الخميس، 23 مايو 2013

عندما…!! وعندما…!! - دليلة حياوي

عندما…!! وعندما…!! 
دليلة حياوي

ذات صباح باكر طالعت عويناتي رسالة إلكترونية من أحد الطلاب الإيطاليين المشهود لهم بالحيوية الثقافية وترصد الأنشطة ذات الأبعاد العِرقية.. إذ لا يكتفي ببعث الخبر.. بل يقوم بدور المفكرة الإلكترونية للتحفيز على الذهاب.. من خلال رسائل قد لا تتعدى في مجملها العنوان: ” يفصلنا يومان عن الحدث!” أو ” نلتقي بعد ساعات!”.. أو “مقاعدكم محجوزة!.. وقراطِس الذرة أيضا!”..

لكن رسالة هذه المرة كانت تهمُّ أنشطة صوفية.. تعقد أسبوعيا بزاوية دينية بروما تابعة للطريقة البُرهانية.. نسبة لشيخ السودان برهان الدين.. والذي يرتبط نسبه البعيد بالصحابي أبي بكر الصديق رضي الله عنه.. وكأنني بالطالب يعزف على أشد الأوتار حساسية بأعماقي تلك المعفرة منذ هجرتي بالفراغ أو الخواء الروحي الذي يحول دوني ومدّ جذور حقيقية بهذه التربة الرومانية الطيبة التي احتضنتني بمحبة لا أخفيها بعدما اجتثتني الظروف من مدينتي التي أعشق!..

هللت أعماقي المتشنجة للحدث ورقصت له انتشاءً.. وعقدتُ العزم مساء ذات سبتٍ مع زميلة جزائرية على اللقاء بمحطة الميترو القريبة نسبيا من الزاوية والبعيدة جدا عن مسكن كل منا.. وتابعنا تقصينا لمدة نصف ساعة على الأقدام لجهلنا بالمنطقة ونحن نتأبط ذراعيْ بعضنا طلبا للدعم العاطفي.. مع أن الواحدة لم تخبر الثانية عما يدور بخلدها من هواجس.. تصب كلها في خانة هل سَيُـرَحَّبُ بنا؟ أم لا؟.. وهل انتماؤنا الطرقي التيجاني سيشكل عقبة أمام التواصل ومريدي البرهانية؟..

ونحن نهُمُّ بإحكام المنديلين على رأسينا ونزع الحذائين بالبوابة.. انبرى صوت إيطالي ذكوري من خلفنا مُخبرا بأن العملية هاته يمكننا القيام بها في الداخل.. المهم هو الإسراع نحو الدفء.. فرمقتني زميلتي بنظرة مفادها أن البداية حسنة.. وصدق مخاطبنا فما أحوجنا في تلك اللحظة بالذات إلى الدفء بأنواعه المعنوية.. فمهما كان الحال.. نحن مجرد امرأتين في غربة..

تلقفتنا في عتبة الباب عدا رائحة البخور الزكية والعطور الشرقية، صبية إيطالية بأكواب شاي معطر بقِرْفَة وزنجبيل.. وقادتنا إلى القاعة حيث احتضنتنا بحرارة ـ تصوروا بالأحضان!ـ سيدة خمسينية كما لو أن بيننا معرفة قديمة.. ولم تتورع عن الرد على سؤالي الأبله إذا ما سبق والتقيناها في السابق؟.. قائلة وأناملها تمرر حبات سبحة خشبية:

ـ كثيرا يا عزيزتي، كلما قلتِ وقلنا يا رب!.. وأجابنا الرب الكريم لَبَّيْكُم عبادي!.. فذاك لقاء!.. واحسبي على مهلك!..

وأنهت ردها بالتربيت على كتف شاب إيطالي بجانبه مقعد شاغر.. بادرنا بالسلام.. قبل أن يقوم منتصبا على الفور ليترك لنا مكانه أنا وزميلتي.. كانت القاعة مرصوصة بالمقاعد ماعدا أريكة إسفنجية على الأرض يفترشها صحفيون عرفتهم.. -وهذه ليست بالنبوءة أو التخمين- من خلال معدات التصوير التلفزيوني التي تجثم أمامهم ويحملون إحداها بين الحين والآخر ليلتقطوا لقطة هنا وأخرى هناك.. بينما كانت المقاعد مأهولة بحضور يقدر بخمسة وعشرين فردا من ذووي الشعور الكستنائية والبشرات الفاتحة.. بمعنى أنهم في مجملهم إيطاليون وطبعا ضمن متتبعي الصف الأول كان الطالب المجتهد.. فقد عرفته زميلتي من انكبابه على التدوين!..

تلتِ المحاضرة حلقة للذكر تعالى فيها التسبيح والتكبير لله والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم بالعربية والإيطالية في تمازج فريد.. ولم نُسْأل أنا وصديقتي عن ديانتنا!.. ولا مذهبنا!.. ولا أصلنا ولا فصلنا!.. كان الكل يتفوه بالكلام الطيب ولا شيء غيره!.. لدرجة أن فضولي لم يدْرِ من القَيِّم على الزاوية ومن الزائر.. وكالعادة تلبستني الشجاعة والبلاهة معاً وسألت سيدتين كانتا تجلسان بقربنا إذا كانتا من القيِّمين على الزاوية أم الزوار.. فأجابتا:

ـ جميعنا قيّمون على زرع المحبة بحقول التآخي.. وجميعنا زوار لسقيها وتسميدها وحمل بعض من ثمارها للغائبين!.. فهذا ما ينص عليه الإسلام!..

وصدقت السيدتان.. فعندما يُسلم غير المسلمين يصبحون أكثر تسامحا وعطاءً ورأفة بالغير سواء قاسموهم نفس

العقيدة أم لا.. تماشيا والسنة النبوية الشريفة وما جاء في كتاب الله العزيز.. وعندما يتنصَّر أو يتهوَّد أو يَتَعَلْمَن أو يُلحد أو يتَمَرْكس.. أو حتى يعيد اكتشاف إسلامهم المسلمون فأول ما يقدمون عليه هو الغلظة والقسوة اتجاه الكل .. في الفعل والقول والكتابة.. لماذا؟ هذا سؤالي.. فهل من مجيب؟

ليست هناك تعليقات: