السبت، 12 أبريل 2014

ما الجديد في الاتفاقيات التي وقعها الرئيس الفلسطيني ؟ - د.المحامي معتز قفيشة

ما الجديد في الاتفاقيات التي وقعها الرئيس الفلسطيني؟
د.المحامي معتز قفيشة

الحلقة الأولى 
للاتفاقيات التسعة عشر التي وقعها الرئيس محمود عباس من خلال الخمسة عشر طلبا التي قدمت يوم 1 نيسان/ أبريل 2014 أهمية قانونية بالغة الأثر ستكشف عنها الممارسة العملية خلال السنوات القادمة. بعض هذه الاتفاقيات يلقي التزامات قانونية على إسرائيل وبعضها على دولة فلسطين. بعضها كانت ملزمة في السابق ولم تأت بجديد، سوى أنها أصبحت لها صفة رسمية. لكن بعضها الآخر ستكون له نتائج جديدة. نستعرض فيما يلي باختصار أهم النتائج القانونية والعملية لأول خمسة اتفاقيات وهي: لاهاي للحرب البرية، الفصل العنصري، الإبادة الجماعية، مكافحة الفساد، التعذيب. وسنقوم بالتعليق على الاتفاقيات الأخرى في وقت لاحق.


1- اتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية ومرفقها

تعتبر هذه الاتفاقية جزءا من القانون الدولي العرفي، بمعنى أنها ملزمة لكافة دول العالم سواء الدول الأطراف أو الدول غير الأطراف. تم الاعتراف بهذه الاتفاقية (والتي تسمى أحيانا أنظمة أو لائحة لاهاي الرابعة) كقانون يضمن الحد الأدنى من احترام وحماية الإنسان أثناء الحروب، سواء المدنيين أو الجرحى أو الأسرى أو الجواسيس، منذ أن تم التوقيع عليها بتاريخ 18 تشرين الأول/ أكتوبر 1907، والتي اندمجت مع الاتفاقية الثانية التي تم التوقيع عليها في مدينة لاهاي الهولندية بتاريخ 29 تموز/ يوليو 1899.

لا تنكر إسرائيل التزامها بأنظمة لاهاي، حسب ما أكدته محكمة "العدل" العليا الإسرائيلية في عدة قضايا. لكن المحكمة الإسرائيلية تلتف على هذه الاتفاقية عند التطبيق العملي بالاستناد إلى المادة 43 من ملحق الاتفاقية والتي تتيح لقوة الاحتلال أن تعدل من القوانين المحلية في الأرض المحتلة وأن تقوم بإجراءات للضرورات العسكرية أو لمصلحة السكان. فإسرائيل تارة تبرر أعمالها بحجة أنها تأتي لضرورات عسكرية، مثل الحواجز العسكرية أو الاعتقال الإداري أو الجدار الفاصل؛ وتارة لمصلحة السكان مثل بناء الطرق الالتفافية أو إقامة الكسارات التي تنهب الأراضي الصخرية، بحجة أن الأولى يستخدمها الفلسطينيون والثانية يعمل بها عمال فلسطينيون. من المتوقع أن تستمر إسرائيل بالالتفاف على هذه الاتفاقية بالاستناد لذات الحجج السابقة.

ستدخل هذه الاتفاقية حيز النفاذ الرسمي بالنسبة إلى فلسطين بتاريخ 31 أيار/ مايو 2014، أي بعد ستين يوما من وصول رسالة الإيداع (أي الانضمام) الفلسطيني للاتفاقية التي أرسلت من وزارة الخارجية الفلسطينية إلى وزارة الخارجية الهولندية بتاريخ 2 نيسان/ أبريل 2014، وذلك وفقا لحكم المادة السابعة من ذات الاتفاقية. الجديد بالنسبة لنا كفلسطينيين هو المزيد من الاعتراف الدولي بفلسطين كجزء من الدول المنضمة للاتفاقية. كما أن الانضمام الفلسطيني يزيل أي شك قد يثار في المستقبل بخصوص أي من الانتهاكات للاتفاقية التي يمكن أن ترتكب والتي يمكن معاقبة المجرمين الذين قد يتهموا بمخالفتها أمام أي محكمة.

تتكون الاتفاقية من تسع مواد، بينما يتكون النظام الملحق بها من 56 مادة. هذا وقد وقعت في لاهاي عام 1907 اثنتي عشر اتفاقية، يمكن لفلسطين الانضمام لها كلها. أثبت الواقع أن اتفاقيات لاهاي غير كافية لحماية ضحايا الحروب، خاصة بعد مقتل الملايين من المدنيين بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك كان من الضروري وضع أحكام جديدة تضمن حقوق الأفراد غير المقاتلين أثناء الحروب؛ لذلك جاءت اتفاقيات جنيف الأربع بتاريخ 12 أب/ أغسطس 1949 والتي انضمت فلسطين لها أيضا (سنخصص حلقة خاصة للتعليق عليها لاحقا).


2- الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري

هذه الاتفاقية بالغة الأهمية لفلسطين. ومع أنه تم تبنيها من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1973 كرد فعل على الفصل العنصري (الأباترتهايد) الذي كانت تمارسه حكومة جنوب أفريقيا ضد المواطنين السود؛ إلا أن أبرز علماء القانون الدولي في العالم (أمثال جون دوغارد ورتشارد فولك وجون كويغلي) يرون أن ما تقوم به إسرائيل في دولة فلسطين المحتلة يكاد أن يكون متطابقا، بل أن بعض مظاهره أسوأ، من نظام الفصل العنصري الذي كان معمولا به في جنوب أفريقيا منذ عام 1948 وحتى 1990. تعتبر الاتفاقية الفصل العنصري، وهو الأعمال المنهجية التي تهدف إلى سيطرة أحد الشعوب على شعب آخر من خلال القمع مثل الذي تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين كالقتل والتعذيب والحواجز ومصادرة الأراضي والطرق الخاصة للإسرائيليين والاعتقال الإداري والأنظمة الخاصة بالعلاج والتعليم والزواج والإقامة والسفر وغيرها، جريمة ضد الإنسانية.

تتيح الاتفاقية لأي دولة في العالم معاقبة أي شخص متهم بالفصل العنصري، بغض النظر عن مكان إقامته. يعني هذا أن المسؤولين الإسرائيليين قد يحاكموا بتهمة الفصل العنصري في أكثر من مائة وسبع دول أطراف في الاتفاقية قد يذهبون إليها، خاصة الدول التي لديها قانون محلي يجرم الفصل العنصري في حالة تحريك دعوى قضائية ضد ذلك المسؤول. لكن، وبما أنه حتى الآن لم تتم محاكمة أي مسؤول في أي دولة من دول العالم متهم بممارسة الفصل العنصري، حتى أولئك الذي استخدموه في أوضح صوره في جنوب أفريقيا وفي ناميبيا التي كانت محتلة من ذلك النظام، قد يكون من الصعب العمل ضد إسرائيل في المجال القضائي من خلال القوانين المحلية. مع ذلك تبقى الاحتمالية واردة على الأقل من الناحية النظرية التي يجدر طرق بابها.

تم اعتبار الفصل العنصري جريمة خطرة، أي جريمة حرب، وفقا للبروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع الذي وقع في مدينة جنيف السويسرية بتاريخ 8 حزيران/ يونيو 1977. كما تم اعتباره جريمة ضد الإنسانية في المادة السابعة من ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الذي وقع بتاريخ 17 تموز/ يوليو 1998. بما أن فلسطين انضمت للبروتوكول المذكور، فيمكن من الآن توثيق قضايا ذات صلة بالفصل العنصري الذي تقوم به إسرائيل في دولة فلسطين تمهيدا لتقديم هذه القضايا لمحكمة الجنايات الدولية عندما تنضم فلسطين لميثاق روما في وقت لاحق. في كل الأحوال، يمكن لنا كفلسطينيين أن نستخدم كل المحاولات لاعتبار إسرائيل دولة فصل عنصري، من خلال الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان (قد يكون ذلك غير ممكن من خلال مجلس الأمن بسبب نظام الفيتو الذي يمكن أن تستخدمه بعض الدول) من أجل عزل إسرائيل وإدانتها وتحريك موضوع الفصل العنصري في المحاكم المحلية في أي دولة يمكننا أن نحركه فيها. وقد يكون ذلك تمهيدا لعزل نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، كما حدث في جنوب إفريقيا بعد 48 من العمل الحقوقي والسياسي ضد ذلك النظام؛ من المعروف أن الفصل العنصري يمارس في فلسطين من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ 47 سنة.

تتكون اتفاقية الفصل العنصري من 19 مادة. ستدخل الاتفاقية حيز التطبيق بالنسبة لجريمة الفصل العنصري التي ترتكب في دولة فلسطين يوم 2 أيار/ مايو 2014؛ أي بعد ثلاثين يوما من وصول رسالة الانضمام الفلسطينية التي أرسلت من وزارة الخارجية الفلسطينية إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 2 نيسان/ أبريل 2014 وفقا للمادة 15 من الاتفاقية.


3- اتفاقية جريمة الإبادة الجماعية

الإبادة الجماعية أخطر من الفصل العنصري، لكنها تأتي دائما كنتيجة للعنصرية؛ بأن يمحي شعب، أو أن يحاول محي، شعبا آخرا لأنه يعتقد أنه أفضل منه. بالرغم من وجود خلاف فقهي وسياسي حول كون ما تقوم به إسرائيل في فلسطين يشكل إبادة أم لا، باعتبار أن الاتفاقية قد تم تبنيها بتاريخ 9 كانون الأول/ ديسمبر 1948 بعد حوادث الإبادة التي حدثت خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن الاتفاقية قد تفيدنا كفلسطينيين في أمرين. الأول، قد تكون الاتفاقية رادعا لإسرائيل بأن تتردد في أن تقدم على أعمال قد تعتبر من قبيل الإبادة كالقتل المنهجي الواسع النطاق وفقا للبند (أ) من المادة الثانية للاتفاقية. وهنا يدخل التحريض على الإبادة، كما يفعل بعض الساسة في إسرائيل وزعماء المستوطنين وكبار رجال الدين المتطرفين، ضمن معنى الإبادة الجماعية وفقا للمادة الثالثة من الاتفاقية. ثانيا، بعض الأعمال التي تقوم بها إسرائيل فعلا مثل التي نص عليها البند (ب) من المادة الثانية من الاتفاقية، وهو تعمد إحداث أذى مادي أو نفسي ضد مجموعة من عرقية أو وطنية أو دينية، قد تنطبق عليها أحكام الإبادة.

فما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، مثلا، من حصار ومنع الغذاء والماء والكهرباء بهدف تدمير السكان نفسيا وماديا وجبرهم على الاستسلام، قد يصل إلى حد الإبادة. وفي هذا يمكننا الرجوع إلى محكمة العدل الدولية وفقا للمادة 9 من ذات الاتفاقية، والتي دخلت إسرائيل كطرف فيها أيضا. كما أننا يمكن أن نستعين بمكتب المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالإبادة الجماعية؛ في هذا المكتب في الواقع يوجد مستشارين اثنين: أحدهما مختص بالوقاية من الإبادة والآخر بالحماية منها. الهدف من الاستعانة بالمكتب هو تنبيه المجتمع الدولي إلى أن ما تقوم به إسرائيل في دولة فلسطين أو في جزء منها قد يصل إلى الإبادة. وفي حالة كونه كذلك من أجل اتخاذ الإجراء العقابي اللازم ضد إسرائيل. هذا، بدوره، قد يفيد عندما نقرر أن نحيل الموضوع إلى محكمة العدل الدولية من أجل أن تقرر أن ما تقوم به إسرائيل يرقى إلى مرتبة الإبادة. والمحكمة ربما تعتمد بشكل جدي على تقرير مستشار الأمين العام، كما حدث في السابق. وإذا قررت محكمة العدل الدولية أن ما تقوم به إسرائيل في فلسطين أو جزء منها يشكل إبادة جماعية، قد نستطيع كذلك رفع الموضوع إلى المحكمة الجنائية الدولية لأن الإبادة هي من الجرائم التي تعاقب عليها المحكمة وفقا للمادة 6 من ميثاق روما الذي أنشأ المحكمة؛ بالطبع بعد انضمام دولة فلسطين للميثاق الذي لم يحدث بعد.

لكن يلاحظ أنه، وفقا للمادة 11 من الاتفاقية، قد تحتاج فلسطين إلى دعوة من الجمعية العامة للأمم المتحدة لكي تصبح طرفا في الاتفاقية. ذلك لأن الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة، كفلسطين، تحتاج لمثل تلك الدعوة. يعني هذا أن الاتفاقية لن تدخل حيز النفاذ بالنسبة لفلسطين إلا بعد ثلاثين يوما من تاريخ الدعوة المذكورة من الجمعية العامة. أتمنى أن يقوم سفير فلسطين في الأمم المتحدة في نيويورك، السيد رياض منصور، بتقديم طلب للجمعية العامة للاجتماع من أجل الحصول على الدعوة. لا أعتقد أن الحصول على الدعوة سيكون صعبا، نظرا لتوفر أغلبية داعمة لفلسطين في الجمعية العامة كما هو معروف تاريخيا. هذا وتتكون الاتفاقية من 19 مادة.


4- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد

من الواضح أن هذه الاتفاقية تضع التزامات على عاتق فلسطين أكثر منها على إسرائيل. الفساد هو في الحقيقة اعتداء على أموال الشعب الفلسطيني الذي يجب على السلطات الحفاظ عليه وإنفاقه وفقا للقانون، لا أن تصرفه على أساس حزبي أو مناطقي أو شخصي أو من خلال استغلال النفوذ الحكومي أو الواسطة المنتشرة في معظم المؤسسات الرسمية الفلسطينية. قد تساعد الاتفاقية فلسطين في تسلم المسؤولين الحكوميين الذي يسرقون المال العام ويهربون للخارج وفي استرجاع الأموال الموجودة في البنوك الخارجية، على الأقل في الدول الأطراف في الاتفاقية (وفقا للمادة 44، خاصة الفقرة الخامسة منها التي قد تجعل الاتفاقية ذاتها، بشروط معينة، هي الأساس القانوني للتسليم المتهمين بالفساد).

أنشأت الاتفاقية، التي تم تبنيها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2003، مؤتمرا للدول الأطراف من أجل التعاون في تنفيذ الاتفاقية. ستكون فلسطين عضوا في هذا المؤتمر الذي يشكل ما يمكن اعتباره منظمة دولية. تفيد هذه الاتفاقية في تقوية الموقف الفلسطيني من خلال تلقي المساعدة التقنية والتدريب والمعلومات من الدول والمنظمات الإقليمية الأطراف في الاتفاقية التي يبلغ عددها حاليا 170. كما تفيد في تحسين سمعة فلسطين كدولة مؤسسات ذات شفافية، مما يؤدي بدوره إلى تقوية سيادة القانون والمؤسسات الرسمية التي تشكل سلطات الدولة.

وضعت فلسطين تشريعات لمكافحة جريمة الفساد، منها قانون الكسب غير المشروع وقانون الخدمة المدنية وقانون اللوازم العامة. وأنشأت لمكافحة الفساد مؤسسات منها هيئة مكافحة الفساد ومحكمة جرائم الفساد وديوان الرقابة الإدارية والمالية وديوان الموظفين العام. بهذا قد تكون فلسطين مستوفيه للشروط الشكلية للاتفاقية وفقا للمواد 6-14 منها. لكن يلزم فلسطين القيام بمزيد من العمل لمكافحة الفساد لكي تعتبر ملتزمة بشكل فعلي بالاتفاقية وبشكل مستمر.

من جهة أخرى، قد يقع على عاتق إسرائيل بعض الالتزامات في حالة هروب بعض الفاسدين الفلسطينيين إلى إقليمها أو إلى المناطق الفلسطينية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية أو رفض حكومة إسرائيل التعاون مع سلطات دولة فلسطين في دخول المتهمين بالفساد إلى فلسطين أو التعرض للسيادة الفلسطينية وفقا للمادة 4 من الاتفاقية.

تتكون الاتفاقية من 71 مادة. ستدخل الاتفاقية حيز النفاذ بالنسبة لدولة فلسطين بتاريخ 2 أيار/ مايو 2014، أي بعد ثلاثين يوما من تاريخ وصول رسالة الإيداع التي أرسلتها وزارة الخارجية الفلسطينية إلى الأمين العام للأمم المتحدة وفقا للمادة 68 من الاتفاقية.


5- اتفاقية مناهضة التعذيب

تضع اتفاقية مناهضة التعذيب التزامات جدية على دولة فلسطين. فالرغم من أن القانون الأساسي الفلسطيني المعدل منع التعذيب، وبالرغم من أن قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني قد أبطل الاعترافات التي يتم الحصول عليها من المتهمين خلال التعذيب، إلا أن التشريعات الفلسطينية لم تعرف التعذيب ولم تضع عقوبة واضحة على من يمارس التعذيب من المسؤولين الحكوميين. لذلك يعتبر الانضمام الفلسطيني لاتفاقية مناهضة التعذيب، التي تم تبنيها على المستوى الدولي في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1984، لحظة فارقة في تاريخ حركة حقوق الإنسان الفلسطينية التي طالما طالبت بوضع عقوبة رادعة لمن يمارس التعذيب. لذلك يجب فورا تبني قانون فلسطيني يعرف التعذيب وفقا لنص المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب، وأن يحتوي التعذيب على ثلاثة عناصر: (1) ضغط جسدي أو معنوي ضد أي شخص، (2) أن يكون هدف الضغط هو نزع الاعتراف عن عمل قام به الشخص أو شخص آخر، (3) أن تتم ممارسة الضغط من قبل موظف حكومي. إذا لم تقم فلسطين بوضع عقوبة محددة ورادعة ضد الموظفين الحكوميين الذي يمارسون التعذيب، فسوف تكون الدولة مسؤولة تجاه المجتمع الدولي بموجب الاتفاقية. يمكن وضع قانون خاص يجرم التعذيب أو تعديل قانون العقوبات لهذا الغرض.

تتيح اتفاقية مناهضة التعذيب للأفراد المقيمين تحت الحكم الفلسطيني تقديم شكاوى ضد الحكومة الفلسطينية في حالة تعرضهم للتعذيب وعدم إنصافهم من قبل القضاء الفلسطيني. تقدم الشكاوى، بموجب المادة 22 من الاتفاقية، للجنة مناهضة التعذيب التي تعقد جلساتها في مدينة جنيف السويسرية وتدار من قبل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي يقع مقره في جنيف أيضا وله مكاتب فرعية في فلسطين في كل من رام الله وغزة والخليل ونابلس. لكن هذا يتطلب من فلسطين أن توافق على المادة 22 من الاتفاقية التي تمنح اللجنة صلاحية تلقي الشكاوى، التي أتمنى أن تتم الموافقة عليها من قبل فلسطين بإعلان خاص في هذا الشأن.

سيترتب على فلسطين تقديم تقرير للجنة مناهضة التعذيب حول مدى التزامها باتفاقية مناهضة التعذيب خلال سنة من تاريخ انضمامها للاتفاقية، أي بتاريخ 2 أيار/ مايو 2015. بعد ذلك، يجب على فلسطين تقديم تقارير كل أربع سنوات للجنة. هذه التقارير يجب أن تحتوي على كافة الإجراءات والأعمال التي قامت بها فلسطين من أجل الالتزام بالاتفاقية، بما في ذلك تعديل قانون العقوبات، مراقبة السجون وأماكن الاعتقال، تحديد دور النيابة العامة والقضاء والأجهزة الأمنية في مكافحة التعذيب، وكافة المسائل ذات الصلة بمنع التعذيب، ومحاسبة كل من يتورط في القيام بتعذيب أي إنسان مهما كانت الأسباب. تقدم التقارير إلى اللجنة المذكورة من خلال الأمين العام للأمم المتحدة الذي يقوم بدوره بتوزيع التقرير على كافة دول العالم. من ثم يوضع التقرير على الإنترنت وتتاح الفرصة للمنظمات غير الحكومية الفلسطينية والدولية ولوكالات الأمم المتحدة وللأفراد لتقديم معلومات بديلة عن التقرير المقدم من قبل الحكومة. بعد ذلك يناقش التقرير في جلسة مفتوحة وتعطى الفرصة للحكومة لتقديم التقرير ومن ثم للمنظمات غير الحكومية للرد على ممثل أو ممثلي الحكومة في محتوى التقرير. هذه التقارير ذات أهمية كبيرة. فيمكن أن تستخدم من قبل الدول الأخرى والمنظمات غير الحكومية لبيان مدى التزام فلسطين أو عدم التزامها بمراعاة الاتفاقية وقواعد الاعتقال والتحقيق والمحاكمة العادلة. إذا تبين أن ملف فلسطين سيئ في مجال التعذيب، من خلال المعلومات التي تصل اللجنة ومن خلال مقررات اللجنة، فيمكن إدانة فلسطين بسبب عدم تقيدها بالقواعد المنصوص عليها في الاتفاقية. ويمكن على هذا الأساس تحديد مدى الدعم المادي والفني الذي يمكن أن يقدم لفلسطين من أجل إنهاء التعذيب.

إذا انضمت فلسطين إلى ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، الذي تعتبر المادة 7(1) منه التعذيب جريمة ضد الإنسانية، فقد يتعرض الضباط أو الجنود الفلسطينيون الذين يمارسون التعذيب ومن يأمرهم من السياسيين أو يسكت عنهم من أعضاء النيابة أو القضاء مشاركا في هذه الجريمة. بهذا ربما نرى بعض المسؤولين الفلسطينيين، الأمنيين أو السياسيين، في حالة وجود تعذيب في فلسطين ماثلين خلف القضبان في مدينة لاهاي بتهمة ارتكاب جريمة التعذيب. لذلك أنصح فلسطين بضرورة استكمال منظومة تحريم وتجريم التعذيب في أسرع وقت، حتى لو من خلال قرار بقانون يصدر من قبل الرئيس بموجب المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل. فموضوع التعذيب أمر خطير ويرتقي إلى حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير. أو، على الأقل (كما فعلت الأردن)، أن يتم نشر اتفاقية مناهضة التعذيب في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) وأن يتم إلزام القضاة الفلسطينيين بتطبيقها في المحاكم من خلال مرسوم رئاسي يتم فيه الإعلان عن تطبيق الاتفاقية تفاديا لأي لبس لدى القضاة عند تطبيق الاتفاقية. في هذا الصدد أنصح الرئيس بضرورة انضمام فلسطين أيضا إلى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب الذي أسس لجنة فرعية لمراقبة ومساعدة الدول في الوقاية من التعذيب.

كما يتيح انضمام فلسطين لاتفاقية مناهضة التعذيب ترشيح خبير (عادة متخصص في القانون) فلسطيني للعمل كعضو في لجنة مناهضة التعذيب التي تتشكل من عشرة خبراء وفقا للمادة 17 من الاتفاقية. هؤلاء الخبراء يتم انتخابهم سرا من قبل الدول الأعضاء في الاتفاقية ويعملون بصفتهم الشخصية، أي ليس بالنيابة عن دولهم، ولمدة أربع سنوات قابلة للتجديد في حالة الانتخاب مجددا من قبل الدول الأعضاء. وجود خبراء فلسطينيين في اللجنة (التي تعتبر فعليا كمنظمة دولية) يعزز من تواجد دولة فلسطين على المستوى الدولي ويزيد من خبراتنا. على صعيد الالتزامات، ستكون فلسطين مسؤولة عن المساهمة في تكاليف عمل الخبراء في لجنة مناهضة التعذيب، مثل غيرها من الدول الأعضاء في اللجنة وفقا للمادة المذكورة.

بالنسبة لمسؤولية إسرائيل حول التعذيب، التي انضمت لاتفاقية مناهضة التعذيب منذ 3 تشرين الأول/ أكتوبر 1991، فيمكن أن يعالج ذلك بطريقتين. الأولى، أن تقوم فلسطين بالشكوى ضد إسرائيل بموجب المادة 21 من الاتفاقية للجنة مناهضة التعذيب. لكن هذه الطريقة لن تصلح لأن إسرائيل لم توافق على تلك المادة. الثانية، إذا حصل خلاف بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل حول تطبيق أو تفسير الاتفاقية، فيجوز لفلسطين أن تطلب التحكيم الدولي في هذا الشأن. وإذا فشل الاتفاق على التحكيم بين الدولتين، فيمكن لفلسطين أن تلجأ إلى محكمة العدل الدولية. وفي حال انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية، فستكون الفرصة متاحة أن تقدم شكاوى ضد إسرائيل متعلقة بتعذيب مواطنين فلسطينيين إلى تلك المحكمة باعتباره جريمة ضد الإنسانية. هذا وستستمر امكانية تقديم معلومات ضد إسرائيل إلى لجنة مناهضة التعذيب من خلال المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية كما كان في السابق. لكن لن تكون هناك امكانية للأفراد لتقديم شكاوى فردية ضد إسرائيل كونها لم توافق على المادة 22 المذكورة أعلاه.


هناك مئات الاتفاقيات الدولية الجماعية الأخرى والمنظمات الدولية التي يمكن لفلسطين الانضمام إليها. أهم اتفاقية لمواجهة إسرائيل على الإطلاق هي ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، الذي سيأتي إن أحسن استخدامه بإسرائيل راكعة، وكذلك النظام الأساسي محكمة العدل الدولية. كما أن لاتفاقية قانون البحار لعام 1982 أهمية قانونية خاصة في السياق الفلسطيني نظرا لأنها تؤمن السيطرة السياسية والاقتصادية على أكثر من 370 كيلومتر من شاطئ قطاع غزة وهو ما سيضاعف مساحة فلسطين. كما أن الانضمام إلى منظمات الأمم المتحدة أصبح متاحا الآن، مثل منظمة الصحة العالمية، منظمة التجارة العالمية، منظمة العمل الدولية.

تمت الاستعانة في كتابة هذا المقال بكتاب "عضوية فلسطين في الأمم المتحدة: الأبعاد القانونية والعملية"، من تحرير الدكتور معتز قفيشة باللغة الإنجليزية الذي نشر من خلال كامبرج سكولز ببلشنغ في مدينة نيوكاسل، إنجلترا، والمكون من 19 دراسة ويقع في 473 صفحة، وشارك فيه أساتذة من أكسفورد وكامبردج وجنيف ولندن وجورج تاون وأوهايو وكاليفورنيا وفلوريدا وغيرها من الجامعات، وأساتذة من فلسطين، منهم الدكتور صائب عريقات، عام 2013.

ليست هناك تعليقات: