الخميس، 18 أبريل 2013

أوضاع السجينات في المغرب بين غربة الروح والجسد - د.فوزية البيض

أوضاع السجينات في المغرب بين غربة الروح والجسد
د.فوزية البيض

كعضو في لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بالبرلمان المغربي وككاتبة التقرير الاسود حول الزيارة الاستطلاعية لسجن عكاشة، وكعضوة في لجنة الاسئلة القانونية وحقوق الانسان بمجلس اوربا ارى ان اوضاع السجون بصفة عامة والسجينات والسجناء بصفة خاصة في المغرب رغم كل المجهودات لازالت تفتح باب السجال على مصراعيه. كما ان حالة السجينات يجب ان تكون موضوع نقاش حتى نبقى منسجمين مع النوع الاجتماعي.

اذا كانت أوضاع النساء ككل خارج قضبان الأسر ترمز للمعاناة والهشاشة فما بالك بها وهي تقبع في ظلمات الحبس. لان فلسفة العقاب مفادها عند البعض هي القمع والتهميش الذي ينضاف الى الحرمان من الحرية و من الخدمات و العلاقات الجنسية الطبيعية و الحركة و الشعور بالأمان، كجميع أشكال الحرمان التي حددها الباحث الأمريكي غريشام سايكس في كتابه " القيم " طهي سوچييتي وف تهي چاپتيڢي.

ان الحديث عن وضعية السجينات الذي هو من بين اهتماماتنا كحقوقيين وكسياسيين، يجب لكي نتحدث فيه ان نقاربه من الجانب الاجتماعي والنفسي والقانوني ويجب ان نقترح فيه حلول، لكي لا نبخسه حقه. بالفعل لقد زرنا من بين الاجنحة في سجن عكاشة، جناح النساء الذي بذا اكثر نظافة وترتيبا واقل اكتضاضا من اجنحة الرجال. لكنه ياوي ماسي وحالات اجتماعية يجب الوقوف عليها و الاهتمام بها ودراستها.

كشفنا في التقرير الصادر عن لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب والذي قمنا بصياغته أن 38% من السجينات في المغرب متزوجات، بينما 29% منهن عازبات، و27% مطلقات، و6% هن أرامل. كما توصلنا الى أن 62% من السجينات لم يدرسن قط أو انقطعن عن الدراسة ويعانين من عجز مادي لعدم توفرهن على أنشطة مُدرة للدخل. كما ان عرض المندوب امام لجنتنا كشف ان 2،6 في المائة هي نسبة تواجد النساء في السجون المغربية. ان قراءة في هذه النسبة الضئيلة تكشف لنا اولا ان النساء في المجتمع المغربي هن اكثر التزاما واحتراما للقانون اي أنهن اقل ارتكابا للجنح والجرائم، وكان سلوكات العنف هي مرادفة للذكورة. او أنهن وفق ثقافة سائدة يحترمن الرجل ويلتزمن بالأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع.

كما رسم التقرير الاخير للمجلس الوطني لحقوق الانسان صورة قاتمة عن الحياة في السجون بالمغرب حيث سلط الضوء على العديد من مكامن الخلل في السجون، من قبيل الاكتظاظ الذي يساهم في سهولة انتشار الأمراض المعدية، وغياب الحميمية يخلق ممارسات جنسية شاذة بين السجناء الرجال والنساء السجينات على حد سواء، اضافة الى انتشار بعض أنواع التجارة غير المشروعة داخل السجون.

ان النزيلات المحكومات في قضايا لها علاقة بما يعد إخلالا بالاخلاق يواجهن التحقير والسب والشتم و يتعرضن الى معاملات قاسية ومهينة، مرجعها في ذلك الى اسباب ثقافية واجتماعية. خاصة منهن اللواتي حوكمن بسبب "سلوكات مخلة بالآداب"يكن عرضه اكثر من غيرهن لتحرشات حراس السجن. كما ان العديد من النساء اللواتي يلدن داخل السجن لا تتوفر لهن الرعاية الازمة ولاطفالهن ولا الفضاء ولا اللوازم الخاصة لامرأة حديثة الوضع ولا المساحة للعب طفلها. امام هذا الوضع الغير الطبيعي للحياة الاسرية السليمة والمستقرة فانهن يجبرن على اعطاء اطفالهن الي طرف اخر بعد انقضاء المدة التي تمنح لهن.

ان التخلي يطرح مشكل مصير هؤلاء الاطفال، حيث تنشط شبكات من الوسطاء والوسيطات تتربص بالسيدات الحوامل لمقايضة الظفر بالفتيات المطلوبات اكثر للتبني مقابل استخدام الاطفال الذكور في بعض الحالات للتسول او يودعون في ملاجئ الايتام، او يتم تسليمهم لأفراد من اسرة السجينة تعتني به حتى انقضاء المدة المحكوم بها عليها.

انطلاقا من الاحصائيات التي توصلنا بها من المندوبية نلاحظ ارتفاع نسبة السجينات المتزوجات، مرد ذلك ربما إلى ضغوط الخلافات عائلية اوالنزاعات حول الارث مع احد افراد الاسرة او مع الزوج، حيث تنتهي العديد من الخصومات حينما تغلق ابواب الحوار السلمي والهادئ وباب الوساطة إلى حدوث جُنح أو جنايات درامية ترتكبها المرأة المتزوجة، ليكون مصيرها السجن.

كما لاحظنا ارتفاع نسبة السجينات المطلقات التي بلغت 27% والتي تكون عرضة الى الظروف الاجتماعية الهشة التي تعيشها المرأة المطلقة خاصة إذا لم يكن لها مدخول قار او لم تجد مُعيلا لها ولاطفالها، ولم تستطع توفير استقلالية اقتصادية لتقع في مطبة ممارسات منافية للاخلاق وللقانون، الممارسات التي تؤدي بها الى وراء القضبان. كما ان ارتفاع عدد الساكنة السجنية من فئة العازبات بلغت 29%، مردها إلى عوامل اقتصادية اجتماعية وأخلاقية من قبيل جرائم الفساد أو الإجهاض او شبكات الوساطة في الدعارة اوالنزاع مع الصديق أو العشيق، أو بسبب استهلاك المخدرات او الخمر أو بيعها طمعا في الربح السريع.

ان السجن هو نموذج لمجتمع مُصغَّر توجد فيه المتزوجة والمطلقة والأرملة والعازبة والعاطلة والطالبة والمرأة الإطار، بل وحتى السيدة المسنة، حيث صرح المندوب في اخر حضور له امام لجنة العدل بالغرفة الثانية انه توجد في سجن تلال بمكناس سجينة تبلغ من العمر90 سنة لم ترد ان تخرج من السجن لانه لا معيل لها ولايوجد من يتكفل بها.

السجن عالم اخر، مجتمع تحكمه قوانين منظمة للقطاع، لكن مع الاسف لايلتزم بها، وقوانين تخضع للغة تتغير من زنزانة الى اخرى بكل قتامتها وفوضويتها. من السجينات من يأخذ العبرة من فترة الاعتقال خاصة المتزوجات والأمهات، ويقررن عدم العودة إلى ردهات السجون. فيما تجد فئة اخرى ضالتها في العود سواء لانهن لم يعتبرن بمغزى العقوبة السالبة للحرية، او لانهن يجدن في السجون ضالتهن او مأوى لا يتوفون عليه في الحياة الطليقة. لذا فبمجرد خروجهن يسارعن الى ارتكاب مخالفات للعود إلى الزنزانة.

ادارة السجون حاليا تشتغل بمقتضيات ظهير 98،23، هذا الظهير المنظم للسجون في صيغته الحالية يسمح للسجينات الحوامل بالاحتفاظ بأطفالهن إلى غاية بلوغ سن الخامسة، كما تحرص كل المقتضيات والأحكام على معاملة السجناء والسجينات على حد سواء.ولكن مع ذلك يجب اعادة النظر فيه لعدم توفره على نظام خاص بالسجينات.

ان السياسة السجنية كما هي عليه اليوم في بلدنا لانختلف في تشخيصها، ولو ان السيد حفيظ بنهاشم كان ولازال يصمم ان يرسم لها صورة وردية. لان الخارجين من دهاليز السجون يصرحون ان الاوضاع مزرية رغم المجهودات التي تبدل. لذا يلزمنا حوار جدي وتشريح عميق يقوم به خبراء في علم الاجرام وحقوقيين مختصون لوضع تشريعات ومساطر إجرائية تحمي حقوق السجين والسجينة وترعى أبنائها وتوضح التزامات الجميع اثناء تنفيذ العقوبة الحبسية اوالسجنية والعلاقة بين السجين والمشرفون علي حراسته وايوائه واطعامه واصلاح سلوكه كل حسب حاجاته وما يتطلبه وضعه الفكري والصحي والنفسي.

وهذا لاريب ان تطبيقه يقتضي فضاء لائقا وبنايات لها مواصفات تعكس الاحساس بالسكنية وتحافظ على الكرامة الانسانية والبشرية حتي لايصبح السجن منتجا لمجرمين من الدرجة العليا. يشكلون خطورة على المجتمع وهنا تبرز الحاجة لتقييم من نوع اخر يقتضي التتبع والمواكبة لسلوكيات المفرج عنهن مع الاشتغال على مستقبل المغادرات للسجن بعد قضاء عقوبتهن. بعض السجون في العالم التي تسلك مقاربة تربوية ادماجية تخصص مكافات ومحفزات لكل مؤسسة سجنية انتجت نسبة عالية من المرتدين عن الفعل الاجرامي واستقامت سلوكياتهن.

ان من له المام بالقانون المغربي يعرف الظلام الذي يطال المحكوم عليهم بالسجن منذ حضوره ضيفا على مخافر الشرطة، الى نطق القضاء بالحكم حتى حلول صاحبه على المؤسسة السجنية حيث لاضوابط ولآجراأت واضحة لذى الجهة التي تتسلم المحكوم عليها اللهم من ملف به وثائق محددة للمدة الزمنية للعقوبة التي ستؤديها. لذا يلزمنا الاجتهاد القانوني في هذا المجال من اجل مزيد من التدقيق ودرأ لكل لبس. هذا اضافة الى العلاقة بين السجينة والسجانة التي عوض ان تتغلب عليها لغة القانون الذي ينظمها، فان بعض المشرفين والمشرفات على المؤسسة السجنية يتصرفون بمزاجية، بل انهم يخلون باخلاقيات عملهم تحت الضغط وغياب المواكبة النفسية ويجتهدون في تطبيق عقوبة اخرى يتعين على المسجون الخضوع لها طوعا اوكرها مما يذكي في نفسه روح الانتقام وردة الفعل كما هي عنذ العنصر البشري بل نجدها حتى عنذ بعض الحيوانات. كل هذا يتحمله المجتمع بسبب اخطاء ارتكبها ويرتكبها السجانون ومن اولاهم المجتمع هذه المسؤولية الجسيمة حسب العقد الاجتماعي وفق المنظور الروسووي للكلمة.

ليست هناك تعليقات: