الخميس، 15 نوفمبر 2012

المترجم غـوغـل -2 - معمر حبار

المترجم غـوغـل -2  -  معمر حبار
معمر حبار

للمرة الثانية يُصدمُ الأب وهو يرى الإبن الثاني ينقل بسرعة دون أن يعي حرفا مما يكتب، نصا باللغة الانجليزية مترجم من اللغة العربية عبر غوغل. وحينما اطّلع الأب على النص الأصلي باللغة العربية وجده ضعيفا رديئا، والضُعف حينما يُترجم يُمسي كارثة تقسم الأوطان والألسن.

قال الأب لابنه، لو اعتمد أبوك على المترجم غوغل، ماتقدم شبرا في بحر الكتابة، ولظلّ يتسول على الأزرار، يعطيه هذا ويحرمه ذاك. لأن الزر وضعه الإنسان لينقاد له ويخضع لأمره ونهيه، والضحية من قاده الزر إلى حتفه.

إن الترجمة الآنية الآلية، لايمكنها أن تبلغ الجودة والإتقان. فالمشاعر والأحاسيس تبقى دون الترجمة، وبعض الأحرف لايعرف معناها إلا من عايشها، وبعض الألفاظ لايدرك عمقها إلا من صفعته الأيام واحترق بجمرها.

إن الثقافة آداب وأخلاق قبل أن تكون معلومات مزدحمة، ومن تمام القيم العالية أن يستزيد المرء بقدر استطاعته وهمته، وفي نفس الوقت يشكر صاحب الفضل عليه، ويعترف له بحقه وسبقه، وكذلك الترجمة.

والقارئ لسلسلة المفكر مالك بن نبي رحمة الله عليه، باللغة الفرنسية الأصلية ثم كتبه التي ترجمها غيره إلى اللغة العربية، يجد الفرق شاسعا واضحا، لذلك كان يوصي بإعادة النظر في كتبه المترجمة، وينقلها أحيانا من مترجم لآخر، حينما يرى ضعف الأول وتمكن الثاني، وقد حدث له ذلك مع الأستاذ عبدالصابور شاهين، حين لمس ضعفه في اللغة الفرنسية، وعدم تمكنه من الترجمة الصادقة إلى اللغة العربية.

المطلوب من المجتمع أن يعلم أبناءه أن الاستحواذ على الترجمة دون ذكر صاحبها سرقة موصوفة، إذا نشأ عليها الطفل أمسى مجرما لايعرف للفضل قدرا ولا للسبق وزنا، ومن تحصل على مايريد دون كد اليمين ولاعرق الجبين، باعه لعدوه قبل أن يطلبه منه.

ابتليت الأمة بالنقل والاستنساخ في دينها ودنياها،ويكفي أن يستمع المرء لخطيب الجمعة وهو يستنسخ خطبة لاعلاقة لها بعرف ولا مناسبة ولا بقيم المجتمع، وبالرسائل الجامعية والبحوث المختلفة، ناهيك عن استنساخ الأصوات والأدوار والألبسة والأطعمة والأشربة.

وابتليت كذلك بأساتذة يلقون دروسهم بالعامية دون الفصحى، وأساتذة في لغات أجنبية يتحدثون إلى طلبتهم بالعامية والعربية، فتخرج جيل لايتقن لغة الدار ولا الجار، فلجأ إلى المترجم غوغل ليترجم له مابين الأضلع والصدور، وهو يعلم جيدا أنه عن فعل ذلك قاصر، فيلد له مولودا مشوها،فهو إلى الأصل أبعد وإلى الترجمة أسوء.

ليست هناك تعليقات: