الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

اغتيال حق الكافة في تفسير نصوص الدستور المصري - ذ. محمد الدهري

اغتيال حق الكافة في تفسير نصوص الدستور المصري


ذ. محمد الدهري
لجنة العشرة القانونيين اقترحت حكم في مشروع الدستور مؤداه حق المحكمة الدستورية في تفسير احكام الدستور. وهذا ما ينطبق عليه قول الأمام علي كرم الله وجهه في خضم الفتنة الكبرى ؛ قولة حق يراد بها باطل.

ذلك انه وفق هذا المقترح ولئن كانت سلطة المحكمة في تفسير نصوص الدستور تنبسط على كامل احكام الدستور فإن مقتضى المقترح بحكم اللزوم العقلي المنطقي حق المحكمة في تفسير حكم التفسير ذاته. وان كانت نصوص الدستور بطبيعتها تأتي في صياغة عامة مجردة وبالتالي مقتضبة (مختصرة). الأمر الذي يجعل سلطة المحكمة في هذا السياق واسعة في التفسير بتأثير من هذه العمومية والتجريد الذي يمنح وسع في المعنى. وهذا خروج (خطير) على نظام الرقابة الدستورية في مصر الذي قوامه ان يكون قضائيا لاحقا لا سياسيا سابقا و ينبسط على النص القانوني او اللائحي فقط و لا يمتد بأي آلية ليطال النصوص الدستورية .

ويذكر أن ممارسة السلطة القضائية لوظيفتها الرئيسة الفصل في المنازعات الأصل فيها أن ترد على واقعة محددة نشأت في وقت سابق على (قبل) اجراء المحاكمة ليأتي الحكم كاشفا عن الحقيقة مزيلا للتجهيل بأثر رجعي منذ وقوعه. وهو ما يطلق عليه اصطلاحا : الأثر الكاشف لأحكام القضاء. وهكذا تمضي أي المحكمة في نظر المنازعة مستخدمة أول أدواتها؛ تفسير نصوص القانون (بالمعنى الواسع للقانون الذي يتسع لأحكام الدستور كذلك). ووفق هذا الترتيب تمارس أي محكمة وظيفتها بغير ابتداع ولا ابتكار في هذا الشأن من المشرعين او الفقهاء لأنها أصول منطقية وعلمية.

ويذكر كذلك ان القانون خول للمحاكم العادية بطلب من الخصوم تفسير احكامها كما خول القانون المحكمة الدستورية بقرار منها وبشروط خاصة سلطة تفسير القانون بطلب من وزير العدل في غير منازعة. أما ان يتاح للمحكمة الدستورية تفسير أحكام الدستور وتفسير سلطتها هي في المقصود بالتفسير هذا امر خطير يمكن المحكمة من تعديل احكام الدستور قبل الفصل في المنازعات المنتظرة دورها في النظر. وفيه افتئات على وظيفة المشرع الدستوري حال كون المحكمة الدستورية- وهي المنشأة بأحكام الدستور - وهي بصدد تفسير احكامه قد تعيد النظر والرؤية بخلاف ما قال به الدستور وصدر عليه. لا سيما وان تفسير النص يدق عندما يلابسه الإبهام او الغموض وهذا امر غير مطروح في أحكام الدستور. ويجعل من المحكمة الدستورية عمليا رقيبة على نصوص الدستور نفسه ان لم تكن معدلة لها بقراءة جديدة.

ومثل هذا المقترح يثير تساؤلات عدة تكشف عن ما هو متوقع من سيولة في فهم النص تنعكس على التطبيق وقد تستخدم في غير ما انعقدت عليه الإرادة الشعبية. أول هذه التساؤلات ؛ ما مدى الزام المحاكم والمؤسسات الأخرى عامة وخاصة ودولية بفهم المحكمة الدستورية لنص الدستور الذي تم تفسيره بقرار وفي غير خصومة ؟ الثاني هل يستطيع المُخاطَب بأحكام الدستور ان يحتج بفهم آخر ؟ وهل سيجد له آذان صاغية ؟ أشك . أشك أن قاض يجرؤ على الخروج عن تفسير المحكمة الدستورية وان رأى تفسيرا آخر اقرب لخصوصية المنازعة المطروحة امامه. وهو احتكار لفهم النصوص لم يقل به المولى سبحانه وتعالى ولا رسوله عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم المنزل والمنزه عن الأخطاء. فضلا عما في ذلك المنحى من مصادرة للوظيفة القضائية وتحويلها الى صناعة تعليب أحكام.

هذا غيض من فيض ولازال في الحديث شئون وشجون ان شاء الله وكان في العمر بقية .




27 غشت 2013

ليست هناك تعليقات: