الجمعة، 24 أبريل 2015

الثورات .. ومثلث بناء الأمم - الأديبة عزة راجح

الثورات .. و مثلث بناء الأمم 
الأديبة عزة راجح

ما قامت ثورة إلا رفضًا لظلم وفساد أضرَّا بالبلاد والعباد، وسعيا إلى الإصلاح والتغيير والبناء. وسواء أقامت الثورة ضد مستعمر، أو قامت رفضا لحكم فاسد، لطاغية كان أو لضعيف أفسد الحياة، وأضر بمصلحة الوطن، فأهداف الثورات واحدة ثابتة، لا ولن تتغير، ومهما اختلفت الأزمنة أو تغيرت الأماكن.

" هدمٌ وبناء " هدفا الثورات في كل زمان ومكان، لتغيير مجرى ووجه التاريخ والأمم، من ضعف وتدهور، إلى قوة وعزة وكرامة. والقائم على تحقيقهما، هو الإنسان ولا سواه. فوحده القادر على عمليتا الهدم والبناء، ووحده يشكل التاريخ ويغيره، وفقا لاحتياجاته وتطلعاته وأحلامه، ووفقا لضعفه وقوته. بل بقدر ما يسعى إليه من عزة وحرية وكرامة ومن درجات العيش .. رغده وسعته، أوشحه وفقره، تكون إرادته وتكون إدارته وأداؤه للتغيير والإصلاح والبناء.

وإذا كان الإنسان هو محور الحياة والقائم عليها، فهو أولا من يستحق بناءً قويما قويا سويا، به ومن خلاله يسعى إلى ما يشاء، فبناء الإنسان يعني من دون أدنى شك، بناء الأوطان وبناء الأمم. ولذا وجب على كل أمة أن تهتم لبناء الإنسان أولا، خاصة تلك التي تعرضت لفترات ظلم وقهر أو فوضى وتدهور وفساد. وبناء الإنسان هذا..لا ولن يتم إلا من خلال مؤسسات وهيئات واعية واعدة، تؤمن بذلك وتسخر طاقاتها لأجله، ومن خلال "مثلث بناء متساو الأضلاع" قد نختلف على تقديم أحد أضلاعه على الآخر، لأهميتهم جميعا في عملية البناء تلك ..، ولكن نتفق على أن الأضلاع الثلاث يجب أن تتصل وتترابط وتتفاعل فيما بينها، لتقوم على بنائه عقليا ونفسيا وبدنيا، بناءً صحيحا قويا سويا هادفا، لا اعوجاج فيه ولا خلل.

" مثلث بناء الأمم" ..، مثلت قاعدته "العلم والتعليم" .. فما قامت أمة ونهضت إلا وكانا في مقدمة قائمة اهتماماتها، وما سقطت أمة وتدهورت إلا لتدهورهما فيها بأيدٍ خارجية أو بأيدي حكامها عن قصد أو عن غير قصد.

" العلم والتعليم" ولا نقدم أحدهما على الآخر-فكلاهما كالبيضة والدجاجة -نتساءل أيهما أولا، ونتردد كثيرا للإجابة. "فبالعلماء" يُوضع حجر الأساس، لتعليم هادف ممنهج سوي، يكون استثمارا للطاقات والثروات البشرية والمادية، يؤتي ثماره، لا استهلاكا واستنزافا لهما. و"العلماء" هم ثمرة "التعليم" اليانعة، نبراس الأمة وحملة ألويتها، الذين قال فيهم المولى عز وجل " العلماء ورثة الأنبياء" لدورهم الفاعل في التنوير والبناء، ودفع عجلة الأمم إلى الأمام في المسار والاتجاه القويم.

ونجاح الثورات التي تنادي بالإصلاح والتغيير والبناء في أي من البلدان، لا يعني شيئا من دون ثورة شاملة واعية على أنظمة التعليم فيها، تلك التي تكون قد أُفسدت عمدًا وبقصد، لتسفيه العقول والألباب، ولتغييب الشعوب عن وعيها. وما أحوج الأمة العربية خاصة، بعد كل تلك الثورات الشعبية التي قامت فيها في العديد من البلدان رفضا للفساد وسعيا إلى الإصلاح والتغيير والبناء، إلى ثورة تُعيد بناء التعليم فيها، مدارسا ومناهجا وإدارات وهيئات تدريس، على أسس علمية وخطة وأهداف موضوعية، ليكون الحصاد قامات تُقدم للأمة وليس مسخا وعاهات تشوِّه وجه الأمة، وتُسئ لكل ما فيها. وليكون الحصاد خطوة إيجابية في طريق البناء.

و "الإعلام" هو ضلع آخر من مثلث البناء ربما يكون هو التوأم المتآخي للتعليم في زمننا هذا، لخطورته وأهميته ولدوره المزدوج في عملية البناء، حيث يُربي وينشئ ويعلم، وكذلك يحمي من الفكر والسياسات المضادة. ففي عصر تفجرت فيه الثورات في كافة المجالات من علمية وثقافية وتكنولوجية .. الخ، وكذلك الثورات الشعبية ضد الحكام، رفضا للظلم والفساد، يجب أن يكون الإعلام واعيا واعدا مُوَجَّهًا و مُوَجِّهًا، ينقل الحدث وجديد العالم في كافة المجالات بموضوعية وحيادية وأمانة ..، وكذلك يكون الساعد الذي يُآزر التعليم في عملية البناء، فيتبنى أهدافه ومبادئه ويعمل عليها، فيعمل على تزكية القلوب والعقول والارتقاء بهما بفكر وبرامج هادفة فاعلة، لتنشئة أجيال تعرف ما لها وما عليها وتعمل بصدق وحب وانتماء لرفعة الأوطان، فلا يُطبِّعها إعلام مضاد ولا يثنيها عن السعي المخلص الجاد، لتسابق الأمم إلى غدٍ مشرق مشرف يحكمه الحق والخير والجمال.

أما دور العبادة .. فهي الضلع من مثلث البناء، يحمل السلاح، ويقف على حدود النفس معلمًا ومرشدًا وداعيًا ودليَلا، الضلع الذي يحمل على عاتقه أمانة القول والفعل والبناء تماما كضلعي المثلث الأخريين ويزيد، لقيمة الأديان وتأثيرها على النفس البشرية. الضلع الذي يجب أن يحفظ موضعه ويحتفظ به ، فتظل دور العبادة تقوم على الدور المنوط بها، من دعوة إلى الحق وتبصير وتوعية بشئون الدنيا والدين، تعمل على تنشئة وبناء الإنسان السوي الواعي الذي يدرك ما يُحاك بالأمة من مؤامرات، لشل حركتها وتغييب وعيها ووعي أبنائها وتدميرها ما استطاعت، يدرك حاجة الأمة إلى الوحدة والعدالة والحرية والكرامة والسلام الداخلي والخارجي، ويعمل بجد وكد من أجل ذلك، وتلك دعوة الأديان جميعا، فما دعا دين إلى التناحر أو التشرذم أو إلى التفكك والانحلال، وهذا ما يجب أن تقوم عليه دور العبادة في أمتنا العربية نائية بنفسها عن متاهات الساسية وصراعاتها وأحاجيها، وإلا كنا كالهشيم تذره الرياح.

مثلث بناء الأمم بأضلاعه الثلاث المتساويين في مدى أهميتهم لبناء الإنسان وبالتالي الأوطان " علم وتعليم – إعلام – دور عبادة " ما استكملت ثورة نجاحاتها واستحقت أن تغير وجه التاريخ، إلا بالاهتمام بهذا المثلث.. ، محو ما لحق بأضلاعه من فساد وبناء ما قُوض فيه وصياغة الأهداف من أجله والعمل عليها، ووضع الخطط المحكمة لأجله، ولأجل أن تظل أضلاعه الثلاث في حالة اتصال دائم وترابط وتفاعل فيما بينها، تعزف نفس اللحن الوطني للبلاد وتنشد بحب وانتماء فتردد أناشيدها الأوطان . وما أحوج الأمة العربية اليوم، إلى كل هذا، ومن أجل هدف واحد سامٍ نبيل ألا وهو الإصلاح والتغيير والبناء، لنحفظ للأمة عزتها وكرامتها وحريتها والمكان والمكانة اللائقة بها ولتظل وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها " خير أمة أخرجت للناس".

عزة راجح
عضو اتحاد كتاب مصر

ليست هناك تعليقات: