الثلاثاء، 19 يوليو 2016

تركيا وسياسة الاقصاء الوظيفي عند الاخوان المسلمين - عبد الفتاح السنوسي

تركيا وسياسة الاقصاء الوظيفي عند الاخوان المسلمين

عبد الفتاح السنوسي
بعد فشل الانقلاب العسكري الاخير في تركيا، بدأت أجهزة الأمن التركية، الموالية للحكومة وللرئيس رجب طيب إردوغان، بحملة مداهمات واعتقالات في جميع أنحاء البلاد، لاعتقال من تتهمهم بالتآمر والضلوع في الانقلاب الفاشل، من أجل تصفية المعارضين في مختلف مؤسسات الدولة، وكذلك من اجل تنصيب المقربين في هذه المؤسسات، حتى تضمن التأييد الكامل لمشاريعها ومخططاتها، وأن لا تلقى أي اعتراض، لا سيما في الجهاز القضائي. 
فخلال ايام قليلة ، فاق عدد المعتقلين زاد عن 33 ألف من بين العسكريين والمدنيين، إذ اعتقلت السلطات التركية ما مجمله 103 عسكريين ممن يحملون رتبة جنرال وأميرال، ومنهم قائد سلاح الجو السابق أكين أوزتورك. 
وطالت الاعتقالات الجهاز القضائي كذلك، إذ عزل إردوغان في اليوم التالي لفشل الانقلاب 2745 قاضيًا في مختلف أنحاء البلاد، وبينهم أعضاء في مجلس المحكمة الإدارية العليا في تركيا. ولم يكتف إردوغان بعزل القضاة بل وباعتقال 109 قضاة ونائبين عامين، في مدن عدة. 
وطال 'التطهير' المؤسسات التابعة لوزارة الداخلية أيضًا، إذ أعلنت الأخيرة عن عزل 8 آلاف و777 موظفًا ضمن مؤسسات تابعة للوزارة عن مهامهم، بذريعة ضلوعهم في الانقلاب الفاشل.
ولم تسلم الجامعات ووزارة التربية والتعليم من اقصاء الكوادر المخضرمة اذ تم اقصاء ١٥ الف من موظفي الوزارة واجبر 1577 عميدا واستاذا جامعيا واكاديميا على تقديم استقالاتهم وسحبت تراخيص 21 الف مدرسا من المدارس الخاصة. إن عمليات الاعتقال السريعة والواسعة التي تمت ومازالت في صفوف القضاة والشرطة والعسكريين والمدنيين، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، تشير إلى أن الحكومة أعدت قائمة الاعتقالات، وكأن شيئا كان معدا سلفا. ان هذا يبين بوضوح ان اجراءات اوردغان وحزب العدالة والتنمية تهدف وبوضوح الى اقصاء المعارضين من مختلف مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية من أجل تمكين جماعة الاخوان المسلمين في تركيا من الاستفراد بالحكم لسنوات طويلة.
ان هذا ما حدث في مصر، حيث استغلت جماعة الإخوان المسلمين فرصة وجودها فى الحكم لتنفيذ سيناريو التمكين من خلال السيطرة على الوظائف السيادية والتنفيذية والإدارية فى مختلف وزارات ومؤسسات الدولة، لضمان الاستمرار والانفراد بالحكم لسنوات طويلة. 
لقد اساءت حركة الاخوان المسلمين في مصر استخدام السلطة في عهد حكم مرسي القصير، فعملت على أخونة المجتمع واقصاء المؤسسة القضائية وتحييد دورها، وأقالت النائب العام، وعمل الرئيس محمد مرسي على تحصين قراراته السياسية ضد اي طعن قانوني، واقصت الجماعة حوالي ربع الكادر القضائي المخضرم، ووضعت دستور ذا الصبغة الاكثر دينية في تاريخ مصر. لقد اقحمت الحركة الالاف من اتباعها في مؤسسات الدولة وسيطرت على مفاصلها، وأجرت حركة تغيير واسعة في رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف القومية. كما وسيطرت على المحافظات، من خلال تعيين أعضاء من الجماعة، إمّا في منصب المحافظ أو نائب المحافظ، كما نجحت الحركة فى اختراق مفاصل 20 وزارة من خلال تعيين مستشارين للوزراء ومتحدثين إعلاميين ورؤساء للقطاعات ومديرين لمكاتب الوزراء. وكان هذا واضحا فى وزارتى الصحة والتعليم حيث قامت بتعيين أكبر عدد من المستشارين ووكلاء الوزارة ورؤساء القطاعات.
وهو ماحدث في غزة أيضا عقب الانقلاب الدموي الذي حدث في 14 يونيو/حزيران2008، حيث كان ثمنه أكثر من 417 شهيد من أبناء السلطة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني 'فتح' وما يزيد عن 1777 مصاب، ما يقارب من ثلثهم حالات بتر للأطراف.
وعلى اثر هذا الانقلاب منعت حركة حماس قوات الامن الوطني والشرطة من الرجوع الى اماكن عملهم وعينت بدلا منهم الالاف من اعضائها وانصارها، عل اثر قرار الرئيس محمود عباس بإعلان حالة الطوارئ وإقالة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية، وتشكيل حكومة لانفاذ حالة الطوارئ. حيث تم إصدار التعليمات لموظفي السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة بالتوقف عن الذهاب لمقار أعمالهم، باستثناء بعض الوزارات والمؤسسات التي تمس حياة المواطنين بصورة مباشرة مثل وزارتي الصحة والتربية والتعليم وبعض المؤسسات الأخرى، كالمحافظات والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. 
لقد استغلت حركة حماس هذه الاوضاع وقامت في أغسطس 2007 بانقلاب "أبيض" طردت فيه الموظفين المدنيين من مختلف مؤسسات ووزارات السلطة الوطنية على اثر الاضراب الذي كان الموظفون ينون خوضه احتجاجا على اقصاء جميع المدراء ورؤساء الاقسام في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية.
إن ما يحدث في تركيا حاليا، وما حدث سابقا، في السودان ومصر وغزة، يبين وبوضوح ان سياسة الاخوان المسلمين الاقصائية للموظفين المدنيين والعسكريين، هدفها الحقيقي هو تمكين الجماعة من السيطرة على الوظائف السيادية والتنفيذية والإدارية فى مختلف وزارات ومؤسسات الدولة، لضمان الاستمرار والانفراد بالحكم لسنوات طويلة .

ليست هناك تعليقات: