الجمعة، 31 مايو 2013

الشباب المغربي والتصوف – بقلم بدرالدين الخمالي

 - * الشباب المغربي والتصوف *- 
 بدرالدين الخمالي

في ظل المتغيرات العديدة التي يشهدها حقل التدين الاسلامي خاصة في العقود الاخيرة على مستوى الانتاج الفكري والعقدي وتعدد مظاهر الممارسة الدينية و كذلك نظرا للتقاطبات التي تحاول بعض التيارات المذهبية فرضها في اطار صراع التمدد والاستقطاب في فضاءات و جغرافيا التدين الاسلامي وما تحدثه من اشكالات كبرى قد تتحول في احيان كثيرة من مجرد تجاذب فكري الى صراع حقيقي و حروب طائفية و مذهبية تحت تاثير الايديولوجيات السياسية والانتماءات الضيقة والتشنج الفكري وعدم قبول الانفتاح على الاخر وتغليب منطق التصارع الذي يؤدي الى الفرقة والتشتت والتعصب الفارغ بدل تغليب منطق الحوار والمخالقة والتراحم والتواد الذي به يكتمل بنيان الامة ويستقيم صرحها .


فان انتاج البدائل واطلاق المشاريع الخلاقة الكفيلة بنشر قيم التسامح والوسطية والاعتدال والتواصل البناء مع جميع الفاعلين في الحقل الديني على اختلاف انتماءاتهم العقدية والمذهبية من اجل النهوض بامال الامة الاسلامية نحو التقدم والازدهار والتنمية وتسييد قيم الحرية والعدالة والمساواة وماسستها انطلاقا من مرجعيتنا الدينية الربانية و السنة النبوية الشريفة وسيرة الصلحاء والعلماء الربانيين من السلف يعد من الاولويات اليوم لكي نستطيع تجاوز مازق الممارسات الدينية المنحرفة والمتطرفة والقراءات التقليدية للتراث الاسلامي وتمثلاثها في المشهدين الديني والسياسي المعاصر خاصة بعد الافرازات الخطيرة التي ظهرت بعيد حراك الربيع العربي في عدد من الدول التي انتفضت فيها الجماهير العربية على الاستبداد والتحكم والقمع كما هو الحال بتونس ومصر و ليبيا .
لهذا فان الحاجة تبدو اكثر من اي وقت مضى اكثر الحاحا في ايجاد ارضية مشتركة تتجاوز الجزئيات المذهبية و الخلافات العقدية والكلامية وتستند على المقوم الروحي الجامع والعمق الروحي والاخلاقي في ديننا الحنيف الذي يسمو بالممارسة الدينية وينقل الحقل الديني الاسلامي من واقع الاشتباك العقدي والفكري الذي يعيشه حاليا الى طبيعته الاصيلة كمجال شاسع للتواصل والتلاقي والتراحم والتاخي والانفتاح على الاخر وسيادة اخلاق النبوة مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انما بعتث لاتمم مكارم الاخلاق ) حيث كان صلى الله عليه وسلم يحض على مخالقة الناس بالاخلاق الحسنة المستمدة من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة لانها الاساس في اسلام المرء وعماد عمل المسلم في تواصله مع الخلق مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ) وهذا ما نجد المتصوفة الاوائل قد جدوا وجهدوا في التمسك والعمل به كما كان الامام الجنيد رضي الله عنه وائمة التصوف السني كالامام ابو بكر الكتاني الذي يقول ( انما التصوف خلق فمن زاد عليك بالخلق فقد زاد عليك بالتصوف ) .
واستناد التصوف السني على هذه المرجعية الاخلاقية النبوية السامية في تصور العلاقة مع المحيط الاجتماعي و التواصل مع الاخر يجعله مؤهلا كحقل من حقول المعرفة الاسلامية و مجالا للممارسة الدينية الوسطية والمعتدلة ليكون ارضية خصبة لاعادة انتاج قيم التسامح والوسطية ومد جسور التواصل مع الاخر في اطار الاحترام المتبادل و تقديم القراءات الفكرية المتزنة لمفاهيم الحداثة و حقوق الانسان والحرية الفردية والجماعية انطلاقا من المقاصد الشرعية في فهم الكليات الدينية الخمس .
لذلك فان سعي عدد من الشباب المغربي لتاسيس رابطة للشباب الصوفي تبقى في نظري مبادرة خلاقة تحتاج الى كثير من الدعم والمساندة بدل التشكيك في النوايا والدواعي خاصة ان كانت ترفع شعار الاستقلالية عن الطرق الصوفية و تقاطباتها و نزوعات مشيخاتها في الهيمنة على التصوف والاستئثار به وترسيم خطوطه و خنقه في اطار دوائر مركزية لها اهدافها و مشاريعها الخاصة
ان الدعوة التي اطلقها عدد من الشباب المغربي منذ ما يناهز السنة لحد الان لتاسيس اطار مدني يضم شبابا يتبني المرجعية الصوفية ويتمسك بالتوابث الدينية للمملكة المغربية من اجل القيام بعمل نوعي ومستقل في اشاعة قيم التسامح والتاخي والمخالقة بين جميع مكونات الامة المغربية انطلاقا من الاخلاق النبوية الشريفة والتربية الصوفية السنية الملتزمة باحكام الكتاب والسنة ومواجهة الدعوات الهدامة والدخيلة والمتزمة التي تمس بقيم التعايش المشترك و تهدد السلم الاجتماعي والامن الروحي تبدو من خلال اهداف الداعين لها مبادرة جديرة بالاهتمام و التشجيع وذلك لتجاوز الحواجز التي اقامتها الانتماءات الطرقية منذ عهود خلت اولا داخل حقل التصوف الاسلامي والمغربي على الخصوص و مد جسور التواصل والتواد والحوار الثقافي البناء ثانيا مع جل مكونات العمل الاسلامي والمدني والاجتماعي مادام قد اختار الداعون لها اطار مدنيا متوائما مع متطلبات العصرنة للتعبير عن افكارهم وانشغالاتهم ومشاريعهم وكذا ان يكون محضنا للمقترحات والافكار والانتاجات الفكرية والبحثية الشبابية لتطوير النقاش داخل حقل التصوف والفكر الاسلامي في الداخل والخارج .
في الحوار الذي ادلى به الاستاذ محمد الخطابي المنسق العام لمبادرة الرابطة المغربية للشباب الصوفي وانفرد بنشره موقع اسلام مغربي منذ ما يقارب عن السنة ابدى كثيرا من النقاط ذات الاهمية البالغة في فهم مقتضى الدعوة لتاسيس الرابطة ومشروعية وجودها بالرغم من الصعوبات العملية و الواقعية التي تنتظرها في حقل العمل المدني المغربي وكيفية الحفاظ على استقلالها وتحقيق اهدافها في التخليق و الانفتاح و الحوار البناء .
لذلك نرجو ان تخرج هذه المبادرة للوجود حتى تكون سابقة من نوعها في هذا المجال و لبنة اولى من اجل ماسسة الحقل الصوفي وهيكلته بما يتلاءم مع روح العصر ومتطلبات التجديد الفكري والتنظيمي .

ليست هناك تعليقات: