الأربعاء، 16 أبريل 2014

مصطفى سلمة يحذر من ضرر تقسيم الصحراء وخطره على الصحراويين

مصطفى سلمة يحذر من ضرر تقسيم الصحراء وخطره على الصحراويين

مصطفى سلمة ولد سيدي مولود*
يقول الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه في مذكراته، إنه استقبل في مايو 1975 قائد البوليساريو الولي مصطفى السيد ، وإن الأخير قال له: لا أخفي عنكم سرا فالنفوذ الجزائري ثقيل للغاية وشديد الوطأة في أغلب الأحيان، و أؤكد لكم أننا لو استطعنا التخلص منه لما ترددنا، و لكن لا خيار أمامنا مع الأسف....فانتم كما يبدو تنوون تقسيم أرضنا باتفاق مع المغرب دون أن تأخذوا رأينا.

و لأن التقسيم كان يعني تشتيت العائلات وإضعاف وحدتهم الاجتماعية، في مجتمع لم يعرف من النظم غير القبيلة كوحدة سياسية واجتماعية وضامن بقاء واستمرار. ولأنه ينتمي لقبيلة الشرفاء الرقيبات المنتشرة من شمال الصحراء إلى جنوبها و تشكل قريبا من 50% من سكان الإقليم حسب الإحصاء الاسباني للسكان سنة 1974. و رغم أنه هو أيضا لم يأخذ برأيهم، كان الولي يتكلم بلسان غالبية الصحراويين.


و لم تكن إيديولوجية البوليساريو اليسارية هي من عبأت البدو الصحراويين المحافظين للدخول في صراع مسلح مع المغرب وموريتانيا، ولم يكن قادة الجبهة (حديثة النشأة ) المجهولين لدى سكان الإقليم هم من دفع الصحراويين إلى الارتماء في أحضان الجزائر ليصبحوا بعد عقود من النضال رهائن لدى نظامها العسكري الذي لا يؤمن بمعارضة تنشط من الخارج حسب ما أورد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في مذكراته بخصوص دعم الجزائر للمعارضة المغربية في فترة الستينات:


"إدراكا منه لضرورة تصفية الأجواء بين البلدين وتمهيدا لأول زيارة له إلى المغرب اتصل بي الرئيس هواري بومدين، لاستشارتي في الموضوع ( موضوع المعارضة المغربية في الجزائر). قلت له بعد أن قدمت له عرض حال عن المسألة "إني لا أؤمن بمعارضة تنشط خارج بلدها، وإن الإخوة المغربيين إذا أرادوا أن يعارضوا حكم الملك، فليفعلوا ذلك داخل بلدهم. وكانت القيادة السياسية لهذه المعارضة تنشط في العاصمة، أما تنظيمها المسلح، فكان في مركزين بغرب البلاد، الأول في سيدي بلعباس والثاني في المحمدية، أي في إقليم الناحية التي أشرف عليه. كان الجيش يشرف على تسليح هذه المعارضة وتدريبها، أما الإشراف السياسي واللوجيتسيكي فكان من صلاحيات جبهة التحرير الوطني".

أثبتت الجزائر صدق نيتها في عدم إيمانها بمعارضة تنشط من الخارج، و بأنها لا تريد من الصحراويين غير أن يكونوا ورقة للمزايدة في المنطقة و ذريعة لها لتأخير اتحاد المغرب العربي الذي ترى بأنها ستعطي فيه أكثر مما ستأخذ. فقد أوعزت الى البوليساريو رفض المقترح الاسباني لتقرير مصير شعب الصحراء سنة 1975 ( حكم ذاتي لمدة 10 سنوات يعقبه استفتاء )، و هو نسخة طبق الأصل لمقترح جيمس بيكر الذي رفضته الجزائر ثم قبلته بعد أن أصبح متجاوزا. كما أثبتت الجزائر عدم صدق نيتها في دعم الشعب الصحراوي حينما رفضت أن تسلم موريتانيا إقليم وادي الذهب إلى الأمم المتحدة في اتفاق السلام الذي أبرمته موريتانيا مع البوليساريو سنة 1979. وقطعت الشك باليقين في سوء نوايا تجاه الصحراويين حينما قدمت للأمم في فترة من فترات التفاوض، عن طريق رئيس مفاوضي البوليساريو آنذاك إبراهيم غالي (سفير البوليساريو حاليا في الجزائر) مقترح التقسيم (الذي ثار الصحراويون ضده في اليوم الأول) كحل لقضية الصحراء.

ومنذ أيام كنت في الشمال الموريتاني قريبا من الحدود مع المناطق الصحراوية التي تديرها البوليساريو، وتصادف أن كان وزير دفاع هذه الأخيرة في عطلة استجمام داخل الأراضي الموريتانية ( أودي السكوم)، و أخبرني مصدر زار السيد الوزير في باديته أن من جملة ما أفاده به هو أن الاستفتاء و الاستقلال لم يعد مطروحا كحل و أن البحث حاليا هو في خيارات: الفيدرالية أو الكونفدرالية أو التقسيم. ويعتبر محمد الأمين البوهالي من جناح قيادة البوليساريو المقرب من الجزائر (يحمل الجنسية الجزائرية وكان يعمل ضابط صف في الجيش الجزائري قبل اندلاع البوليساريو).

وفي السنوات الأخيرة بدأت الجزائر تمنح جنسيتها لسكان المخيمات الصحراوية، وابتدعت موسما دينيا سنويا للشيخ سيد أحمد الرقيبي ( جد قبيلة الرقيبات) في مدينة تيندوف، وهي بصدد بناء زاوية للرقيبات تبرعت بلدية تيندوف بقطعة أرضها وساهمت ولاية تيندوف ب: 65% من تكلفة بنائها، وأوعزت السلطات إلى المنتخبين الرقيبات في البرلمان الجزائري بجمع تبرعات على مستوى القبيلة لاستكمال الـ35% الباقية من تكلفة الانجاز.

ثم شهدنا صمتا مريبا من الجزائر وتشجيعا من قيادة البوليساريو في الخفاء لتجنيس الآلاف من سكان المخيمات في موريتانيا في الإحصاء السكاني لموريتانيا الذي شرع فيه منذ أزيد من سنة. و تعلم الجزائر و قيادة البوليساريو المتواطئة معها أن أقوى ورقة لديهم هو وجود المخيمات الصحراوية فوق التراب الجزائري.

وأخيرا جاء تقرير الأمين العام للأمم المتحدة مفسرا لنوايا الجزائر وقيادة البوليساريو التي سارعت الى التطبيل للتقرير الذي خلا من كل ما كان يسوق للصحراويين من أجل ضمان بقائهم في أرض اللجوء الى ما لا نهاية: الاستفتاء وتقرير المصير.

لقد كان تقرير بان كي مون واضحا و صريحا: أدعو الطرفين إلى إدراك مدى الحاجة إلى إحراز تقدم عاجل و التعهد الجدي في القضيتين الجوهريتين لتوجيهات مجلس الأمن ( مضمون حل سياسي وشكل تقرير المصير)، و متوعدا: وإذا لم يحدث أي تقدم على الرغم من ذلك قبل شهر ابريل 2015، فانه سيحين الوقت لإشراك أعضاء المجلس في مراجعة شاملة للإطار الذي قدمه لعملية التفاوض في ابريل 2007.

إعادة الامم المتحدة لعملية التفاوض الى نقطة الصفر، تعني بأن كل ما كان يسوق في الماضي أصبح متجاوزا. فإذا كان سكان المخيمات ينتظرون الاستقلال عبر آلية الاستفتاء، فقد أثبتت الأمم المتحدة في صيغة (مضمون حل سياسي وشكل تقرير المصير) الواردة في تقرير أمينها العام، بأن مطلب البوليساريو تحول إلى سراب، و تغطي قيادة الجبهة على الأمر بتسويق أن تقرير الأمين العام يعني بأن الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب أصبح متجاوزا. وتعي جبهة البوليساريو بأن المغرب من باب براغماتي غير خاسر ما دام ثمن تجاوز مقترحه هو إقبار خيار الاستقلال و الآلية المفضية إليه ( الاستفتاء).

وما دامت الخيارات باتت واضحة في أنه لا نزاع حول سيادة المغرب على الصحراء أو بعض منها، وأن الأمور أصبحت محصورة في كيفية تقاسم السلطة مهما كانت تسميتها (فيدرالية أو كونفدرالية) أو تقاسم الأرض، فإن جبهة البوليساريو قد فقدت ما تبقى من مشروعيتها في قيادة الشعب الصحراوي، لأن برنامجها السياسي كان مبنيا على التحرير، وقد تخلت عنه أولا بوقف إطلاق النار و أخيرا بالقبول بإسقاط استفتاء تقرير مصير شعب الصحراء من خيارات الأمم المتحدة المطروحة للحل.

و تبقى الجزائر هي الطرف الرابح. فما دامت الأمم المتحدة تعرف طرفي النزاع بالمملكة المغربية وجبهة البوليساريو، فستكون الجزائر ممثلة داخل المغرب في حالة تقاسم السلطة داخل المغرب بتنظيم ينفذ أجندتها ويضمن مصالحها داخل المغرب و قنبلة تزرعها داخل المملكة المغربية مثل قنبلة منطقة القبائل داخل الجزائر، وفي حالة التقسيم ستحصل على نصف الصحراء. والصحراويون الذين وضعوا ثقتهم في جبهة البوليساريو لعقود من الزمن هم الخاسر الأكبر، بسبب تغييبهم منذ الوهلة الأولى لاندلاع النزاع عن المشاركة في تقرير مصيرهم واحتكار قيادة الجبهة لكل شيء لفائدة الجزائر ( حليف الجبهة و الحاضن لقواعدها)، خاصة بعد تعيين أحمتو ولد خليلي ولد محمد البشير ( محمد عبد العزيز ) أمينا عاما للبوليساريو سنة 1976.

وما دام الحال هكذا لا ينبغي أن ينتظر الصحراويون حتى ينجلي غبار معارك أبريل وما بعده كي يعرفوا أفرس تحتهم أم حمار!!

وحفاظا على مصالحهم التي باتت مهددة، وحتى لا يضيع تعب عقود من نضالهم و معاناتهم سدى، عليهم أن يبادروا من الآن إلى التنظيم خارج جبهة البوليساريو، ويدخلوا في تسوية مباشرة مع المملكة المغربية، مهما كانت مآخذهم على إدارة هذه الأخيرة للإقليم في الماضي، لأنه قد يأتي وقت غير بعيد لا يعود هذا الأمر مطروحا، و يصبح وضعهم مثل قبائل الطوارق مقسمين بين عدة دول.

لأن الاقدار لم تمهل الملك الراحل الحسن الثاني في تطوير مبادرته ( الوطن غفور رحيم) التي كانت بداية المصالحة بين الصحراويين والمملكة المغربية. إنني أتمنى صادقا أن يكمل جلالة الملك محمد السادس مسيرة المصالحة التي بدأها والده الملك الحسن الثاني، وذلك عبر الإعلان عن مبادرة تجبر ضرر ما تبقى من تأثيرات الماضي، من خلال:

أولا: التكفل بالأسر العائدة من مخيمات اللجوء و تيسير إعادة إدماجها في المجتمع بما يحفظ الكرامة الإنسانية و يحقق استقرار أفرادها.

ثانيا: ولأن مورد المملكة المغربية الرئيس هو الإنسان العامل المبدع، نأمل في فتح معاهد متخصصة في الأقاليم الصحراوية، لتأهيل الشباب الصحراوي و تكوينه في التخصصات التي تتلاءم مع ما يوفره الإقليم من فرص عمل كالصيد البحري و التنمية الريفية و المناجم و السياحة الصحراوية.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

* قيادي سابق في البوليساريو ولاجئ سياسي في موريتانيا

ليست هناك تعليقات: