الأحد، 9 ديسمبر 2012

الديمقراطية المصرية في خطر - محمود الدبعي

 الديمقراطية المصرية  في خطر - محمود الدبعي
محمود الدبعي - السويد
هل يمكن أن يتناغم الإسلام والديمقراطية بمصر؟ وهل يمكن تطويع الديمقراطية لتكون نبتا قابلا للنمو والترعرع في أرض الكنانة؟ هكذا يتساءل العرب و الغرب ، وطبقا لذلك يختلف المصريون في الإجابة،  وتبعا لتلك المصالح تتنوع وتتعدد الأدوات والآليات، وتتصادم الأفكار ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، لكن تظل المصلحة المصرية هي الحاكمة للجميع.  أن الديمقراطية المصرية تتسم بالحيوية و طبقت على أرض الواقع. وعلى العرب و الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة العمل على تشجيع الديمقراطية المصرية وليس عرقلتها.لأن الجوانب القوية للإسلام في عالم السياسة تكمن في وضوح رؤاه الأخلاقية التي تتمثل في اعتبار الحكام مسئولين عن تحقيق العدالة وتطبيق الشريعة.
و عندما انتخب الشعب المصري د. محمد مرسي اكدوا على إمكانية الجمع بين الإسلام والديمقراطية بالفعل و منذ بداية التاريخ الإسلامي كان المفهوم أن الناس هم الذين يختارون الخليفة وليس الله. وكانوا -أي الخلفاء المسلمون- متبعين لشرع الله كما ورد في القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يتوقع منهم أن يلتزموا بمبدأ الشورى مع الجماعة التي يحكمونها. فهذه الملامح في النظرية السياسية الإسلامية في فجر الإسلام تقدم أساسا لكل النظريات الحديثة عن الديمقراطية الإسلامية التي يعارضها رموز الثورة المضاده هذه الأيام. ليعلم الجميع أن الإسلام دين وشريعة و سياسة و اقتصاد و علاقات إجتماعية؛ و هو دين يتعلق بأشكال الحياة المختلفة، ومن ثَم فهو منهج وطريقة حياة تتعلق بحضارة ممتدة كان لها من الإسهامات والإشكالات التي تتعلق بتصوره للعلاقة السياسية للحاكم والمحكوم. القاعدة السياسة في الإسلام تقول: "ما كانت معه الأمور أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد" فهي إسلامية، فنحن أمام مفهوم يؤكد ضمن مفاهيمه المختلفة على منظور قيمي. كما أن هناك قيما سياسية بالأساس تتعلق بالشورى. في الإسلام السياسي مجموعة من القيم النظامية مثل: مفهوم التعددية، فقد كان هناك نوع من التشجيع على التعددية والتنوع في إطار الوحدة والتمازج.
إن طبيعة مفهوم الديمقراطية هو أنه مفهوم غربي من المفاهيم التي ارتبطت بالمدنية الغربية، كما طرأت عليه تطورات كثيرة أتت بما يمكن تسميته بطبعات متعددة للديمقراطية عبر الزمان والمكان؛ لذا يمكن تصنيفه في دائرة مفاهيم "الموقف" التي تتطلب من أي ثقافة أو حضارة أخرى أن تتخذ موقفا من هذا المفهوم، الذي  يتعلق بالقيم النظامية للديمقراطية وتتعلق أصلا بمجموعة من القيم مثل: التعددية، والمشاركة، وتوازن السلطات، وتأثيرها في العملية السياسية؛ إذن نحن هنا أمام مفهوم متعدد النظم يتعلق بقيمة الديمقراطية ونظام القيم المتعلق بها.وهو المستوى المتعلق بالمؤسسات الديمقراطية، أي كيف تترجم الديمقراطية إلى مؤسسات وما هي الأدوار المختلفة لهذه المؤسسات. و يختص هذا المفهوم بالقواعد والإجراءات، أي ترجمة الديمقراطية إلى مجموعة من القواعد والإجراءات. و من هنا يمكن لأي أمه أن تتبنى خيار الديمقراطية التي لا تتناقض مع قيمها. لقد نجح المشرعون على ترجمة القيم الأساسية الكلية والقيم النظامية إلى أبنية مؤسسية وقواعد إجرائية، جمعت بين الإسلام والديمقراطية. من هنا نقول ليست هناك حاجة لأن تكون ديمقراطية المسلمين ذات المضمون الإسلامي هي نفسها ديمقراطية الغربيين قلبا و قالبا. بل هي تستمد  مصداقيتها من قيم الإسلام، وفي الوقت نفسه، تستوعب المبادئ الديمقراطية، والحماية القانونية، والمؤسسات.
أما بالنسبة للمؤسسات فقد استطاع الإسلام أن يقدم نموذجا للمؤسسات وهي تصلح لعصرنا إذا استطعنا أن نترجم هذه المؤسسات مرة أخرى إلى قيم (معنى البيعة، معنى الإمامة)، فالبيعة على سبيل المثال، تؤكد على معنى الرضا والاختيار، فكل بيعة تؤدي إلى حال الرضا ونجاح الاختيار لا بد أن توصل إلى المقصود، وهذا ما هو موجود في علم الأصول وغير ذلك ليس من البيعة في شيء، ومن هنا يبدو لنا أن مفهوم مثل مفهوم الانتخاب الذي يعتبر واحدا من آليات الحضارة الغربية وآليات المفهوم الديمقراطي من المفاهيم الديمقراطية الأصيلة في الإسلام. ولأن الأشكال المؤسسية نفسها ترتبط بزمانها وأحوال أهلها، فالشكل الذي كانت تؤخذ به البيعة  قديما لا يتناسب مع الزمان الحالي، والاجتهادات المؤسسية التي قام بها المسلمون في هذا العصر هو تطويع الديمقراطية لتكون اساس في اختيار الحاكم من خلال إقتراع مباشر من المواطنين.  
و الديمقراطية الإسلامية تضمن لكل المواطنين من مختلف الطوائف حقوقا متساوية، ومنها حرية الاعتقاد أو الحرية الدينية للمسلمين وغير المسلمين على سواء؛ إذ لا يتعدى معنى أن الدولة إسلامية سوى النص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة. ومع أن الديمقراطية الإسلامية  تتخذ من الشريعة الإسلامية التقليدية مصدرا لقوانين الأمة،  فهي لا تظلم احد و لا تستثني احد و الجميع متساوين أمام القانون. في هذا السياق، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتبر أن مفهوم التشريع في الحضارة الغربية يساوي تماما التشريع في الحضارة العربية الإسلامية. و يمكن القول إن الرؤية الإسلامية يمكن أن تقدم أشكالا مؤسسية إلى جانب المؤسسات الغربية في إطار يجعل تلك المؤسسات متناغمة مع البيئة الثقافية.
اعتبر الداعية الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي أن الإصلاح في العالم العربي قد أصبح فريضة وضرورة؛ "فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع"، وأوضح أن الديمقراطية "من روح الإسلام وتعاليمه"، منددا ببدعة "توريث الرئاسة" للأبناء والأحفاد في ظل النظم الجمهورية.
وقال الشيخ القرضاوي في خطبة الجمعة 4-6-2004 التي ألقاها بمسجد عمر بن الخطاب بالعاصمة القطرية الدوحة: "الإصلاح فريضة وضرورة؛ فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع، ولا مكان في النظام العالمي الجديد لمن ينحون الإصلاح جانبا"، مشيرا إلى أن "العالم كله يتنادى بالإصلاح والديمقراطية، ولا بد لأمتنا أن تقدر هذه الحقيقة؛ فالإصلاح ليس عيبا؛ لأن أحدا لا يستطيع أن يدعي الكمال".
لذلك يراهن العرب جميعا و المصريين على إيجاد ديمقراطية من خلال النموذج التركي، التي تمثل فرصة لظهور الديمقراطية الإسلامية، وهي فرصة لا نظير لها، فمثل هذه الديمقراطية التركية الحديثة بدأت في حل المشاكل التي تواجهها تركيا العلمانية دون عنف، وأكثر من هذا فستكون نموذجا تحتذيه دول أخرى في العالم العربي و الإسلامي. تركيا تقدم ا منظورا رائعا لإمكانية الديمقراطية الإسلامية، فتركيا لديها أكثر الديمقراطيات فاعلية في أي دولة ذات غالبية مسلمة في العالم، كما أنها تمثل محكا حقيقيا لإمكان قيام ديمقراطية إسلامية.فالإسلام في تركيا أظهر ما يتميز به من قابلية للتجدد والتكيف على الرغم مما تعرض له من قمع وتهميش على مدى ثمانين عاما. يطرح إسلاميو العدالة والتنمية الأتراك فكرة "الديمقراطية المحافظة"، ويعتبرونها الحل الأمثل للتوفيق بين المتناقضات التي تعيشها تركيا بما يساعدها في تحديد "هويتها الحائرة" بين الإسلامية الشرقية والعلمانية الغربية.
جملة القول، أن التزام "النخبة العدالية" بالمعتقدات الإسلامية لم يمنعهم عن انتهاج سياسات معتدلة وتفضيلهم لقب "الديمقراطيين الإسلاميين" عن لقب الإسلاميين. وسواء كانت حالة تركيا في ظل حزب العدالة كما رآها البعض مثل الأستاذ جان ماركو تعبر عن تجربة ما بعد الإسلام السياسي أو عن الإسلام المدني كما أطلقت عليه بعض الصحف اللبنانية والتركية والأجنبية، فإن الحزب قد أخذ بعدد من المبادئ دعمت مسيرته في تبني نموذج الديمقراطية المحافظة في تركيا، منها:
·              الاعتدال: والذي أبداه الحزب على الصعيد الأيدلوجي، وإعلان أوردغان أنه يحترم كافة أنماط السلوك لسائر فئات الشعب التركي في رسالة طمأنة إلى الفئات العلمانية.
·              الليبرالية: حيث نادى الحزب بمزيد من الضمانات والحقوق الشخصية والمطالبة بأخذ تطلعات المجتمع المدني بعين الاعتبار.
·              العلمانية: وهي تتقاطع مع علمانية أتاتورك "اللائكية" وتقترب في الواقع من العلمانية أو الدنيوية المعمول بها في معظم الدول الأوربية.
·              المصالحة بين الإسلام والعلمانية وبين الديمقراطية والإسلام، وإمكان الإسلام التركي بالقيام بدور الرافعة لحوار الحضارات والثقافات بين الشرق والغرب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
لكن الضغوط الأمريكية على دول الربيع العربي في إطار التحول الديمقراطي ومشروع الشرق الأوسط وما يمكن تسميته بالإسلام المدني أو الإسلام المعتدل أو الديمقراطي أو الليبرالي ، انجبت ديمقراطية محلية غير قابلة للضغوط و لا تخضع للإبتزاز. و ندمت أمريكا على دعمها للتوجه الديمقراطي في دول الربيع العربي بعد إفرازها انظمة إسلامية تختلف معها في قضايا سياسية منها امن إسرائيل في المنطقة و ديمومة بقائها في قلب العالم العربي. أما الخطة الأمريكية التي ترتبط بالحضارة الإسلامية فهي تتلخص في محاولة تأهيلها بحيث لا تشكل خطرا على المنظومة الأمريكية، إلا أنها هذه المرة وجدت نفسها أمام عقيدة دينية صعبة في بيئة متنوعة حافظت على تنوعها، ووجدت أن المسألة تحتاج إلى دراسة عميقة لإمكانات التنوع داخل المنطقة التي استعصت على أن تكون في حالة تبعية كاملة أو دائمة لأي عنصر خارجي، فالسياقات الدينية عصية على ترويضها أو تطويعها أو تطبيعها.
وفي ظل التداخل والاشتباك بين المصالح الاقتصادية والثقافية والسياسية فإن هذا قد يؤدي إلى استخدام أدوات وآليات لا تريد بهذه المنطقة خيرا، فمخططات التفتيت والتجزئة ومخططات الاستيلاء على الموارد والتخطيط لاحتكارها، والمخططات التي تتعلق برغبة القوى الكبرى في ألا يكون في المنطقة قوى كبيرة موازنة، ومن غير الدخول في نظرية المؤامرة فإن ذلك أمر لا نستطيع إغفاله أو إهماله ضمن السياقات المختلفة والسياسات والإستراتيجيات الغربية، وهو أمر يجعل من تبني عمليات التحول الديمقراطي لهذه الحضارة وفقا للرؤية الأمريكية جزءا من تعويقها ونوعا من الضربة الاستباقية، هدفهم تفريغها من محتواها وتكون نوعا من الديمقراطية العرقية؛ لذلك فإن عمليات التحول الديمقراطي يجب أن تتم بأيدي أبناء هذه الأمة وعن طرائق أدواتها ووسائلها النابعة لا التابعة. 
محمود الدبعي - السويد

ليست هناك تعليقات: