السبت، 19 يناير 2019

في الطريق إلى الفجر - د. رياض عبدالكريم عواد

 في الطريق إلى الفجر 
د. رياض عبدالكريم عواد

تستيقظ ليلا، قبل صلاة الفجر بساعة أو أكثر أو اقل، الجو بارد والفراش يغري بمزيد من النوم، لكن هناك شيء غريب يدفعك لتنهض وتغادر هذا الدفء.
تتحسس خطواتك في هذا الظلام، الكهرباء مقطوعة في الغالب وضوء اللدات خافت. تتوضأ بالماء البارد من الحنفية، التي تجتهد أن تجعل الماء يسلسل منها ببطئ كخيط رفيع، تسرع في الوضوء وتصلي ركيعات من قيام الليل لتنول الشرف، قيام الليل شرف المؤمن، قال صلى الله عليه وسلم.
تتلفع بمزيد من الملابس، الساكو، العباية، الحطة والطقية، الجرابين الشتوية، تخرج من البيت تتوحوح من سقعة الاربعينية، لو علموا ما في صلاة الفجر من خير لاتوها حبوا، الحمدلله اننا نذهب إليها مشيا على الأقدام.
نتجه شمالا إلى احد المساجد، مازال هناك أكثر من نصف ساعة تفصلنا عن الاذان. في منتصف الطريق يقابلنا من يتجه جنوبا الى مسجد آخر. بينما في طريق العودة، يقابلنا مجموعة من الشباب وهم عائدون من مصلاهم البعيد، بزيهم المميز وهيئتهم ايضا المميزة، فهم لا يردون التحية، لا نفس التحية ولا بأحسن أو أقل منها؟! كيف يفهم هؤلاء حديث رسول الله عن الجماعة؟! "من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه".
لكل جماعة مسجد، ولكل مموليه ولكل مبرراته. المساجد في غزة حبطرش، المسجد لا يبعد عن الاخر الا مئات الأمتار القليلة.
هذا يذهب إلى مساجد الصوفية ليصلي ويرى إخوانه، لان هذه المساجد تبسمل في الفاتحة، وتدعو دعاء القنوت، وتتلو ختم الصلاة، وتقرأ سورة الواقعة، عقب صلاتي الفجر والمغرب.
وهذا يلتزم المساجد السنية أو السلفية، ليرى ايضا إخوانه، الذين يتبعون هدي النبي والصحابة، كما وصل لهم عن طريق السلف الصالح، كما يدعون؟!
وجماعة أخرى تذهب الى مساجد الاحزاب، لتصلي وتجتمع باخوانها، وتسمع آخر المستجدات والتعليمات.
وفريق يذهب إلى مساجد اهل الدعوة، ليروا ايضا إخوانهم. تجهز هذه المساجد الجماعات للخروج في سبيل الله، ودعوة الناس بالحسنى لعبادة الله، ليس فقط دعوة اهل غزة أو اهل فلسطين، بل قد يمتد خروجها ودعوتها إلى آسيا والامريكتين؟!.
وهكذا، لكل حزب وجماعة وطريقة اخوانها، الذين يختلفون عن اخوان الاحزاب والجماعات والطرق الاخرى، فالاخوة في دينهم الجديد في الحزب والجماعة والطريقة، وليست في الإسلام، الدين الواحد الجامع؟! أي تفرقة وتشتيت للدين والمجتمع هذه؟!
طبعا، من حسن حظ غزة انه ليس فيها شيعة، ولا مذاهب أو طوائف اخرى؟!
غزة لا فيها شغلة ولا عملة الا الصلاة والجماعات والمساجد والأحزاب والحكي والمناكفات، غزة بلا عمل؟!.
في غزة، المساجد في الغالب، ليست لله؟! هذه المساجد تحول دورها من تجميع الناس إلى تفتيتهم أكثر واكثر. فهذا لايصلي الا في مسجد الحزب، وذاك يرفض أن يصلي فيه، لانه مسجد للحزب؟!.
تنتهي الصلاة في مساجد الاحزاب، فيهرع الشباب والأولاد لتجتمع في حلقات، هذه لقراءة القرآن، وتلك لتلاوة تعليمات وأوامر النقيب والأمير.
الجامع يتحول إلى خلية نحل، فهو عنوان الإقامة والمراسلات والاستدعاءات. منه يتم النداء على الناس ودعوتهم، من ميكروفونات المساجد، لما يحييهم، استخداما للآية المظلومة من القران، في انطلاقات الاحزاب أو المناسبات التي تهتم بها. وفيها يتم تجهيز الرايات واللافتات ليوم المسيرة. وعليها ترفع الرايات وتنشر الملصقات وتوزع النشرات الحزبية. وعلى أبوابها تنتظر باصات نقل الأولاد والشباب، مجانا، إلى مسيرات السلك، فيعود بعضهم مجروحا أو مبتورا أو محمولا على الأكتاف، لتزغرد أمه ويبكي أبيه؟!. كما يتم في هذه المساجد، تجهيز كشوفات المحظوظين، من الاتباع والأنصار، الذين يزورهم مندوب الأمير ليلا، يحمل لهم ما قَسم الحزب من هدايا وكابونات، وانت وحظك ورضى الأمير عنك.......انها أقرب ما تكون الى مقرات الاحزاب منها إلى مساجد العبادة، كما يقول البعض؟!.
الجديد في غزة الفقيرة، التي تعاني في كل شيء، ومن كل أشكال وانواع الموت، غير الموت المريح، هو بناء عدد من المساجد الفخمة، المنتشرة في مختلف أنحاء القطاع، والتي تكلف ملايين الدولارات، في حين أن كثيرا من الفقراء والمرضى والمحتاجين يصرخون ليل نهار، فهذا بحاجة إلى كيس طحين، حتى دون زيت أو زعتر، وذاك بحاجة إلى ثمن دواء، واخر بحاجة إلى رسوم ابنه المتفوق في الجامعة وووو.
هذا مسجد على شاطئ البحر تحفة معمارية، وذاك مسجد تحفة زخرفية، ومسجد آخر يمتاز بقبابه وماذنه الكثيرة والشاهقة؟! ومسجد يقال ان ميزانيته قد فاقت العشرين مليون دولار، هل تجوز صلاة الفقراء في هذه المساجد؟!
لماذا لا يذهب الجميع للصلاة في أقرب مسجد في الحي؟! لماذا كل هذا الاستخدام للدين، الدين عبادة وطهارة وصفاء ومحبة، لكن ما أن يتم استخدامه في السياسة يتحول إلى أفيون لتخدير عقول الغلابة، واستخدامهم لأهداف الحزب الضيقة، وكل بأجره؟! يتحول الحلال إلى حرام والحرام إلى الحلال، والفتوى جاهزة، والأحاديث كثيرة والمأثورات أكثر، والمقدرة على استخدامها وتوجيه الناس عكس مصالحهم، وبما لا يرضي الله ولا رسوله، ولا أي عاقل، لا تحتاج إلا إلى خطيب مفوه، جوهري الصوت، يجيد تصفيط الكلمات وترتيبها والكز على أسنانه.
قد تكون الممارسة السياسية نبيلة كما قد تكون قذرة. وبما أن الأمر كذلك، فإنه يلزم عدم الخلط بينها وبين الدين، لأن الدين أنقى من الأمور الدنيوية وأرقى منها...
ان استخدام الدين في السياسة يحول دون مقدرة المجتمع على ممارسة المعارضة ضد جماعات الإسلام السياسي، الا من خلال جماعات أخرى أكثر تشددا دينيا منها. إضافة إلى ذلك، يهدف خلط الدين بالسياسة إلى حشد الشباب وراء وجهة نظر جماعات الإسلام السياسي التي ليست هي الدين ذاته، بل هي مجرد قراءة له من أجل الوصول إلى السلطة والتشبث فيها... فضلا عن ذلك، يؤدي تسييس الدين إلى اعتبار معارضي جماعات الإسلام السياسي أعداء للدين ووجوب إقصائهم سياسيا... لقد كفروا وبدعوا كثيرا من الناس، سياسيين ومثقفين وفنانين وووو، هذا غير السب واللعن والاتهامات والتعدي في الدعاء.
يقول الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد "ليس سهلا على أي شخص يؤمن بحق الغير في المشاركة أن ينتهي بمثل هذا الاستنتاج؛ السياسة في المنطقة العربية لن تتطور، ولن تستقر أوضاعها، دون منع استخدام الدين في السياسة. ولدينا تجربة طويلة تبرهن على فشل ترويض الجماعات الإسلامية السياسية للتحول إلى العمل المدني. والإشكال ليس في أن جماعات إسلامية كونها متطرفة أو متسامحة، بل في استخدام الدين سياسيا، أو استخدام السياسة لتمكين فريق ديني من الحكم دون غيره"

ليست هناك تعليقات: