد الآن".

من هذا السرد يلاحظ أن قادة الاتجاه الرئيسي في الحركة االصهيونية قد تعاملوا مع القرارات الدولية بمرونة شديدة، خلافا لقناعاتهم الايدلوجية على قاعدة التطبيق التدريجي للأهداف، والتمسك بالهدف الرئيسي وهو إقامة دولة لليهود، ولم يثنيهم عن ذلك موقف المعارضة الذي كان يرفض هذه القرارات ويخون من يقبلها؟!

تأتي مبادرة ترامب، التي يطرح فيها ما يسمى فلسطين الجديدة، في ظل تعرض الفلسطينين وقيادتهم الممثلة ب م ت ف والسلطة الوطنية للحظة سياسية حرجة في ظل ظروف دولية وإقليمية وعربية في غاية السوء، وفي ظل سلخ غزة عن السلطة الوطنية والتهديد بأنه سيكون هو الحل المستقبلي للقضية الفلسطينية.

غني عن الذكر أن هذه المبادرة لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، كما أنه من المعروف أن الموقف الفلسطيني العام من هذه المبادرة هو نفس الموقف الذي اتخذه الفلسطينيون تاريخيا من جميع المبادرات التي عرضت عليهم، بدءا من الكتاب الأبيض مرورا بقرار التقسيم وليس انتهاء بكامب ديفيد الثانية.

أن الرفض الفلسطيني لهذه المبادرة سيواجه موقف دولي، وقد يكون عربي أيضا، ضاغطا على القيادة الفلسطينية من خلال وقف الدعم المالي والسياسي العربي والأوروبي لهذه السلطة، وكذلك وقف المقاصة الاسرائيلية بهدف تجفيف المنابع الرئيسية لموازنة السلطة والدفع باتجاه انهيارها، خاصة في ظل التحريض المتواصل التي تقوم به أحزاب الإسلام السياسي، مستغلة كل القضايا السياسية والاجتماعية والمطلبية المطروحة، إضافة إلى رفع سقف المطالب الاقتصادية لبعض الفئات المهنية.

ان انهيار السلطة سيؤدي حتما إلى نشر الفوضى، خاصة في الضفة الغربية، والى مزيد من تغول واعتداءات المستوطنين، إضافة إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والحياتي الذي قد ينتج عنه موجات من الهجرة إلى الخارج، ويفتح الباب على مصراعيه لعودة ما يسمى بالخيار الاردني.

أن الهجرة من الوطن وانهيار السلطة الوطنية ستكون هي اهم خسارة استراتيجية تنتظرنا في حال رفض هذه المبادرة.

كما أن انهيار السلطة الوطنية سيشجع حكام غزة على تقديم نفسهم كبديل جاهز لهذه السلطة والقيادة، يوافق على مشروع دولة غزة، حتى دون ضرورة الإعلان الصريح عن ذلك. وهذه هي الخسارة الاستراتيجية الثانية، وهو انتصار البديل الإسلامي وما يمثله من خطورة على الأهداف الوطنية في معركة التمثيل للشعب الفلسطيني.

السؤال، هل نستطيع التعامل مع هذه المبادرة كما تعامل الصها ينة مع قرار التقسيم، قبلوا القرار وبنوا على ما هو إيجابي فيه ولمصلحتهم، وعرقلوا غير ذلك، هذا طبعا ليس بالسهل ولا نملك ما يملكه الصها ينة آنذاك من قوة دفع؟!

أن الرفض الشعبي وتحريض الحركات والأحزاب والنشطاء والمثقفين ضد صفقة القرن وما يسمى دولة فلسطين الجديدة واسع وقوي، ولا يتيح لأي قيادة سياسية أن تفكر وتقرر بهدوء، بعيدا عن الابتزاز والتهديد. بالرغم من كل ذلك فإننا على ثقة بأن القيادة الفلسطينية وعلى ضوء الخبرة التاريخية التي تمتلكها، ومعرفتها الأكيدة بحجم الضغوطات التي تملى عليها، والعواقب الوخيمة التي تنتظر الشعب الفلسطيني، ومعرفتها أيضا بعدم جدوى ونتائج الرفض التاريخي الذي مارسته القيادات الفلسطينية السابقة، لمعظم أن لم يكن لجميع المبادرات الدولية. أن هذا الوضع وهذه الخبرة ستمكن القيادة الفلسطينية، بقيادة الرئيس ابو مازن وما يمتلكه من خبرة ومقدرة ومصداقية وواقعية، من اتخاذ القرار الصائب والمناسب لمصلحة الشعب وقضيته ومسيرته النضالية، كما أنها لن تلتفت لكل الفزاعات والرفض اللفظي التي تتشدق بها المعارضة الدينية وبقايا اليسار وكثير من مثقفي الانجوز..

الاثنين، 27 يناير 2020

الدرس الفلسطيني الاول .. د. رياض عبدالكريم عواد

الدرس الفلسطيني الاول ..

د. رياض عبدالكريم عواد

هل انتصر الفلسطينيون في مناطق ال 48؟!
سؤال غريب، وللإجابة عليه يجب علينا تعريف معنى الانتصار عمليا. أن استمرار وبقاء هذا العدد من الفلسطينين، ان مجرد بقائهم على الأرض وتكاثرهم العددي وتطورهم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والوطني يبين معنى هذا الانتصار وأهميته.

واحد من أهم الإنجازات التي حققها الشعب الفلسطيني، البقاء على ارضه. ان بقاء 150 الف فلسطيني على أرضهم بعد النكبة والهجرة وصمودهم انجاز وطني ودرس هام للكل الفلسطيني.


أقلية صغيرة مشتتة تعيش تحت ظروف صعبة، مهجرة من قراها، فقدت العديد من الاهل والعائلة وفقدت كل ما تملك من أسباب الحياة الا إرادتها

خضعت هذه الاقلية إلى ضراوة أنظمة الطوارئ والحكم العسكري. كما تم إنشاء سلطات محلّية للبلدات العربيّة مرتبطة بالسلطة المركزيّة، وإثارة النزاعات المحلّية وإذكائها. قمع جميع محاولات بناء مجتمع مدنيّ وأحزاب ومؤسّسات تمثيلية بين السكّان العرب، ابتغاءَ تعزيز التبعيّة - على اختلاف الأصعدة. إفقار السكّان العرب في البلاد وسحب الأموال النقديّة من أياديهم، ابتغاءَ السيطرة عليهم اقتصادياً وتعزيز تبعيّتهم لسوق العمل اليهودي.

قوانين عسكرية صارمة، مجزرة كفر قاسم، المنع من العمل والتضييق عليهم في التعليم ورغم ذلك بقوا فوق أرضهم صامدون.

نشر المخدرات والأسلحة وتشجيع روح الفئوية والمناطقية والعائلية والشجار والمشاكل العائلية، ورغم ذلك بقوا صامدون.

تشجيع الشباب على الخدمة في جيش الاحتلال، وانضمام الاباء للأحزاب الصهيونية والتعاون مع الإدارة ورغم ذلك لم تنطفئ روحهم الوطنية

واصلوا بقائهم وصمودهم واثبتوا وجودهم وزاد عددهم وتحسنت مستوياتهم العلمية والأكاديمية وتحولوا من أقلية لاقيمة لها إلى شعب له حقوقه الاجتماعية والسياسية

غزوا الجامعات والمستشفيات والمؤسسات ينافسون على المناصب والألقاب العلمية والعملية

شكلوا احزابهم الوطنية واصبح صوتهم يصرخ من داخل الكنيست لا يمكن تجاوزهم، انهم الرقم الصعب السهل الممتنع عن الكسر

شكلوا هيئاتهم الوطنية المستقلة، اللجنة القطريّة لرؤساء السلطات المحليّة العربية، ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل

يتأهبون الآن لدخول انتخابات الكنيسة بقيادة القائمة المشتركة وعيونهم ترنوا ل 15 مقعدا فيها،

أقلية قومية لا يمكن تجاوزها أو القفز على حقوقها، وحتى لا نكون مبالغين فإن الدولة لن تستطيع أن تعمل أو أن تستمر دون الاعتراف بدورهم وإعطائهم جميع حقوقهم السياسية والاجتماعية.

هل يتعلم الفلسطينيون في القدس والضفة وغزة هذا الدرس الأول الهام في الوطنية والصمود

أن مجرد وجود شعبنا على أرضه وبقاءه عليها وصموده هو انجاز هام يجب المحافظة علية

نحن أقرب إلى الخمسة مليون مواطن فوق أرضهم،

نمتلك من الامكانيات والمؤسسات والعلم والخبرة والقوة ما يؤهله إلى مواصلة البقاء والصمود.

ان شرط انتصارنا وبقائنا هو أن نتعلم من شعبنا الذي بقي صامدا هناك في البلاد، كيف صمد وكيف انتصر

صمد وانتصر بالصبر والواقعية وعدم الالتفات للثورين ولا لادعياء الدين الذين يطالبونه بالقطيعة مع مؤسسات الدولة وعدم للمشاركة في الانتخابات وحمل السلاح في وجهها

الواقعية تتطلب التمسك بالسلطة الوطنية كاهم انجاز وطني وحاضنة سياسية واجتماعية لمواصلة هذا البقاء

الواقعية تتطلب استمرار النضال الشعبي السلمي ونبذ كل أساليب العنف التي لا نستطيعها ولا تجلب لشعبنا الا القتل والدمار.

الواقعية تتطلب الاستمرار بالبقاء والبناء والتنمية

الواقعية تتطلب الاعتراف اننا كارض وشعب وسلطة تحت الاحتلال. ولن يزحزحنا عن التمسك ببقائنا على ارضنا بناء المستوطنات ولا تزايد عدد المستوطنين ولا ضم الأراضي ولا بناء الجدار، هذه جميعها من أشكال الاحتلال، والاحتلال وكل افرازاته زائل لا محالة

لا يهمنا توقف أو استمرار العملية السلمية، الاعلان عن صفقة القرن أو غيرها من المشاريع او عدم الاعلان

لن تثنينا مؤامرة فصل غزة عن هذا الهدف الاستراتيجي النبيل،

نحن لسنا في عجلة من أمرنا تحت هذه الضغوط وتحت صراخ الادعياء الثوريين والإسلاميين

كل ما يهمنا وما يجب مواصلة التمسك به هو بقائنا على ارضنا والتمسك والثقة والالتفاف حول السلطة الوطنية، رغم ما يعتريها من نواقص، ومواصلة عملية البناء والتنمية.

أن هذا الدرس هو الذي يجيب على سؤال الكثيرين إلى أين نحن ذاهبون. يجب تمثل هذا الدرس بكل ايجابياته وسلبياته، بعيدا عن المبالغة والتقديس، ودون أن نغفل عن حجم التحديات الداخلية والخارجية التي مازالت تواجه هذا المجتمع الفلسطيني والتي ليس أقلها استمرار 50% من المشاركين في الانتخابات في التصويت إلى الأحزاب الصهيونية، بما فيها أحزاب اليمين العلماني والديني، إضافة إلى تفشي الجريمة والسلاح ومشاكل الثأر بين العائلات وغيرها من المشاكل الكثيرة.

هذا هو طريق الانتصار، ان نتعلم الدرس الوطني الأول، كيف نواصل البقاء على الأرض.

هذا هو الصمود الاستراتيجي الذي سينتج عنه انتصار استراتيجي.

الأربعاء، 18 ديسمبر 2019

مشروع فلسطين الجديدة، فرصة للحل أم تهديد للوجود؟! - د. رياض عبدالكريم عواد

مشروع فلسطين الجديدة، فرصة للحل أم تهديد للوجود؟! 
د. رياض عبدالكريم عواد
في نهاية التسعينيات القرن 20 عرضت اليو اس ايد على وزارة الصحة الفلسطينية مشروعها الأول لتطوير النظام الصحي الفلسطيني وكان بالملايين، اجتمعت وزارة الصحة في طرفي الوطن بواسطة الفديو كونفرس خارج الوزارة، لأن الوزارة في غزة لم يكن لديها هذه التقنية، حضر الاجتماع وزير الصحة د. رياض الزعنون ووكيل الوزارة د. منذر الشريف وعدد من كوادر الوزارة من مختلف الدوائر المتخصصة، بوجود عدد من المؤسسات الأهلية التي تعمل في مجال الصحة. تم عرض مكونات المشروع ولعدم جدواة رفضت وزارة الصحة هذا المشروع. فما كان من المؤسسة الأمريكية الا ان أعطت المشروع لأحد المؤسسات الأهلية الفلسطينية التي قبلته ضاربة بعرض الحائط موقف وزارة الصحة ورأيها كقائد ومسؤول اول عن النظام الصحي الفلسطيني.

ما علاقة ما حصل في الصحة في نهاية القرن الماضي مع ما يمكن أن يحدث في السياسة في هذه المرحلة؟!
من الواضح أن السلطة الوطنية و م ت ف والعديد من الكوادر والفصائل الوطنية قد أخذت موقفا مسبقا من صفقة القرن على قاعدة أن هذه الصفقة لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية في الدولة والقدس والعودة والأرض والاستيطان والحدود، وهذا موقف مبدئي ينال اعجاب وتصفيق معظم الفلسطينيين، وهو ما تعود عليه الفلسطينيون طيلة تاريخهم النضالي، أن يرفضوا المشاريع التي تعرض عليهم وتنتقص من حقوقهم الوطنية في كل مرحلة من المراحل. فهل يضمن الفلسطينيون ألا يتقدم طرف فلسطيني اخر ويقبل مثل هذه المبادرات؟! خاصة وأن هناك أصوات واضحة محسوبة على حركة حماس تطالب بوضوح بقيام دولة غزة، بعيدا عن م ت ف والسلطة الفلسطينية وتقدم لذلك الكثير من المبررات.
رفض الفلسطينيون الكتاب الابيض الذي قدمته بريطانيا عشية الحرب العالمية الثانية الذي كان يمثل تغيراً مهماً في السياسة البريطانية تجاه فلسطين. هذا ماورد في كتاب "السياسة الداخلية للحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الانتداب والحركة الصهيونية 1945- 1918” للكاتب د نظام عباسي، كما نشره السيد مروان كنفاني على صفحته على الفيسبوك في 17 سبتمبر 2018. إذ قبلت لندن بمبدأ إنهاء الانتداب وقيام دولة مستقلة في فلسطين ترتبط مع بريطانيا بمعاهدة، مع السماح بهجرة 75 ألف يهودي إلى فلسطين لتعتبر بذلك أنها قد وفّت بوعدها لليهود بوطن قومي. ونظراً لحرص بريطانيا لترتيب أوضاع المنطقة عشية الحرب العالمية الثانية فقد وافقت على مساعي رئيس الوزراء المصرى محمد محمود لإجراء تعديلات لصالح العرب، لكنه فوجئ في اليوم التالي بالصحف اللبنانية تنشر رفض الحاج امين الحسيني لهذه المساعي.
كما رفضت القيادة الفلسطينية ممثلة بالهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني قرار التقسيم رقم 181 في 1947 الذي أعطى الفلسطينيين، الذين كانوا يمثلون 67% من سكان فلسطين، 42.3% من مساحة فلسطين مع تدويل القدس وبيت لحم.
ولم يستطع الفلسطينيون بعد النكبة تشكيل دولة في الأراضي التي بقيت تحت السيطرة العربية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وذهبت محاولات تشكيل حكومة عموم فلسطين إدراج الرياح تحت ضغط الرفض الأردني التي تم منحه في مؤتمر اريحا 1949 الوصاية على الضفة الغربية التي ضُمت إلى إمارة شرق الاردن وأُعلن بعدها عن قيام المملكة الأردنية الهاشمية في 1950.
في عام 1965 دعا بورقيبة خلال زيارته لمدينة اريحا في الضفة الغربية، وكانت في ظل الحكم الاردني، الى قبول قرار التقسيم لفلسطين الصادر عن الامم المتحدة عام 1947 والذي ينص على تقسيم مناطق ال 48 الى دولتين يهودية وعربية، قوبل هذا الخطاب برفض وهجوم عربي على الرئيس بورقيبة. وعقد المجلس الوطني الفلسطيني دور انعقاده الثاني في القاهرة، خلال الفترة من 31 مايو حتى 4 يونيو 1965، بحضور الرئيس جمال عبدالناصر. وأعلن أن تصريحات الحبيب بورقيبة خيانة عظمى لقضية الفلسطينية، وخروج على الاجماع العربي، وافتئات على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وطالب الشقيري بفصل تونس من الجامعة العربية ومجلس الدفاع العربي المشترك. أخذ بورقيبة على العرب تمسكهم بمبدأ "الكل او لاشيء" وطالبهم باستبداله بمبدأ "خذ وطالب" وعليهم أن يقبلوا التقسيم لانهم لو فعلوا لكان حالهم أفضل.
يتواصل الرفض الفلسطيني لكل المشاريع التسووية بدءا من مشروع الملك حسين الذي أقترح تشكيل كونفدرالية مع الضفة الغربية في 1972 وتم رفضه إسرائيليا وعربيا وفلسطينيا، واتهام كل من تعاطى معه من الفلسطينيين، أمثال المرحومين الياس فريج ورشاد الشوا رئيسي بلديتي بيت لحم وغزة وقتئذ، بالخيانة ومحاولة تصفيتهم على أيدي الفصائل الفلسطينية، جرت محاولة اغتيال المرحوم رشاد الشوا في يوليو 1972.
كما رفض الفلسطينيون ما عرض عليهم في معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل بالمشاركة في المفاوضات والحصول على حكم ذاتي في الضفة الغربية وغزة قبل أن يغزوها الاستيطان والمستوطنين؟! حيث تفيد وثيقة أفرجت عنها وزارة الخارجية المصرية بعد 40 سنة عن توقيع اطراف معاهدة كامب ديفيد الثلاثة، الرئيس السادات ومناحم بيغن وجيمي كارتر، على وثيقة عام 1979 تنص على إقامة حكم ذاتي كامل للفلسطينيين في الضفة والقطاع، وعلى البدء بترتيبات "انتقالية لفترة لا تتجاوز خمس سنوات"، تنسحب على اثرها "الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية منها، بمجرد أن يتم انتخاب سلطة حكم ذاتي من قبل السكان في هذه المنطقة عن طريق الانتخاب الحر لتحل محل الحكومة العسكرية الحالية". وأن مفاوضات الوضع النهائي للضفة وغزة ستجرى بحلول نهاية الفترة الانتقالية، وستدور المفاوضات بين مصر وإسرائيل والأردن وممثلي سكان الضفة الغربية وغزة.
وهذا ما رفضه الشهيد ياسر عرفات في كامب ديفيد الثانية حيث فشلت قمة كامب ديفيد للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي عقدت في يوليو عام 2000 لمدة اسبوعين متواصلين بحضور الرئيس عرفات ورئيس وزراء إسرائيل ايهود باراك والرئيس الامريكي بيل كلينتون. رفضت م ت ف المقترحات الأمريكية الاسرائيلية التي تمنح الفلسطينيين دولة منزوعة السلاح والسيادة على 94% من أراضي الضفة الغربية (عدا القدس) وكامل أراضي قطاع غزة. مع السماح لقوات الاحتلال الإسرائيلي بالتواجد في أراضي وأجواء هذه الدولة وبالتالي بقاء الدولة مقطعة الأوصال. اضافة الى إعطاء الفلسطينيين سيطرة على المعابر الحدودية مع الأردن ومصر ضمن إطار استمرار الرقابة الأمنية الإسرائيلية عليها. اشترطت الاتفاقية تقسيم مدينة القدس وضم أغلبها إلى سيادة إسرائيل باستثناء بعض الأراضي و "البقع" تحت السيادة الفلسطينية. وضم المسجد الأقصى (في القدس القديمة في القدس الشرقية) إلى السيادة الإسرائيلية. وفيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، يتم حل هذه القضية بتوطين هؤلاء اللاجئين بالبلاد التي يقيمون فيها مع تعويضهم وإعادة 100 ألف لاجئ، واعتبار ذلك بمثابة موافقة على قرار 194، إضافة إلى السماح للدولة الفلسطينية بإعادة نصف مليون منهم وفق برنامج زمني محدد. بعد نحو شهرين على انتهاء القمة بالفشل، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000 لتؤجج الصراع من جديد.
المتابع لسلسلة المشاريع التي تم تقديمها للفلسطينين تاريخيا يلاحظ ما يلي:
أن هذه المشاريع تنتقص من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وأن هذا الانتقاص يتواصل والمعروض يتاكل باستمرار لدرجة أنه لن يعد يلبي أي حد أدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية في الاستقلال والدولة والعودة والقدس.
أن هذه المشاريع طرحت أحيانا كمحاولة للقفز على م ت ف الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وإيجاد بدائل محلية في غزة والضفة لها.
انه لا يوجد ضمانات إقليمية أو دولية تلزم اسرائيل بالتقيد ببنود هذه الاتفاقيات والمدد المحددة فيها إضافة الى ممارساتها الحثيثة لافراغ عملية التفاوض من محتواها وجدواها واطارها الزمني المححد، لا تواريخ مقدسة عند اسرائيل؟!
أن أخطر ما يمكن تسجيله أن الفلسطينيين لم يتصدوا موحدين لهذه المشاريع، هذا ما ظهر جليا في التعامل مع اتفاقية أوسلو، حيث لم تعترض الفصائل سياسيا على هذه الاتفاقية فقط بل استخدمت كل الوسائل الإعلامية والسياسية والعسكرية ضد هذه الاتفاقية، مما أضعف السلطة الفلسطينية التي لم تستطع أن تلزم هذه الفصائل بمشروعها، ولا أن تخفف من ممارساتها ضد هذه الاتفاقية مما أدى إلى انقلاب هائل داخل المجتمع والمؤسسة الاسرائيلية من هذه الاتفاقية ومن عملية السلام مع الفلسطينيين برمتها، على إثر العمليات التفجيرية داخل اسرائيل التي قامت بها معظم الفصائل الفلسطينية، والتي تُوجت بالانتفاضة العسكرية الفلسطينية التي جرت اسرائيل من خلالها السلطة الفلسطينية إلى مربع العنف لتدمير مؤسسات السلطة وتُشيع حالة من الفوضى والضعف داخل الأراضي المحتلة، وتُصبح الفرصة سانحة لحماس وحلفائها للاستيلاء على هذه السلطة، من خلال الانتخابات أولا واستكمال ذلك بالانقلاب على ما تبقى من سلطة في غزة.
حاليا تمر القضية الفلسطينية في مرحلة سياسية سيئة من تاريخنا النضالي على مختلف الصعد الوطنية والعربية وعلى صعيد الإقليم والعالم، كل هذه الظروف إضافة إلى واقعنا تقول اننا وصلنا إلى مرحلة صعبة وعلينا أن نختار او نرفض موحدين ما يعرض علينا في ما يسمى فلسطين الجديدة كجزء من صفقة القرن؟!
السؤال الهام كيف يمكن التعامل مع ما هو مطروح آخذين في الاعتبار أنه من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، التوافق مع فصائل الإسلام السياسي بصفة عامة ومع حماس بصفة خاصة على مواقف موحدة، لان هذه الفصائل لها مشاريعها الخاصة المرتبطة بفهمها وايدلوجيتها وعلاقاتها وتبعيتها الإقليمية. رغم كل ذلك فيجب الا نعدم محاولة خلق وجهة نظر فلسطينية موحدة للتعاطي مع ما هو مطروح مع تحليل دقيق للمكاسب والخسارة والتهديدات التي قد تتعرض لها القضية في كلا الحالين، القبول أو الرفض
طبعا ما يعرض علينا لا يلبي طموحاتنا الوطنية، وهذا سبب كاف للرفض وسبب كاف لاتهام كل من يقبل بأبشع التهم، ووصفه بالتفريط والتنازل واتهامه بغلق أبواب النضال أمام الأجيال القادمة، إضافة إلى التكفير والتفسيق ومخالفة للشرع والدين والمبادئ النضالية، وصولا إلى فقدان شرعية تمثيل الشعب وطنيا وعربيا واسلاميا.
ان الخوف من هذه الاتهامات، اضافة الى خطورة ما هو مطروح، قد يدفع الى الانحياز الى خيار الرفض، بغض النظر عن ما يسببه هذا الرفض للشعب والقضية؟!
ان خطورة الرفض لمثل هذه المشاريع في ظل وجود طرف فلسطيني يقبل بها، كما تقول كل المؤشرات، ستعيدنا مرة أخرى إلى الانقسام كفريقين، كما حدث في التعامل اثناء مرحلة أوسلو، لنخرج في النهاية بخسائر للجميع. وسيترسخ الانقسام بين غزة والضفة وصولا إلى الفصل الكامل وإعلان غزة هي الدولة.
كما سيتواصل تعزيز الهجوم ضد السلطة الوطنية والتضييق عليها وافشالها وتحريض المجتمع والنقابات ومؤسسات الانجوز والقبائل ضدها، تحت ذرائع وأسباب مختلفة وصولا الى تصفية السلطة وتصفية الفصائل التي تسمى مقاومة وخلق فوضى في الأرض المحتلة وتعريض الشعب إلى الملاحقة من الاحتلال والمستوطنين وخطر الترحيل والتهجير والضم والوصاية وفقدان الهوية الوطنية.
هل قبولنا لهذه الصفقة موحدين يضمن بقاء شعبنا على أرضه، ويضمن مواصلة توسعه وتمدده وتطوره في مختلف مجالات الحياة؟، هذا التطور السكاني والعمراني والاقتصادي من الممكن أن يفرض نفسه مستقبلا ويفرض حلول ومقاربات أخرى أقرب ما تكون إلى حل الدولة الواحدة.
لكن قبولنا لهذه الصفقة سيجبرنا أن نوقع على وثائق تثبت تنازلنا عن باقي حقوقنا وتقيد مواصلة النضال، هذا يطرح سؤال؟! السؤال وهل تمنع الوثائق أو منعت شعبا عندما يستعيد نفسه وقواه من ممارسة حقه والمطالبة فيه والنضال مرة أخرى من جديد؟ اليابان وألمانيا فعلت ذلك؟!
أيهما أفضل؟! السؤال صعب والواقع اصعب والخيارات محدودة، بالتأكيد هذا بحاجة إلى تفكير وطني عام وتحليل علمي شامل وفقا لنموذج SWOT في التحليل، لتحديد نقاط القوة والضعف والفرصة المتاحة والتهديدات وخطورتها.
يجب ان نمتلك الشجاعة مرة واحدة ونجلس موحدين كفلسطينيين عقلاء نناقش امورنا بعقل منفتح وسياسة واعية بعيدا عن الشعارات والخطابات، اما ان نقبل مجتمعين او ان نرفض مجتمعين، حتى لا نعيد ما فعلناه في انفسنا بعد أوسلو؟ هل هذا ممكن، صعب؟!

صفقة القرن في صراع الديكة - د. لؤي ديب

صفقة القرن في صراع الديكة 
د. لؤي ديب
صفقة القرن بكل محتوياتها أصبحت ضمن المعركة التي يخوضها الديموقراطيون ضد ترامب في الكونغرس :
حدثان مفصليان لا تجب ان تمر علي الشعب الفلسطيني مرور الكرام ويحب الاستثمار فيها بكل قوة:
الحدث الاول :
لمنّ كلف نفسه بالاطلاع علي اتفاق الميزانية الذي توصل اليه الحزب الجمهوري والديموقراطي والذي نُشر للعامة سوف يجد أن هناك رفضا قاطعا لطلب من الرئيس الامريكي للحصول علي مبلغ (175) مليون دولار لانشاء ما يُسمي ( صندوق التقدم الدبلوماسي) ضمن تنفيذ خطة صفقة القرن حسب الوثائق الرسمية .
وكان طلب الادارة الامريكية يتضمن الحصول علي الاموال لتكون متاحة فورا في حال تحسنت العلاقات مع السلطة الفلسطينية ، وفي حال تعثرها فسيكون ضروريا لاستثماره في مساعدة الفلسطنيين علي اختيار قيادة حكيمة تؤمن بالسلام ،
تم رفض الطلب وتم تعليله بكلمات بسيطة بأن اعتبارات الميزانية لا تسمح ، وكل منّ يعرف خبايا اروقة الكونغرس سيعرف حتماً ان هناك مفاوضات استمرت 26 يوم تحديدا من اجل ان تُحذف الاعتبارات السياسية التي كتبها الديموقراطيون وتُكتب بدلاً منها أن الميزانية لا تسمح .
الحدث الثاني :
افراج الكونغرس عن مبلغ 150 مليون دولار للسلطة ، مقسمة الي قسمين بالتساوي ، (75) مليون للاجهزة الامنية ، (75) مليون لدعم مشاريع في القدس الشرقية والضفة الغربية جمدتها ادارة ترامب ، القرار صدر رغم عدم موافقة ادارة ترامب والتي حتما سوف تخلق عوائق لاحقة حول تنفيذ هذا الافراج.
والقرار واضح ولا يشترط اي تنازل سياسي او غيره وذيل بعبارة مساعدة غير مشروطة .
كتبت سابقا وقلت ان الموضوع الفلسطيني سيكون الصفيحة الساخنة في لعبة الانتخابات الامريكية وربما يكون فبراير من العام القادم هو الاسخن والذي سيجعل من النقاش فرصة لتغير الوعي العام الامريكي ،
هذه المعارضة لترامب لها عدة عوامل اهمها :
1/ اللوبي اليهودي في امريكا منقسم بشكل حاد حول ترامب ونتنياهو فهناك جزء يري ان الاثنين يقودان اسرائيل نحو الهاوية وان خطتهما ستقضي علي يهودية الدولة ، والجزء الاخر يري في حل الدولتين طريقا اسلم للحفاظ علي اسرائيل ويهوديتها ، وهناك معسكر اليهود المشاغبين من اليساريين والتقدمين والمعسكر الاكاديمي الذي بدأ يقوي مؤخرا بعدائه لتصرفات ترامب ونتنياهو.
2/ الفجوة الحادة في حول الرؤية الاستراتيجية بين الجمهوريين والديموقراطيين فيما يتعلق بالشرق الاوسط الذي تشكل صفقة القرن جوهرة التغير فيه بالنسبة لترامب ، والكارثة بالنسبة لخصومه .
3/ الصراع الحاد في المجتمع الامريكي امام محاولات الانجليين الجدد للسيطرة علي مفاصل المجتمع الامريكي وتوسع نفوذهم ، واختيار فلسطين وصراعها عنوانا لفكرتهم في التسريع بانزال يسوع وتخليص البشرية ، في وجه مخاوف حقيقية بدأت تنتاب مثقفي امريكا .
4/ العامل الرابع والاهم هو صمود السلطة سياسيا في وجه قرارات ترامب ، فالسلطة لم تفعل الكثير حتي استطيع ان اقول انها عمليا لم تفعل شيء سياسيا في وجه ترامب سوي هذا العناد الحقيقي في عدم التماشي مع خطته وصد كل محاولات الالتفاف حيث خاضت المعركة معه كالذي ليس لديه شيء ليخسره ، ومن الناحية الاخرى خاضت الاتصالات الامنية وخصوصا فيما يتعلق بمكافحة الارهاب الدولي ووضعت ترامب في حالة صدام دائم مع قادة اجهزته الامنية باستحالة وعدم حكمة قطع الاتصالات كاملة وابقت قرارات ترامب في حالة سكون وتجنبت ردات فعله المجنونه وابطأت خطواته وهذا جل من استطاعت وهو ليس سيء في ظل ظروف الوضع الداخلي والاقليمي والدولي .
يمكن جعل كل خطة ( ترامب - نتنياهو ) بمثابة فرصة حقيقية لاحداث اختراق مغاير كانت بدأت طلائعه في عهد اوباما عندما امتنعت امريكا عن التصويت في قرار يدين اسرائيل في مجلس الامن . لكن ! كي يكون هذا العمل ناجح لا بُد من ان يكون الوضع الفلسطيني متماسك داخليا ، ولا طلب البعض فيه خطوط اتصال خلفية مع الامريكي ، بمعني صوت واحد في الاتصال لا غير ، واعتقد ان هذا مستحيل علي الاقل في الوقت الحاضر لان الامريكان للاسف فتحوا خطوط اتصال جانبية مع الجميع تقريبا .
ولديهم كامل التحكم بلوحة التناقضات وحرية اللعب عليها ،
هذه صفقة القرن في صراع الديكه
د. لؤي ديب