الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

نحن وحزب الاستقلال و«البيجيدي» -عبد الرحيم أريري

  نحن وحزب الاستقلال و«البيجيدي»  -عبد الرحيم أريري
عبد الرحيم أريري

 رغم أن التصويت سري، فإن «الوطن الآن»، لو كان لها الحق في التصويت لما ترددت في التصويت ضد حزب العدالة والتنمية، على اعتبار أن هذا الحزب هو الذي يمسك حاليا زمام القرار على مستوى الحكومة ويتوفر على الأغلبية بمجلس النواب، فضلا عن أن نصف برلمانيي الدار البيضاء فازوا بلون «المصباح»، أضف إلى ذلك أن بلدية الدار البيضاء يسيرها «الخوانجية» بتحالف مع محمد ساجد.
هذا المعطى ضروري لفهم مضمون الافتتاحية «العنيفة» التي نشرناها في العدد الماضي تحت عنوان: «رحم الله الاستقلالي آحمد القادري». إذ توصلت الجريدة في الأسبوع الماضي بالعديد من المكالمات من طرف منتخبين ومسؤولين من حقول معرفية متعددة تجادل أو ترفض أو تزكي أو توضح أو تعاتب أو «تتشفى». لكن الذي استوقفنا في هيئة التحرير هو الاتصال الذي تم من طرف رئيس مقاطعة المعاريف أحمد القادري، أو لنقل العتاب الأخوي من طرف المسؤول الاستقلالي، الذي آخذ على الجريدة أنها كانت قاسية على حزب الاستقلال، علما بأن هذا الحزب - من وجهة نظر القادري - ليس هو المسؤول عن تسيير الدار البيضاء، كما أن النظام القانوني العليل (وحدة المدينة ونظام المقاطعات) زاد الوضع التباسا وغموضا حسب قوله، وهذا هو مربط الفرس.
فحينما قلنا إن «الوطن الآن» لو كان لها حق التصويت لصوتت ضد «البيجيدي» فليس ذلك لغوا أو ترفا في الكلام، لأن زحف «البيجيدي» في السنوات الأخيرة على مواقع القرار يظهر أن القادم من الأيام سيكون آسوء وأسود ما لم تتحرك المكونات المجتمعية والسياسية الأخرى لتحقيق التوزان والحيلولة دون السقوط في ديكتاتورية حزبية قد تأتي على الأخضر واليابس.
نعم المغرب تبنى الخيار الديمقراطي
نعم هناك انتخابات
نعم هناك احتكام  للصناديق
نعم هناك أحزاب تتبارى
لكن، هناك أيضا نماذج قاتمة في العالم أظهرت أن الديمقراطية والانتخابات والاحتكام للصناديق وتباري الأحزاب لا تفيد ميكانيكيا أن أي بلد «قطع الواد ونشفو رجليه». بدليل ها هي ألمانيا سبق وأن عاشت ديمقراطية لكنها قادت إلى كراسي الحكم حزب هتلر فآنتج النازية وأفران حرق اليهود والدمار في العالم.
 الشيء نفسه حدث في الدار البيضاء، فمن قبل كان يقال لنا إن المنتخبين لاحول لهم ولا قوة، لأنهم غير مسنودين ببرلمانيين يحملون هموم السكان والمصالح العليا للمدينة للدفاع عنها لدى صانعي القرار مركزيا. وكان يقال لنا إن المدينة والبرلمان لا قيمة لهما إن لم يكن الحزب يتحكم في الحكومة.
وها هي المعادلة تحققت «دابا»، فالمدينة يسيرها حاليا فعليا أعضاء «البيجيدي» (لآن ساجد عمليا هو مجرد رهينة بيدهم) ونصف نواب «الأمة الإسلامية البيضاوية» ينتمون لحزب «المصباح»، كما أن الحكومة بيد بنكيران، فماذا تحقق إذاً لفائدة الدار البيضاء؟
الجواب هو «الريح والشيح» و«البرد والزفيط»!! لنأخذ معضلة التنقل العويصة التي يكتوي بنارها كل بيضاوي، فالمسؤولية الآن بيد وزارة التجهييز (الوصية على مكتب السكك الحديدية) وبدل نفض الغبار عن الخط الجهوي السريع وما تخلقه السكك من حصار وتقسيم للمدينة، تم إقبار كل المشاريع المهيكلة الخاصة بالخطوط الأربعة للترامواي وللخط الجهوي. بل حتى المداخل الطرقية المصنفة في حساب وزارة التجهيز تم التشطيب عليها من طرف الوزارة لفائدة مدن أخرى (نموذج طريق لخيايطة بين ليساسفة وحد سوالم). لنأخذ مشكلة تعليم أبناء الدار البيضاء بالجامعة، فللسنة الثالثة على التوالي لم تفتح بعد كلية الحقوق بعين السبع (توجد شعبة الاقتصاد فقط) رغم توفر البنايات والمراففق منذ سبعة أعوام، مما يفرض على حوض سكاني يضم مليون ونصف المليون نسمة (عمالات البرنوصي وعين السبع) «تصدير أبنائهم إلى مدن أخرى»، علما بأن الوزير والوزارة تحت عباءة «البيجيدي»!!
لنأخذ ملف الباقي استخلاصه لفائدة بلدية البيضاء والمقدر بحوالي 300 مليار سنتيم (مبلغ كاف لفتح عدة شوارع وبناء أنفاق لتخفيف أزمة السير والجولان)، والذي لم تقم بشأنه وزارة المالية بأي مجهود رغم مرور سنة، علما بأن الوزارة بيد حزب المصباح.
أبعد كل هذه الأمثلة لا يحق لنا التخوف في الانتخابات المقبلة خشية أن يتحكم حزب البيجيدي في ما تبقى من مقاعد لإحكام القبضة الحديدية على الدار البيضاء بسبب تقاعس الأحزاب الأخرى؟ فإلى عهد قريب كان الاتحاديون سادة الميدان في الدار البيضاء، يسيرون جماعات ولهم حضور وازن في مختلف المؤسسات رغم أن الدستور القديم لا يسمح آنذاك بهامش واسع، إلا أن الصدآ الذي علق بحزب الوردة وتآكل رصيده جعله ينمحي نهائيا من جل المقاطعات. وحزب «البام» له حضور انتخابي في المؤسسات يسمح بالاطمئنان إلى رأي عام أخر ضاغط ضد «الطلبنة» (نسبة للطالبان) فقط لكن بدون عمق مجتمعي بالدار البيضاء. وحزب «التجمع» مصاب بدوخة أبدية لم يقو على تجاوزها منذ الإطاحة بمصطفى المنصوري. أما الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري فهما عمليا «إخوان» للعدالة والتنمية.
إذاً ماذا تبقى في الساحة بالبيضاء، (علما بأننا لم نذكر إفلاس النقابات واضمحلالها) لينهض كخصم سياسي لحزب «البيجيدي»؟ هل يجوز آن يسكت المراقب وهو يرى مثلا حزب الاستقلال ينتحر هو الآخر ليلتحق بقافلة الأحزاب الميتة بالدار البيضاء مثل الاتحاد الاشتراكي؟ أيجوز آن ندخل السلاح إلى غمده حتى يعوم الواد ويفيض علينا «بحر اخوانجي» وينسف ما تبقى من إشراقات الدار البيضاء؟
إذا رضي أحمد القادري بذلك، وإذا رضي حزب الاستقلال بذلك، بل إذا رضيت باقي 
المكونات السياسية ذلك، فإننا في «الوطن الآن» لن نرضى بذلك!! 
عبد الرحيم أريري
 مدير نشر أسبوعية «الوطن الآن»
افتتاحية العدد 494
الخميس 22 نونبر 2012 

   «الوطن الآن»  العدد 494 - الخميس 22 نونبر 2012 

ليست هناك تعليقات: