الأحد، 25 يناير 2015

المعاناة تولد الابداع؟! - د.إشراقة مصطفى حامد

المعاناة تولد الابداع ؟! 
د.إشراقة مصطفى حامد


الحصول على المنحة يعنى ان تكون قدر احتياجاتك بالضبط
كنت اسعى للتوفير من منحتي, لذا لم اتوانى من القيام بالأعمال (الهامشية) لأجل ان اسند من سندوني ومنحوني للدنيا امرأة من عناد وصبر ومثابرة.
وضعي القانوني كطالبة لا يمسح لي بالعمل الا في حدود.
لأوفر كنت استخسر في نفسى حذاء يقيني البرد, كنت اتخيل حوجه أهلي وكيف لي ان اشترى حذاء يحل سعره كثيرا من المشاكل؟
كانت ارخص مأقى الهوفر,, البقالة الكبيرة هي التونة.. اكلتها حتى تحولت معدتي الى بحر للحيتان والاسماك الصغيرة.

اصحو مبكرة في يومي السبت والاحد, الايام التي نرتاح فيها من عنت الدراسة والرحلة الطويلة فقد كانت هولابرون تبعد ساعة وربع الى مكان الدراسة في فيينا ومن المحطة وحتى السكن الطلابي عشرون دقيقة الى نصف ساعة اذ ان المبنى يقع على مرتفع جبلي وفى ايام الجليد علي ان احزر وقوعي علبه مما قد يسبب كسرا وليس هناك مجالا لأى تعطيل فالمنحة مثلها مثل تمديد الاقامة مرهونة بالنجاح وعدم النجاح يعنى سحب التأمين الصحي وسحب الحياة ذات نفسها.
يوم السبت والاحد انظف المبنى, الممرات والمطبخ والحمامات.. كثيرا ما توقفت عن العمل لا بكى, كثيرا ما بكيت بحرقة ثم ادخل غرفتي لأنظر لدرجاتي التي تحصلت عليها كخريجة بمرتبة الشرف وفى غمرة دموعي اضحك منتصرة للمبادئ التي بسببها تم رفضي.. ثم اعزى نفسى بأنى لست الوحيدة.. فكم من جيلي تشرد واحيل للصالح العام بسبب مواقفنا الفكرية والسياسية..
انهض لابدا المذاكرة.. كل شيء يبدو صعبا وقاسيا ولم يكن بحوزتي سوى كتاب صغير يدلني على معانى الكلمات..
عند العاشرة انام لأصحو مبكرة لأكون في الوقت المناسب في الكلية..
اذكر انى كنت يومها فرحة حين استطعت الحصول على حذاء شتوي اذ كنت في كامل استغرابي. ان يتم رمى حذاء جديد في المذبلة؟
لبسته وخرجت وكنت سعيدة اذ انى في ذلك اليوم كان على ان اوزع اعلانات والساعة بسته شلنات.. يا ربى كم انت كريم... يعنى اربعة ساعات ستكون ذات قيمة معقولة في السودان.. بعد الكورس ذهبت لاستلم الاعلانات لأوزعها.. ثم مضيت في اتجاه بوابة الجامعة المبنى الرئيسي. هناك فتحت السماء ابوابها للجليد وهناك عرفت السر في رمى هذا الحذاء في المذبلة.. لقد كان مخروما وخرم عظامي بالبرد ومع ذلك كان الامر طريفا للغاية, تذكرت إسكافي حلتنا, وقدرته على ترقيع احذيتنا المتهالكة, انحدر فص ملح حادق... وحدى كنت اعرف انه من عيوني وليس من عيون السماء التي كانت مازالت تهطل جليدها..
في الليل.. في كل ليل (تحنبك) سحابات الحنين وتغمرني بالبكاء.. تفاصيل وحكايات وانتظار لخطاب اضمه بالليل لحين يضمنا عرش هذه الحجرة.. كانت ضمن أحلامي ولكن. المهجر غير مسئول وليس شماعة للإحباط والخذلان.. المهجر امتحان الله في الارض لاختبار انسانيتنا .. ضعفنا وقوة عزيمتنا, وللحنين فصل من الحكاية.
كم من الاعمال الهامشية قمت بها وتعودت عليها وعزائي كان الوعى بان هذا مرحلة ولابد من المرور بها,, رحلة متعبة ولكنى كنت اعرف بانها سوف تصقلني وتقويني مثلما قوتني تلك السندويتشات التي بعتها لبعض من زميلاتي وزملائي في معهد الدراسات الاضافية وكنا ندرس للحصول على الدبلوم العالي في الاعلام.
ما بين هناك وهنا كانت ومازالت تمتلكني امنية واحدة: ان اضع رأسي المكدس بحيتان الاسئلة دون ان يصحني المنبه الذى تبرمج في عقلي من ذلك الوقت..
وجبال الالب تعرفني!!


د.إشراقة مصطفى حامد
-------------------
بعض من فصل ابجديات النحت على الصخر.

ليست هناك تعليقات: