الاثنين، 11 فبراير 2019

الخطوة الاقتصادية المطلوبة الآن - د.لؤي ديب

الخطوة الاقتصادية المطلوبة الآن 
د.لؤي ديب
الخطوات الأمريكية المتسارعة ضد السلطة الفلسطينية مالياً ، والتي حذرت منها مراراً وتكراراً ، لا تقتصر فقط علي المساعدات الأمريكية ، بل تطال كل ما له علاقة بالدولار .
خطوة رفض البنوك العربية تحويل الأموال للسلطة تأتي خوفاً من أن تطال تلك العقوبات البنوك والتي إن أردنا أن نكون منطقين لن تستطيع تحدي أمريكا وخاصة إن كان التعامل بالدولار فحتماً ستكون تحت طائلة القانون والبطش الأمريكي.

الحل :


قبل فترة ليست بالبعيدة أعلنت أوربا عن قناة مالية خاصة للتعامل مع ايران تجنباً للعقوبات الأمريكية ، وبعيداً عن السوفت الأمريكي تحت إسم :
Instrument support of trade exchanges
والتي اشير اليها إختصاراً ب INSTEX انستيكس ، 
وقد سبقت أوروبا سويسرا بإنشاء قناة خاصة تتعامل بالفرنك السويسري ، وروسيا والصين والهند وجنوب افريقيا وفنزويلا جميعا بدأت بنظام القنوات المالية الخاصة بعيداً عن الدولار وتنشط مؤخراً في هذه القنوات المالية الإمارات وتركيا .
هذا يعني ان السلطة بحاجة لأن تكون جاهزة بمقترح ومخطط تفصيلي لانشاء قناة مالية خاصة بين السلطة والدول العربية تستثني الدولار في تعاملاتها وتلجأ لعملة وسط ويكون علي طاولة القمة العربية سريعا بعد التشاور مع الدول الرئيسية .
وهنا لا أقترح اليورو فقناة اليورو قائمة بالفعل من خلال التحويلات الأوربية الملتزمة للسلطة ، ولكن لا يجب ربط السلة العربية بضغط أوروبي قد يأتي بشكل مفاجيء .
وهذا يضع السلطة أمام ثلاث خيارات
---------------------------------
الشيكل ، الدينار ، الفرنك السويسري كعملة محايده
الشيكل : فيه مخاطر وتعقيدات ،المخاطر تكمن بتحكم اسرائيل في اليته وخضوعه لمزاجها وايضا تعقيدات فنية لحاجة البنوك العربية لوسيط اخر مع الشيكل لعدم وجود التعامل المباشر .
الدينار : هو الخيار الاقرب لسلة العملات الفلسطينية لكنه مرتبط أيضا بمدي قدرة إخواننا الاردنيين وقدرتهم ومناحي النفع والضرر من القناة بالدينار والتي تحتاج الي تشاور حقيقي مع الجانب الاردني وتنسيق موقف ، لكنها خيار قائم ومنطقي .
الفرنك السويسري : كعملة محايدة تتمتع بعلاقات متينية مع النظام المصرفي العربي والاسلامي وهو الداعم الأساسي للسلطة ، كما انها تتمتع بالمرونة والاستقلالية التامه طالما ابتعد الامر عن الدولار .
اي من القنوات وكخطوة سريعة سوف تستجلب معها خطوات في السلطة والمنظمة والصندوق القومي لتغير المعاملات من الدولار الي العملة المنشودة وهو امر سيحتاج الي إجراءات فنية ضخمة لكنها ليست مستحيلة .
وهناك سيد الحلول الذي يمكن ان يضرب اكثر من عصفور بحجر واحد وهو اطلاق العنان للجنيه الفلسطيني واعلان ولادته من قبل سلطة النقد كأحد أهم مقومات الدولة الفلسطينية من جهة ، واول إنحلال عملي من اتفاقية باريس وبما يخلق انحلال لا يخالف التعاقد من كل معاملات الشيكل والدولار ، وستكون القناة المالية فلسطينية من خلال شراء الجنيه وتحويله ودالدعم به من هلال سلة عملات عربية واسلامية متنوعة تحرر الاقتصاد الفلسطيني .
ولكن هذه الخطوة الطموحة وكي لا تنهار تحتاج الي اقتصاد وطني قوي وموحد اقل مستوياته ربط اقتصاد غزه بالضفة وتدويره ضمن بيئه مستقره تستعيد تحويلات المغتربين وتستعيد رأس المال الهارب من الاوضاع السياسيه.
كما تتطلب جهدا قانونياً من السلطة لرفع قضايا في المحاكم البريطانية والدوليه لاستعادة احتياطي الذهب الخاصز بالبنك المركزي الفلسطيني والذي يخص زمن الانتداب البريطاني علي فلسطين منذ انتهاء الخلافة العثمانية .
الإحتياطي الذي استولت عليه بريطانيا وقتها وموثق بتقديرات الخبراء هو ( خمسة ملايين ليرة ذهب ) يضاف اليها ( ثماني ملايين ليرة ذهب ) استولت عليها بريطانيا للاستمرار في اصدار العملة النقدية الجنيه الفلسطيني لفترة من الزمن ، هذه المبالغ تعادل في القيمة السوقية اليوم ما يزيد عن ( خمسين مليار جنيه استرليني ) هي ملك للشعب الفلسطيني .
يضاف اليها التحف والآثار الفلسطينية والتي تملأ المتاحف البريطانية والتي لا تقدر بثمن ولو ثمنت تقفز عن مئات المليارات .
الموضوع سبق ان اثاره الرئيس الراحل عرفات رحمه الله مع الجانب البريطاني الذي اعترف بوثائق رسميه بهذه الاحتياطات ، كما ان ارشيف منظمة التحرير واعرف ذلك جيداً يحتوي علي دراسات كاملة وشاملة ومحترفة للحقوق الفلسطينية المحتجزة في بريطانيا وليس المصادرة وهذا يُسهل استرجاعها .
أهمية إصدار عملة وطنية
——————————
1/ العملة الوطنية تعد من رموز سيادة الدولة، لا سيما أن وجودها يعني الحد من الارتهان للتبعية لعملات أجنبية،
2/ تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، وتبني سياسات مالية داعمة لتحقيق الأهداف الاقتصادية للدولة.
3/ القدرة الحكوميه علي المساهمة في تمويل القطاع العام، من خلال الإيرادات المتأتية من سك العملة، ما يتيح للحكومة إصدار سندات وأذونات لمساعدتها في معالجة عجز الموازنة وتقليل حجم الاعتماد على الخارج، إضافة إلى تخفيض قيمة العملة وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد لتشجيع التجارة، والمساهمة في حماية ومراقبة وتنظيم النظام المالي من خلال تحسين دور المقرض كملاذ أخير، بدلًا من التنازل عن دور الرقابة على النظام المصرفي للسلطات النقدية صاحبة العملات المتداولة في الأراضي الفلسطينية .
4/ يمكن أن يحقق إصدار عملة فلسطينية مستقلة الاستقرار النسبي في السياسة النقدية والمالية في فلسطين، واستقلالية السياسة الاقتصادية الفلسطينية، والتحكم بالمتغيرات الاقتصادية، والحد من مشكلتي البطالة والتضخم عبر سياسات تلائم كل مشكلة اقتصادية،
5/ قدرة القطاع الخاص على مواكبة التغيرات باستمرار، واستقطاب رؤوس أموال فلسطينية في الخارج، إذ تبلغ استثمارات الفلسطينيين في الخارج، بحسب احدث التقديرات ، ما بين 190-220 مليار دولار.
6/ الاقتصاد الإسرائيلي الأكثر تضررًا من توجهنا إلى إصدار عملة وطنية لأسباب عدة، أهمها أن الضفة والقطاع يستحوذان على 8- 10 بالمائة من مجمل النقد الذي يصدره البنك المركزي الإسرائيلي، إذ تعتبر الأراضي الفلسطينية مصدر ريع مهم للشيكل وبهذا نتوقف عن دعم الاحتلال بانفسنا .
دور بروتوكول باريس الاقتصادي في تعطيل إصدار العملة الوطنية
———————————————————
1/ اتفاق باريس الاقتصادي محددًا لمعالم الترتيبات النقدية في الفترة الانتقالية، إذ أُنشِئت سلطة النقد الفلسطينية، ولها كافة الصلاحيات التي يتمتع بها أي بنك مركزي ما عدا إصدار العملة. وكان الهدف الرئيسي لسلطة النقد إقامةَ جهاز مصرفي سليم، فمنحت سلطة النقد التراخيص للبنوك، كما شكّلت البنوك الوطنية ما نسبته 50% من إجمالي البنوك والفروع العاملة في فلسطين.
2/ حرمت هذه الاتفاقية سلطة النقد من امتلاك القدرة القانونية الكافية على استخدام السياسات النقدية لتحقيق الأهداف العامة، نتيجة لحرمانها من الأدوات النقدية، وغياب النقد الوطني. ولم يكن خافيًا أن ضعف الاقتصاد الوطني وتراجعه يستدعي تبني سياسة نقدية ومالية تحافظ على استمرار الدخل، ونظرًا لانعدام إمكانية ذلك تسعى سلطة النقد للتأثير على عرض النقد عن طريق تحسين البيئة التي تعمل فيها الوحدات الاقتصادية.
3/ منح سلطة النقد مسؤولية تحديد نسب السيولة للبنوك المحلية، وبالعملات المختلفة، عدا الشيكل الإسرائيلي، الذي يجب أن تحافظ سلطة النقد على نسبة سيولة مساوية تقريبًا (+ أو - 1 %) للنسبة السائدة في إسرائيل في حينه وهذا ظلم واجحاف في ظل فروقات اقتصادية كبري .
4/ تستطيع سلطة النقد تبديل فوائضها من الشيكل "الإسرائيلي" الناتج عن تدفقات ميزان المدفوعات واستبدالها بالعملات الأجنبية عن طريق "بنك إسرائيل" وبالأسعار السائدة، ولا يقوم "بنك إسرائيل" بتبديل أكثر من 20% من الفائض النصف سنوي المحقق (المتفق عليه) في شهر واحد، وتستطيع سلطة النقد بيع القطع الأجنبي لبنك إسرائيل مع احتفاظها بحق إعادة شراء ما تم بيعه وهذا تقييد يضع سقف لاي قفزات مالية فلسطينية .
5/ قيدت الترتيبات النقدية استخدام الأدوات النقدية وفق اتفاق باريس عن طريق إجبار سلطة النقد باتباع احتياطات إجبارية على الشيكل مماثلة لتلك الموجودة في بنك إسرائيل. أي أن أداة الاحتياطي الإجباري على الشيكل في يد بنك إسرائيل.
6/ أَجبر الاتفاق سلطة النقد على تبني نفس النسب للبنك الأردني المركزي خشية من الآثار التي قد تترتب عن تغير النسب، سواء كان بالزيادة أو النقصان، ما يعني الحد من قدرة سلطة النقد الفلسطينية على استخدام السياسات النقدية الملائمة، في ظل حرمانها من الأدوات النقدية وغياب النقد الوطني وقيود الترتيبات النقدية في اتفاق باريس الاقتصادي.
باختصار مهما عملت سلطة النقد على استخدام الأدوات النقدية لامتصاص التغيرات قصيرة الأجل، عبر استخدام نافذة الخصم، وعمليات السوق المفتوحة، وإعادة ترتيب الودائع الحكومية، تبقي عاجزة علي تطوير الاقتصاد الفلسطيني
ما لم تعيد النظر او حتي تلغي وتنسحب اتفاقية باريس الاقتصادية بصورة عامة ، والترتيبات النقدية بصورة خاص وهي تصويات للوطني والمركزي ، ان تم تفعيلها سوف تتيح لسلطة النقد الفلسطينية الاستقلال الكامل عن قيود وتبعيات البنك المركزي الإسرائيلي، وهي الان امر لا بد منه خصوصاً في ظل استخدام الضغوط الاقتصادية لفرض بدائل سياسيه مذلة.
تحديات إصدار عملة فلسطينية
————————————-
1/ كان التحدي الأصعب يتمثل في غياب الدولة الفلسطينية المعترف بها عالميًا، وهو الامر الذي تجاوزناه بعضوية الدولة الغير عضو في الامم المتحدة واعتراف ما يزيد عن 80 دولة بنا منها دول وازنة في اوربا ولا بد من استثمار ذلك .
2/اتفاق باريس نصّ على إنشاء سلطة النقد وإعطائها كل صلاحيات البنك المركزي ما عدا إصدار عملة، لأن اسرائيل اعتبرتها من مصادر السيادة واتفاق باريس اصبح يتعارض مليا مع مسعي الدولة فالانسحاب منه ضرورة سياسية واقتصادية وتنموية وستجلب تعاطفاً مع الموقف الفلسطيني ان أحسنا تسويق مسببات الانسحاب ، وامامنا فرصة سانحة الان بالانسحاب منه رداً علي عدم تجديد اسرائيل لقوة المراقبين في الخليل واستخدام الامر مرد سياسي مقبول خصوصا لدي الدول التي تضررت وفوجئت بالقرار الاسرائيلي وبعيدا عن مجلس الامن الذي عطلت امريكا حتي صدور بيان منه وليس قرار يستنكر التصرف الاسرائيلي.
3/ المحددات اقتصادية: تتمثل في تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، إلى جانب ضعف الاقتصاد الفلسطيني وعدم توفر الموارد اللازمة له وهذا يجب ان يصاحب بخطة تنموية بحاضنة عربية واسلامية ودولية ، وفي كل مرة يقيم الاخرين مؤتمرات لدعمنا وحان الوقت لندعو نحن لمؤتمر دولي نكون جاهزين فيه بمطالبنا من كل الشركاء ضمن خطة تنموية شاملة واستغلال الحنو العالمي تجاه ثنائية القطب لتحقيق هذا التوازن .
4/ الاحتلال الإسرائيلي: يشكل التحدي الأكبر أمام إصدار عملة فلسطينية، إذ يسيطر على الموارد الفلسطينية، ويعمل جاهدًا دون فك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي، ويحاول تعزيز التبعية الاقتصادية، وعمل سابقًا على تكبيل الاقتصاد الفلسطيني بالاتفاقيات وتدميره من خلال إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية الفلسطينية من زراعة الحمضيات والخضار إلى الفواكه والبطاطا والزهور والفراولة وغيرها وهنا لا بد من الاستفادة من الانفكاك الجزئي والضئيل في تجربة غزه عن الارادة الاسرائلية ضمن خطة وطنية شاملة بعيدا عن الانقسام ومصائبه ، فتلك المواضيع التي افهم انها يجب ان تناقشضمن ملفات المصالحة وليس تحاصص تحميل دافع الضريبة الفلسطيني ثمن الاخطاء السياسية ودفع رواتب تقاعدية لمن اخروا مسيرة التنمية علي حساب الجيل الصاعد .
5/ يتطلب إصدار العملة الوطنية تحقيق بعض المتطلبات الاقتصادية والسياسية في فلسطين منها: تحقيق السيادة على جميع الأراضي الفلسطينية ليس فيزيائيا حصراً بل معنويا وتبني موقف جماهيري بدعم العملة الوطنية حتي في المناطق الخاضعه للاحتلال وهذا ممكن عمليا اضافة للعوامل الاخري المثمثلة في ضمان ثابت وقوة الاقتصاد، توفير الاحتياطي اللازم لربط العملة الوطنية، تطوير النظام المالي والمصرفي، ضمان تناسق أهداف كل من السياسة النقدية والمالية لمصلحة الاقتصاد.
6/ اكبر مؤخر للنهوض والاستقلال الاقتصادي هو غياب السيادة الفلسطينية على المعابر والسياسة الاقتصادية والمالية والنقدية والموارد وعدم سيطرة السلطة على قطاع غزة والمناطق الغنية بالثروات "مناطق (ج) في الضفة الغربيه وتعطل مشروع الغاز في البحر وخارجه وكذلك حجم التبادل التجاري بين السلطة وإسرائيل الذي يفوق 82% وفق اتفاق باريس، تلك هي أبرز التحديات الموضوعة أمام إصدار عملة وطنية لكنها ليست مستحيلة ان كان هناك وعي وطني ومسؤلية فصائلية تتعدي الفهم الضيق للحالة الفلسطينية بكل تعقيداتها .
ايضا يجب ان نكون حذرين قبل الانفكاك من هذا الاتفاق ويجب ان تسعي فلسطين سريعا للحصول علي عضوية صندوق النقد الدولي لقطع الطريق علي اي ردات فعل اسرائلية يمكن ان تضع عوائق مستقبلية
المخاطر التي تواجهنا اكبر من مولد وحصة كهرباء والهدر في الموارد الوطنية ناحية العدم هي ما يجب ان تكون علي رأس الاجنده السياسية الان ،فالاستقلال الاقتصادي هو الذي سوف يجنبنا كل الضغوط السياسية ويجر اسرائيل الي الزاوية التي لا تريد ولا ترغب في الملعب ، وليتوقف هذا العبث الداخلي من اجل لملمة انفسنا بمسؤلية واضحة .
لؤي ديب

ليست هناك تعليقات: