كَرمكول الرّاقِـدة بهدوء عـند منحنى النيل تَـشْدو
(الورقة الثانية)
سعيدة تاقي |
ـ 2 ـ شدو النيل الأزرق
لم تكن الليلة الأولى التي عقدت لنا أول موعد مع كل المحتفى بهم من سودانيين و عرب في ظل حفاوة أمناء الجائزة و الشركة المحتضنة بحدائق "بابِـلـيُـو" بأقل من مبهرة. أنغام الموسيقى التي ما توقّفت طيلة الأيام الأربعة عن الصدح بمعزوفات و أغان و ألحان تجتذب الأذن إلى إيقاعات و مقامات لم يألفها سمعي، رغم ما بدا لي أحيانا من تقارب بينها و بين إيقاعات أحواش و الروايس في سوس و الأطلسين الكبير والصغير و بعض التقاسيم الحسّانية الصحراوية، و للخبراء طبعاً في المقامات و الطبوع الموسيقية الحكم و التقويم.
كان المقام الخماسي، وفق ما شرح لنا المضيفون،المقام الوازن للخصوصية الموسيقية السودانية. و هو أمر أدركناه بعمق و نحن نتابع تلاوة القارئ الشيخ السوداني الزين محمد أحمد لآيات القرآن الكريم يوم الخميس في بدء الفعاليات الختامية. فقد كان النسغ الإيقاعي ذاته واسِماً للتلاوة القرآنية بما لا تستطيع الأذن المستجِدة في إدراك ذلك التلوين الموسيقي أن تغفله.
الموسيقى لغة الفرح السوداني. لم يكن أي مجلس ليُغـيِّبها. و لم تكن المجموعات الموسيقية و الغنائية التي تداولت الشدو في الليالي الأربع بمجموعات هاوية، إنها تحترف الجمال و الرقي و صنع الفرح. و كأنها تعقد مع الجوارح ألفة تربو شيئا فشيئا لتلغي في الختام مسافات البعد و تحرّر الجسدفي الاستجابة و التواصل من كل عِقال. و كان لليلة الخميس كل السّحر الذي غمرَ الجميع ضيوفاً و مستضيفيـن روائيين و قاصين و شعراء و نقادأ و أساتذة جامعيين و أكاديميين باحثين و محاضرين في جامعات أمريكية قدموا للمشاركة في احتفالية الطيب صالح. استدعاهم جميعا السحر إلى حلبة الرقص تعبيراً عن الفرح و الحبور. في السودان الفطرة مثل الفكر تعبِّــر بالفرح عن سمو الجمال في كل تعبيراته.
كنا طيلة الأيام الأربعة نلتقط ما وَسع قدرتنا على الالتقاط. لا أستبعدُ أنّ الكثيرين سيشيّدون على متن الزيارة شخصياتهم الروائية المستقبلية، و أن آخرين قد اقتنصوا لقطات قصصية ستنمو على مهل في ربوع أخرى. لا شك أن جميع الزّائرين قد ارتووا من نبعٍ زلال ستزهِرُ أطايبه في موعد القطاف لاحقاً، فلا يمكن لروح الإبداع أن تعـبُر بحياد صامت أمام كل ما انتصب على متون احتفال الطيب صالح و هوامشه من قيم.
أحببنا السودان منذ أدركنا خارطةَ الوطن منحوتةً في شغاف قلوبنا، ذات طفولةٍ لاهية عن امتداد الحدود و نسيج الجغرافية و عُقدِ التاريخ. لم نكن نفصله في تمثُّلاتنا المغرِقة في التخييل السينيمائي المصري عن "أمِّ الدنيا" مصر، و كأنه الجزء الجنوبي لشمالٍ يُطِلُّ على البحر الأبيض المتوسط. و لم نكن نعي أنّ التقاء النيلين الأبيض الرزين و النيل الأزرق الثائر في المقرن، وسط ولاية الخرطوم المكونة من المدن الثلاث الخرطوم عموم و أم درمان و بحري، هو الذي يمدّ النيل بالقوة التي تدفعه فتيا متدفِّقاً نحو شمال السودان لاجتياز الشلالات العديدة التي ستعترض سبيله،ليصل إلى مصر "هبة النيل".
لم تكن الليلة الأولى التي عقدت لنا أول موعد مع كل المحتفى بهم من سودانيين و عرب في ظل حفاوة أمناء الجائزة و الشركة المحتضنة بحدائق "بابِـلـيُـو" بأقل من مبهرة. أنغام الموسيقى التي ما توقّفت طيلة الأيام الأربعة عن الصدح بمعزوفات و أغان و ألحان تجتذب الأذن إلى إيقاعات و مقامات لم يألفها سمعي، رغم ما بدا لي أحيانا من تقارب بينها و بين إيقاعات أحواش و الروايس في سوس و الأطلسين الكبير والصغير و بعض التقاسيم الحسّانية الصحراوية، و للخبراء طبعاً في المقامات و الطبوع الموسيقية الحكم و التقويم.
كان المقام الخماسي، وفق ما شرح لنا المضيفون،المقام الوازن للخصوصية الموسيقية السودانية. و هو أمر أدركناه بعمق و نحن نتابع تلاوة القارئ الشيخ السوداني الزين محمد أحمد لآيات القرآن الكريم يوم الخميس في بدء الفعاليات الختامية. فقد كان النسغ الإيقاعي ذاته واسِماً للتلاوة القرآنية بما لا تستطيع الأذن المستجِدة في إدراك ذلك التلوين الموسيقي أن تغفله.
الموسيقى لغة الفرح السوداني. لم يكن أي مجلس ليُغـيِّبها. و لم تكن المجموعات الموسيقية و الغنائية التي تداولت الشدو في الليالي الأربع بمجموعات هاوية، إنها تحترف الجمال و الرقي و صنع الفرح. و كأنها تعقد مع الجوارح ألفة تربو شيئا فشيئا لتلغي في الختام مسافات البعد و تحرّر الجسدفي الاستجابة و التواصل من كل عِقال. و كان لليلة الخميس كل السّحر الذي غمرَ الجميع ضيوفاً و مستضيفيـن روائيين و قاصين و شعراء و نقادأ و أساتذة جامعيين و أكاديميين باحثين و محاضرين في جامعات أمريكية قدموا للمشاركة في احتفالية الطيب صالح. استدعاهم جميعا السحر إلى حلبة الرقص تعبيراً عن الفرح و الحبور. في السودان الفطرة مثل الفكر تعبِّــر بالفرح عن سمو الجمال في كل تعبيراته.
كنا طيلة الأيام الأربعة نلتقط ما وَسع قدرتنا على الالتقاط. لا أستبعدُ أنّ الكثيرين سيشيّدون على متن الزيارة شخصياتهم الروائية المستقبلية، و أن آخرين قد اقتنصوا لقطات قصصية ستنمو على مهل في ربوع أخرى. لا شك أن جميع الزّائرين قد ارتووا من نبعٍ زلال ستزهِرُ أطايبه في موعد القطاف لاحقاً، فلا يمكن لروح الإبداع أن تعـبُر بحياد صامت أمام كل ما انتصب على متون احتفال الطيب صالح و هوامشه من قيم.
أحببنا السودان منذ أدركنا خارطةَ الوطن منحوتةً في شغاف قلوبنا، ذات طفولةٍ لاهية عن امتداد الحدود و نسيج الجغرافية و عُقدِ التاريخ. لم نكن نفصله في تمثُّلاتنا المغرِقة في التخييل السينيمائي المصري عن "أمِّ الدنيا" مصر، و كأنه الجزء الجنوبي لشمالٍ يُطِلُّ على البحر الأبيض المتوسط. و لم نكن نعي أنّ التقاء النيلين الأبيض الرزين و النيل الأزرق الثائر في المقرن، وسط ولاية الخرطوم المكونة من المدن الثلاث الخرطوم عموم و أم درمان و بحري، هو الذي يمدّ النيل بالقوة التي تدفعه فتيا متدفِّقاً نحو شمال السودان لاجتياز الشلالات العديدة التي ستعترض سبيله،ليصل إلى مصر "هبة النيل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق