الخميس، 10 أبريل 2014

قراءة نقدية لديوان - لو تنصت العصافير للبشر - بقلم الأديبة اللبنانية سعاد عثمان

قراءة نقدية لديوان - لو تنصت العصافير للبشر - الشاعر لحسن عـايي
بقلم الأديبة اللبنانية سعاد عثمان
الشاعر لحسن عـايي
الشاعر المغربي لحسن عايي ، من مدينة الرشيدية ، ينتمي لعائلة امازيغية عريقة ، هو رب اسرة يعمل في الحقل التعليمي، مديرا للملتقى الدولي للشعر بالرشيدية ، شارك في عدة ملتقيات ومهرجانات شعرية. 
يكتب باللغة العربية والامازيغية ، غنى البعض من قصائده مطربون عرب وامازيغ ، الف العديد من المسرحيات ، كان أخرها مسرحية ( الجسر)
كما انه يكتب شعر الزجل وقد انجز في هذا المجال البوما للغناء الكناوي .صدر له ديوان " سحر الامتداد.2000" وديوان " كوكب الربيع. 2006 " والديوان الاخير " لو تنصت العصافير للبشر. 2013
بداية من العنوان ( لو تنصت العصافير للبشر )
تبدو النصوص ظاهريا سهلة ومباشرة ،لكن بطانتها عنيدة ،عصية على الامساك ، احيانا تمسكها ،واحيانا تظن ذلك وما انت بماسك ، وذلك لا يعني ان الشاعر يتعمد الغموض بقصد ارباك القارئ او مراوغته ومخاتلته ، بل لان جمالية النص تقتضي الايحاء والتلميح والاشارة بعيدا عن التصريح والمباشرة الصارخة العلانية ولفتح الباب امام القارئ لمباشرة الديوان بقراءة متانية بعيدا عن الهرولة الاستنتاجية متجاوزا البنية السطحية نحو البنية العميقة ، وقد عبر عن ذلك بقوله:

لست من مظاهر الحياة التي تطفو على السطح بل اعمق
واعمق ... انت بحجابك كما اللؤلؤة في محارة ، لست هكذا
متاحة الا لمن سبر الاعماق اكثر فأكثر وبجدارة


يتكأ الشاعر في بناء عمارته الفنيةعلى لغة شعرية مغايرة للمعيارية المتعارف عليها ويسكب عليها من طاقاته الفنية فتخرج عن معجميتها بمدلولات خفية تتناسب مع السياق النصي للخطاب الشعري .
وهذا ما يتيح للمتلقي حرية الترصد والتأويل حتى المشاركة في صياغة النص او اعادة تشكيله
والمح لذلك بالقول

للعيون هجرتها وهي تعبر مساحة الحبر
الى الضفة الاخرى للمعنى .
وايضا ..
اسمعي موسيقى جرس حرفي وروضي كلماتي على حلبة رؤاك .


غير ان الشاعر رغم تسليمه باهمية التلقي وتنوع القراءات ، وبان كل نص يحمل بداخلة نواة لنصوص اخرى يستلهمها القارئ ويضفي عليها من وعيه وثقافته ، الا انه في اعماقه يخشى على كلماته من التفكك وفقدان الهوية ، خاصة ان السلطة الت ليد القارئ حسب البنيويين والتفكيكيين ،وهنا بعض الامثلة

اقتلي ما شئت ما دام حبك قاتل،
لكن اغفري لكلماتي ،
فتمردها ما يحملني اليك .
وايضا
لا تخلعي فرو السماء
على بستان قصائدي
انثري وشمك...
اسقيه حنينا وشوقا من زادي


وبنهج متأن وبعين نابشة ، تجولت في الديوان الذي يضم مجموعة من القصائد متنوعة في الشكل التعبيري الذي يتراوح بين القصيدة المتوسطة الطول والقصيرة وبين الومضات والشذرات ، التي تراعي روح العصر من حيث الاقتضاب والتكثيف مع القدرة والفاعلية على تأدية الوظيفة الدلالية من خلال يوتوبيا فلسفية تسعى لبناء نماذج مثالية تقوم على الخير والفضيلة وتجعل الواقع اكثر جمالا وبراءة . من بعض النماذج :

الحب كوب ماء كلما اعتقدت انه انتهى ، الا وبقي قطرة منه في القعر
لا تضجري فخيط العشق من حرير تمسكي به واجذبيه برفق
الارض التي لا تطأها قدم محب لن تستنبت الازهار
لا تحزني عزيزتي اسكبي حيرتك وحزنك في صدري فهو يعرف كيف يداعب الاحزان

هنا ساتوقف قليلا مع التناص الذي وظفه الشاعر لتبيان موقفه ورؤيته التأملية ، فالاية الكريمة " ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " او نظرية الكرما " اعمالكم ترد لكم" يقابلها لدى الشاعر ..
ليت سحابة الحياة تقطر بلون احاسيسنا لتنبت ازهارا باختلاف الالوان
نجد الشاعر يتوافق مع هذا التناص ويتمنى ايضا لو ان احاسيسنا تعود الينا
كذلك قوله :
لا تدع خيوط قهوتك تنفلت خلف وميض الشمس الاول ، فلربما اخذ منك
رسم طريقها سنين ، ولن تستطع ، لان ذلك يتطلب صباحا كهذا ..
لكن للاسف لن يتكرر ابدا

الشاعر هنا يلتقي مع هيراقليطس بقوله " ان غطست في النهر ثانية ففي ماء أخر ، الاول صار في مكان اخر " ويضيف شاعرنا بان علينا ان لا نفوت الفرص لانها لا تعوض بنفس الشروط .

هناك المزيد من التناص مع الشاعر نزار قباني ومحمود درويش ومع ستيوارت تتشيز ، والكاتب الالماني برتولت برشت لا مجال لذكرها ولكن هذا يدل على سعة اطلاع الشاعر وثقافته وتوظيفه لهذه المقولات لتوافق الراي او للجدل او للاعتراض ، ويشير تودوروف انه من الوهم الاعتقاد ان العمل الادبي له وجود مستقل انما هو ممتلئ باعمال سابقة

نعود لمضامين الديوان ، نرى الشاعر يجني قطوفه من خوابي الحياة المتعانقة بانسجامها وتناقضها ومن اعماق الذات المتازمة بين هديل الروح وصهيل الزمن ... ومن دوالي القلب حبات تدثرت بنسيج من خيال تناول خيوطه من ذاكرة ثقافية متعددة الاتجاهات ومن افنان الطبيعة الخلابة التي نشا الشاعر بين حناياها ، ومن هذه الروافد تشكلت لديه رؤية تأملية و فكرية مألها البحث عن سعادة الانسان عن مشكلاته ومعضلاته والتحديات التي تواجهه.
وهنا تتبدى براعة الشاعر وقدراته الابداعية في تقديم هذا الكم من المضامين الانسانية
بحس رومانسي وانسيابية لافتة تنفذ الى الوجدان بسلاسة عفوية لا تقاوم وتحيلك الى متاهات تخييلية فتتلاشى وتموج مع الاطياف في رحلة اثيرية لعالم المأمول والمرتجى مستغلا حضور المرأة الطاغي كأيقونة الديوان وكرمز يتوجه من خلالها للانثى للقصيدة ، للطبيعة ولكل انسان في اي موقع واي مكان حتى ان بعض القصائد مربكة وقد يلتبس علينا من هو المقصود .

للانثى يقول مثلا: اصلبي كلماتك على صدري ، فاسراركاختارت ملاذها وحبك نقش على لوحة
قدري
ايضا. صمتي خريف تحمل اوراقه انسم قدومك لتنبعث براعم الحياة في جسدي
ايضا. صوتي يجرف ما بداخلي ليضعه على كفيك كالحناء ..لا تنفخي في يديك
لابقى طيفا من انفاسك

للقصيدة يقول : اصبحت ادرك
اني من اجلها احيا
لها اترنم واطرب
هي البلسم والماوى
يا لجمالك يا قلب
يبزغ ضياؤك .. خلف العتمة .....الى باقي القصيدة

ومهما يكن فالمواضيع كثيرة ومتشبعة لا يستطيع المطلع الالمام بكل جوانبها فهناك القصيدة السردية والحوارية والوطنية والثورية والتاريخية فكل قصيدة تستحق قراءة منفردة واسعة ومفصلة
وبالمحصلة نستطيع القول ان الشاعر قدم لنا واقع الحياة من مظاره على طبق رومانسي شفيف وارخى عليه من مخياله صورا شعرية ولوحات انيقة ومشهدية تمسرح الفكر والرؤيا بطريقة تقربها من اذهان القارئ

واخيرا اود الاعتراف ان قصيدة (بورتريه) لم يكن من السهولة القبض على مفاتيحها الرمزية ومطلعها
خذ الفرشاة
انثر بسمتك ، واصبغ الحياة
شكل بورتريه لنا جميعا
على محيى الايام

الى ان قررت بالحس وليس بالدليل ان المتكلم هو نفسه المخاطب اي من لحسن عايي الانسان الى لحسن عايي الشاعر

وختامها مسك مع قصيدة ( متاهة الوصال)

انبعثي من ظلال الايام
دمي وافد من وحشة السماء
اغمدي .. حمى الكون في صدري
قد اذيب الصخر
اذ تطاه قدماي
مشاكسة انت .. اتجرع عذابك
لكل عود عصارة وعصارتي انت
كاسي نديم شكواي
متاهة انت كالطفل الهو
عاصفة انت
بها واليها اعدو
عزف الحان انت به اترنم واشدو
عيناك معبدي ومرعاي
لكل عاشق مرارة
وفي جداك اغدو
لكل فارس جسارة
وانا محب تمد
بكل قوة يداي
تهتفين بالحياة
وانا الصدى ارد
انت المي ونجواي


متاهة الوصال حين يستبد الشوق والوحشة ، ويستعصي اللقاء ،يستعيض الشاعر باستدعاء في لقاء وهمي طيف الحبيبة ، عله يبرد نار الغياب ، فيشكو اولا منها اليها ، هي مشاكسة يتجرع عذابها ، هي متاهة وهو كالطفل يلهو وهي عاصفة يغدو بها واليها ، ثم لا يتمالك نفسه فيسترسل ببوح رقيق شجي بقوله : عزف الحان انت ... عيناك معبدي ومرعاي .....في جذاك اغدو ...انا محب ... تهتفين بالحياة .......ليخلص الى مرارة القول : انت المي ونجواي
القصيدة متماسكة من حيث البناء والتدرج العاطفي ،من التأزم الى الشكوى الى البوح ثم الاستسلام
برع الشاعر في رسم الصور الشعرية المكثفة والمترجمة الوافية لما يعتمل في نفسه وايصالها لوجدان القارئ كما في قوله: اغمدي حمى الكون في صدري ...
قد اذيب الصخر
اذ تطأه قدماي
برع الشاعر في ترجممة مشاعره الى المتلقي عبر سلسلة من المشاهد والصور الشعرية المكثفة والايحائية كما في قوله :

اما الموسيقى الداخلية ، نستشعرها من خلال الايقاعات المتنوعة والمتباعدة تعث جرسا موسيقيا عذبا يتناسب مع حرارة النص مثل : قدماي ..شكواي .. مرعاي ..يداي ..نجواي ، وايضا الهو .. اعدو .. اشدو .. اغدو ..
كل ديوان وانت بخير شاعرنا

ليست هناك تعليقات: