الجمعة، 23 أغسطس 2013

حين تصبح السخرية والشتائم لغة إقصاء - د. رزان إبراهيم

حين تصبح السخرية والشتائم لغة إقصاء
د. رزان إبراهيم 

عن المتهكم الساخر يقول أوسكار وايلد: " إنه من يعرف لكل شيء سعراً ولا يعرف لأي شيء قيمة".
بات ما يحدث في مصر من قتل وحرق وتدمير موضوعاً للتندر لدى بعض أصدقاء الفيسبوك, وهو ما اضطرني لإلغاء صداقتهم, وهم من يعمدون إلى تحقير المسلمين, وجعلهم مادة لنكات قبيحة. من مثل جعل ابنة فلان من الإخوان واحدة من الحور العين على نحو ساخر, ويلحق من تعترض على هذا الوصف بها. بل إن بعض هؤلاء الساخرين الشتامين يتسترون برداء البحث الأكاديمي والخبرة العلمية.
بوجود حاسة نقدية تدعمها نية صافية, أقول إننا نستطيع الحديث عن أخطاء ترتكب هنا وهناك, بهدف التخطي والتجاوز, ويكون بإمكاننا إقامة حوار همّه التمييز بين الخطأ والصواب. والأجمل من ذلك طرح الأسئلة المناسبة للحصول على إجابات مناسبة. أما الإتيان بآيات من القرآن الكريم وجعلها مادة للتندر, فهذا ما لا يقبله عاقل, حتى وإن كان لا يدين بالديانة الإسلامية. وإن شئتُ الإجمال, قلت إن ما تنشره أجهزة الإعلام على امتداد شهور عديدة كان له الدور الأكبر بجعل كل ما هو إسلامي مثاراً للعداء والسخرية, بل طغى وبشكل سافر استعمال القوالب الجاهزة, والكاريكاتيرات اللفظية, بما ينبئ عن جهل وتعصب ضد كل ما يمت للإسلام بصلة, وبما لا يبشر بالخير بمستقبل ينذر بالخطر, خصوصاً وأن المشهد يتعهده إعلاميون بات دأبهم في فترة تأزم حادة إشعال الفتنة, بدلاً من تهدئة النفوس للوصول إلى حلول سلمية. وكانت المعادلة لديهم على شكل مواجهة بين ثنائيات " نحن" في مقابل " هم" مع حرص على إظهار انحياز مفتعل إلى جانب المصلحة الوطنية العليا. والرسالة كانت واضحة اتخاذ لبوس الحرية والديمقراطية, وادعاء أنهم يخوضون حرباً على الإرهاب, والأداة كانت ببساطة إشاعة أنماط من التوجهات العقلية النفسية بطرق شيطانية, يقف وراءها ممولون نعرفهم جيداً. وهو أمر كان المفكر فهمي جدعان قد تطرق إليه منذ سنوات في حديث عميق عن استخدام الإعلام مبدأي اللذة والمنفعة لإعادة تشكيل الإنسان العربي تحت الشعار المخادع, شعار ( الديمقراطية والحرية). لنخوض بعدها أشكالاً مختلفة من أشكال العطب العربي: فوضى القيم, النفعية, وغياب النزاهة.
يبقى من الضروري أن نضع في أذهاننا مشاريع تغيير خيرة, وأخرى شريرة على حد سواء. آخذين بعين الاعتبار أن مشكلة التغيير لدينا وفقاً لما أثبتته الشهور الماضية تفتقر إلى أكثر من وجه من وجوه الكينونة الإنسانية, أهمها الحاجة إلى توازن شمولي يتطلع على نحو صادق إلى الغائية الجمعية التي تخدم الجميع, لذلك كان لا بد لأي فصيل يتصدر المشهد السياسي- وأنا أتحدث عن الجميع ولا أستثني أحداً- لا بد له من إقصاء التصورات الأحادية؛ فأي من الفصائل لا يمكن أن تكون وحدها العارفة, وكل من يقع في وهم التفرد والإقصاء هو غافل بالضرورة عن حاجة تاريخية في تحقيق تكامل إنساني هو في صميم وقائع الحياة ومتطلباتها الحقيقية.
مرة ثانية, نحن في حاجة إلى ثورة في السلوكيات قبل أي شيء آخر.

ليست هناك تعليقات: