الجمعة، 30 نوفمبر 2012

الثورة المصرية... من ساخرة إلى أضحوكة - مصطفى الطبجي

الثورة المصرية... من ساخرة إلى أضحوكة - مصطفى الطبجي 
 مصطفى الطبجي 

كافة القوى الثورية الليبرالية منقسمة على بعضها البعض، وتغلبت المصالح الشخصية على المصلحة العامة، لذا لن تتمكن من إسقاط بعوضة لأن اتحادها الذي تتباهى به (لا داعي لذكر اندماجهم مع الفلول) هو اتحاد هش يسهل طحنه بين فكي التيار الإسلامي، لكن سنتجاوز كل هذا الانقسام الداخلي، والضعف الخارجي، والشعبية الوهمية ونفترض جدلاً نجاحهم في اسقاط مرسي واخراجه من الاتحادية ليعود للزقازيق.
السائق الجيد هو من يعرف حقاً متى يستخدم "فرامل" السيارة في الوقت المناسب، ومتى يطلق لسرعتها العنان، متى يهدأ من سرعتها، ومتى يقف في مكانه منتظراً اتضاح الرؤية، في النهاية هناك هدف واحد لكافة السائقين على اختلافهم، الوصول للمكان المنشود دون تحقيق أي خسائر مادية، سواء كان هذا السائق يحمل مواد إغاثة طبية أو "نقلة" مخدرات مهربة، في الحالتين قد يحاول المجازفة، وقد يستكين إلى العقلانية.

السائق بشكل عام لا يختلف كثيراً عن الثائر، كلاهما له طريق، كلاهما له بداية ونهاية، كلاهما مُعرضان لحوادث الطرق، لذا قد يظل الثائر في الميدان رغم عدم وجود جدوى من ذلك التصرف، وقد يتركه لعقد تحالفات في الوقت الذي يحتاج الميدان فيه إلى ربع مواطن، في النهاية الأمر متوقف على حجم الانضباط السياسي للثائر، أو من يعملون بالسياسة بشكل عام، وهو أمر نفتقده كثيراً هذه الأيام بين العاملين بالسياسة.

ماحدث من مظاهرات وتجمعات في ميدان التحرير، ومن قبله عند قصر الاتحادية هو دليل على غياب العقل عن الكثيرين، لا أتحدث عن تيار محدد، لأنها عدوى تفشت في الجميع ولم يظهر علاج لها حتى الآن، عدوى متمثلة في حماس زائد يصل لحد التهور، وتأييد مطلق يصل لحد العبودية، رفض ممنهج يصل لحد الكفر، وفساد متفشي يصل لحد الكمال، والشعب الغجري المسكين يحارب من أجل لتر بنزين، وأنبوبة بوتاجاز، ورغيف عيش.

لن أتحدث عن صحة أو خطأ الإعلان الدستوري، فمهما كان مدى صحته أو خطأه، فهناك أمور ثابتة لن تتغير، أولاً المعارضة ترفض دوماً كل ما يقوم به مرسي، ثانياً سوء صياغة الإعلان الدستوري مثيرة للقلق، ثالثاُ الأداء العام لمرسي غير مطمئن، رابعاً جماعة الإخوان تؤيد دوماً كل ما يقوم به مرسي، خامساً القوى والحركات الليبرالية منذ الإنتخابات البرلمانية وهي تتعامل بمبدأ "التلكيك" لكل ما هو إخواني أو ينتمي للحزب.

وأنا أستحضر أحداث تونس التي تشابه الأحداث في مصر الآن، أجد سؤالاً يفرض نفسه على أرض الواقع، ماذا بعد الثورة على مرسي؟؟ وهنا يجب التنويه أني أرفض الثورة على مرسي، ليس لأنه رئيس جيد، أو لأن منظومته حققت طلبات الثورة من أول طلعة ميدانية، بل أرفض الثورة على مرسي لسببين، أولاً هو ببساطة رئيس منتخب جاء بصندوق انتخابي سليم نزيه، ثانياً لتنمية الوعي السياسي للعامة، وهذا أمر سنشرحه في مقال لاحق.

المهم... حتى لو كان الرئيس فاسداً، إلا أنه جاء بالصندوق، لذا لا يرحل إلا بالصندوق، هذه ضريبة الديمقراطية التي خرجنا من أجلها سابقاً، لكن على ما يبدو البعض ينسى أو يتناسى، أو يريد تحقيق الديمقراطية بشرط أن يكون هو على رأس الهرم التنفيذي، لا يعلم أنه بتلك الطريقة يضع البلد كلها على رأس الخازوق الأجنبي، لكن في النهاية ورغم كل الخلاف، دعونا نعود للسؤال الأولي، ماذا بعد الثورة على مرسي وإسقاط نظامه؟؟

عند الثورة على مبارك كان الجميع يد واحدة، لأن الظلم كان واحداً، وطال الكل، لذا لم يستطع النظام الصمود وسقط في فترة وجيزة، ورغم أن القوى الثورية وقتها كانت في أشد حالات الاتحاد، والفلول في أشد حالات الضعف، لم تستطع –تلك القوى- الاجتماع على رئيس توافقي يقود المسيرة لمدة عام كفترة انتقالية، بل سعى كل طرف على حدة لعقد تحالفات مع العسكر لينتصر به على عدو اليوم وحليف الأمس وصديق أول أمس.

لكن الآن، كافة القوى الثورية الليبرالية منقسمة على بعضها البعض، وتغلبت المصالح الشخصية على المصلحة العامة، لذا لن تتمكن من إسقاط بعوضة لأن اتحادها الذي تتباهى به (لا داعي لذكر اندماجهم مع الفلول) هو اتحاد هش يسهل طحنه بين فكي التيار الإسلامي، لكن سنتجاوز كل هذا الانقسام الداخلي، والضعف الخارجي، والشعبية الوهمية ونفترض جدلاً نجاحهم في اسقاط مرسي واخراجه من الاتحادية ليعود للزقازيق.

ما التالي؟؟؟ هل سينجح هؤلاء في اخراج رئيس توافقي يشكل جمعية تأسيسية توافقية تنتج دستوراً توافقياً؟؟ أم أنهم سيتعاملون بالمثل ويشكلون جمعية غالبيتها ليبرالية لنجد الإخوان ومن ورائهم التيار الإسلامي يصرخون بأن الجمعية التأسيسية غير متوازنة!! المهم، أشك في نجاح مجموعة من المتحدين لمصالح شخصية على إخراج رئيس يصمد في وجه ذيول فساد استمر 30 عاماً، وقتها أيضاً سيهاجم أولاً من حلفاء الأمس.

الحل الثاني سيكون عودة المجلس العسكري "الجديد" لحكم البلاد –بعد سقوط مرسي- لفترة انتقالية أخرى، أو نتيجة لفشل القوى الليبرالية في الإدارة يتدخل هو –أي العسكري- لحكم البلاد، وفي هذه الحالة سنكون عن حق أكثر شعوب العالم غباءً، ونستحق أن نصبح أضحوكة العالم الحديث والقديم والمستقبل أيضاً، وسيجيب طلبة المدارس في كافة دول العالم عن السؤال "ما هي الثورة التي تحولت من ساخرة إلى أضحوكة؟"، الإجابة ستكون الثورة المصرية.

_ الأربعاء 28 نوفمبر 2012 _ 



ليست هناك تعليقات: