الأحد، 16 يونيو 2013

قراءة نقدية في ديوان " لو تـُنصت العصافير للبشر " للشاعر البهي الأستاذ لحسن عايي

" تعدد الأشكال الشعرية ،،، في القصيدة النثرية الحداثية "
قراءة نقدية في ديوان " لو تـُنصت العصافير للبشر "
 للشاعر لحسن عايي 

 الأديب الشاعرعبد الرحيم الحمصي

" لو تنصت العصافير للبشر ،،، "
عنوان بمدخل ثنائي القصد و التعبير . ترنو بالقول : لو تنصت العصافير لمناجاة العشاق ، لخر لحنها من وميق الشغف ، المسربل بحنين اللقيا و الوصال . لكل لحونه . فالعصافير في عرف المحب . طيور عاشقة للماء ، و الخضرة ، ثم عبقرية الطبيعة . و العاشقُ الصب ، له لحونه . إما هياما عاطفيا خالصا . أو تعبيرا شعريا يجسد هذه العلاقة . و من هنا أرى أن العنوان ، كإسقاط على مجمل قصائد الديوان . قد يكون تحرشا بذوائقنا . من خلال تقنية الإغراء . المفضي إلى ولوجه دون إبطاء .


 و هذا التعبير ساقته القصيدة الأولى في الديوان . والتي أسميها بالقصيدة النثرية القصيرة جدا . حيث ينثر الشاعر سؤاله المعبر بالقول .

هل تذكرين 
حين تنصت العصافير
لحديثنا 
و السحب العابرة
تنزل في موسم الروح 
لتطير من جديد ،،، ؟؟؟ 


و الجميل ،،، الجديد في محتوى الديوان . كونه يجمع بين القصيدة النثرية القصيرة جدا أو ما يسمى بالومضة أو الشذرة . و القصيدة النثرية القصيرة . ثم السرد النثري . المعبر عن خلجات الذات ، في حميميتها المستقاة من شعرية اللحظة . أو ما أسميه بالإرتجالية الشعرية . ليس بالمفهوم القدحي للمعنى . و إنما بالمفهوم الأدبي ، كاصطلاح جديد حداثي يُمتح من ذائقة الذات ، كرد فعل على حاجة ماسة ، تمليها كيميائية الهاجس الدفين فيها . 

ثم هناك ما أسميه بالأهزوجة الحوارية . هذه الأخيرة التي تتدلى قطوفها من كروم الذات لشاعرين . شاعرة ،،، يقابلها شاعر في استرسالية شيقة بملفوظ بـَوْحي . يعبر عن مكنون الذات و خلجاتها . تماهياتها و انكساراتها . عشقها ،،، حنينها ،،، توسلاتها الهاربة من جب انتظاراتها . وكل منهما يدلي بدلوه الإبداعي التماثلي . الذي لا يحيد عن مدخل و عمق هذه الحوارية . و هي خاصية تمتص الملل الاسترسالي للقارئ . و تفتح أمامه باب الاستراحة القرائية . قصدا في استعادة الوعي بهذه الأطباق الشعرية . كمضامين في كنهية بوح المشاعر . و كتكوين معماري لها . 
ومن خلال هذا التعريف المختصر و المبسط . يمكنني وضع الكحل على عيون الديوان . و ما يحبل به من لفظ إبداعي ، و تماثلات تؤثث لجمالية الصور المبثوثة على جدار القصائد .
و المثير للانتباه . كون ديوان " لو تنصت العصافير للبشر " لشاعرنا الأستاذ لحسن عايي . هو هذا الاشتغال على هذه التعددية ، المتعلقة بتنوع أشكال القصيدة النثرية في تراتبيتها . و التي تطرح علينا السؤال ( رغم أنف تبريري لهذا التجميع المذكور قبلا ) و خاصة على ذائقة الشاعر . فهل هذا الاستشكال مقصود أو هو ما يسمى بالأضمومة في تجميعها كل هذه الوحدات النثرية شعريا . ؟؟؟ 
و حتى لا أركب فرس الديوان على طريق مسدود . نلج أنا و إياه جنة الرومنسية بامتياز و التي سربلته من شعرة أول قصيدة ، إلى أخمص دملج حواريته الشيقة ، لنلفي أن المرأة ، تلك الأيقونة المتفردة ، و تلك المخَلصة للذات الشاعرة من قحط المحيط ، متحجر المشاعر و وعر المسالك . نجدها تسقيه برذاذ الحضور ، كإلهام يمتح من الذات الشاعرة مخزونها الوجداني ، على جسر لغة إبداعية ، و دون سابق وعي به . هذا المخزون الملتهب و المتعطش للهواء ، و الماء ثم الدفء . حين قوله ،،،

إهطلي يا أمطار ،،،
بللي كل شيء ،،،
معطفي و حصيرتي ،،،

و في قصيدة " متاهة الوصال " . يقول الشاعر ،،،

إنبعثى من ظلال الأيام ،،،
دمي وافد من وحشة السماء ،،،
عاصفة أنت ،،،
بها و إليها أعدو ،،،
عزف ألحان أنت 
به أترنم و أشدو ،،،
و عيناك معبدي و مرعاي ...
فطغيان الاشتغال على أيقونة الماء كرمز أو ترميز ، على مستوى مجمل متن قصائد الديوان . يبقى حاجة ملحة . و طلب ارتواء ثم إطفاء عطش . كإسقاط على حب الشاعر للمرأة . و الدوبان في تماهياتها . فهي هذه المزنة الحاملة للارتواء . والتي لا و لن تحدها حدود ، كما العطاء المثمر الشافي ، الذي لا ينضب و لا يجف . فهي الماء و السماء و الخصب و الجداول . وهي الربيع الذي لا خريف له . وهي الإلهام و الضوء . الشمس و القمر . 
و على مستوى مضاعفٍ للصورة ذاتها . هما المرأة و الماء ،،، السماء و الأرض . أي هما الصبيب على أرض يباب تتوسل السقيا . و بدونها لن يكون للديوان براعمَ أو قصائد . كونها المزنة أو الملهمة لهذه الولادة . أي مخـَلصة هذا التمازج المفضي للخلق و الإبداع في جمالياته المتناغمة ، إيقاعيا وجرسا وحضورا على الساحة الشعرية الكونية . 
و على هذا المستوى ينشد الشاعر بالقول .

إنك أعمق من أعماقي 
و أبعد من أغواري ،،،
أخشى عطش كلماتي 
و فقر نبضاتي ....

وأختم هذه المداخلة النقدية ، بهذا المقطع لشاعرنا الرقيق و المبدع ذ. لحسن عايي .

دعيني أمتح من شفتيك 
حديث الشجون ،،،
دعيني أراك في وهج 
حسناوات العصور ،،،
دعيني أحدثك من خلال صمتي 
و أفك شِفرة العيون ،،،
دعيني أتحسس نفحات فنجاني ،،،
دعيني أتسلق أبخرتها 
عبر جسر ليس ككل الجسور ،،،
دعيني أنسج من صمتك آمالا 
ومن نظراتك أجمل القصور ...

فشكرا لزهرات ديوان " لو تنصت العصافير للبشر " أن فتحت لنا أوراقها ، قصدا في تذوق رحيقها شاعريِّ النكهة . و شكرا لشاعرنا الوسيم و المبدع . ذ . لحسن عايي هذا الإمتاع ، مع محبتي و متمنياتي له بالاستمرارية ، في حمل هذا الوزر الجميل ، الذي هو الشعر . والاسترسال في يمه ، متلاطم الأمواج . الذي في هدوئه يمنحنا البوح و الانتعاش ثم الانفراج .


الشاعـر المبدع . ذ . لحسن عايي


ليست هناك تعليقات: