الثلاثاء، 28 مايو 2013

دروس ثلاث من وحى ذكرى الإسراء والمعراج - د.أســـامـة جـادو

دروس ثلاث من وحى ذكرى الإسراء والمعراج
بقلم النائب السابق /د. أســـامـة جـادو
أمتنا الإسلامية فى حاجة ماسة اليوم إلى أن تعيد قراءة السيرة والتاريخ لتستلهم منهما نماذج الصلاح والإصلاح و تتمثل تجارب التغيير الناجحة ، وتستدعى إلى حاضرها المُثل والقدوات الخالدة تستأنس بها وهى تتعامل مع واقع وحاضر مضطرب تموجه تقلبات و انقلابات وتكتنفه ثورات و تكلله تضحيات ، أمتنا تخطو الى المستقبل وهى حين تفعل ذلك لا تكون أبداً أسيرة الماضى او حبيسة التاريخ ،بل هى تعايش واقعها ببصر الحاضر وبصيرة التاريخ وتستشرف المستقبل وتتأهب لمهام جسام ورحم الله شاعرنا وهو يردد متأملاً حركة التاريخ وذكرياته العطرة
لاتجعل الذكرى نشيداً مُطربــــاً بمنظمٍ يثتلى وغير مُنَظم
ذكرى إمام الرسل أحمـــــد ثورةٌ تجرى فى العروق مع الدم
رحم الله الشهيد سيد قطب حين أطلقها قوية وقال " فى التاريخ فكرةٌ ومنهاج " ، ويا ليت عيون الأمة وروادها يلتفتون إلى ذلك ويصرفون همتهم وجهودهم إلى توظيف الأحداث التاريخية والمناسبات عامة والدينية منها خاصة لخدمة الأهداف العليا للإسلام ، وغرس القيم الاسلامية فى نفوس جماهير الشعب وتربيتهم عليها ، وإرشاد الناس وتصحيح المفاهيم المغلوطة وتقويم المعوج من التصورات والخاطئ من التصرفات .
وتأتى ذكرى الإسراء والمعراج فى ظل أجواء ملتهبة وأحداث متصاعدة وتطورات بالغة الأهميـة ، مصرنا الحبيبة اجتازت مرحلة عصيبة من تاريخها وطوت صفحات أليمة مرت بها ، وهى تتأهب لمرحلة جديدة من الإستقرار والبناء وتأسيس دولة حديثة ، وكلنا امل فى توفيق الله تعالى أن يلحق ركب الأمة ويصاحبها ، وثقة أن الغد أفضل بإذن الله تعالى
" وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون " سورة القصص َ
وتخيرت من دروس الإسراء والمعراج ثلاثة أقفُ امامها متأملاً

* الثقة في الله و الثبات على الحق الأول :


من بين وقائع الذكرى الطيبة موقف لا أنساه يوضح لنا عظيم الثقة في الله التي كانت تملأ قلب النبي ( صلى الله عليه و سلم ) : حين اصبح النبي (صلى الله عليه و سلم ) بمكة قصَّ خبر الإسراء على السيدة أم هانئ بنت ابي طالب (رضي الله عنها ) ثم قال لها :
(و انا أريد الخروج إلى قريش فأخبرهم بما رأيت )
فأخذت بثوبه و قالت له
( إني أذكرك الله ! إنَّك تأتي قومك يكذبونك و ينكرون مقالتك فأخاف أن يسطو بك ) قالت : فضرب ثوبه من يدي ثم خرج اليهم و هم جلوس فأخبرهم ما أخبرني) و عند ابن إسحاق فيما رواه ابن هشام في سيرته قال لها ( صلى الله عليه و سلم ) : ( و الله لُأحدثنهموه ) و إنه لموقف مهيب ، فنصيحة الأقربين العارفين بطباع الخصوم تقول له لا تفعل ، فإن فعلت كذبوك و أنكروا ما تقول و لربما تعدوا عليك بالإيذاء ، و يغلب على ظني أن النبي (صلى الله عليه و سلم ) أُمر من ربه أن يبلغ قومه خبر الإسراء و المعراج ، فلما شرع في ذلك و أخبر أم هانئ بنت عمه عزمه الخروج إلى قريش و إخبارهم بخبره أقسمت عليه ألا يخرج و الا يفعل مخافة تكذيبه و السطو به ، بل و أمسكت بطرف ثوبه تحثه الا يخرج فيقول بكل ثقة (والله لاحدثنهموه ) حتى و إن كذبوني فسوف احدثهم به ، ثقة بمنهاجه و ما أُمِرَ به لا حدود لها ، و يقين كامل فيما يدعو إليه ، دون أن يعبأ أو يكترث بتكذيب القوم.
ما احوجنا أن نتمثل هذه ( القدوة ) في حياتنا و نحن نمضي في دروب الحياة نؤدي فرائض ديننا و نقوم بواحبات الله علينا ، لا نخشى في الله لومة لائم ، و لا يحول دون قيامنا بذلك سخرية أو إيذاء ، أو صد أو بلاء ، قدوتنا في ذلك رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ).
أتمثل المرأة المسلمة و هي تلتزم بحجابها الشرعي ، كما امرها الله تعالى ، و قد وعت ما ينبغي عليها - كمسلمة - من سلوك و آداب ، و اخلاق و معاملات ، مع زميلاتها أو جاراتها ، في بيتها او عملها او جامعتها او مدرستها ، وهي تسير في الشارع أو تقضي مصالحها ، في كل ذلك تلتزم النهج الإسلامي الرفيع و تتخلق بأخلاق الحبيب ( صلى الله عليه و سلم) . تفعل ذلك غير عابئة بنظرات بعص المغرضين ، مرضى القلوب و العقول ، الذين هالهم أن تنحاز المرأة المسلمة إلى الفضيلة و الخلق القويم في ظل شريعة الله تعالى ، فصبوا غضبهم و نفثوا سمومهم ، طاعنين في الحجاب تارة ، و في الفضائل تارة أخرى ، و لربما حركوا أذناباً لهم فيلحقون الأذى و الضرر بمن سلككوا الطريق القويم ، و يضيقون عليهنَّ ما وسَّعوه على غيرهن ، اقول :
أتمثل المرأة المسلمة تردد قولة النبي ( صلى الله عليه و سلم ) ( و الله لأحدثنهموه ) حتى و إن كان أذى وبلاء .
يقولها كل ملتزم بدين الله ، راغب فيما عند مولاه ، يقولها كل داعية عرف الحق و سلك طريقه ، أبصر النور و صار في رحابه ، مقتفياً خُطى رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) يردد على مسامع الدنيا قول الحق تبارك و تعالى :
سورة الاحزاب الاية 39( الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحداً إلا الله و كفى بالله حسيباً ).
و يمضي في طريقه غير مكترث بالمتشككين و لا مهتم بالمغرضين فلقد ظهر الحق و بطل الباطل .
فيا اتباع محمد (صلى الله عليه و سلم ) ثقوا في الله تعالى ، و في منهاجه و شريعته ، و اثبتوا فأنتم على الحق و انتم الاعلون إن كنتم مؤمنين .

اليقين في نصر الله و تأييده الثانى :
كثيرة تلك المواقف الشداد التي تعرض لها الدعاة المخلصون و هم سائرون على طريق الدعوة الرشيد ، و في كل موقف يتعرضون فيه لمحنة أو ينزل بهم الكرب يهتف بهم داعي الإيمان ( لا تحزنوا إن الله معكم و من كان الله معه فمعه العزيز الذي لا يغلب ، و القوي الذي لا يقهر ، و ما حديث الإسراء منكم ببعيد ) .
نعم ... لقد تجلت على رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) فيوض الرحمة و النصرة في وقت يصفه النبي ( صلى الله عليه و سلم ) بالكرب الشديد الذي لم يُكرب مثلُه قط ، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة
( رضي الله عنها ) عن النبي (صلى الله عليه و سلم ) و هو يحدث عن إجتماع قريش حوله بعد أن أخبرهم بخبر الإسراء ، فقال :( فسألوني عن أشياء لم أثبتها ، فكَرِبتُ كرباً لم أُكّربّ مثلُه قط ...) فلقد سأله المطعمُ بن عدي عن عدد أبواب المسجد الأقصى و مداخله و قبابه إلى غير ذلك من تفصيلات لم يكن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) منشغلاً بها أثناء رحلته ، فكان الحرج و الكرب الذي يصفه بأنه لم يُكربّ مثله قط .
هنا تسعفه العناية الإلهية ، إذا بمعجزة أخرى يجريها الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه و سلم ) ليقيم بها الحجة على قومه ، فلقد صحَّ في البخاري و مسلم و عند أصحاب السنن حديث رفع بيت المقدس من مكانه و المجيء به إلى رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) حتي ينظر إليه و ينعته لقومه و يصفه باباً باباً و يخبرهم عن آياته فعن جابر بن عبد الله
رضي الله عنهما ) أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) يقول :
( لما كذبتني قريشٌ ، قمت في الحجر ، فجلى الله لي بيتَ المقدس فطفقتُ أخبرهم عن أياته ، و أنا أنظر إليه )
وروى الإمام احمد في مسنده عن عبد الله بن عباس ( رضي الله عنهما ) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) :
( لما كان ليلة أُسرى بي ، فأصبحت بمكة ، فظعت ، و عرفت أن الناس مكذبي ) فقعد معتزلا حزيناً ، فمر به عدو الله ابو جهل ، فجاء حتى جلس إليه ، فقال له كالمستهزيء : هل كان من شيء ؟
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : نعم . قال : ما هو ؟ . قال : ( إني أُسرى بي الليلة ) . قال : إلى اين ؟ . قال : ( إلى بيت المقدس ) . قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : (نعم ) . قال (ابن عباس ) : فلم ير ان يكذبه مخافة أن يجحد الحديث إن دعا قومه إليه . فقال ( أبو جهل) : أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) : (نعم) . فقال : يا معشر بني كعب بن لؤي ، فانفضت إليه المجالس و جاؤوا حتى جلسوا إليهما ، قال (أبو جهل ) : حدث قومك بما حدثتني . فقال رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) : ( إني أسرى بي الليلة ) فقالوا : إلى أين ؟ فقال : ( إلى بيت المقدس ) قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ . قال : ( نعم ) .، فقال ( ابن عباس ) : فمن بين مصفق و من بين واضع يده على رأسه متعجباً للكذب . . قالوا : و تستطيع أن تنعت لنا المسجد ( تصفه لنا ) ؟ و فيهم من قد سافر إلى ذلك البلد و رأى المسجد . فقال رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) : ( فمازلت أنعت حتى التبس علىَّ بعض النعت فجيء بالمسجد و أنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل ، أو عقال ، فنعته و انا أنظر إليه ، قال : وكان مع هذا نعت لم احفظه قال بن عباس : فقال القوم : أما النعت فوالله لقد اصاب فيه .
إنها المؤيدات الربانية التي تهتف بالمؤمنين (لا تحزنوا إن الله معكم ) ، فإذا بالفرج القريب و اليسر اللطيف يحيطان بالنبي ( صلى الله عليه و سلم ) و تنطق الدلائل بصدقه فيحبط اهل الباطل .
و اخبر الرسول (صلى الله عليه و سلم ) قريشاً عن عير لهم ، قد مر بهم في ذهابه و إيابه ، و اخبرهم عن علامات و امارات و اخبرهم عن وقت قدومها و اخبرهم عن البعير ( الجمل ) الذي يقدم القافلة و قال ( يقدمهم جملٌ آدم عليه مسح اسود و غرارتان سوداوان فلما كان ذلك اليوم أشرفَ الناسُ ينظرون حين كان قريباً من نصف النهار حتى اقبلت العيرُ يقدمهم ذلك الجمل الذي و صفه رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) .
إنه درس اليقين و التوكل على الله و الثقة في تأييده لأوليائه فكم من بلية أبتلى المؤمن بها ، و كم من محنة وقع الدعاة فيها ، وكم من كرب احاط بالصالحين ، ولكن !! كان الله بهم لطيفاً ، قال لهم من قبل :
( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ( سورة المجادلة 21)
و قال : ( قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) ( سورة غافر الآية 50 ، 51 )
فلما ضاق بهم الامر ، وحلَّ بهم الكرب ، لجئوا إلى ربهم مستغيثين بقوته مستنصرين بحوله وقدرته فأسعفهم بفضله و تجلى عليهم بجوده و عطائه .
أيها المسلمون .....
تعرفواإلى ربكم في الرخاء يعرفكم في الشدة . أقبلوا عليه وقت العافية يقبل عليكم وقت المحنة ... إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم .
الثالث ريادة الأمة وأستاذية العالم :
ينتابني شعور بالمسئولية الكبرى كلَّما تذكرت أحداث الإسراء والمعراج فيما يتعلق بمكانة الأمة الإسلامية ومنزلتها بين الأمم؛ فهي الأمة الوسط، والشاهدة، وهي خير أمة أخرجت للناس.
نقرأ صفحةً من صفحات الإسراء تُجدِّد عند الأمة وتذكِّرها بمسئوليتها العالمية، وسطور هذه الصفحة تخبرنا أن الله تعالى جمع كل الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام حتى عيسى بن مريم عليه السلام، وحشدهم في بيت المقدس ليكونوا في استقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثم دخلت المسجد- المسجد الأقصى-فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد، ثم أقيمت الصلاة فأممتهم".
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "فلمَّا ألبثْ إلا يسيرًا حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن، فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفًا ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبريل فقدَّمني فصليت بهم".
وليس بخافٍ أن إمامة النبي صلى الله عليه وسلم لجميع من سبقه من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام إنما هي دلالة على مكانته وفضله؛ فهو صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ولا فخر.
ونتأمل معًا هذا الدرس ونؤكد أن إمامة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته ركعتين بالنبيين والمرسلين ثابتة، وكانت هذه الإمامة إقرارًا مبيِّنًا أن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى خلقه؛ أخذت تمامها على يد محمد صلى الله عليه وسلم.
وهي تعني الانتقال بالقيادة الروحية في العالم من أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد، يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: "إن الإسلام هو المنهج الإلهي للبشرية في صورته الأخيرة؛ سبقته صورٌ منه تناسب أطوارًا معينة في تاريخ البشرية تمهِّد كلها لهذه الصورة الأخيرة الخاتمة".
وفي سورة الصف يذكر الله تعالى رسالة موسى وأمة اليهود التي اؤتمنت على قيادة البشرية في وقتها، ويقرِّر الله تعالى أن اليهود انحرفوا عن الرسالة ومنهج الله ولم يعودوا أمناءَ على دين الله في الأرض ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (الصف: 5).
إذن.. فقد انتهت قوامة اليهود على دين الله، ولم يعودوا أمناءَ عليه منذ زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، ومنذ ضلوا فأضلهم الله، ومن ثم يذكر الله رسالة عيسى ليقرَّر أنه جاء امتدادًا لرسالة موسى، ومصدِّقًا لما بين يديه من التوراة، وممهِّدًا للرسالة الخاتمة، ومبشِّرًا برسولها محمد ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (الصف: 6).
ولم تنصلح أمة اليهود على يد موسى، ولم تنصلح على يد عيسى عليهما السلام، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم ليتسلَّم الراية من النبيين أجمعين، ولتتولَّى أمته قيادة البشرية وأستاذية العالم وريادة الكون، كما عبَّر عنها الإمام البنا، وقد جعلها هدفًا من أهداف الدعوة.
أمل عظيم يراود خيال وعقل المؤمنين، وواقع أمتنا الإسلامية المر الأليم بعيد كل البعد عن هذا الأمل، وبينها وبين هذا الأمل فجوة عظيمة، ولن تصل الأمة إلى أملها المنشود إلا إذا اجتازت هذه الفجوة وعبرت آلامها إلى آمالها بجهدها.
ما أحوجنا كي نسد هذه الفجوة إلى كل طاقة وجهد ووقت كي نحقق أملنا! نحن في حاجةٍ إلى تكاتف الجهود ووحدة الصف وصفاء النفوس حتى نصل إلى غايتنا.. كفانا خلافات، وكفانا تضييعًا للوقت والجهد والفرص.. كفانا إعاقةً لمسيرة الحركة الإسلامية.
إن الخلاف الفقهي الذي بين أيدينا خلافٌ موروثٌ، وليس خلافًا مُحْدثًا؛ اختلف فيه صحابة نبينا وسلفنا الصالح؛ حين اختلفوا لم يتفرَّقوا، وتفرقنا اليوم.
ما أحوجنا إلى أن نلتف حول منهجنا، مسترشدين بقاعدة المنار الذهبية التي رفعها الإمام الشهيد حسن البنا "فلنتعاون على ما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه"!
فلنتعاون ولنتكاتف حتى يكون منا الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، والحكومة المسلمة، والدولة المسلمة، ولنتعاون حتى تعود الخلافة الراشدة إلى مكان الريادة، ولتتبوأ الأمة مكان الصدارة بين الأمم، ونكون بحق "خير أمة أخرجت للناس".
إنَّ أمتنا تمر اليوم بمرحلة خطيرة ، مخاض عسير تتخلص فيها من كل أوهاق الضعف والمرض ، والعجز والكسل ،وتعيد صياغة الحياة من جديد ليشهد العالم مولد أمة عظيمة استيقظت من سباتها ونفضت غبار الذل عنها ، إنذ ربيع الثورات العربية يهتف بكل أبناء الوطن و أطياف الشعب هلموا تحت راية واحدة تجمعكم وتوحدكم ، اصطفوا ولا تختلفوا تجمعوا ولا تتفرقوا ، هذا البلد العظيم حرره أبناؤه وهم يشاركون جميعا فى تأسيسه من جديد وبنائه على أسس النهضة والتقدم والرقى ، لا اقصاء ولا استبعاد، فالجميع شركاء فى الوطن ومن ثمَّ فهم شركاء فى المسئولية عنه .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد معلم الناس الخير
د.أســــامـة جـادو

ليست هناك تعليقات: