السبت، 9 فبراير 2013

مصر– فلسطين - علاقات تاريخية ممتدة - د. عادل محمد عايش الأسطل

مصر– فلسطين: علاقات تاريخية ممتدة، وصورة مجنِّحة مهزوزة .!
د. عادل محمد عايش الأسطل

لا يستطيع أحد في الشرق أو في الغرب، التشكيك بالعلاقات التاريخية التي تربط مصر وفلسطين قيادةً وشعباً وعلى كافة المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، ناهيك عما تفرضه أدبيات القرب والجيرة، وبدرجةٍ أعلى تتعمق بصلة المصاهرة والنسب، والأخوّة التي تحمل كل معاني الحميّة في صد الأزمات وعواتي الأزمنة على مراحلها المختلفة. بشكل لا يسمح  بتسلل بعض المغالطات التي غالباً ما تنتج عن السرعة أو عن سوء فهم، التي من شأنها أن تعمل على قلب الصورة الإيجابية (المميزة) بين البلدين أو تشويهها على الأقل.
لقد فرضت النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني عام 1948، من جراء هجوم الجماعات الصهيونية على فلسطين أرض الشعب الفلسطيني، وإعلانها عن قيام دولة إسرائيل، والتي أدت إلى تشتيت الشعب الفلسطيني في اصقاع الأرض، وضياع أرضه وفقدانه ممتلكاته، وما لحق به من امتهان لعزّته وكرامته، أن يُعلن حالة الكرب وأن يلبس لباس الحرب، ضد المعتدي الصهيوني(فقط)، بهدف تحرير وطنه واسترداد كرامته. ولهذا الهدف وُلدت بعض التشكيلات الفلسطينية العسكرية، وأخذت على عاتقها مقاومة الاحتلال الصهيوني بكل السبل الكفيلة بدحره وعلى رأسها الكفاح المسلح. الذي تعاظم شيئاً فشيئاً وتعددت درجاته من حيث العنف والشدة من منظمة إلى أخرى، مردّها، تلك المفاهيم الشخصية المختلفة والمتفاوتة بين قادة تلك التنظيمات وأيضاً المتغيرات الميدانية التي تحكم السلوك والتصرفات وفي كل اتجاه.
كان نتيجة تطور أحداث القضية الفلسطينية إلى الأسوأ، أن قامت بعض التنظيمات الفلسطينية على توسيع نطاق مقاومتها للاحتلال الصهيوني ليشمل القيام بعمليات عسكرية خارجية، شملت مهاجمة أشخاص يهود وصهاينة ومتعاونين أجانب، واللجوء إلى خطف السفن والطائرات واستهداف مصالح إسرائيلية حول العالم، حيث شكلت المقاومة الفلسطينية خلال فترتي الستينات والسبعينات، إحدى الظواهر التي لا مثيل لها والنادرة الحدوث في العالم، بحيث كانت العمليات العسكرية التي تقع حول العالم، تُنسب وقبل الإعلان عنها إلى المقاومة الفلسطينية، حيث طغت المقولة الماثورة والمثل الدارج (الخط الأعوج من الثور الأعرج).
لا عتب على الغرب بكل دولهِ وطوائفه وعرقياته، أن يتقوّل ويدّعي بمغالطاته، ويستنتج ويُعاقب كيف يشاء، وربما نجد له من العذر، كون دولهِ (أغلبها) متورطة في مكونات المشروع الصهيوني- بنسبٍ مختلفة-، في معاناة الفلسطينيين الكبرى، بداية بدفعه نحو المضي قدماً وتمهيد طريقه صوب فلسطين، ومروراً بتدعيم صموده وترسيخ وجوده، على حساب الشعب الفلسطيني والأمة العربية بشكلِ عام.
لكن الألم يكون زائداً عن الحد، عندما يتلقى الشعب الفلسطيني - الآمِل- في كل عربي، وفي كل متعاطفٍ أجنبي، أن يسانده في محنته، بقشّة أو ما دون ذلك. ويؤيّده (ظالماً أو مظلوماً) كما يُوجب الدين والعرف، وتقضي التقاليد والعادة. كما أن المعاناة تكون أضعافاً مضاعفة عندما يأتي من جملة المغالطات وأشكالها، من ناحية البلد الأقرب لكل ما هو فلسطيني في كل شيء وفي كل زمان وأوان.
هناك في مصر كنت لا أغضب كثيراً، عندما أسمع مقولات – منتشرة داخل شرائح (شعبية) مختلفة وكبيرة إلى حدٍ ما- أقلّها، أن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود، وبأنهم سبب كل البلايا وما يتفرّع من الحديث، ليس في المنطقة وحسب، بل في العالم بأسره، وكان من المؤسف أنني وفي كل مرة، لم أستطع التصدي بالمجادلة أو الحجة، وأغلب المحاولات تفشل. لماذا ؟ ولا شك هناك أجوبة.!
لكن الذي يُثير الدهشة والعُجب، هو أن يسقط على المسامع وبصراحةٍ بائنة، مثل تلك التفوهات من بعض أولئك الذين يُعتبرون من أفذاذ مصر ومثقفيها وعلى مستوياتهم، حيث أخذوا على عاتقهم، التصدي لكل ما هو فلسطيني ونكران العلاقات الإيجابية التي حكمت وتحكم البلدين(طيباً وكرها) في مقابل تسليمنا كفلسطينيين بالفضائل المصرية علينا والتي لا نستطيع لها حصراً ولا عدّاً (طيباً كان أو كرهاً) أيضاً.
منذ حادثة كنيسة القديسين في الإسكندرية في مطلع العام 2011، كان أول بيان أمني مصري - إبان حكم مبارك- قد صدر يقول: بأن وجوهاً ذات ملامح آسيوية نفذت التفجير الإرهابي، في مقدمة لتوجيه أصبع الاتهام إلى الفلسطينيين، وهو ما حدث بعد فترة وجيزة، حين طالعتنا الصحف المصرية بذلك. وحتى في أعقاب حوادث مختلفة – فيما بعد الثورة - (حادثة رفح الحدودية، وعمليات تخريبة داخل الحدود المصرية، ومشاركات فلسطينيين في أعمال (ضد الثورة المصرية أو تأييداً لها) وكلها كانت أقوال واتهامات لا دليل عليها ولا برهان لها. وبرغم عدم صحتها، إلاّ أننا نجد نماءً لها وتطويراً صارخاً على مجرياتها، كان أشدها: نشر معلومات تفيد بإرسال حوالي 7000 من عناصر من حركة حماس(رسمياً)، للمساعدة في حماية الرئاسة المصرية، ثم لم يتجاوز ذلك القول يوماً أو بعض يوم، حتى طالعتنا الأنباء بوصول 7500 آخرين إلى مصر من نفس الحركة، لنفس الهدف، - وكأنهم مرتزقة أو بلاك ووتر-. ثم هناك الكشف عن وثيقة سريّة تتضمن طلباً قطرياً من الحركة نفسها، بالمساهمة في حفظ النظام في مصر، وأكد تلك الأنباء كثيرون ومنهم الإعلامي "توفيق عكاشة" الذي دعا إلى القبض على العناصر الحمساوية، ومن ثمّ تعليقهم من أرجلهم.
أرجو أن لا أصحو يوماً، أراني في صفوف الذين يدافعون عن الرئيس المصري "محمد مرسي" أو نظام الإخوان، ليس لشيء، وإنما بسبب أن الشعب المصري ليس بحاجة لأحدٍ من غير المصريين، وله المقدرة التامة في الدفاع عن نفسه، بل وبه الكفاية للدفاع عن الأمة العربية وفي المقدمة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي لم يحظَ يوماً على أي شيءٍ من مفردات التأسّف أو ما يكون على شاكلة الاعتذار.
خان يونس/فلسطين
7/2/2013

ليست هناك تعليقات: