الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

مرة رابعة عن سياسة الجسد فى السودان - د - أشراقة مصطفى حامد

مرة رابعة عن سياسة الجسد فى السودان - د-أشراقة مصطفى حامد
د-أشراقة مصطفى عبد الحميد 

منذ ان وعيت شجون المعرفة عرفت بان حناء اقدامى هى لهبات مجوسية ومنذ ان نزعت عن عيونى غشاوة التناوم كانت اصابعى مخضبة برماد ترقد تحته جمرات الأفران التى تفوح منها رائحة الكعك والخبيز واحلام الفقراء}.
الكتابة عن الجسد ملغومة بالخوف والرهبة و تنتمى للمسكوت عنه فى كتاب السياسة السودانية- الجسد الحياة - القوانين التى تصاغ لكبته وقهره.
اسئلة الكينونة وبناء فضاء لتسكن فيه الروح والذى اسميه الجسد بدأ منذ ان نام حيوان اليف فى بويضة الكون لتفرهد الحياة- بنت او ولد انجبتنا الحياة لنواجه التسميات والتصنيفات الاجتماعية المصاغة من كتاب العقلية البطريكية. هل ينبغى ان اشكر اسرة آل ابو أدريس اصحاب اكبر المكتبات فى كوستى ونحن فى سن تفجر الوعى ام على ان الومهم لانهن منحونى ضمن آخرين وأخريات الابحار فى دروب المعرفة الحارقة والمقلقة- كنا زمائنذ لانمل من الرحلة التى كنا نحسها طويلة من بيتنا فى سوق أزهرى الى مربع واحد وتلاثين ولكنها محرضة اذ اننا سننهل من الكتب الزاخرة بالافكار والمفاهيم وفتح آفاقنا الى عوالم حرة. كنت حينها فى المرحلة الثانوية الاّ ان نحلات الاسئلة التى قالوا عليها اكبر من سنى هاجمتنى باكرا، اسئلة فجرتها الهجرة ومواجهة الذات لوجودها فى فضاء غريب الجسد.

بعد عام من حضورى للنمسا سألتنى كاتبة نمساوية دلتها على المؤسسة التى منحتنى لمواصلة دراساتى العليا
حول امكانية مشاركتى فى الانطولوجيا التى تود نشرها بمشاركة نساء أخريات- كتابات عن الجسد ومدلوله الثقافى. اربكنى الطلب لمباشرته ووضوحه فثقافتى تحيطنى بهالة من التابوهات حول الحديث عن الجسد. وافقت ان اكتب بعد ان سألتها اسئلة { نكير}. الذى أربكنى هو وضوح السؤال والثقة المهزوزة فى الآخر والقائمة على التنميط والصورة الجاهزة فهى فى النهاية امرأة غربية فماذا ترغب من وراء هذا الكتاب الذى تود نشره.

عدت الى الوراء- لزمن بعيد يفصل بينى وبينه سنوات من المعرفة والمشى على جمراتها. منذ الطفولة وبراءتها، وكيف تحول الأمر من اطفال دون حاجة لتصنيف من نوع {أنتاية وضكر} الى بيضة وحجر حدث ذلك حين تجمهرن اولئك النسوة التى بانن لىّ متآمرات على طفولتنا، يدقن فى محلب الروح استعدادا الى ليلة كش البظر من خارطة جسد البنات. {الليلة الفرحة وبكره الضبحة} يقولنها البنات التى خاضن التجربة قبلنا، الفرحة التى لمعت فى عيونهن الصغيره وكيف لا وقد كنا موضع اهتمام من الكل، الهدايا وماطاب من طعام كان لهن الاولوية ولاول مرة
صينية الاكل التى يلتهمها الاباء اولا ثم الفتات للنساء والاطفال، المدهش ان الاكل نفسه تعده النساء، ويكن آخر من يتناوله- صورة بدت لىّ حينها مقلوبة وظلت محفورة فى رأسى لسنوات طويلة دون ان اجهد نفسى بالبحث عن الاجابة ولكنى كنت على يقين بانه سيأتى اليوم الذى تنفجر فيه المعرفة ديناميت ضد الجهل.

استوقفتنى كثير من التفاصيل اليومية بدء من الفقر الذى سكن بيوتنا، الغذاء ونوعيته والاهتمام ببناء البدن صحيحا ومعافيا، ترى هل كنت سانتبه الى هذه التفاصيل لولا المهجر واسئلته الحارقة؟ قلت مرة لاخواتى فى محاولة لشرح اوضاعى فى مهجرى فى محاولة لازالة التنميط الساكن فى مخيلة أهلنا عن اوربا، قلت لهن ان السماء هنا بخيلة ولاتمطر ذهبا و { مصارينى اتهرت من اكل الساردين}
كيف غاب عنى ان الساردين كان من النعم النادرة التى تغشى بيوتنا حين يداهمنا الضيوف بفرحة تذوق ماتبقى من دهنه على الصحن الذى ماكان يحتاج غسيلا. نظرت اختى الوسطانية بغيظ {ساردين يامفترية، هو نحنا كنا بنشوف ساردين} وظلت تطنن طيلة فترة اجازتى وسكت ولم اقل لهن ان ايام فقرى يكون لامناص من اكل التفاح الذى يمنحه شجر المبنى الذى كنت احدى ساكناته، تماما كالخور الذى يشق حلتنا ، يفيض فى الخريف فتنافسنا الاسماك فى ازيارنا ثم تستسلم معلقة شوكاتها على حبال عناقريبنا المتدليه تلامس الارض بحنان، ما نحنا ناس الجابرة!!
التغذية وسلوكنا الغذائى فى بلد تم افقارها، فكيف يمكن مقاومة الفقر المعرفى والبطون خاوية؟ وظلت طفولتنا بائسه، تواجه الفقر وتداعياته على العيون التى تغور فى جحور تصلح لدابى الخلا ان يرقد باحثا عن نومة هادئة بعد ان امتص بعض دماء ونفث بعض من سمومه. الشقاء والمعاناة التى تبان فى تشقق أيادى الفقراء واقدامهم التى تصلح لتجول السحالى ظنا منها انها جحر فى الارض آمن تستكين فيه قبلما تموت ويختل التوازن البيىء بقتلها.

{الطهور} والمرارة التى تم التهامها من المحتفيين والمحتفيات بقيت عصارتها فى الروح تطاردنا بالاسئلة و {طيب لو الله عاوزنا مقطعات كان عملها وهو قادر على كل شىء}- قلتها بعد اعوام فى مدرسة كوستى الثانوية العليا- فى سنتى الدراسية الأولى، هاجت الساحة وتتطاير الشرر، فكيف {لبت مفعوصة} تسأل هذه الاسئلة المحرمة؟ كانت انزيمات الحموضه والمرارة التى بقيت اسئلة فى حلقى تواجهنى ليلا وافرتك ضفائرها الخشنة واجرّ فيها امشاط عقلى وعيونى الصغيرة تتابع حركة الغيوم والقمرة عائمة كالوزينه.

اهتمامى بموضوع الجسد لم يأتى من فراغ، بل له مسبباته التى تلاحقت يوما اثر يوم، فيها الذاتى والموضوعى.
منذ صغرى كنت مجنونة بالرقص اولا والغناء من قبل ، تقودنى اقدامى الصغيره الى ساحاته وايقاعات التم تم فى الرديف ولبيوت الزار وتدهشنى الايقاعات وتنسرب روحى لحد الغيبوبة، كانت الحالات التى تتلبس النساء واشتهائتهن واجسادهن تتلوى من الوجع ثم تنهض وتركض كفرسات رسم الافق دربها فمشتطته بالصهيل، تابعت بيوت الاعراس وتعليمة العروس والاستعداد للزواج واسترقت السمع لهمسات العروسة وصويحباتها- كانت فى الغالب لاتكبرنا كثيرا- طفلة مازالت، طفلة بدون شهادة ميلاد لتمارس حقها لاحقا كمواطنة من حقها ان تتساوى فى حقوق المواطنة مع حمد، حمد الذى درسناه وجمله- لماذا لم يختاروا ناقة؟ هل جاءت صدفة ام انها المناهج المرسومة بدقة متجاهلة نصف المجتمع ، نسائة ومهمشيه.

الاحتفاء ممنوع.....

بدأ الانكماش واترسمت على الوجه جدية غريبه، منذ ان نبتت وردتان على صدر البنية، كيف لها ان تحتفى بجسدها وهناك عضوا يؤكد على فائض القيمة الذى اقتصته المرأة ذات المطارق والمشارط بعقلية ذكورية منعا لتكدس الشهوة وانهيار مجتمع الفضيله؟ كيف لها ان تحتفى بالوردتين والخوف يسكنها ان تمتد يد مراقبى {العفة والشرف } لنوعها من شجرة جسدها : كيف غاب التثقيف الصحى عن اهم المواضيع فى حياتنا بدء من التغذية، البلوغ، فترة المراهقة وتفتح جداول الجسد واسئلته المسكوت عنها؟ كيف انمكشت روح البنات بعد الطهور وتحولت الى {دلقون لبنات ام لعاب} للصغيرات الجايات المنتظرات يفهمن الدندنة المشروخة {الليلة الفرحة وبكره الضبحة}.
كيف يمكن ان نحكى عن الخصوبة الفى الروح وعن الطمث فى مبيض الاشواق لزول بملأ البنية اشواق وحنين مليان بدريشة عيش فتريتة اشواق الناس الفقرانين فى الحياة.
كيف تسنى لىّ ان اقرأ الصلة بين انقطاع الطمث وسن اليأس السياسى?

دخلة الروح لحزنها

انفجر الدم وعروسة صغيره كان لحنتها بريقا يلمع فى ليلة الدخلة ليحكى قصة الفارس المغوار الذى يمتطى فرسه مامهدّ لها ان تكتشف جسدها، ان يمشى معها خطوة بخطوة لخرم حيطة الاسمنت المصمتة بعادات تالفة وقاسية. شاءت الاقدار ان اذهب الى زواج احدى قريباتى، كنت حينها فى بداية المدرسة المتوسطة، كانت الليلة مقمره، ضوؤها يسطع فى عيونى ومعهما يسطع غضب دفين، يجد طريقه فى كتابة دبابيس على جسد الوعى جلسن النسوة يترقبن بين الحين والحين صرخة او آهة، اى عرس هذا الذى يصيبنا الفرح فيه من آهة أنثى؟
وأى فحل هذا الذى صب نار فحولته فى صلف وغرور ثور يشهد على هيجانه ترامى الصحراء- الصحراء التى توسدت حروفى وسكننتنى لم تأتى من وهم.. صرخة تلك البنية ذات العشرين ربيعا شقت سكون الليل وشقت روحى الى نصفين النصف الاول كان قطعة القماش الأبيض الذى خرج به مزهوا والنصف الآخر حفظت فيه قصائد فرح مؤجل ليلة دخلة انسانيتنا
صرخة نبعت فى صدرى الصغير
وعيونى غائمة بذرات الرمل الفائر تحت فرح تعيس لنسوة قبعن ينتظرن المنديل

ياللمنديل....
طرزته الحبيبة
ورسلته للحبيب
غزلته باحلامها وامانيها
منديل ودم وجراحات

ثم....
ان الصحراء تشهد
تشهد على ابواب المعرفة التى اغلقوها فى وجهها وفى وجه هذا المسكين الذى يدعو الدولة ان تتناول حبوب الفياجرا لتنشيط حقول المعرفة. وتضيع البنت التى خلقها الله تعالى بلا غشاء بكارة، او لها غشاء مطاطى لاينزل دما يؤكد على {عزريتها وعفتها}، كيف انحصرت عفة المرأة فى غشاء وتمددت {رزيلة الاقتصاد المخصخص} لذوى السلطة ومستغلى الاديان ليتزوجوا ماطاب لهم من النساء والجوارى ويطمعون فى بنات الحور. كيف يسيطر الثالوث المحرم على عقليتنا وكيف يزيفها؟

بعد شهر واحد حبلت، معافرة الحصان اتت أكلها سألت نفسى بعد اعوام طويلة حين اشقتنى المعرفة، هل ياترى عبرت يوما عن احتياجها الجنسى لزوجها؟ ام ظلت تلبى حاجته بعد ان تكون أرخت سدول الشملة على جسدها المنهك والطلح يشهد على حالات انتصاب اللعنة التى تنتظرها، لعنة لانها تتذكر وصية جدتها ان تمثل البرود، ان ترقد مسكينه دون صرخة لذة متاحة لها بحكم انها زوجة، ولما الخوف؟ انه البعبع الذى يسكن المخيلة الذكورية التى تسيطر علينا نحن النساء بعد ان سطونا عليها حين غفلة اسيادها وجاءت المولوده الأولى بنتا، الولد حافظ طهر القبيلة لم يأتى، اقلّ من سته اشهر انتفخت البطن ثانية ذات العشرين ربيعا تلك انطفت زهراتها، مازالت تحمل بطنها، تعمل طيلة النهار وفى الليل تلبى رغبات زولها، وتساءلت ان كانت قد عبرت يوما عن تعبها وارهاقها او عدم رغبتها؟ او همست له ان يعطن جسده المنهك بتصاريف الحياة القاسية فى {طشت} موية عيونها فتطيب رائحته ويزول عرق الشقا النهارى!!

وغابت الدولة ومؤسساتها الصحية فى القرى والمدن الصغيره تنظيم الاسرة والتغذية الجيدة للحوامل والرضع, افقار.. افقار.. افقار 
تتسابق الاحداث وتتكدس الظواهر فى عقلى ومازلت بعد اشق دروب المعرفة الوعرة..
تسترعى انتباهى أحاديث المدينة عن العدل الاجتماعى فى الوقت الذى يقتلنا فيه التناقض لرتق ما {خربته} الولادات المتكررة والغير متباعدة، منهكة الام، ومازالت فى عطائها الغريب وتلك المرأة ذات المطارق والمشارط تجز فى حواف اللحم الميت، محاولة ان تضيق خرم الحياة لسعيد الحظ الزوج!!
كيف يمكنه المعافرة وهو لاحوله له ولا قوة
كيف يجد القوة وهو ماكف من اكل السخينه وام شعفوفه والبليلة؟
كيف تطيب النفس لتناسل فيها بعض فرح ورائحة الفقر تزكم الدار؟

هنا لا اعنى جسد المرأة فقط اذ لاشك افتراضا ان هناك من الرجال من تعرضوا الى ماتعرض له جسد النساء فى الحروب والصراعات المسلحة والغير مسلحة، هذا يقودنى الى سؤال عن تاريخ هذه الظاهرة {ربما ماعادت ظاهرة بعد كل سنوات الحروب التى مازالت مستمرة} الا ان رصد، توثيق وتحليل ماتعرضن لها النساء مثلا طيلة فترة حرب التى دارت فى جنوب السودان، جبال النوبة، الصراعات فى غرب السودان واخيرا الكارثة الانسانية فى دارفور}، اذ اننا لانعرف بالضبط ماحدث وكيف ربما نستطيع ان نصل الى سؤال لماذا وهو استغلال الجسد باعتباره احدى التابوهات المسيطر عليها من خلال ثقافة وذات مدلول سياسى فى {تطهير} جسد المرأة بدء من الطهور، الشلوخ، دق الشلوفة، العدل او الرتق الخ.... كلها تتفق مع نسق ماذكرته خاصة اذا تم تحليله بنظرية الوعى التناسلى اذ ننا ولاسباب عويصة ابعد مانكون عن بنية الوعى الخلاق.



ليست هناك تعليقات: