السبت، 25 مايو 2013

ربيع المغتربين - دليلة حياوي

ربيع المغتربين 
دليلة حياوي

حول كوب شاي بالنعناع “العبدي” وزعفران “تالوين”.. تحلّقنا للحديث عن التاريخ الذي يصوغه سلباً وإيجاباً الشباب العربي هذا الربيع وسابقه وسابق سابقه.. فاغتنمتُها فرصة لاستحضار الفورة المتجددة لشبابنا المغربي.. والدليل الأهازيج المتوارثة بِمرحٍ أُريدَ به جِد.. إذ لطالما أنشدت الصبايا في الربيع: “بْلَعْمام فتّحْ.. زْوْجْني آبّا وْلاّ نْفْرْتح”.. والصبيان:”العَزْري رْمى بْلغْتو.. قْلْبوا ليهْ عْلى مْرْتو”.. لتُخرسني الضيفات المغتربات بما كان ربيع روما مسرحه.. وذُكران العرب الكُهول أبطاله.. وإليكم الحكايا بدون تصرّف..

الأولى: «مارس عليّ رئيسي ضغوطا لشهرين قبل تجديد عقد العمل السنوي.. بداية بتأخير الراتب والتلويح بمِنَحٍ بديلة.. كشيكات البنزين رغم أنني لا أمتلك سيارة.. وسجائر معفية من الضرائب رغم أنني لا أدخن.. ومروراً بإجباري على إغلاق الهاتف المحمول وإيداعه بمكتبه حتى انتهاء الدوام.. وتفتيش يومي لحقيبتي وأدراج مكتبي.. لينتهي هذا الرّهاب النفسي وهو يتأهب للذهاب لصلاة الجمعة قياماً.. طالبا موافاته إلى “شڱة تَرى الجن الأزرڱ ما يعرف ليها طريڱ”.. فقذفت في وجهه باستقالتي وإذن الإقامة الدبلوماسي وخرجت ولم أعد..»

الثانية: «استدعاني إلى مكتبه مرشد روحي.. عارضاً زواجا لم أستطع رصد إطار له.. رغم وصفه بالإسلامي.. ولمّا حاججْتُه لأن في عنقه زوجة وقافلة أولاد.. رتّل الآية 3 من سورة النساء: ” فَانكِحواْ ما طابَ لَكُم مِنَ النِّساء مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ”.. فتلوتُها بدوري لكن كاملة: “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطواْ فِي الْيَتامى فَانكِحواْ ما طابَ لَكُم مِنَ النِّساء مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلواْ فَواحِدَة أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعولواْ”.. واستحضرت معه السياق اللغوي والتاريخي القديم والمعاصر لكل عبارة.. وطبعا زعل آوي على خروج بلدي نصف الأعجمي عن الجماعة واستسلامنا للأحكام الوضعية دون الشريعة الربانية.. لأسكته بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أنتم أدرى بأمور دنياكم” لزارعي النخيل بالمدينة بعد نصيحته السابقة لهم.. والدنيا هنا ليست نخيلاً وزراعة.. ولا تسويق محاصيل.. بل المعنى الفضفاض المُحيل على البيئة ككل..»

الثالثة: «أعمل فِكْرَهُ موظف سامٍ بتمثيلية سامية.. لبلورة حلّ وفق عملية حسابية.. مفادها أن اليوم يتكوّن من 24 ساعة.. يقضي 8 ساعات منها في النوم.. و8 في العمل.. وساعة ونصف في الأكل.. وساعة ما بين الاستحمام والمرحاض ـ أعزكم الله ـ.. وساعة ونصف في المرور.. وساعة ونصف لمتابعة واجبات الأولاد المدرسية.. وساعة ما بين الوضوء والصلاة.. والساعتان المتبقيتان سيقضيهما معي تامتين دون نقصان ـ اللهم لا حسد ـ.. ببيت زوجية أسدّد كلّ نفقاته.. هيكْ لأنّو زَلَمه يؤمن باستقلالية المرأة..»


الرابعة: «بلغني إيميل من صديق يهديني من خلاله قصيدة لشاعر كبير يتغنى فيها بالعيون.. مستفسرا عن إمكانية لقائه.. وبسذاجة ضمّنت جوابي ترحيبا باحتساء قهوة أو شاي ذات عصر.. ليكتب فورا: “شاكو ماكو يا عيوني؟.. لا أريد أن يقاسمني أحدهم النظر إلى عينيك.. ولا مقاسمتك إحداهن النظر إلى عينيّ ـ رغم حَولِهما ورمَدهما المزمن ـ.. أنا أقترح مكانا مغلقا وأضواءً خافتة”..»

الخامسة: «بسبب قوانين اليمين الحاكم.. صرت مهددة بعدم تجديد الإقامة لانقطاعي عن ارتياد الجامعة.. ودخولي الاضطراري لسوق العمل السوداء لتغطية مصاريفي.. فطرقت باب رئيسي الذي يفوق والدي سنّا.. ويدّعي صداقته أيضا.. لمساعدتي في إيجاد عمل قانوني يمنحني حق الإقامة.. أو وساطته لدى مديرنا معاً.. علّه يقتنع بإضفاء الشرعية على وظيفتي.. ليُغرقني بسيلٍ جارف من عبارات غرامية.. كان يدخرها منذ ميلادي.. وأنّو مْنين تايشوفني تايشْم ريحتْ لبلاد.. وباش نشمّو بْزوج مزيان.. فهو يستضيفني على حساب المؤسسة إلى أي جزيرة إيطالية أشاء.. متى أشاء..»

السادسة: «المُتَأَسْلِمون سواء من العالم الواقعي أو العالم الافتراضي ـ الإنترنت ـ يتهمونني بالعلمانية.. والعلمانيّون بالسلفية.. والمعتدلون يرون في عمودي فقط سلة غِلالٍ حان قطاف بائعتها.. فلا عجب إذا ردّ مدير التحرير التحية مركّزا نظره على صدري مخاطباً كل نهد على حدة: “أَهْلينْ ومَرْحبْتين.. أَهْلينْ ومَرْحبْتين”.. أو دعاني دون سابق معرفة قارئ لعطلة حميمية بالباهاماس..»

السابعة: «أعرب زميل عن رغبته في تذوّق أطباقنا.. ودون مضغ للكلمات.. دعا نفسه لمنزلي.. ولدى إخباره بأن جنسه الخشن يحول دون تحقيق رغبته تلك.. وإلا ما جدوى التشدّق بانتمائنا العقائدي؟.. انتفض كأي شرقي لا يرضى بغير أدوار البطولة: “لأجل وجبة.. لن أصبح نصيرا للسياسي الشيوعي فلاديمير لوكسوريا.. المتحوّل جنسيا بمصحات آنفا بكازا بلانكا.. ولن أضخّ شيكَلاً واحدا في جيب الجراح بيرو.. مَنْشان مو متأكّد من موالاته للصهيونية من عدمها”..»

شخصيا.. حكايا الربيع العربي أضعها في كفّة.. وفي الأخرى حكاية مصحاتنا البيضاوية والتحوّل الجنسي الراهن للإيطاليين.. بِمِشْرَطِ يهودي مغربي توفي في ثمانينات القرن الماضي.. لكن.. من يزنُ معي العجائب؟.. منْ؟..

ليست هناك تعليقات: