الاثنين، 19 نوفمبر 2012

براءة زمن ... ميمي قدري‎

براءة زمن ... ميمي قدري‎  
بقلم: ميمي احمد قدري - مصر

تلك البراءة جعلت هؤلاء الفقراء المُعدمين يعمروا طويلاً رغم قساوة حياتهم وبساطة سُبل عيشهم وإفتقارهم إلى أية رعاية طبية من أي نوع كانت . من صور التخلف في هذا المضمار انه عندما شيدت لهم الدولة دائرة صحية لاحقاً في ثمانينات القرن الماضي ... ذهبت سيدة مُسنة تجاوزت الثمانين من العمر لتشكوا ألماً في بطنها وصدرها .. بعد الفحوص الآولية قال لها الطبيب :


لم يكن للربيع أن يستمر طويلاً في تلك البقاع,.. حقول القمح الممتدة على إمتداد البصر تَموج تحت الرياح كأمواج بحر هائل بدأت بالنضوج ثم الإصفرار رويداً ... رويداً ...
تُهييء نفسها للحصاد ...
كروم العنب بدأت تنضج ثمارها من الحصرم الحامض الذي لايؤكل .. تحولت إلى أعناب شديدة الحلاوة في الطعم والمنظر ... تتدلى بخيلاء من غصونها ..
بدأ الفلاحون يهيئون الأرض لزراعة الطماطم والقطن والسمسم والبصل وكل الخضروات .. مما خلق الله على هذه البسيطة ..
الذي يسير بين هذه الحقول والمزارع اذا جاع يقطف من السنابل رؤوسها ويفركها بين راحتيه ليأكل حتى الشبع أو أن يقطف ماطاب له من ثمار الأرض كالبطيخ والخيار والباذنجان وغيرها ليشبع جوعه.
هذه المرحلة الزمنية .. جنة الأطفال .. يلعبون ويمرحون بين الحقول وخصوصاً في المساء تحت برودة الهواء حماية لهم من قيظ النهار الملتهب حرارته بأشعة الشمس ... يلقون بأنفسهم في الترع ليسبحوا بملابسهم في ذاك الماء الزلال مع الضفادع والحشرات الغريبة المنظر وأحياناً مع بعض الأسماك التي كانت تُحير الجميع بوجودها ...
الجداول كانت تأتي من عيون تتفجر من تحت الأرض لا من مصادر الأنهار القريبة.
العُشاق كانوا يخروجون قبل مغيب الشمس أو نحوه زرافات ... زرافات ...
الصبية يخرجون منفردين .. والصبايا أيضاً ... كل منهم على حِدَة يتمشون بين الحقول وهم يسترقون النظرة للآخر من بعيد .. إذ كان الكلام محرم بين الجنسين ماعدا إلقاء السلام مع خفض الرأس إلى الأرض ومن يَحظى بهذه الإيماءة أو النظرة يكون كمن مسه ملاك ... يذهب بعقله فتراه .. يبتسم كمن حلقت روحه في فضاءات العشق وكأنه إمتلك سموات السموات
تلك البراءة جعلت هؤلاء الفقراء المُعدمين يعمروا طويلاً رغم قساوة حياتهم وبساطة سُبل عيشهم وإفتقارهم إلى أية رعاية طبية من أي نوع كانت .
من صور التخلف في هذا المضمار انه عندما شيدت لهم الدولة دائرة صحية لاحقاً في ثمانينات القرن الماضي ...
ذهبت سيدة مُسنة تجاوزت الثمانين من العمر لتشكوا ألماً في بطنها وصدرها ..
بعد الفحوص الآولية قال لها الطبيب :
خذي هذا الكوب الورقي وإذهبي إلى البيت وإجلبي لنا عينة من إدرارك عندما يتوفر ذلك 


بدأت السيدة ترتجف من الشعور بالقهر والفحش المستتر .. أم لخمسة عشر ولداً وبنتاً ... ذهبت إلى البيت وأخذت بندقية أحد أبنائها وأسرعت غاضبة إلى المستوصف الصحي ..
صدفة إلتقاها أحد أبنائها .. علم أن هناك امراً جللاً ما قد حدث
فاستوقفها وسألها :
ما الخطب أماه ؟
قالت : يجب أن أذبح هذا الخنزير الذي يسمونه الحكيم ...
بعد أخذ ورد علم الإبن مع العشيرة .. حاصروا الطاقم الطبي .. طلبوا خروج الدكتور من مخبأه ... جاء امام مسجد القرية .. أمرهم بالرجوع إلى بيوتهم ..
خرج الطبيب .. لعن المهنة .. شكر الله على سلامته ثم ذهب ولم يرجع .. لم يكن يرغب العمل في محله أحد ..
أنشدَ الأغنيات للشرف الرفيع ..

ليست هناك تعليقات: