السبت، 17 نوفمبر 2012

الشريعة الإسلاميــــة والدستور الجديد - أســـامـة جــادو

   الشريعة الإسلاميــــة والدستور الجديد  - أســـامـة جــادو

شغلت قضية تطبيق الشريعة الإسلامية اهتمامات الشعب المصرى قديما وحديثا ، أفرادا وجماعات وأحزابا وقوى سياسية ودينية واجتماعية ، فى داخل البلاد وخارجها وعلى الصعيد المحلى والدولى ،ذلك ان الشعب المصرى متدين بطبعه يحب الدين ويقدسه ، وقد عبر عن ذلك كثيرا وكلما اتيحت له الفرصة نادى بأن تكون الشريعة الإسلامية محل احترام الجميع واعتباره ، وأن تكون أحكامها محل الأخذ والعمل والإلتزام من الكافة ،وان تكون مبادؤها المرجعية العليا للبلاد والعباد فى شتى مجالات الحياة السياسية  والإجتماعية والإقتصادية وكافة شئون الحياة ، وهى قضية شعب يدرك جيدا ان الفهم الصحيح الوسطى المعتدل للشريعة الإسلامية هو الذى ساد الشعب المصرى عدة قرون مضت ، ومن ثمَّ فثقة الشعب اليوم تتجه لهذا الفهم الوسطى ، بعيدا عن الغلو أو التطرف أو التشدد الذى لا يتفق مع صحيح فهم الإسلام ولا يتوافق مع طبيعة الشعب المصرى . و هو يدرك جيدا ماذا يعني أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع؟

 -  يعني... إقامة مجتمع الحرية وأن يكون كل مواطن حرًا كريمًا في وطن حر كريم "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".

 - يعني... إقامة مجتمع العدالة وسيادة العدل وأن يكون الجميع سواء أمام القانون وسيادة القانون "والذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها
-  يعني... إقامة مجتمع متحضر وتعليم متقدم وبحث علمي متطور مدرسة وجامعة ومعمل ومركز يعيد لمصر قوتها وعزتها ويعيدها لمكانتها بين الأمم .

- يعني... اقتصاد قوي يحقق حد الكفاية للجميع ويحقق تحسين مستوى المعيشة ليس للإنسان فحسب بل لكل المخلوقات، لقد فعلها من قبل عمر بن عبد العزيز حين أمر عماله أن ينثروا الحَبَ والذرة على قمم الجبال ليأكل منها الطير وهو يقول "لا يجوع طائر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
- يعني... المجتمع الآمن الملتزم؛ حيث تنخفض الجريمة ويقل المجرمون وتحارب البلطجة والإجرام.

-  يعني... سير المرافق العامة للدولة على الوجه الحسن؛ حيث أن العاملين والقيادات يخشون الله تعالى قبل القانون ووجود الرقابة الصارمة ونظم محاسبة قادرة وعدالة ناجزة، حتى ينطلق كل انسان ليؤدى دوره ، يعمل وينتج ويربح ويحيا حياة كريمة .

-  يعني... وحدة الأمة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب العقيدة- الدين- الجنس، ويضمن حقوق غير المسلمين سواء كانوا مواطنين أو أجانب.

-  يعني... تكريم المرأة وتأكيد حقوقها وكفالة ممارستها لحقوقها وإعلاء شأنها فهي ليست سلعة وليست دمية وليست خادمة بل هي أم وزوجة وأخت وابنة وشريكة في البيت والأسرة والمجتمع، وقفت في ميادين الثورة والحرية، وتسعى إلى بناء الدولة الحديثة.

يعني... حماية آمنة لشباب الأمة وتربيته وإعداده لحمل مسئولية مهام المستقبل فالشباب - 
 هم عماد الأمة وسر نهضتها وقوتها
- يعني... حماية المهمشين والضعاف وذوي الاحتياجات الخاصة، وكفالة العيش الكريم لهم فهو مجتمع لا يضيع فيه يتيم ولا يهان فيه ضعيف ولا يقهر فيه إنسان.
أود التأكيد على أن الشريعة الإسلامية هى أحد أهم مكونات الشخصية المصرية وهى كذلك المقوم الأساسى للهوية المصرية عبر القرون الماضية حتى يومنا هذا ، فهى للمصريين المسلمين دينٌ وعقيدةٌ ، وللمصريين غير المسلمين ثقافة وفكر وحضارة عاش الجميع فى كنفها عدة قرون وأسهموا جميعا فى تكوين هذا الإرث الحضارى والتراث التاريخى الإنسانى المتراكم طيلة القرون الماضية .
ولقد اجتمعت كلمة التيارات والأحزاب والقوى السياسية والدينية والإجتماعية المصرية (التى وقعت على وثيقة الأزهر الشريف ) على أن تبقى الشريعة الإسلامية كما هى فى الدستور الجديد وفقا للمادة الثانية والتى تنص على أن " مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع " ، وأن تُضافَ مادةٌ جديدةٌ تُفسر المقصود بكلمة " مبادئ " حتى لاتتلغم مسيرة الحياة السياسية والتشريعية فى المستقبل ، وقد تم الإتفاق على إضافة مادة تنص على الآتى :
"مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ، ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة " ، وهذه المادة الجديدة المضافة تفسر المقصود بلفظة مبادئ الشريعة التى ثار جدل كبير حولها ، وهلى هى كافية بإفساح الطريق أمام تطبيق الشريعة الإسلامية بكافة أنظمتها ومجالاتها العامة من أجل تحقيق مقاصد الشرع وإسعاد البشر فى الدنيا والآخرة ، وكذلك تسد الباب أمام محاولات الإلتفاف على المادة الثانية من الدستور تعللا بأن للمحكمة الدستورية العليا تفسير للمقصود بالمبادئ بأنها هى الأحكام الشرعية قطعية الثبوت قطعية الدلالة ، ومن ثمَّ تكون المادة الجديدة التى تفسر المقصود بالمبادئ قد حسمت الموقف وحددت المقصد ورفعت سقف البحث والاجتهاد أمام السلطة التشريعية وهى تمارس وظيفتها فى سن القوانين ووضع التشريعات .
كما تمَّ التوافق على إضافة مادة أخرى تقرر وجوب احتكام المصريين غير المسلمين من المسيحيين واليهود لمبادئ شرائعهم فيما يتعلق بالتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية ، أما ما سوى ذلك من امور فيسرى عليهم ما يسرى على كل المصريين من أحكام القانون فى باقى مناحى الحياة ، وكل المواطنين المصريين أمام القانون سواء بلا تمييز بينهم بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو اللغة أو الأصل  .
وهذه المادة الجديدة انما تقرر واقعا قانونيا معمولا به من قبل منذ عشرات السنين ، وتعمل المبدأ القرأنى العظيم " فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ سورة المائدة الآيتان 42 ، 43، وليس في المادة جديد غير أنه تم الإرتقاء بهذا الواقع القانونى الى الأفق والمستوى الدستورى ، والأمر لا يخلو من طمأنة لكافة طوائف المصريين غير المسلمين ، وقطع الطريق على مثيرى الفتنة فى البلاد ، كما أنه يعبر عن ارتفاع سقف التوافق والمواطنة داخل الجمعية التأسيسية وما انعكس على المواد التى جاءت فى مشروع الدستور الجديد .
أخيرا تم الاتفاق على مادة ثالثة جديدة تتعلق بوضعية الأزهر الشريف فى الدستور الجديد كونه هيئة اسلامية مستقلة ، يُختص بالقيام بالدعوة الاسلامية ونشر علوم الدين ويؤخذ رأى هيئة كبار العلمــاء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية .
مما سبق يتضح لنا ان مجموعة النصوص الدستورية المتعلقة بالشريعة الإسلامية كافية لبث الطمأنينة فى نفوس الجميع ، وأن الدستور الجديد يجمع أطياف الشعب المصرى بكل تنوعاته الدينية والسياسية على نحو يحقق ما يتطلع اليه شعبنا الكريم ويلبى أهداف ثورته المجيدة ، وخاصة فيما يتعلق بقضية تطبيق الشريعة الإسلامية .

النائب السابق / أســامـة جـادو
المحامى بالنقض والدستورية العليا


ليست هناك تعليقات: