الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

حديث المقبرة......صرخة أب ؟! - د.رياض عبد الكريم عواد

حديث المقبرة......صرخة أب ؟!

د.رياض عبد الكريم عواد
تشتاق روحي لزيارة المقبرة اتصل والدي قبل صلاة ظهر الاحد يخبرني عن جنازة لاحد نساء الحارة ركبت السيارة من القرارة الى دوار ابو حميد، مدخل مدينة خانيونس من الشرق سُمي هذا الدوار على اسم الشهيد اللواء احمد حسن مفرج ابوحميد الذي استشهد في فجر يوم الجمعة 8/3/2002 على ايدي القوات الاسرائيلية في احدى المواجهات في خزاعة وعبسان اثناء الانتفاضة الثانية .

قبل ايام او اسابيع من استشهاده كان موقع هذا القائد يُقذف بالحجارة من ابناء شعبه لانه سمح بعودة ثلاثة جنود اسرائيليين اجتازوا حاجز المطاحن الشمالي لخانيونس بالخطأ، اتهموه بتهم كثيرة ليس اقلها التنسيق الامني، الشماعة التي يرددها الجميع ماذا كان سيحدث لخانيونس لو ان القوات الفلسطينية اعتقلت جنود اسرائيل الثلاثة؟! ركبت سيارة اخرى متجهة الى مخيم خانيونس وركبت معنا سيدة كبيرة في السن، مَن معه شيكل ليدفع الاجرة عني، طالبت السيدة صلينا الظهر وصلاة الجنازة على المرأة السبعينية المتوفاة، ركبنا الباصات متجهين الى المقبرة، اذا خيرونا بين عباس ودحلان ، انا ساختار دحلان، شابان ذي لحيتين خفيفتين يتناقشان همسا في الباص المهم عندي يفكوا الحصار عن غزة ويدخلو ال ٣٠٠ صنف بضاعة من مصر اللي اتفقوا عليها بس لازم تكون إلنا شروط، ممنوع يكون لدحلان اي قوات عسكرية، بيقيسوا وبيفصلوا زي ما بدهم!!! والله الوضع مترهل ، قال احدهما ، وانا خايف تصير حرب، عشان ............يا ستير يا الله، حديث الحرب لا ينفك ان يتكرر في غزة عند كل مناسبة، غزة موعودة مع الحرب بمناسبة وبغير مناسبة، بسبب وبدون سبب، وبهدف وبدون هدف، هي الحرب كل كم سنة؟!

وصلنا المقبرة واذا بجنازة اخرى تصل ، تم دفن الموتى والدعاء لهم سلكت طريقا جانبيا وتوجهت سريعا الى حيث القلب يهفو جدران المقبرة تملؤها الشعارات والايات والاحاديث النبوية بطريقة عشوائية، صلِّ قبل ان يُصلى عليك، يُعذب الكافر والمنافق والعاصى في القبر ، نعيم القبر فقط للمؤمنين، معقول هذا الحديث؟ كلنا عصاه؟! هل سنتعرض جميعنا لهذا العذاب، اللهم انا نعوذ بك من عذاب القبر وظلمته وضمته... تم تكسير زبادي الفخار من على قبري جدتي مريم واختي منى، تم وضعها سُقية لطيور وعصافير البرية، هل هذا عبث اطفال ام فعل مقصود ممن يعقدون الحياة؟!

وصلت الى حيث اريد، سلمت على الحبيب وجيرانه، جلست في نفس المكان الذي تعودت ان اجلس فيه، جلست متربعا كعادتي في مقابلة وجه غسان كي يراني جيدا واتمتع بالنظر لوجهه الوديع
الصورة في صيف ٢٠١٤ المهندس غسان بياع اكسسوارات معرض كريم، خانيونس، كان زمان مات غسان وضاعت الاكسسوارات
تلمست القبر باصابعي، حجارة صلبة قاسية، امرر يديَّ على حجارة القبر مرة ومرات عسى أن اتحسس شيئاً من طراوة جسد ابني التي أعرفها واشتاق اليها، أو أن أشعر بشيء من الدفيء في هذا الجو البارد، فتصدمني قساوة حجارة القبر وبرودتها!!! قرأت سور يس والواقعة والملك،

"فلولا اذا بلغت الحلقوم، وانتم حينئذ تنظرون" نعم، لقد كنت واقفا مشدوها وحيدا بجانب الحبيب، أنظر في وجهه وفي عينيه، بلا حول ولا قوة، لحظة النزاع الحزينة، يا الله هل سأنسى تلك اللحظات؟!
يحضرني وجه غسان كل يوم مع قليل من الدموع، عندما أقرأ هذه الايات من سورة الواقعة، صباحا ومساء  دعوت وبكيت ما استطعت الى ذلك سبيلا،
نهضت متثاقلا، ودعت حبيبي، تركت المكان غصبا عني، غادرت بخطوات ثقيلة مرتبكة، تلفت خلفي مرة ومرات، على باب المقبرة، المفتوح دائما، تلفت جهة القبر للمرة الاخيرة، وانا أحاول ان أمسح الدموع التي بللت وجهي وفضحت ضعفي.....

عدت الى البيت، وحيدا مكسورا، خالي الوفاض، كعادتي هذه الايام ******* الصورة في صيف ٢٠١٤ المهندس غسان بياع اكسسوارات، معرض كريم، خانيونس، كان زمان مات غسان وضاعت الاكسسوارات!

ليست هناك تعليقات: