الاثنين، 8 يوليو 2013

مذكرة نادي قضاة المغرب حول القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية

مذكرة نادي قضاة المغرب حول القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية
المقدمة من طرف المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب خلال دورته الثالثة المنعقدة بتاريخ 23 مارس 2013

في السياق التاريخي العام للمذكرة :
في مرحلة حساسة تمر منها السلطة القضائية المغربية ، و تتميز بالنقاش المجتمعي الذي يتركز على القانونيين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، و القانون الأساسي للقضاة؛
و في ظل دستور جديد ارتقى بالقضاء الى سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية و التنفيذية ؛
و بعد تنصيص الدستور أن للقضاة الحق في  تأسيس الجمعيات المهنية ، و هو الحق الدستوري الأصيل ، و الذي بموجبه تم تأسيس نادي قضاة المغرب باعتباره جمعية مهنية تعمل في مجال الدفاع عن استقلال السلطة القضائية و استقلال القضاة و ما يرتبط بذلك من التزامات تمليها المرحلة القضائية الراهنة ؛
و بموازاة انتهاء ما سمي بالحوار الوطني للإصلاح الشامل و العميق لمنظومة العدالة ، و الذي  عرف العديد من الانتقاذات سواء على مستوى المنهجية أو مضمون العديد من الندوات الجهوية .
و إسهاما منه في إبراز موقفه من التطورات التي تشهدها الساحة القضائية و ساحة العدالة على وجه العموم ، ارتأى نادي قضاة المغرب باعتباره جمعية مهنية تعمل في إطار الدستور و القوانين الجاري بها العمل أن تبسط للرأي العام الوطني و الدولي نظرتها التركيبية بشأن التصور المبدئي للقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية .

في السياق التاريخي الخاص للمذكرة ؛
إن انسحاب نادي قضاة المغرب من الحوار الوطني حول الإصلاح الشامل و العميق لمنظومة العدالة لا يعني مطلقا انسحابه من النقاش العمومي المتعلق بإصلاح القضاء والشأن العام القضائي ، إذ عمد نادي قضاة المغرب وانطلاقا من أهدافه المحددة في قانونه الأساسي على انتهاج استراتيجية تواصلية موازية و مندمجة مع كل الفاعلين الحقيقيين في منظومة العدالة و كذا الفاعلين المجتمعيين؛ و ذلك عبر تنظيم عدد من الندوات والورشات الوطنية والجهوية من أجل تجميع التصورات والمقترحات التي شكلت صلب القناعات التي ارتأها نادي قضاة المغرب من خلال ما تداولته أجهزته بصورة ديمقراطية و شفافة ، و هي القناعات المبدئية التي تم تضمينها في مشروع هذه المذكرة .
و بناء عليه ، فإن نادي قضاة المغرب يرى أن مساهمته في توضيح موقف القضاة المنضوين تحت لوائه من القانون التنظيمي المرتقب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ينطلق من مجموعة من المنطلقات ، و له مرجعيات تم الإجماع عليها من لدن كل الفاعلين المجتمعيين ، كما تم الإفصاح عنها في أسمى قانون بالبلاد و هو الدستور .

الإطار المرجعي لمذكرة نادي قضاة المغرب بخصوص القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية .

الإطار الدستوري :
إن النظرة المندمجة لنادي قضاة المغرب ، و التي تؤسس لتصوره حول القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية ، تجد أساسها في ما نص عليه الدستور المغربي لسنة 2011 ، و خاصة ما جاء بالباب السابع منه و المتعلق بالسلطة  القضائية .
كما تستند نظرة نادي قضاة المغرب على كون الدستور الجديد اعتبر متقدما من حيث التزام المغرب بما تقتضيه الاتفاقيات و المعاهدات الدولية ، فإنه و استنادا على ما جاء بتصدير الدستور ، و هو التصدير الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور كله ، فإن تلك الاتفاقيات و المعاهدات تسمو على القوانين الوطنية ، و هو ما يجعل النظرة لمستقبل السلطة القضائية بالمغرب تنطبع بما تقتضيه تلك الاتفاقيات و المعاهدات التي صادق عليها المغرب و انضم إليها و كذلك الاعلانات و المواثيق المتعلقة باستقلال السلطة القضائية و التي تشكل مبادئ متفق عليها من طرف العديد من الدول .

الإطار المجتمعي :
إيمانا منه بكون المجتمع كان فاعلا و لا يزال في بلورة التصورات الجادة  و الفعالة في بناء سلطة قضائية مستقلة و قوية ، فإن نادي قضاة المغرب استلهم تصوره من روح المقتضيات الدستورية  الجديدة ، و هي الروح التي تستند في جزء منها لتوصيات هيئة الإنصاف و المصالحة بخصوص الشأن القضائي ، و هي التوصيات التي جاءت واضحة في ضرورة إيجاد فصل تام و شامل بين السلطتين التنفيذية و القضائية ضمانا للاحترام الجيد للقانون .

الإطار الكوني :
استنادا لروح المضامين الدستورية الجديدة ، التي استندت على ما جاء بالاتفاقيات و المعاهدات الدولية  و خاصة المحددة لمعايير وضمانات استقلال السلطة القضائية ، فإن نادي قضاة المغرب يعلن أنه استند في بسط تصوره – بالإضافة إلى المرتكزات الوطنية – على  :
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار عدد 2200أ(د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966)،
مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء والتي تم إقرارها في مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة و معاملة المجرمين، المنعقد خلال شهر دجنبر من سنة 1985 بميلانو، والمصادق عليها من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة بمقتضى القرار عدد 40/32، المؤرخ في 29 نوفمبر 1985، و  الإجراءات الفعالة لتنفيذ المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية، المعتمد من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بمقتضى القرار عدد 44/162 المؤرخ في 15 دجنبر 1989،
الميثاق العالمي للقضاة، الذي تم إقراره بإجماع المجلس المركزي للاتحاد الدولي للقضاة بتاريخ 17 نونبر 1999،
مبادئ بنغالور للسلوك القضائي والتي تم إقرارها من قبل مجموعة النزاهة القضائية  في بانغالور بالهند في الفترة ما بين 24 و26 من فبراير 2001، قبل أن يتم مراجعتها خلال المائدة المستديرة لرؤساء المحاكم العليا المنعقدة بقصر السلام في لاهاي بهولندا خلال الفترة الممتدة ما بين 25 و26 نونبر 2002، والتي تم إقرارها كذلك من قبل لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة  بمقتضى القرار عدد 43/2003،
الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب المعتمد بتاريخ 27 يونيو 1981، والمبادئ التوجيهية المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة في إفريقيا، و المعتمد بقمة رؤساء دول الاتحاد الإفريقي في مابوتو خلال الفترة الممتدة ما بين 4 و 12 يوليوز 2003.

إن نادي قضاة المغرب و إيمانا منه بالدور الإيجابي الذي تلعبه الجمعيات المهنية وفق ما تقتضيه الاتفاقيات الدولية ، و خاصة ما يتعلق بالدفاع عن استقلال السلطة القضائية و القضاة ؛ وتفعيلا لمقتضيات المادة الرابعة من القانون الأساسي للنادي والتي تجعل من بين أهم أهدافه الدفاع عن الضمانات الأساسية لحقوق وحريات المواطنين ومن أهمها حقهم في سلطة قضائية مستقلة ، والدفاع عن السلطة القضائية واستقلالها ؛ والمساهمة و المشاركة في إعداد مشاريع و مقترحات و ملتمسات القوانين التي لها صلة بالقضاء...
و في غياب أي مشروع  حكومي قدم إلى غاية الآن بشكل رسمي يمكن أن يكون موضوع ملاحظات خاصة . فإن نادي قضاة المغرب يتقدم بهذه الملاحظات و التوصيات التي تعبر عن رؤيته و تصوراته كأرضية لإغناء النقاش العمومي حول الموضوع على ضوء ما تبناه مجلسه الوطني في دوراته السابقة :

في صياغة القانون التنظيمي
إن نادي قضاة المغرب يؤكد على كون الصياغة التامة و الواضحة لنصوص القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة التنظيمية و القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة ، هي الضمان الوحيد و الفعال الذي يضمن ظروف اشتغال القاضي في جو من الثقة في النفس سواء فيما يتعلق بالجانب المعزز لاستقلاليته ، أو الجانب المتعلق بالحقوق و الالتزامات الملقاة على عاتقه .
و لذلك فإنه يؤكد على ضرورة إيلاء الصياغة القانونية أهمية قصوى تتناسب و المركز الدستوري الذي أضحت السلطة القضائية تحتله بعد إقرار دستور 2011 ؛ إذ لا معنى لسلطة قضائية مستقلة يتم التنصيص عليها في الدستور و يتم إفراغ محتواها في القوانين .
و إيمانا منه بالدور الإيجابي و البناء الذي يلعبه المجلس الدستوري ( المحكمة الدستورية ) ، فإن نادي قضاة المغرب يرى من الواجب إثارة انتباه الرأي العام للدور الفعال و المحوري الذي يتعين على قضاة المحكمة الدستورية أن يقوموا به في سبيل احترام مقتضيات الدستور روحا و منطوقا , و لذلك فإن ثقة نادي قضاة المغرب في القضاء باعتباره جهة مستقلة عن السلطتين التنفيذية و التشريعية هي الدافع له من أجل التأكيد على ضرورة أن يلعب القضاء الدستوري دوره كاملا صيانة للدستور و مساهمة في بناء دولة القانون و المؤسسات .
التصورات المفصلية
إن الدور المحوري و المركزي الذي ينتظر من المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يضطلع به مباشرة بعد إنشائه وفق مقتضيات الدستور الجديد ، و المتمثل في السهر الحقيقي على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة و لا سيما في ما يخص استقلالهم و تعيينهم و ترقيتهم و سائر مسارهم المهني . و كذا ما يمثله المجلس من رمزية للاستقلالية المنشودة و التي ركز عليها الدستور نفسه في الفصل 107 ، مع مراعاة مبدأ فصل السلط من غير إهمال للتعاون الممكن بينها في غير تغول لسلطة على أخرى .
فإن نادي قضاة المغرب يرى أن قوة المجلس الأعلى للسلطة القضائية رهينة بضمان هيكلة شفافة للمجلس مع تمكينه من الموارد اللازمة لأداء دوره الموكول له؛ و تحديد آليات اشتغاله و طريقة تصريف أشغاله .
يقترح نادي قضاة المغرب تضمين القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية قواعد دقيقة وواضحة لضمان أداء الدور المنوط به ، و ذلك وفق ما يلي :
أولا : تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية : المكونات و المقترحات
نص الدستور المغربي في الفصل 115 منه على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية  يتكون من :
ـ  الرئيس الأول لمحكمة النقض , رئيسا منتدبا .
ـ  الوكيل العام للملك بنفس المحكمة .
ـ  رئيس الغرفة الأولى بنفس المحكمة .
ـ  عشر قضاة منتخبين , أربعة منهم عن محاكم الاستئناف , و ستة عن محاكم أول درجة .
ـ  الوسيط .
ـ  رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان .
ـ  خمس شخصيات يعينها الملك من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى .

و في شأن هذه التشكيلة يرى نادي قضاة المغرب أن يبسط آراءه وفق التالي:

في الشق المتعلق بأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية الحاملين للصفة القضائية :

ضرورة اعتماد آلية الانتخاب كآلية تضمن الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية ، و في هذا الاطار يشدد نادي قضاة المغرب على ضرورة إقرار مبدأ الانتخاب كأسلوب لاختيار الرئيس الأول بمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها من بين قضاتها من طرف القضاة أنفسهم ، على أن  يوافق الملك بظهير على تعيينهما من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية انسجاما مع  الفصل 57 من الدستور .
كما  يقترح نادي قضاة  المغرب ضرورة توفر المرشحين لمنصب الرئيس الأول لمحكمة النقض و الوكيل العام لديها على شروط الترشيح المتمثلة في التجربة والكفاءة والنزاهة بالإضافة إلى شرط الدفاع عن استقلال السلطة القضائية . ودلالات هذا المقترح أنه يجسد الروح الديمقراطية للدستور و القائمة على مبدأ التشاركية التي يتعين أن تتجسد في هذه الحالة في إشراك القضاة أنفسهم في اختيار من يشرف على الهيئات التابعة لهم ، كما يعكس هذا المقترح المبادئ الدولية بشأن تشكيل المجالس العليا للقضاء ، و يكرس أيضا المبدأ الدستوري القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة علما بأن آلية الانتخاب سوف تمثل أكبر ضمانة لعدم التعسف في ممارسة السلطة ، فضلا على أن الفصل 115 حدد عدد الشخصيات التي يعينها الملك .
و استكمالا للرؤية المتكاملة يقترح نادي قضاة المغرب تحديد ولاية الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك بها على غرار باقي الأعضاء من القضاة المنتخبين في المجلس الأعلى للسلطة القضائية في أربع سنوات غير قابلة للتجديد من أجل العمل على تجديد النخب القضائية ، إذ لا يمكن تجسيد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ما لم يتم تحديد مدة ممارسة المهام .

إن اعتبار رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض عضوا بقوة القانون ، لا يمكن اعتباره مبررا لعدم انتخابه ، و لذلك فإن نادي قضاة المغرب يرى بضرورة انتخابه من الجمعية العمومية التي يتعين اعتماد العمل بها بمحكمة النقض تجسيدا لروح الاستقلالية ، و ذلك من أجل ضمان الشروط السليمة لتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة .
أما بخصوص انتخاب القضاة أعضاء المجلس ممثلي محاكم الدرجة الأولى يؤكد نادي قضاة المغرب على الإبقاء على الشرط الديمقراطي القائم على عدم اشتراط أي سن أو أقدمية معينة للترشح لعضوية المجلس ، و يقترح أن يتم الانتخاب وفق أسلوب الاقتراع السري المباشر وبنمط الاقتراع الفردي بالأغلبية النسبية على أساس وطني لا جهوي .
و في شأن انتخاب ممثلي محاكم الدرجة الثانية ، فإن نادي قضاة المغرب يرى ضرورة احترم إرادة كل من توفر فيه شرط الانتماء لهذه الفئة من المحاكم في أن يترشح من غير تقييد لهذا الحق ، و ذلك حتى لا يمكن اعتماد تلك الشروط التعسفية من أجل حرمان المجلس الأعلى للسلطة القضائية و كذا حرمان قضاة محاكم الدرجة الثانية من كفاءات و طاقات قد تسهم مساهمة فعالة في تكريس روح الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية .
و إيمانا منه بالدور الفعال الذي تلعبه المرأة المغربية ، و ما أبدته من مؤهلات لا تقل عما أبداه الرجل ، فإن نادي قضاة المغرب لا يسعه إلا أن يثمن التوجه الدستوري القاضي بضرورة اعتبار المرأة شريكا حقيقيا في اتخاذ القرار ، و لذلك فإن النادي يؤكد على ضرورة ضمان تمثيلية منصفة للنساء القاضيات عند تنظيم كيفية انتخاب ممثلي القضاة بما يستجيب مع مقتضيات الفصل 115 من الدستور و خاصة ما يتعلق بضرورة تمثيلهن بحسب حجم وجودهن بالجسم القضائي .
و بشأن الإشراف على العملية الانتخابية فإن نادي قضاة المغرب يشدد على أن يتم التنصيص على مسؤولية المجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت إشراف رئيسه المنتدب على عملية الانتخابات منذ بدايتها إلى نهايتها ، و تنقل  له بناء على ذلك جميع  الصلاحيات المسندة الى وزارة العدل و الحريات بهذا الخصوص . كما لا يفوت نادي قضاة المغرب بأن يؤكد على ضرورة ضمان حق الطعن أمام القضاء الإداري و وفق المساطر القانونية لكل مرشح لانتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية دفاعا عن حقه في الترشح .
في الشق المتعلق بالأعضاء الغير الحاملين للصفة القضائية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية :
إن تقسيم الدستور لهذه الفئة من الأعضاء إلى فئتين الأولى تضم رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان و الوسيط ؛ و الثانية تضم خمس شخصيات يعينهم الملك ، لا يثني نادي قضاة المغرب عن إبداء وجهة نظره . و لذلك فإن النادي  يقترح أن يتوفر الأعضاء المعينين من طرف الملك طبقا للفصل 115 من الدستور على شروط الكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل  الدفاع عن استقلال السلطة القضائية وسيادة القانون و ضمان احترام المؤسسات . ويؤكد في هذا الصدد على عدم امكانية تعيين شخصيات تنتمي إلى السلطة التنفيذية أو التشريعية و اعتبار الانتماء إلى إحدى السلطتين بمثابة حالة للتنافي , كما يتعين النص على حالات تضارب المصالح التي تتعارض مع تعيين هذه الشخصيات أو استمرار عملهم بالمجلس .
و تماشيا مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و شفافية اتخاذ القرار و مصداقية المؤسسات ؛ فإن ثم تقديم التصور بأن تحدد للشخصيات المعينة من طرف الملك نفس مدة التعيين التي يمارس فيها المجلس الذي ينتمون إليه مهامه؛ و ذلك من أجل ضمان انسجام الهيئة المكونة لذلك المجلس .

حقوق و واجبات أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية :
يرى نادي قضاة المغرب ، في هذا الخصوص ، أن يتمتع أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية بمجموعة من الحقوق تمثل في ذات الوقت مقابلا لالتزامات الملقاة على عاتقهم ، و يرى بضرورة:
إقرار مبدأ التفرغ لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية المنتخبين ضمانا لحسن سير الأشغال بالمجلس و تسهيلا للتواصل المفترض قيامه بين  أعضاء المجلس و باقي القضاة .
صرف تعويضات عن مهام العضوية يتمتع بها أعضاء المجلس الاعلى للسلطة القضائية و يتم تحديد مبلغها وطريقة صرفها بقرار للرئيس المنتدب باعتباره آمرا بالصرف .
النص على واجبات أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية بصفتهم هاته.
إلغاء مبدأ تجميد الترقية بالنسبة للقضاة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية ضمانا لحقهم في المساواة مقارنة مع باقي قضاة المملكة و في المقابل التأكيد على عدم إمكانية نقلهم أو تعيينهم في مهام أخرى طيلة مدة انتدابهم ، مع تصور عدم حضور العضو المعني بالترقية خلال اجتماعات المجلس للبت في وضعيته  تنزيلا لمبدا الوقاية من تضارب المصالح .
ضمان انفتاح المجلس و أعضائه على الجمعيات المهنية القضائية من خلال  السماح لممثلي هذه الجمعيات بحضور اجتماعاته كملاحظين لتتبع أشغاله مع التزامهم بكتمان سرية أشغاله .

ثانيا : آليات عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية
إن نادي قضاة المغرب يرى بأن الفعالية المرجوة من عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، لن تكون مضمونة إلا بأمرين ، أولهما يتعلق بالشق المالي و الإداري و ثانيهما يرتبط بطريقة الاشتغال ؛

أ : الاستقلال المالي و الإداري .
إن نادي قضاة المغرب و إيمانا منه بضرورة استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ، يرى أن عصب ذلك الاستقلال يتمثل في تحقق شرط الاستقلال المالي و الإداري . و لذلك فإن نادي قضاة المغرب يؤكد على ما يلي :
العمل على تعزيز ضمان الاستقلال المالي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و ذلك من خلال مشاركة المجلس في  اعداد ميزانية السلطة القضائية و توفير جميع الامكانيات الموارد لتطلع السلطة القضائية و أعضائها بدورهم في حماية الحقوق الفردية و الجماعية للمواطنين .
تخويل الرئيس الأول لمحكمة النقض بصفته الرئيس المنتدب للمجلس صفة الآمر بالصرف و ينوب عنه في حالة تعذر قيامه بأعماله لأي سبب كان الوكيل العام لدى نفس المحكمة .
العمل على تعزيز ضمان الاستقلال الإداري للمجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال تمكينه من مقر مستقل ولائق .
تمكين المجلس من موظفين إداريين تابعين له ومسؤولين أمامه يعينهم الرئيس الأول لمحكمة النقض باعتباره رئيسا منتدبا للمجلس طبقا لقواعد الحكامة المتعارف عليها.

ب : أليات الاشتغال :
إن الاستقلال المالي و الإداري لا يقلان أهمية عن آليات اشتغال المجلس ، لذلك فإن نادي قضاة المغرب يقترح أن أداء المجلس للمهام الموكولة له يمر عبر احترام مجموعة من القواعد:
احترام انعقاد الدورتين العاديتين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، وفق ما نص عليه الدستور ، مع شرط الانتظام في ذلك الانعقاد ؛ و لن يكون ذلك إلا ثمرة من ثمرات التفرغ المطلق للأعضاء المنتخبين .
إمكانية عقد دورات استثنائية للمجلس كلما دعت الضرورة إلى ذلك بناء على طلب الرئيس  المنتدب و وفق جدول أعمال محدد سلفا ، أو بناء على طلب ثلثي أعضاء المجلس .
إعداد نظام داخلي للمجلس يحدد كيفية اشتغاله  يتضمن معايير تكرس الشفافية و تضمن المساواة بين القضاة يصادق عليه المجلس و لا يصبح ساري المفعول إلا بعد التصريح بدستوريته من طرف المحكمة الدستورية .
تكوين جمعية عامة للمجلس تتشكل من جميع الأعضاء المنصوص عليهم في المادة  115 من الدستور تسند إليها وفق القانون الداخلي صلاحيات تعزز مبدأ الشفافية و التشاركية في اتخاذ القرارات .
تشكيل لجان دائمة و أخرى مؤقتة تساعد المجلس في الإعداد لأشغاله و تجهيز الملفات و القضايا و المهام التي تدخل في نطاق اختصاصه .
تشكيل أمانة عامة للمجلس تحت إشراف الرئيس المنتدب على رأسها قاض يعينه الرئيس المنتدب لمدة محددة غير قابلة للتجديد بعد اختياره من طرف الجمعية العامة للمجلس , و تكون مهمة الأمانة العامة القيام بجميع الأعمال الإدارية التي تساعد المجلس في  تدبير أشغاله .
جعل صلاحية البت في الوضعية الفردية للقضاة من اختصاص الأعضاء المنتخبين بالمجلس ولو كان القضاة المعنيون أعلى درجة من القضاة المنتخبين، شريطة عدم مشاركة العضو المعني بالأمر في اتخاذ القرارات المتعلقة بوضعيته الفردية .
ضمان شفافية الاشتغال و الحق في المعلومة ، و ذلك من خلال الإعلان عن جدول أعمال دورات المجلس العادية و الاستثنائية و كذا نتائج اجتماعاته بغرض إطلاع القضاة و الرأي العام على ذلك ، و ذلك باستعمال كل الوسائل الممكنة ، مع ضرورة احترام نشر الجدول المذكور و جميع نتائج المجلس بالجريدة الرسمية .

ثالثا : المجلس الأعلى للسلطة القضائية : الوظائف و الاختصاصات
إن نادي قضاة المغرب يرى أن أعمال المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، لابد و أن تشمل كل ما يعزز استقلال هذه السلطة و ضمان استقلال القضاة ، و لذلك فإن نادي قضاة المغرب يؤكد على ضرورة حصر تدبير المسار المهني و الوضعية الفردية للقضاة بيد المجلس دون غيره تفعيلا لمبدأ التدبير الذاتي للسلطة القضائية و تعزيزا لاستقلاليتها و إبعادها عن كل تأثير محتمل . كما يؤكد نادي قضاة المغرب على ضرورة جعل أشغال التفتيش تحت إمرة المجلس و إبعاد وزارة العدل بصفة نهائية عن تلك الأشغال، و لتعزيز الأداء الفعال و المنتج لعمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، فإن نادي قضاة المغرب يؤكد على ضرورة جعل الوظيفة الاستشارية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أمرا واقعا ولا يمكن تجاوزه مادام الأمر يتعلق بصميم اختصاص المجلس ، و زيادة على ذلك فإن النادي و لما يعتبره ذو أهمية بالغة في مسار تكوين القضاة المتدربين و التكوين المستمر للقضاة، يرى أن توكل للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مهمة الإشراف الكامل و الفعلي على التكوين و التكوين المستمر

و  يقترح أن يبسط للرأي العام القواعد المؤسسة لما ذكر وفق التالي :

 تدبير المسار المهني و الفردي للقضاة
إن المسار المهني للقاضي يبتدأ منذ ولوجه للمعهد العالي للقضاء ، و يعتبر تعيين القاضي الجديد أهم مرحلة يبتدأ فيها المسار المهني الفعلي للقاضي ، لذلك فإن نادي قضاة المغرب يؤسس تصوره على أن تضمن للقضاة الجدد شروط الشفافية و النزاهة و التجرد عند التعيين و الاستحقاق .
التنصيص على ضمان سهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية فعليا على استقلال القضاة في مختلف أطوار مشوارهم المهني  و لا سيما من حيث تنصيبهم ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم وتقاعدهم ، مع مراعاة الضمانات الدستورية التي يمنحها دستور فاتح يوليوز 2011 للقضاة .
التأكيد على ضرورة البت في المساطر التأديبية للقضاة داخل آجال معقولة،
ضمان حق القاضي في المؤازرة بدفاع محايد و مستقل باختياره , سواء من بين المحامين أو من بين القضاة أو ممثلي الجمعيات المهنية .
إلغاء نظام التنقيط و تعويضه بنظام للتقييم ينبني على معايير موضوعية قابلة لإثباتها و تعليلها بطرق علمية سواء بالنسبة للقضاة أو المسؤولين القضائيين.
إقرار مبدأ عدم المس بالوضعية المهنية للقاضي أو للقاضي المتدرب إلا بعد استنفاذ مسطرة تأديبية شفافة تضمن فيها مبادئ المحاكمة العادلة .
ضرورة التقيد برغبات القضاة المتعلقة بالانتقالات و لا ينقل القضاة من أماكن عملهم إلا بناء على ما يقتضيه القانون مع ضرورة تعليل جميع مقررات المجلس .
إلغاء آليتي التكليف و التمديد على اعتبار أن هاتين الآليتين تجسدان عدم المساواة و عدم تكافؤ الفرص ؛ كما تعتبران وسيلة للتأثير على استقلال القاضي و ضرب أسس استقلال السلطة القضائية .
اقتراح إنشاء  مجلس الدولة ـ بوصفه أعلى هيأة إدارية بالمملكة ـ  للفصل في الطعون المتعلقة بالوضعيات الفردية للقضاة وفقا للمستجدات الدستورية؛ باعتبار إنشاء المحكمة المذكورة هو الضمان الأساسي لعدم خضوع الجهة المكلفة بالنظر في الطعون المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة لنفوذ و سلطة القضاة الأعضاء المعينين في المجلس بقوة القانون .
ضرورة تمكين القاضي من الحق في الطعن في كل قرار صادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية و ماس بالوضعية الفردية للقاضي ، و ذلك أمام أعلى هيئة إدارية بالمملكة – في انتظار إنشاء  مجلس الدولة المشار إليها أعلاه - وفق مسطرة خاصة تضمن من خلالها استقلالية القرار على أن توضع شروط خاصة من أجل البت في الطعون المعروضة عليها ضمانا للحياد و عدم التأثر .

وظيفة التفتيش و الافتحاص
لما للتفتيش من اتصال وثيق باستقلال القاضي ، فإن نادي قضاة المغرب يرى ضرورة إيلاء الأهمية القصوى لمؤسسة التفتيش ، و في هذا السياق يوصي النادي بما يلي :
ضرورة مراجعة نظام التفتيش و إلغاء نظام التفتيش التسلسلي .
إسناد وظيفة المراقبة و الافتحاص والتفتيش للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و تحدث لجنة للتفتيش تتكون من قضاة منتخبين تتوفر فيهم شروط التجرد و المهنية و الكفاءة و التجربة  و التخصص .
يعهد للجنة المذكورة بتفتيش المحاكم  في إطار التفتيش العام أو الخاص ، وكذا القيام بكافة التحريات اللازمة بخصوص وضعيات التأثير  التي يبلغ بها القضاة في إطار الفصل 109 من الدستور كلما اعتبروا أن استقلالهم مهدد.
يتوفر المفتشون على سلطة عامة للتحري في إطار القوانين الجاري بها العمل و لا يواجهون بمقتضيات السر المهني .
ضمان حق كل قاضي  موضوع مسطرة للتفتيش في الاطلاع على المقررات التي تصدرها هيئة التفتيش ، مع تمكينه من الوثائق التي تأسس عليها قرار التفتيش و تمكينه من حق الرد قبل اتخاذ أي إجراء تأديبي في حقه من شأنه المساس بوضعيته المهنية الفردية .

الوظيفة الاستشارية و الاقتراحية :
تجسيدا لروح و مبدأ التعاون القائم بين السلط ، يرى نادي قضاة المغرب تعزيز الدور الاستشاري و الاقتراحي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ،  تجسيدا للتوازن و التعاون بين السلط ، و في هذا السياق فإن نادي قضاة المغرب يؤكد على ما يلي :
تخويل المجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية  إعداد و اقترح الميزانية الخاصة به .
استشارة السلطة الحكومية المكلفة بالميزانية للمجلس عند إعداد الميزانية الخاصة بالسلطة القضائية و خاصة نفقات التسيير و التجهيز كما تناط بالمجلس جميع الأمور المتعلقة برواتب القضاة  و القضاة المتدربين.
التنصيص على إمكانية استشارة المجلس الاعلى للسلطة القضائية من طرف الحكومة او مجلس النواب او مجلس المستشارين أو الملك  بخصوص مشاريع ومقترحات القوانين ذات الصلة بمجال العدالة مع تحديد أجل لإبداء المجلس لرأيه . و جعل الاستشارة المذكورة على سبيل الوجوب كلما تعلق الأمر بالقواعد المتعلقة بأداء السلطة القضائية لمهامها ضمانا لاستقلالية هذه الأخيرة ، و يعمل المجلس على إشعار الجمعيات المهنية القضائية  بمشاريع و مقترحات القوانين المذكورة و إبداء تصوراتها في الموضوع .
يعد المجلس تقارير دورية و يبدي آراء مفصلة حول سير العدالة بالمملكة و يقترح التوصيات التي يراها مناسبة . و على جميع الإدارات و الهيئات المختصة تمكينه من المعلومات التي تساعده في إنجاز التقارير المذكورة .

وظيفة التكوين و التكوين المستمر.

تحقيقا لعدالة نزيهة و فعالة و ناجعة و إيمانا بالدور المحوري الذي يلعبه القاضي في ترجمة جودة الأحكام القضائية يتعين على المجلس الأعلى للسلطة القضائية  السهر على ضمان توفير تكوين رصين لقضاة المملكة بمختلف درجاتهم, و تحقيقا لهذه الغاية يقترح نادي قضاة المغرب ما يلي :
إشراف المجلس الأعلى للسلطة القضائية على المعهد العالي للقضاء و الإدارة القضائية .
ضمان تكوين علمي و عملي رصين القضاة المتدربين مع ضمان مستوى تكوين مستمر عال الجودة للقضاة الممارسين ، و جعل انفتاحهم على المعارف المتنوعة و اللغات الأجنبية موضوع اهتمام يدخل في صلب التخطيط للتكوين و التكوين المستمر.
تولي الرئيس المنتدب رئاسة المجلس الإداري للمعهد العالي للقضاء و الإدارة القضائية .
وظيفة وضع قواعد السلوك
يقترح نادي قضاة المغرب أن يتولى المجلس الأعلى للسلطة القضائية وظيفة وضع مدونة أخلاقيات تعتبر الاطار المرجعي و السلوكي لتدعيم الأخلاقيات بالنسبة لأعضاء السلطة القضائية ، و التي يجب أن تعتمد على أرضية قواعد بنغلور كأساس كوني يحتاج الى التطوير بالنظر لطبيعة أدوار السلطة القضائية .



ليست هناك تعليقات: