الثلاثاء، 8 يناير 2019

ما العمل؟! على هامش إلغاء الاحتفال بالانطلاقة 54 - د. رياض عبدالكريم عواد

ما العمل ؟! على هامش إلغاء الاحتفال بالانطلاقة 54
د. رياض عبدالكريم عواد
ما الحل، يقول البعض: "ضلينا نقول حرمة الدم لما ضيعنا الوطن وسلمناه..... الشعوب تضحي بدماءها لتحمي مستقبلها .."؟! ويقول اخر: "الايادي المرتعشه لا تبني ولا تحرر أوطان"، رغم ان هذه الآراء هى آراء الأقلية، وأنها تتناقض مع الفرحة والتقييم العالي الذي لاقاه قرار قيادة فتح بإلغاء فاعلية الاحتفال بانطلاقة الثورة 54، هذا التقييم الشعبي والفصائلي، الذي تنفس الصعداء بعد هذا القرار الذي وصفه الجميع بالعقلاني والوطني، وهو تجسيد للفكر الوطني الاصيل الذي ارسته ومارسته على الارض، قولا وفعلا، حركة فتح، التي تنهزم بجدارة أمام حرمة الدم الفلسطيني، مما يؤهلها، بكل صدق وامانة، لان تكون هي أم الولد، بالإضافة إلى انها ام الجماهير.

أن ما حدث بالأمس يجب أن يدفع الجميع لإعادة تقييم حساباته، وعلى رأس ذلك المخزون الوطني الشعبي الهائل، الذي تمتلكه السلطة الوطنية وحركة فتح، رغم كل مظاهر الإعياء، ومقدرتها على تحريكه لإسقاط اى اتفاق سياسي ينتقص من الحق الوطني. لا خوف، بعد اليوم، من أي انفصال أو صفقة قرن، فقد سقطتا على اقدام الهدير الفتحاوي، الذي لم يبدء بعد؟!. ان ما حدث بالأمس كان بروفة من السهل أن يعود في كل لحظة للوقوف في وجه أي مخطط معادي للقضية.
ان هذا يتطلب، ايضا، من كل الفصائل الوطنية، خاصة فصائل م ت ف، إعادة تقييم تحالفاتها، وموقفها مما تسميه انقسام؟!
رغم كل هذه الإيجابيات والتقدير لقرار قيادة فتح، فان هذا القرار سيحمل السلطة الوطنية وقيادة فتح، من جديد، مزيدا من النقد من أبنائها وأعضائها وانصارها ومن الشعب، عدما تطول الامور وتتعقد اكثر وتصبح الحياة أكثر صعوبة وقسوة؟!
لقد بات واضحا أن حركة حماس قد اتخذت قرارها بمنع فاعلية الاحتفال بانطلاقة الثورة54، وأنها لن تتورع عن استخدام مختلف الوسائل في سبيل ذلك، حفاظا على سلطتها التي أصبح وجودها واستمرارها، بحد ذاته، هدفا مقدسا، يبيح استخدام كل المحرمات والمقدسات في سبيل الحفاظ عليه، بغض النظر عن فائدة هذه السلطة ومقدرتها على تسيير حياة الناس بطريقة طببعية وصحيحة، أو حتى مقدرتها على ممارسة أي شكل من أشكال المقاومة، العسكرية أو الشعبية، بطريقة فاعلة تؤلم العدو، وتحقق نتائج سياسية للقضية والشعب والوطن، ودون أن تعرض الشعب والوطن لمزيد من القتل والدمار.
نعود من جديد لمناقشة من يعترض على هذا القرار من الجانب الوطني الذي يعترض على "الايادي المرتعشة وعدم المقدرة على التضحية"؟!
لقد أثبتت تجارب ما يسمى بالربيع العربي، بوضوح جلي، انه لا يمكن القيام بثورة داخلية، مسلحة أو غير مسلحة، دون أن تتعرض للتدخل والاختراق من الخارج، الذي يملك المقدرة على سرقة الثورة، وحرفها عن مسارها وتوجيهها لمصلحته، وصولا الى الحرب الأهلية، حتى يصبح "لا يعرف القتيل قاتله، أو لماذا قَتل أو قُتل"، هذا هو الدرس الرئيسي مما حدث في الجزائر وسوريا وليبيا واليمن.
ان إسرائيل لا تشكل عاملا خارجيا في القضية الفلسطينية، بل عاملا داخليا رئيسيا ولديها من الإمكانيات العسكرية واللوجستية والاستخبارية، ما يؤهلها لاستغلال أي تحرك شعبي داخل الأراضي المحتلة لمصلحة مخططاتها، انها قادرة على تحويل أي حراك إلى حرب أهلية تطول ألف عام، ألف عام وعام؟!.
ان نتائج هذه الحرب الأهلية السياسية والمجتمعية ستكون مدمرة، وستحقق كل ما كنا نناضل لمنع حدوثه، بدءا من صفقة القرن وفصل غزة والحرب عليها وتهجير قطاعات واسعة من السكان وإنهاء القضية الوطنية الفلسطينية.
هذا ليس طرحا متشائما، وفي نفس الوقت فإن هذا الطرح لا ينسى أن كل الحلول الأخرى قد بائت بالفشل، بدءا من مسلسل المصالحة الطويل والبايخ، مرورا بالانتخابات وغيرها من الحلول، باختصار لا حلول في الافق، أو بمعنى اصح لا حلول وطنية في الافق.
ان الوضع في غزة سيتواصل، لكن إلى ما هو أسوأ وسيشهد تضييقات واسعة وجمة، سيكون لدول الإقليم اليد الكبرى فيها، لعدم تحملها استمرار الوضع في غزة على هذه الحال، الذي يتناقض مع مصلحتها القومية والاستراتيجية، كما تقول.
غني عن القول، أن الشعب هو من سيكون ضحية لهذه التضييقات، وأن الشعب سيعود ويصرخ، من جديد، مطالبا بالتخفيف من الضغوطات، وهو على حق، متذرعا بالأسباب الإنسانية، وحاجات الناس الملحة، والادعاء بعدم فاعلية هذه الإجراءات، خاصة أمام مقدرة حماس على التأقلم معها، والاستفادة من حاجة إسرائيل، وبعض دول الإقليم، ومصلحتهم في استمرار هذا الوضع المزري مائة عام أخرى.
الوضع أكثر من معقد، وبحاجة إلى حلول ابداعية، فهل يمتلك احد مثل هذه الحلول؟! لا اعتقد، الخلاصة لا إجابة على سؤال ما العمل؟!!! اذن لنغني مع شاعر روحنا:
والآن، والأشياء سَيِّدَةُ، وهذا الصمتُ عالٍ كالذبابه
هلْ ندركُ المجهول فينا؟ هل نُغَنِّي مثلما كنا نُغَنِّي؟
سقطتْ قلاعٌ قبلَ هذا اليوم ِ، لكن الهواء الآن حامضْ.

ليست هناك تعليقات: