الأحد، 10 سبتمبر 2017

العرب والفلسطينيون والتضامن مع شعب الروهينجا - د.رياض عبد الكريم عواد

العرب والفلسطينيون والتضامن مع شعب الروهينجا 
 د.رياض عبد الكريم عواد
تميز الشعب الفلسطيني تاريخيا، كأحد الشعوب المظلومة والمضطهدة من قبل عدو قومي وعنصري، بوقوفه الى جانب كل حركات التحرر الوطني وتضامنه مع كل الشعوب المضطهدة، كما ناصر المظلومين، دون النظر الى هويتهم القومية او المذهبية والطائفية، ورأى في قيامه بهذا الواجب البشري الانساني انتصارا لقضيته وواجبا أخلاقيا ملزما له يحتمه عليه وضعه النضالي والانساني.
من هنا، ومن هذه المنطلقات الانسانية الصرفة، يتضامن شعبنا الفلسطيني مع شعب وقبائل الروهينجا في بورما ضد ما تتعرض له من تنكيل وقتل واضطهاد وترحيل على أيدي الجيش والمليشيات العنصرية في بورما.
إننا نتضامن مع شعب الروهينجا، رغم معرفتنا المسبقة، بأن ما يحدث في هذه المنطقة لا يمكن أن يكون بعيدا عن صراع الدول الكبرى على مناطق النفوذ، ومحاولة أمريكيا زعزعة استقرار هذه المنطقة وتحويلها الى منطقة توتر وحروب أهلية قومية ودينية، كما حولت أفغانستان ويوغسلافيا فيما سبق، من اجل التصدي للنمو الصيني الاقتصادي المذهل، واستنزاف قواه ونقل هذه النعرات والحروب الى داخل الصين، ليكون صراعا بين المسلمين والبوذيين هناك.
كما أننا نتضامن مع هذا الشعب المضطهد رغم معرفتنا المسبقة كذلك، لما تحاوله بعض الدول التابعة لأمريكا، وتحديدا باكستان وبنغلادش ودول أخرى، من استغلال مأساة هذا الشعب الفقير والمضطهد، من خلال تشكيلها لمليشيات محلية لتؤجج من حدة الصراع الداخلي بين مسلمي الروهينجا والبوذيين بحجة الدفاع عن قبائل الروهينجا. اننا كذلك نتضامن مع هؤلاء المضطهدين دون الخوض في تاريخ واسباب هذا الصراع القومي الطويل بين قبائل الروهينجا والبوذين، وما طرأ حديثا على هذا الصراع ومحاولة تغليفه بالغلاف الديني، من اجل استغلال معاناة هذه الشعوب الفقيرة والضعيفة والنائية. إن بورما تعيش فيها اقلية مسلمة امنة وسط اغلبية بوذية تسيطر على الحكم، وهذا في حد ذاته يفضح كثيرا من ادعاءات هذه الدول وهذه الاحزاب المتأسلمة.
إننا يجب ان نفرق بين التضامن مع الشعوب المضطهدة كشعب الروهينجا، وبين ان نكون ادوات يستغلها الاخرون لتنفيذ مخططاتهم الجهنمية. ان الفرق بين التضامن الانساني وبين استغلال معاناة الشعوب الضعيفة هي فروق بسيطة، قد لا تستطيع جموع الشعب تحت تأثير قوة الخطابات الديماغوجية والاعلام المضلل والكذب البواح، ان تدركها، بل وعلى الارجح انها ستكون اهم ضحاياها. لذلك فان القوى الوطنية الحية، الرسمية والشعبية، من مصلحتها ومصلحة شعوبها ان تعلن تضامنها العلني مع مأساة شعب الروهينجا وفي نفس الوقت تفضح محاولات استغلال الاسلام السياسي لهذه المأساة الانسانية لاهدافه الخاصة، ان القوى الحية وفي تصديها لفضح هذه المؤمراة ستواجه اتهامات كثيرة تعودنا عليها، ليس اقلها اتهامها في دينها ومعتقداتها ومبادئها، ان هذه القوى مطالبة مواصلة نضالها المعرفي والتنويري لكي تحمي نفسها وشعوبها من الوقوع في هذا الدرك وفي هذه الشباك وهذه الفتنة.
ان قوى الاسلام السياسي عودتنا دائما، كما في افغانستان والبوسنة والهرسك وسوريا والعراق وليبيا والعشرية السوداء في الجزائر ووو، على تورطها في استغلال هذه النزاعات، بغض النظر عن مصلحة شعوبنا. لقد ورطتنا هذه الحركات وورطت شبابنا، منذ عشرات السنوات، في حروب و"ثورات" لا ناقة لشعوبنا فيها ولا جمل. ان هذه القوى التي ترفع شعار "بورما قضيتي" وان "التضامن مع بورما له الاولوية على التضامن مع القدس"، وان "بورما هي احب بلاد الدنيا الى قلبي"، كما يقول احد المشايخ وهو يبكي، لا يمكن ان تكون مخلصة لقضايا شعوبنا الحقيقية.
إن رفع هذه الشعارات وشعارات اخرى، والدعاء من فوق المنابر يهدف الى تزييف وعي المجتمع بصفة عامة، والشباب بصفة خاصة، الذي بات بعضه يرى أن مساندتهم لاخوانهم من قبائل الروهينجا واجب وعمل ثوري لأنه "قتال من اجل الدين وليس من اجل الحكم والكرسي" ولأن "نصرة المظلوم واجب شرعي" كما يقول اخرون، ويقسم اخرون بالله "والله إنه الجهاد لنصرة مسلمين مستضعفين".
إن هذا هو الراي السائد بين ابناء شعبنا الفلسطيني، وكذلك بين الشعب العربي، ان عواطفنا الجياشة تدفعنا دائما لتحييد العقل، وتمنعنا من النظرة بعمق للاسباب الحقيقة لهذه للصراعات. ان تدخل باكستان وبداية هجرة ما يسمى بالمجاهدين من باكستان الى بورما، وعلو صوت أحزاب الاسلام السياسي وصراخها وتجييشها لانصارها في مسيرات صاخبة، وما نقرأه ونسمعه عن بدايات بطولات "المجاهدين" المسلمين ضد اهل بورما "القتلة" البوذيين، يذكرنا بما كانوا يدعونه من فوق المنابر ايام "الجهاد الافغاني وكتاب ايات الرحمن في جهاد الافغان". ان كل هذه الممارسات المريبة تدخل الشك الى النفوس، وتجعلنا نتوقع أننا مقبلون على أفغانستان جديدة وطالبان أخرى، بل وصورة جديدة من صور داعش الاكثر تطرفا وعنفا ولا انسانية، اننا قد نكون مقبلون على محرقة لشبابنا وبلادنا ومصالحنا، خدمة لمصالح أمريكيا وعملائها.
لذلك على كل من يتعاطف مع قبائل الروهينجا، وما يحدث لها من قتل وتنكيل، أن يحذر أبناءنا من الخروج باسم الجهاد الى هناك، لان معركتنا هنا في القدس والخليل، لان معركة العرب في التنمية والتطوير والعلم، ونحن الفلسطينيون والعرب نحتاج لكل طاقات ابنائنا، لاننا رغم اننا مع الحق أينما كان، لكن علينا واجب وحق الدفاع عن أنفسنا اولا. إننا لا نريد ان يرجع الى بلادنا العربية، بعد سنوات قليلة او كثيرة، دواعش أكثر قسوة وغلظة مما شاهدنا فيما سبق.
يعلم الجميع ان امكانياتنا متواضعة، ولا نملك الكثير لنقدمه لا لبورما ولا لغيرها، اذن ما هو الهدف/الاهداف من وراء هذا الصراخ والسعار، الذي ما انفك يتصاعد في سماء ودنيا العرب، ان الاهداف الحقيقية لهذا الاستخدام هي:
  • ١. تزييف وعي المجتمع وخاصة الشباب وتغيير اولوياته، تخيل يقول لك شاب ان بورما لها اولوية على القدس.
  • ٢. خلق شعور متأصل في المجتمع وخاصة بين الشباب، استنادا لضعف الوعي والمعرفة، بأنهم يعيشون في بحر من العداء العالمي وان الجميع يستهدفهم من خلال استهداف الاسلام.
  • ٣. استخدام شعارات براقة، كالاخوة الاسلامية، بطريقة مبالغ فيها واعطائها الاولوية ووضعها في تناقض مع الهوية الوطنية والقومية، تخيل ان يكون الافغاني اقرب لك من اخيك لانه لا يؤيد توجهاتك الحزبية، وهذا بحد ذاته يؤجج الصراع داخل المجتمع ويحرفه عن صراعه الحقيقي مع عدو الجميع.
  • ٤. اهدار طاقة الشباب المتحمس بعيدا عن الساحات الحقيقية التى كان من الممكن ان يستفاد من هؤلاء الشباب فيها.
  • ٥. التغطية على الفشل والقمع الداخلي والهزيمة في المعركة الحقيقية وتعويضها بمعارك وانتصارات وهمية في الخارج من اجل الهاء الناس عن همومهم ومطالبهم الحياتية والوطنية.
  • ٦. خلق ذرائع للتصدي وقمع قوى المعارضة الداخلية.
  • ٧. وهنا نصل الى جوهر الموضوع وهو تمييع العدو الحقيقي واخفائه رويدا رويدا وخلق عدو/اعداء جدد مكانه.
  • ٨. منح اسرائيل فرصة التشدق بيهودية الدولة طالما هناك سوابق مماثلة لهذه الدولة الدينية حتى لو كانت هناك في بورما.
إن كل ما سبق يبين أن شعبنا العربي ومنه الفلسطيني، مازال يتأثر بوسائل الاعلام التقليدية عامة، ووسائل اعلام الفتنة كالجزيرة خاصة. كما ان للشارع والجامع والديوان تأثيرا اكبر بكثير من تأثير وسائل الاعلام الحديثة في التأثير وصياغة وعي المجتمع.
ان أمة تهجرت وتشردت وقُتلت بسبب ما سُمي بالربيع العربي وما سبقه من ربيع افغاني واخر بوسني واخر جزائري اسود، ورغم كل هذا الموت والالم، لم تتعلم من تجربتها بل وتواصل نفس الطريق ونفس النهج، من الممكن ان تكون امة مستقبلها مظلما، بل وقد يكون مظلما جدا!
ان هذا يبين ويؤكد ان هذه الامة، ومنها شعبنا، ان واصلت هذه الطريق وهذا النهح، من الممكن ان تلقى حتفها، وان الامل في نجاح اي تنوير او اصلاح امل ضعيف ويحتاج الى قوى حية وجهود جبارة للقيام به. إننا يجب ان نعمل بجد واجتهاد، لكي لا ندفع ثمنا باهضا لهذا التنوير من شحمنا ودمائنا وجيوبنا ومقدراتنا.
على شعوبنا ومجتمعاتنا المأزومة، ان تعرف مصالحها وتحدد أولوياتها اولا، وتصرف جل جهدها ووقتها في محاولة حل أزماتها المتعددة والمركبة والمتشابكة، ومن ثم يمكن لها أن تشارك في معالجة أزمة بورما او غيرها من الازمات الاقليمية والدولية، عبر الجهود الدبلوماسية والعلاقات الدولية ووسائل الضغط الشعبية الناعمة، بعيدا عن خلق اعداء جدد لنا، سيؤدي هذا العداء "البوذي الاسلامي" إن حدث، بعد فتنة وفرية العداء "السني الشيعي"، شئنا ام أبينا، الى خسارة الاسلام والمسلمين في هذه المنطقة الهامة من العالم.

ليست هناك تعليقات: