الجمعة، 17 يناير 2014

"رابطـــــــــــة القضاة" - الاستاذ مراد العمرتي

"رابطـــــــــــة القضاة"
الأستاذ مراد العمرتي

تأسس نادي قضــاة المغرب بعد دخول دستور 2011 حيز النفاذ ، فباشر القضاة من خلالهما لواجبهـــم مدافعيـــــن عن استقلال القضاء والقاضــــي ، الا ان البعض اعتبر الأمــــر غير مقبول في حين رأى البعض الاخــر ان ذلك مجــــرد غضب غير مبرر .
ان القضاة المغاربة في فترة زمنية قصيرة مرتبطة ببداية الاستقلال و دستور 1962 عرفوا تجربة غنية وسباقة في نفس المنحى، غير انه للأسف لا توجــــد الا قلة من الوثائق المنشورة الدالة على هذه الفترة او انها في خزانة من يتوفر عليها .


ان الأسطـــر الآتية ليست سوى نبذة عن تاريخ القضاء المغربــــي الحديث - سنوات 1961 الى 1965- الذي يحتاج عموما لجهود الباحثين والمؤرخين للتنقيب عنـــــه وإخراجه للعلن ، بل هي في الحقيقــة دعوة لمن عاش هذه الفترة من القضاة الى الشهــــادة ، ولمن يتوفر على وثائق تهم هذه الحقبة أو إطاراتــها إلى نشرها ، لان الاجيال الجديدة من القضاة تجهلها تماما.
تعرف المجتمعات تحــــولات مستمرة يصعب تحديدها زمنيا ، إلا من خـــــلال احداث اجتماعيـــة فارقة أو من خلال مؤسسات المجتمع نفسه ، في حين تصور واستيعاب التحولات تختلف باختلاف مواقع الفاعلين .
القضاة و التنظيم
خلف الاستعــمار وضعا قضائيا منهارا عانى منه المغرب طوال العشر سنوات الأولى من الاستقلال ، فقد قامت سلطات الحمايــــة شمالا وجنوبا بتقويض النظــام القضائي المغربي بخلق محاكــــم للأجانب بقضاة أجانب ، وأخــــــرى تباشرها السلطات الإداريــــة باختصاصات اوسع خاصة في المجال الجنائي ولا تطبق أي قانون، ومحاكم تطبق العرف بواسطة الأعيان تحت إشــــراف سلطات الحماية خاصـــــة في المناطق القروية ، والكل في ظل عملية ممنهجة لأهداف استعمارية لتبخيس القضاء الشرعي – القضاء المغربي ذو الجذور التاريخية العريقة – القائم على الفقه المالكي.
إن هذا القضــــاء عرف تدهورا خلال مرحلــــــة الاستعمار، فبالإضافة إلى حصر مجال اختصاصه، بحيث يبت فقط في الأحوال الشخصية للمغاربة في المجال الحضري أساسا، فقد ظل عتيقا مفتقرا لوسائل مادية للاشتغال أما قضاته فجعلتهم السلطات " يتقاضون أجورهم من الخصوم...ثم كالموظفين ... كما يتقاضاه حكام المخزن " .
إن القضاة المغاربة – القضـــاة الشرعيين- وهم نواة القضاء المغربي المستقل لم يكن عددهم كافيا لتغطية التراب الوطني من ناحيـــة ، وغير مؤهلين التأهيل الكافي لتطبيق أهم فروع القانون العصري التي كانت سارية المفعول وباللغة الفرنسية بالنظـر لتكوينهم الفقهــــي وتخصصهم الشبه الحصري في قضايا الأحوال الشخصية ، بالرغم من دراسة البعض دراسات جامعية حديثة .
إن استمرار النظام القضائي في عهد الاستقلال متعددا ، بوجود محاكم عادية ، عصرية و شرعية ، مع ازدواجية الأنظمة القانونية المطبقة، فقه مالكي مشتت المصــــادر وقانـــــون عصري بالفرنسية، و استمرار تواجد القضاة الأجانب حتى في المجلس الأعلى ،كل ذلك جعل القضاة ينظــرون الى تلك القوانين نظرة ارتياب ، وتدعو أغلبيتهم إلى استلهام قوانين من الفقه المالكي لتمتد لمجال المعاملات ، وبالمقابل وجــد اتجاه داخل القضـــــاء وهو قلة يتبنى استبعاد الفقه وإرساء قوانين حديثة ، لكنه كان اتجاها فكريا سائدا يجد له صدى اكبر في المجتمع الحضري لمغرب الاستقلال والتحرر .
إلا انه بالرغم من الطابع المحافظ والتقليدي لقضاة الاستقلال ، فذلك لم يمنعهم من تأسيس جمعية مهنية على أسس حديثة فربما الظروف العصيبة للعمل القضائي كانت حاسمة للتكتل .
خلال شهر مايــــو 1961 في إطار ظهيــر الجمعيات لسنة 1958 ، عقد المؤتمر الأول – التأسيســي - بالرباط بخلق أول جمعية مهنية للقضاة سميت رابطة القضاة ، تلخصت أهدافها من خلال قانونها الأساسي في :


" أ- توثيق أواصر الصداقة بين قضاة المملكة.
ج- العمل على ضمان حقوق أعضائها ومصالحهم والسهر على احترام كرامتهم كأعضاء في مؤسسة عليا في البلاد.
د- نشر المثل العليا التي تتمسك بها الرابطة وهي العدل ، النزاهة ، نكران الذات ، والكرامة الإنسانية.
ه- توسيع النمو الثقافي " . 


تشكلت الرابطـــــة في هياكلها من المؤتمــــر ومكتب وطني ورئيس منتخب من المؤتمر ، عقدت الرابطة خمس مؤتمرات منتظمــة سنوية في مدن مختلفة بين سنوات 1961 و 1965 ، في حين عقدت بعد ذلك أربع مؤتمرات فقط : سنة 1967 بالرباط ، سنة 1971 بفاس ، سنة 1979 بالرباط والأخير سنة 1980 بالرباط .
كان للرابطة مجلة شهرية بنفس الاسم إلا أن صدورها لم يكن منتظما صدر منها 22 عددا ، تناولت الأعداد الست الأولى مابين سنة 1964 و1966 إضافة إلى المواضيع القانونية ، الشؤون المهنية المختلفة ونشرت نبذة عن المؤتمرات الخمسة الأوائل ، ثم توقفت بعد ذلك عن الصدور إلى أن استأنفت سنة 1981 مستمرة إلى سنة 1987، لم تنشر في هذه الاعـــداد أية مواضيع تهم الشأن المهني أو تناولت المطالب المهنية أو مؤتمرات 1967 وما بعدها .
اختفت الرابطة بعد ذلك من الوجود الفعلــي ، فنجد آخر وثيقة رسميـــــة تشير للرابطة هو الظهيـــــــر المحدث للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1990 باعتبارها احد مكوناته الممثلة للجمعيات والهيئات من فئة " ب ".
المطالب
عرفت سنوات 1961 إلى غاية 1965 ، دينامكية للقضاة من خلال الرابطة، إذ أن تأسيسهم لجمعيــــة مهنية شكل في حد ذاته حدثا مهما كما عبر عن ذلك المغفور له الحسن الثاني عند لقائه لمكتب الرابطة ورئيسها يوم 27 نوفمبر 1965 " إن رابطة القضاة تكونت من تلقاء نفسها ومن مبادرتكم انتم معشر القضاة ... ".
من خلال الوضع القانونــي والقضائي السيئ الموروث عن الاستعمار و بعض الممارسات المطبوعــــة بهذه الحقبة والتي تمس القاضي والقضاء ، فقد كان انتظام القضاة في جمعية نتيجة طبيعية ، وكجمعية مهنية جادة سارت مطالب الرابطــة ، من خلال مؤتمراتهــــا الخمسة الأوائل ، والمصاغـــة في شكل ملتمسات، في اتجاه محورين أساسيين تهمان الدفاع عن استقــــلال القضاء ومحاولة بناء سلطتــه و من خلال مطالب تهم الوضع المهني للقاضي والتي هي في نفس الوقت الوجه الآخر للدفاع عن استقلال القضاء والقاضي :
1: استقلال القضاء
بالنظر لأهمية الملتمسات في هذه المؤتمرات أو من خلال مبادرات مكتب الرابطة، فانه لابأس من نقلها كما جاءت في صياغتها ، فخلص المؤتمر الثالث للربطة بطنجة ما بين 20 و23 شتنبر1963 ، في الملتمس الأول إلى ما يلي : " إن المؤتمر ... يسجل بكامل الأسف التصرفات غير اللائقة بكرامة القضاة والتي تعرض لها قضاة ببعض جهات المملكة . يلتمس ما يلي :
أولا : السهر على تطبيق مبدأ فصل السلطة .
ثانيا : اتخاذ جميع التحريات كلما كان الأمر يتعلق بتفتيش مسكن القاضي أو التحقيق معه .
ثالثا: تنبيه الشرطة بان تقدم تقاريرها للدوائر القضائية المختصة إذا كان الأمر يتعلق باتخاذ إجراء يمس شخص القاضي أو مسكنه وذلك قبل مباشرتها لهذا الإجراء.
رابعا: عدم الاعتماد على التقارير السرية المجردة التي ترفع من طرف السلطة الإدارية ضد رجال القضاء."
وهو نفس المطلب الـــذي جاء في الملتمس الثاني للمؤتمر الرابع سنة 1964 حــــول مبدأ فصل السلط واستقلال القضاء.
وفي نفس الاتجاه ولمواجهة المنحى الذي اتخذته إمكانية الانتداب التي كانت استثنائية بيد وزير العدل فاستعملت استعمالا موسعا جعل " مكتب الرابطة يقدم بتاريخ 10 ابريل1964 احتجاجا لوزير العدل حول حركة النقل التي قام بها الوزير في أوساط القضاة:
وحرصا على الأمانة الملقاة على عاتقنا كممثلين للقضاة نرى من واجبنا أن نشعركم يا معالي الوزير أن حركة النقل التي قمتم بها في صف القضــــاة قد أحدثت موجهة من الاستياء في أوساط القضاة وجعلتهم يتخوفون على مصيرهم ويتساءلون عن مصير الضمانات الضرورية لاستقلالهم والمخولة إليهم بمقتضى الدستور، إننا نطلب منكم بكل إلحاح أن تراجعوا هذه القرارات وتعملوا على إبقاء المعنيين بالأمر على حالها، إلى أن يتم اجتماع المجلس الأعلى " .
كما التمس القضاة في مؤتمر الرابطة الرابع والخامس إحداث مسطرة خاصة لنقل القضاة تأخذ بعين الاعتبار أولا رغبة القاضي وعلى يد المجلس الأعلى ، معتمدين على صريح نص الدستور في عدم جواز نقل قضاة الأحكام .
2: المطالب المهنية
عرفت المؤتمرات الثالث والرابع والخامس العديد من المطالب المهنية ، حيث عبر القضاة عن " الحالة القلقة التي يعيش عليها القضاة من عدم توفير أسباب الراحة والطمأنينة والاكتفاء الذاتي " ، كما أن المؤتمر الأول التأسيسي ركز على الوضع المــادي للقضاة ، أما التقرير الأدبـــــي للمؤتمر الخامس المنعقد بفاس أكتوبر سنة 1965 طالب بإقــــــــرار تعويضات للقضاة عن مهامهم وعطلة سنوية مدتها شهـــران ، في حين أقر توصل القضاة المستحقين للترقية " بحقوقهم بعدما ظلوا ينتظرونها منذ أزيد من ثلاث سنوات " ،و معلنا كذلك صدور" أوراق الجواز الخاصة بالقضاة " .
إن مكتب الرابطة كان نشيطا خلال هذه الفترة سواء باجتماعه المباشر والدوري بوزراء العدل أو مساعديهم ، للدفاع عن ملتمسات المؤتمرات أو لتدارس بعض القضايا مثل ضرورة فصل السلط من خلال حالات تعسف بعض رجال الإدارة أو التطرق للوضع المادي للقضاة لضمان" الحد الأدنى والضروري للحياة المعيشية" .
ويظهر من الوثائــق المنشــــورة والشهادات أن أهمية قضيـــة خاضها القضاة عبر الرابطة هي طرح مبادرة تعريب ومغربة وتوحيد القضاء المغربي في المؤتمر الثالث بطنجة شتنبر 1963 ثم الدفاع عنها إلى أن تم اقرارها بموجب قانون المغربة والتعريب والتوحيد بتاريخ 24 يناير 1965 .
العلاقة مع المؤسسات
لعل إحساس القضاة بعدم تمكنهم من تطبيق القانون بشكل سليم ، للغته الاجنبية ، ونظرتهم له كميراث عن الاستعمار مع استمـــرار تواجد قضاة أجانب بالمحاكــــم ، مقرونا بتواجد مصالح لا تخدمها عملية تحرر القضاء المغربي من تلك العناصر الثلاث ، قام القضاة بإطلاق مبادرة المغربة والتعريب و التوحيد .
فقد عمل القضاة من خلال الرابطة على الاتصال بالبرلمانيين لاطلاعهم على مشاكل النظام القضاء المغربي آنذاك ، الأمر الذي توج ولأول مرة في التاريخ المغربي الحديث باستماع لجنة العدل والتشريع بالبرلمان لتمثيلية القضاة في شخص رئيس الرابطة السيد حماد العراقي حيث قام هذا الأخير بعرض وجهة نظر القضاة حول ضرورة توحيد ومغربة القضاء المغربي وتعريبه ، فنالت الرابطة تنويه رئيس اللجنة في تفهم لوجهة نظر القضاة لتلك المعضلات السالفة الذكر .
وبعد انطلاق مناقشة القانون في البرلمان عارضه وزير العدل في غرفتي البرلمان إلا أن ذلك لم يمنـــع من إقرار قانون المغربة والتعريب والتوحيد ذلك أن تبني المغفور له الحسن الثاني هذا المشروع في إطار استكمال السيادة الوطنية ، أعطى نفسا جديدا للقضاة لتعبئة جهودهم لبسط هذه السيادة على القضاء ، لان ذلك يعني تحمل أعباء القضاء بالأطر المغربية القليلة، فعقد المؤتمر الخامس للرابطة في هذه الظرفية تحت شعار " مطابقة التشريع والتنظيم القضائي للواقع المغربي " ، لان دخول القانون الجديد حيز النفاذ كان مقررا في فاتح يناير 1966.
كما حضر المؤتمر الملحق الصحفي للمكتب الدائم لتنسيق التعريب التابع للجامعة العربية والقى كلمة فيه ، وذلك ضمن الجهود التي كانت الرابطة تبذلها لتأهيل القضاة في مجال المصطلحات القانونية والفقهية العربية ، حيث عقد اتفاق بين الطرفين لهذا الشأن .
كما كانت الرابطة في محيطها تقوم بتنظيم لقاءات ثقافية بين القضاة ، يعاد فيه احياء التراث القضائي العريق للمغرب ، والاهم من هذا كان مطمحها الانفتاح أكثر في المستقبل على المجتمع من اجل توظيف وسائل الاعلام لتوعية المواطنين بالقوانين الجاري بها العمل ، دون ان نغفل المساحة التي اتاحتها الرابطة للقضاة في مجلتها خلال هذه الفترة -1961-1965- ، للمساهمة بمواضيع قانونية او مهنية والتي اتسمت بالجرأة والغزارة .
و في علاقتها مع وزير الـــعدل يستشف ان اللقاءات كان مستمرة ولا توجد عوائق لبلوغها ، حيث دام احد الاجتماعات بين مكتب الرابطــــة والوزير يوم ثاني عيد الفطر الموافق ل16 فبراير 1964 خمس ساعات لتدارس ملتمسات المؤتمر الثالث ومختلف اوضاع القضاة المعيشية .
من خلال بعض أدبيات الرابطـــة يظهر ان عملها في تفاعلــــه مع محيطها لم يكن محط اجماع فرئيس الرابطة حمــاد العراقي يقول في التقريــــر الادبي للمؤتمر الخامس سنة 1965 "...فالله يشهد أننا لم نكــــن في عملنا داخل اطار الرابطة انانيين ولا خياليين ولا شعاريين بل كنا دائما واقعيين ومنطقيين وكان عملنا دائما هادفا الى الصالح العام وما فيه مصلحة البلاد والعباد ... "
غير انه وبعد سنة 1965 عرفت الرابطـــة فتورا في نشاطها ربما ساهمت ظروف المغرب السياسية في ذلك ، كما عرف تراثها قطيعة زمنية تقارب خمسين سنة الى ان صدر دستور 2011 ليعرف المغرب دينامية جماعية للقضاة بعد تأسيس نادي قضاة المغرب .

ختاما فإن تجربة الرابطة تترك انطباعا قويا يدل ان قضاة تلك الفترة كانوا عن حق ورثة القضاة الاعلام الذين تميز بهم المغرب طوال تاريخه وحلقة وصل بينهم وبين الجيل الحالي الملقاة على عاتقه المساهمة في مسيرة المغرب الحداثية ذات الجذور العريقة .

ذ.مراد العمرتي
عضو نادي قضاة المغرب بتطوان
6 يناير 2014

ليست هناك تعليقات: