الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

الموقف الأمريكي والأسرائيلي من عودة غزة الى الشرعية الفلسطينية - د. رياض عبدالكريم عواد

الموقف الأمريكي والأسرائيلي من عودة غزة الى الشرعية الفلسطينية
د. رياض عبدالكريم عواد
يصعب علي الكثيرين منا في أغلب الأحوال ان يلحظ أي تعارض او تناقض بين الموقفين الامريكي والاسرائيلي من مختلف قضايا المنطقة العربية ومن القضية الفلسطينية بصفة خاصة. ترجع هذه الصعوبة اساسا الى:


أولا: طبيعة العلاقات الامريكية الاسرائيلية والتحالف الاستراتيجي القائم بينهما، لدرجة ان بعضنا يعتقد أن أمريكيا ورؤسائها ومؤسساتها هي ألعوبة في يد اليهود والصهيونية واللوبي اليهودي في امريكيا واسرائيل. ان هذا البعض العربي والفلسطيني لا يستطيع ان يرى اسرائيل والمشروع الاسرائيلي كأداة فاعلة في يد الامبريالية الأمريكية وسياساتها الدولية، بل يعتقد العكس، وان كل ما يحدث في العالم هو نتيجة المؤامرات التي يقودها اليهود، ويسخرون في سبيل ذلك كل الدول الاستعمارية وعلى رأسها امريكيا واوروبا!!.


ثانيا: التطابق التاريخي بين المواقف الأمريكية والأسرائيلية من مختلف القضايا، والدعم اللامحدود للادارات الأمريكية المتعاقبة للوجود والمواقف الأسرائيلية، سواء في المنظمات الدولية أو من خلال دعمها الاقتصادي والعسكري غير المحدود. وليس اخر ذلك تصريح السفير الأميركي لدى تل أبيب فريدمان "ان اسرائيل لا تحتل سوى 2% من الضفة الغربية". كما يتبوأ 11 يهودياً مناصب قيادية مؤثرة في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي "فاز فقط بأصوات 24% من الأصوات اليهودية". من هؤلاء جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي ترامب، زوج ابنته ايفانكا ومستشاره. ودافيد فريدمان، الذي يملك بيتاً في القدس الغربية، وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل. وجيسون غرينبلات، اليهودي المتدين الذي درس في مدرسة دينية بالضفة الغربية أواسط الثمانينيات، وقام بواجب الحراسة هناك، الممثل الخاص للرئيس الأمريكي للمفاوضات الدولية مع التركيز على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

منذ أن انطلق قطار المصالحة في الفترة الأخيرة وهذا الجدل يدور بين مختلف المهتمين في الشأن الفلسطيني، حيث يتساءل الكثيرون لماذا يختلف الموقف الامريكي عن الوقف الاسرائيلي، خاصة في ظل ادارة ترامب التي توصف بأنها من اقرب الادارات لاسرائيل ومواقفها. ويتساءل أخرون ما هي دواعي هذا الاختلاف، وهل لأمريكيا مصلحة في المصالحة الفلسطينية لتؤيدها.

الموقف الأمريكي
الإدارة الأميركية تدعم عملية المصالحة، لأنها ترى فيها دفعة هامة لجهود الرئيس (ترامب) للاستفادة على أكمل وجه من المفاوضات السياسية (بين إسرائيل والفلسطينيين)، لتنفيذ مخططاتها في اعادة ترتيب التحالفات في المنطقة، وتشكيل حلف سياسي جديد معادي لايران. إن أمريكيا وحلفائها العرب لا يستطيعون مواصلة عملهم في اقامة هذا الحلف، دون ايجاد حل معقول وممكن للقضية الفلسطينية، أقرب ما يكون لما تطرحه الرباعية العربية. لذلك من الصعب على نتنياهو أن يعارض مبادرات يؤيدها ترامب، الذي قال للأمين العام للأمم المتحدة، وفقا لما نشرته هآرتس، إن في المفاوضات السياسية "نتنياهو أصعب من أبو مازن". إن هذه المواقف والأنباء ليست أنباء طيبة لإسرائيل.

الموقف الاسرائيلي
ان الموقف الإسرائيلي من المصالحة يحدده في الأساس الدور الذي قامت به إسرائيل في تأييد الانقسام، وغضها الطرف عما حدث في ٢٠٠٧، والاكتفاء بالمراقبة عن بعد. لقد اجمع العديد من المراقبين على اهمية فصل غزة عن الضفة الغربية بالنسبة لأسرائيل، لان هذا الوضع يريحها، ويمنحها هدوءا على الحدود هي بحاجة له، من خلال الهدنة الطويلة التي عقدتها مع حماس، حيث انخفض عدد الصواريخ التي اطلقت على غلاف غزة منذ 2012 الى عشرات الصواريخ فقط، اذا استثنينا عدد الصواريخ التي سقطت في حربي 2012 و2014. ان فصل غزة عن الضفة العربية يضعف النظام السياسي الفلسطيني، ويعزز من موقف اسرائيل وادعاءاتها في عدم وجود شريك فلسطيني يمثل الفلسطينيين في المفاوضات.

ان الموقف الاسرائيلي الذي سمح بدخول هذه الاعداد الكبيرة من المسؤولين و رجال الامن و السيارات والاسلحة المخصصة لحمايات الشخصيات، قد أربك المشهد ونشر سحابة من الضباب حول الموقف الاسرائيلي الحقيقي من هذه المصالحة.

لكن هذا الموقف الأسرائيلي لم يدم طويلا، وسرعان ما أعلن عن نفسه، من خلال تصريحات اكثر من مسوول اسرائيلي عبر عن موقف وشروط اسرائيل لما يجري للتعامل مع هذه المصالحة ومخرجاتها، وبين بوضوح حقيقة الموقف الاسرائيلي، وأزال اللبس والشك الذي ظهر في الايام الأولى لهذه المصالحة الفلسطينية.

طالب نتياهو عقد جلسة كتلة الليكود ليؤكد على موقفه من تعزيز الاستيطان وقال "اننا لن نقبل بمصالحه تكون على حساب وجودنا، و لكي نقبل بهذه المصالحه يجب تفكيك سلاح حماس، والاعتراف باسرائيل، وقطع العلاقة مع ايران التي تطالب بأرالتنا عن الوجود".

اما نفتالي بينت زعيم حزب البيت اليهودي، وزير التعليم و الثقافة في الحكومة، طالب بعقد جلسة طارئة للكابينت الاسرائيلي لاتخاذ قرار فوري بوقف تحويل اموال الضرائب للسلطة الفلسطينية بعد ان اصبحت حماس (الارهابية) جزء منها. واضاف ان الاستمرار في تحويل عائدات الضرائب للسلطة يعني اننا نمول الارهاب. وعليه، يجب اعادة جثث الجنود الاسرائيليين الذين قتلوا في عدوان ٢٠١٤، و اعتراف حماس باسرائيل، ووقف تحويل الاموال للاسرى في السجون الاسرائيلية.

وافيقدور ليبرمان وزير الجيش في اسرائيل الذي قال في تعقيبه "ان ما يجري الان هو محاوله فاشله من حماس و فتح للصراع على الموقف من الرأي العام الفلسطيني، حيث كلا الطرفين يريد ان يلقي باللوم على الطرف الاخر ويحمله مسؤولية الفشل، وشكك في امكانية حدوث هذه المصالحه"؟

ان كل هذه التصريحات تبين بوضوح حقيقة الموقف الاسرائيلي من هذه المصالحة وامكانية خسارتها للدجاجة التي تبيض لها الذهب، وتعلق عليها كل رفضها للمضي قدما في عملية التفاوض، وتعمل على استدامة هذا الانفصال السياسي الذي يريحها سياسيا وامنيا.

الخلاصة
إن الموقف الأمريكي ليس تابعا للموقف الاسرائيلي أو الصهيوني أو حتى اللوبي اليهودي، بالرغم من أن هذه المكونات تؤثر عليه تأثيرا هاما. أن اسرائيل هي ترس صغير، ولكنه هام، في السياسة الأمريكية تستخدمها من أجل تحقيق أهدافها الاقليمية والدولية.

إن الاختلاف في النظرة الى وحدة النظام السياسي الفلسطيني وعودة السلطة في غزة الى حضن السلطة الفلسطينية بين الادارة الامريكية واسرائيل هو واضح وهام ويجب رؤيته والاستفادة منه.

أن المنطقة مقبلة على ترتيبات سياسية جديدة وفقا للرؤيا الأمريكية، علينا كفلسطينيين أن ننتبه لذلك، ونمنع حدوثه بالتناقض مع مصلحتنا الوطنية، ونحاول ان نحقق اهدافنا الوطنية بحدها الأدنى المعلن عنها ولكن بواقعية ومرونة شديدتين. ان هذا ليس بالأمر السهل والهين ولكنه يتطلب وحدة النظام الفلسطيني، سياسيا وامنيا، ومواصلة مقاومتنا السلمية الشعبية ونضالنا الدبلوماسي.

إن اسرائيل ستعمل كل ما في وسعها وبكل قوتها لتخريب عودة غزة الى حضن النظام السياسي الفلسطيني ، لذلك على جميع الأطراف أن تعي وتعترف بهذه الحقيقة، وأن تمنع تدخل اسرائيل في شؤوننا الداخلية من خلال أدواتها المحلية الصغيرة والاقليمية.

إن الوحدة الوطنية وقيام نظام سياسي موحد، وحل مشاكل الناس المعيشية، والركون والاستناد والتحالف مع الموقف المصري الداعم والمستفيد من وحدة النظام الفلسطيني، هي الشروط اللازمة لمنع تدخل اسرائيل وادواتها، ولنجاح بناء نظام سياسي فلسطيني جديد من خلال انتخابات تشريعية وم ت ف قوية.

ليست هناك تعليقات: