الأحد، 24 مارس 2013

العصيان المدني يلقي بشباكه على مصر - محمود الدبعي

العصيان المدني يلقي بشباكه على مصر - محمود الدبعي
محمود الدبعي - السويد

التغييرالديمقراطي لم يخرج مصر من المواجهة مع اصدقاء إسرائيل الذين يريدون لها أن تنحني لسياسات الخضوع و للإملاءات الغربية. ما عبّرت عنه الملايين لم يكن مطالب فئوية اجتماعية أو سياسية، بل عبّرت عن رفضها نظاما يهين الكرامة الوطنية والإنسانية. لا شيء يغذي التعصب والتطرف مثل الاستبداد الذي يريد أن يعود. ولا شيء يعالج ظواهر العنف مثل الحرية. هوية مصر العربية الحاضنة لجميع مكوّناتها، تجلّت بأبهى صورها في ميدان التحرير في 25 يناير والتي حملت لنا ثقافة سياسية منفتحة نقلتنا من واقع الانقسامات الطائفية إلى مناخ جديد قادرعلى المشاركة في تحديات العصر. مصر جديدة ولدت، وأفق عربي تفتح، و لكن ميدان التحرير تحول الى قاعدة للبلطجية و اصحاب المصالح الضيقة و المرتزقة و خلفهم جبهة الرفض التي تريد أن تحكم مصر و تحجم دور الدين في السياسة. ما يجري في مصر اليوم هو ثورة مضادة بكل معنى الكلمة و قودها شباب مغرر بهم و بعضهم يكسب عيش يومه من التخريب المتعمد .

مصر هي القاطرة الكبرى التي يهتز لحركتها العالم الغربي كله، و الذي يقلق الغرب من ثورة مصر، ليس فشل الإصلاحات السياسية والاجتماعية، بل من الذي يحكم مصر و ما مصير اتفاقية السلام مع اسرائيل و هل تولى الإخوان المسلمون مقاليد الحكم يعني فقدان صديق مهم في الشرق الأوسط؟

المسألة أن الشعب المصري قال كلمته و اختار رئيسه و مجلس شوراه و وافق على الدستور الجديد. وهذا هو التغيير الأول والأهم الذي طبع مرحلة كاملة من تاريخ مصر المعاصر. تأكد لنا أن الشعب الذي يشترك في المعاناة الإنسانية والوطنية، يمكنه أن يعبّر عن نفسه من دون حاجة إلى توجيه من قوى خارجية.

أصالة ثورة مصر، أنها ثورة شعبية بكل ما للكلمة من معنى. وسيبقى لشباب مصر الفضل في تقديم النموذج الإصلاحي رغم انحراف الكثير منهم عن هذا المسار بحجة أن مصر وقعت تحت حكم المرشد. بوادر التغيير ظهرت عندما قرّر الشعب أن يحاصر النظام السابق و يُسقط شرعيته السياسية والوطنية والأخلاقية. ولكن فلول النظام تريد اسقاط الشرعية عن رئيس منخب و عن حكومة تمثل طموحات الشعب المصري بالإصلاح و التغير.

هناك نموذجان تجلّيا في ميدان التحرير: الشعب المسالم المنضبط الحريص على مقدرات مصر، وعصابات النظام التي استولت على الميدان و عاثت بالأمن، واعتدت بهمجية على اجهزة الدولة، وأظهرت وجه القمع الوحشي لدى الفريق المعارض. طبعاً، يحاول فلول النظام العودة للسلطة، غير أنه لا مفر من إجراءات أمنية باتت حتمية تقطع الطريق على تجديد الدكتاتورية الحامية للفساد وللسياسات التبعية. لم تنشأ تلك السياسات وتستمر إلا لأنها ألغت وجود الشعب وفعله من المعادلة بالاستبداد. مدن القناة تحترق و شباب ميدان التحرير يهاجمون كل من يعترض على تصرفاتهم و ينادون علنا بإسقاط النظام و عودة العسكر للحكم.

ما تغيّر اليوم، هو أن الشعب، بمعزل عن مستوى حركاته الحزبية وتياراته السياسية، فرض نفسه نقيضاً صريحاً لمسرحية الانتخابات المزوّرة، ولكل ادعاء عن تأطيره في حركات حزبية اجتمعت مصالحها مع مصالح النظام السابق.

هناك إنجاز مهم هو أن حركة الشارع حظيت بحجم هائل من الاقتناع الوطني بعد 25 يناير، عجزت عن مقاومته وسائل السلطة البائدة وأدواتها وقواها. منذ اللحظة الأولى، كان النظام السابق وأصدقاؤه في الخارج لا يعترفون بأن للناس حقوقاً مهدورة. وحدها القبضة الأمنية تحمي النظام وتعطيه فرصة المراوغة والمناورة باسم الحفاظ على الدستور والمؤسسات والاستقرار والأمن. لكن الجماهير المصرية اسقطت هذا النظام في مدة قياسية مقارنة بثورة ليبيا و اليمن و سوريا.

لا نعرف الآن حجم الإصلاحات وعمقها في مصر، ومضمون السياسات الداخلية والخارجية بسبب الهيجان المنظم والذي شغل رئيس مصر و الحكومة بصراعات جانبية و حرمان مصر من القروض الخارجية. لكننا نعرف حقيقة أن دور مصر تبدل بعد نجاح الثورة ، و لم يعد ممكناً لشعب مصر أن يقبل باستباحة حقوقه، ولم يعد ممكناً لمصر أن تكون في الجبهة المعادية لقضايا العرب والمسلمين. غير أن الأكثر راهنية هو التأثير المباشر لحركة التغيير في المناخ العربي كله. هي ليست مسألة عدوى، بل مسألة ضرورة تعيشها الشعوب العربية في كل مجتمع ودولة. هناك إرث طويل من القطيعة بين النخب الحاكمة وشعوبها. هناك مهام وأولويات إنسانية لم يسبق لنظام عربي أن تعامل معها بالاهتمام اللازم. هناك ثقافة حرية وكرامة تطالب بها الشعوب المقهورة.
الثورة المصرية مدموغة اليوم باحتمالات الانقسام الأهلي و السياسي و الحزبي، وهي محكومة بتداعيات العنف والفوضى. ولم تعد حركة مدنية واعية عاقلة و ديموقراطية وطنية شاملة. إن وجود الأحزاب والتيارات السياسية المتعددة والمختلفة الرافضة لمبدأ الشراكة والتعاون والتنافس السلمي سيؤدي بمصر الى مصير مجهول. مصر التي شاهدنا ثورتها السلمية بأم العين و لمسنا بأيدينا ثقافة شعبها ووعي شبابها وحرية أفكارهم تسير مجدداً في طريق مظلم موحش.
محمود الدبعي
السويد

ليست هناك تعليقات: