السبت، 25 مايو 2013

التائهات في المهجر.. - دليلة حياوي

التائهات في المهجر.. 
 دليلة حياوي

“إذا أحب الله عبداً ابتلاه”.. هكذا علمونا في الصغر.. وبه آمنّا وسلّمنا.. اللهم لا جدل!.. ومن التّسليم ذاته.. جاء اليقين بأن الله سبحانه الذي لا يرجّح في الحساب والعقاب كفّة جنسٍ دون آخر.. أنه إذا أحبّ أمَةً أيضاً ابتلاها!.. لربما بعلّة جسدية.. لربما بأمومة مع وقف تنفيذ.. لربما بفقدان عِزٍّ .. فقدان عزيز.. بِهَجْر.. ولربما كل ذلك مُجتمعاً لتُتَرْجِم ابتلاءها إلى هِجرة نحو أرض غريبة تحنو عليها برفقٍ متى سدّد لها الوطن ركلةً بدون جزاء وأشهر أهله جوراً أمامها وخلفها وبين أيديها الورقة الحمراء!.. بينما إنذار بطولاتٍ عابرة للقارات كهاته.. يبقى الابتلاء بقارئٍ يبدو شغوفا بما أكتبه.. ومن ثمّ لا يدخر وسعا في قذف أخلاقي وعِرْضي وعقيدتي بعد كل إطلالة!.. وقد كان بالإمكان التغاضي عن مثل هذه ترهات.. لو لم تتطور البلوى والعالَمُ يجتاز مرحلة سياسية حاسمة.. لتشمل أكوام رسائل القارئ النادر كلّ مغربيات المهجر مع ذكر عواصم محددة!.. كباريس ومدريد لكن قبلهما روما.. ويعنونها بـ: “إلى بناتنا التائهات في المهجر!”.. ويُذيّلها بتهديد ووعيد مفادهما أن المغرب بلد إسلامي.. ومن لا تلتزم من المغتربات بالشريعة الإسلامية وتتحجّب عليها أن تظل بالغرب الذي استقبلها لأن الأهالي بالوطن لا يريدونها بينهم!..

ولِثَنْي القارئ إياه عن تلبُّس دور “رامْبو” أو”جاكيشان” بحدود المغرب البرية والبحرية ولربما الجوية أيضا.. لنزع جواز السفر المغربي عن نازعات منديل الرأس!.. سأردُّ نثراً ونظماً بعد إذنكم ما دام اختارني خصماً يَتلقّى اللّكمات بدلاً عن 2.5 مليون مهاجرة في مسلسل “إنقاذ مغربستان من النّسْوان”!.. لأقول:

إخواني في المواطنة والعرق والعقيدة! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

أما بعد،

لن أُلمّع مرايا بناتكم في المهجر.. لأنها صَقيلة بما فيه الكفاية.. لكن وأنا أقلّب بين “نون النسوة” في ذاكرة محيطي “الرومي” الضيق جدّاً بحثاً عن “تائهة” تهدونها الطريق المستقيم!.. وجدت مذيعة تلفزيون.. وجدت ممثلة سينما ومقدمة برنامجي أزياء وطبخ.. وجدت أكثر من صحفية.. وجدت مترجمة فورية بالملتقيات الدولية تتقن العربية الفصيحة وكل العاميات المتفرعة عنها إلى جانب الفرنسية والإيطالية والإنجليزية والإسبانية والفارسية.. وجدت مترجمات محلّفات لدى المحاكم الإيطالية بمختلف درجاتها.. وجدت أكثر من صيدلانية.. وجدت أكثر من سيدة أعمال تدير مشاريع كبرى وصغرى.. وجدت أكثر من تاجرة.. وجدت صاحبة مقهى.. وجدت أكثر من صاحبة مطعم.. وجدت صاحبة مكتبة.. وجدت متطوعات بمراكز استقبال اجتماعية.. وجدت أكثر من أستاذة جامعية.. وجدت معدّة برامج تلفزيونية لمحو أُمِّية إخوانها مغاربة الداخل قبل الخارج.. وجدت مؤلفة كُتب تعليمية تعتمد أحدث البيداغوجيات البسيكو-لغوية.. وجدت برلمانية مهما اختلفنا أو اتفقنا معها تبقى أول امرأة من أصل أجنبي على الإطلاق تجتاز عتبة أقدم برلمان في تاريخ البشرية..

وجدت بناتٍ لكم يتسلقن الصخور ليعتلين القمم بمهجرٍ مهما ضمّد جراحهن القديمة ـ التي تفننتم في إحداثها ـ فهو لا يهدي بخوراً إذا لم تكن بأياديهن مباخرُ بجمرٍ مُتّقد!.. وجدتُ بناتٍ لكم تبعث مشاويرهن الحياتية على الفخر لدرجة التّيه!.. لا النظر إليهن على أنهن تائهات!.. مع العلم أنني لا أنفي ضياع بعضهن أيضا بالخارج ومن قبله الداخل!.. لكن بدل الشماتة والتشهير ابحثوا في الأسباب يا بني وطني.. فمن لا يزرع أرق العواطف لن يحصد غير أعتى العواصف!.. لا تكشفوا عوراتهن بنذالة وترفعوا في وجوههن أحزمة التقوى قبل سراويل توبتكم!.. راجعوا أنفسكم!.. ابحثوا ظواهر طافيةً إن لم أقل طاغية بمجتمعكم!.. كانعدام شهامة بعضكم!.. وجشع بعضكم الآخر!.. وعزوف بعضكم المتبقي عن الزواج!.. كفاكم ظلما فقط لأنهن إناث وأنتم ذكور!.. فما من أنثى على وجه البسيطة توثر التسلية على الجِدّ.. واللهو على الاستقرار!..

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ما أهاننا إلا لئيم وما أكرمنا إلا كريم..
في الصِّغَرْ

عَلَّموني في الصِّغَرْ
والعِلْمُ ذاكَ..
كَما نَقْشٍ فوق الصخَرْ
علموني أنّ الظفّرَ..
خالص الظفرْ
ألاّ يحْبو طموحي..
بعيداً عن روضةِ البصَرْ
ألاّ يُحلّق فكري بفضاءِ فكْرهِ..
لأنّه.. مَكْمَنُ خَطَرْ
ألاّ يلهج لِساني بتسبيحٍ لغير آدمَ..
بالجَهرْ
لأن الحياة بدونِهِ..
تطردُ حوّاءَ من فَيْلَقِ البشَرْ
علموني في الصِّغَرْ
علموني ونَسواْ..
أن الكبرياءَ شرارةٌ..
مهما استسقوا لها المطَرْ
في لحظةٍ قد تؤججُ أعتى سَقَرْ
عَلَيّ لا تُبقي..
وعليهم لا تَذَرْ
علموني في الصغر
علموني ونسوا..
أن المولى لم يكتبْ لي:
“أنثى” بصفحة القدَرْ
بعدما يقصمُ مولدُها..
منّي الظَّهر
أُلْقِمُها لأجلِهم..
ثَدْي القَهر
علموني..
علموني في الصغر.

ليست هناك تعليقات: