الثلاثاء، 2 أبريل 2019

دولة غزة، بين السقوط الذاتي والتصدي الوطني؟! - د. رياض عبدالكريم عواد

دولة غزة، بين السقوط الذاتي والتصدي الوطني؟!
د. رياض عبدالكريم عواد

يؤكد الجميع قرب إعلان ترامب عن خطته، صفقة القرن، وبعيدا عن التفاصيل، فإن دولة غزة من أجل ابتلاع الضفة، وحل القضية الفلسطينية من خلالها، هي حجر الأساس في هذه الخطة/الصفقة، كما يقول السيد خالد مشعل في لقائه مع السيدة جزيل خوري.
ان المرحلة الأولى من هذه الخطة تبدأ بتقديم رزمة من الاوهام والوعودات البراقة، والمباشرة بتطبيق الملحق الغزي للخطة، والتي جزء كبير منها تمت بلورته قبل سنتين تقريبا، بما سبق ووصف كـ "خطة بولي"، 
 يقول عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، الإثنين: 01 أبريل 2019، وهي سلسلة الافكار لاعادة اعمار القطاع التي وضعها منسق اعمال الحكومة السابق في المناطق، الجنرال يوآف مردخاي. وكان في حينه قد تم الحديث عن ضخ مليار ونصف المليار من الدولارات تقريبا الى غزة، معظمها من اموال دول الخليج، لكن بتشجيع امريكي واوروبي. ومن بين الاقتراحات التي تم طرحها: اقامة مناطق صناعية لعمل الفلسطينيين في رفح المصرية (صحراء سيناء)، اقامة محطة طاقة شمسية على طول حدود القطاع، تحسين البنى التحتية للغاز والكهرباء في القطاع بمساعدة اسرائيل، اقامة محطات لتحلية المياه، تركيب سكة حديد قصيرة تربط حاجز ايرز في الشمال (وتمكن من النقل السريع للبضائع عبر ميناء اسدود)، وربما حتى اقامة رصيف خاص بالفلسطينيين في ميناء العريش المصري في سيناء.
بعيدا عن نقاش هذه الخطة وتفاصيلها واهدافها البعيدة والقريبة، سنقفز فورا لنقاش إمكانية تطبيقها على الأرض وكيف من الممكن التصدي لها، من خلال نقاش عوامل القوة الموضوعية والذاتية التي تساعد في هذا الاتجاه، وفي نفس الوقت تمثل عوامل تكبح إمكانية نجاح هذه الخطة في وئد الحلم الوطني الفلسطيني.
أن مشروع دولة غزة لا يحمل فقط عوامل تناقضاته في داخله، بل يخلق مزيدا من هذه العوامل والتناقضات، وصولا إلى وئده ودفنه؟!.
الكل يعرف أن حلم غزة كحل إسرائيلي للقضية الفلسطينية لم يأتي وليد لحظة الإعلان عن صفقة القرن، بل نتيجة لدراسات وأبحاث طويلة شاركت فيها مراكز البحث والسياسة والأمن الإسرائيلية. ان اجتياح بيروت في عام 1982، والحرب على غزة في 2014 لمدة 51، كانتا بهدف التفرغ لالتهام الضفة الغربية من خلال أضعاف م ت ف والسلطة الوطنية وإخراج غزة من المعادلة، كما صرح بذلك السيد رمضان شلح، الأمين العام السابق لحركة الجهاد الاسلامي.
لقد كانت إحدى أمنيات رابين خلال الانتفاضة الاولى، الذي عرض غزة سابقا على رجالاتها عندما كان الحاكم العسكري للقطاع، أن تغرق غزة في البحر ليتخلص منها، وكذلك فعل شارون في 2005 عندما انسحب أحاديا من قطاع غزة، ليخلق الظروف المواتية للانقسام الفلسطيني، الذي تجذر وأصبح واقعا على الأرض منذ 2007.
هل تستطيع إسرائيل بمساعدة أمريكيا أن تجني ثمرة هذا المخطط القديم والمتواصل في ظل هذا الانقسام الفلسطيني والضعف العربي.
أن مصر تقوم بدور نشط من أجل تحقيق تهدئة تمنع نشوب حرب مدمرة على غزة، التي أصبحت تتوقع في كل لحظة، كما يقول يوسي ميلمان في صحيفة معاريف، الثلاثاء: 2 أبريل 2019، "في الجيش الإسرائيلي يستعدون للحرب في غزة، وهذا سيحصل أغلب الظن بعد الانتخابات، مع حلول الصيف. كل الخطط جاهزة عمليًا، ستكون حربًا شاملة مع توغل بري لقوات كبيرة......... وصولا الى احتلال قطاع غزة، والقتال من حي إلى حي ومن بيت إلى بيت". ان اهم اهداف هذه الحرب هو تهجير جزء كبير من الشعب الفلسطيني إلى سيناء، ومحاولة تطبيق صفقة القرن بالقوة.
أن الحرب على غزة تشكل تهديد لامن مصر. ان امن مصر الاستراتيجي لا يمكن أن يقبل بوجود دولة في غزة، تتخوف أن تكون تحت رعاية الاخوان المسلمين ودعم قطر وتركيا. لذلك من الهام التحالف مع مصر في مواجهة هذه الصفقة الخطرة على الشعبين والأمنين والمستقبلين، المصري والفلسطيني.
أن كعب أخيل هذا المشروع أن يقبل به طرف فلسطيني من خلال التفاهمات التي تدور بين حماس وإسرائيل، وهنا "الخوف المشروع من أن تتطور هذه التفاهمات الأمنية إلى تمرير الصفقة، حتى بدون وعي حماس لذلك مرغمة بحجج الحصار الخانق، تبقى هذه محاذير وتوجسات مشروعة، كما يقول د. علاء عامر، وهذا لا يعني تخويناً لحماس وتحالفاتها الفلسطينية، بل دعوة إلى تصويب أدائها وتنبيهها إلى أن ماتفعله خاطئ في التوقيت والأسلوب، لأن الخطأ هنا مدمر للجميع".
لن يستطيع طرف فلسطيني منفردا، مهما كانت قوته على الارض، أن ينفذ هذه الصفقة، أو أن يرعى ويتدبر شؤون دولة في غزة، سياسيا واداريا وأخلاقيا، أو يحصل على شرعية لهذه الفعلة الشنيعة أو تبرير لهذا الانفصال.
ان هذه الفعلة، ان حصلت، ستخلق لها معارضين كثر من داخل صفوف من يعمل على تنفيذها، يهدد بتفتيتها وانقسامها. هذا إضافة إلى المقاومة الشعبية في الداخل والخارج الفلسطيني لهذا المشروع الذي لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني الوطنية، ولا يستطيع تقديم حلول حقيقية لقضاياه الإنسانية والمعيشية.
ان الهجوم الاستباقي الذي نفذه الرئيس ابو مازن في القمة العربية في تونس، محذرا فيه القادة العرب من مخاطر هذا المخطط، سيضغط على الكل العربي، شعوبا وحكومات، للوقوف في وجه هذا المخطط، كما لن تجرؤ قطر من التفرد والاستمرار في دعمه ماليا وسياسيا.
أن موقف السلطة الوطنية وفصائل م ت ف واضح من هذه الصفقة، فهي لا ترفضها فقط، بل عبرت في كثير من مواقفها على استعدادها التام لمقاومتها والوقوف في وجهها.
تمتلك السلطة الوطنية الكثير من الأوراق لعرقلة ومقاومة هذه الصفقة من خلال التشكيك في شرعيتها والطعن في وطنيتها، وتعزيز المقاومة الشعبية السلمية في الضفة والقدس، والسماح بالعمليات الفردية ردا على تغولات المستوطنين والجيش ضد السكان والارض والمقدسات، إضافة إلى دعم الحراك الشعبي الرافض لهذه الصفقة.
أن موقف حركة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية الرافض لهذه الصفقة سيكون لها تأثيرا هاما على عدم استقرار الوضع الأمني على الحدود ومع إسرائيل، بالإضافة إلى إسناد التحرك الشعبي الرافض لهذه الصفقة.
ان القضية الفلسطينية قضية سياسية وطنية بامتياز أثبت التاريخ أمرين، اولا، انه لا يمكن تجاوزها والقضاء عليها لانها قضية شعب تمرس على التضحية والنضال. ثانيا، أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يقبل، طويلا، بحلول تلفيقية وإنسانية تتناغم مع حاجاته الإنسانية الملحة بعيدا عن حلمه في الاستقلال والحرية والوطن.
أن التوقف عن الجري خلف الاوهام، والرجوع إلى الحضن الوطني وإنهاء الانقسام، من خلال إعادة الوحدة للنظام السياسي الفلسطيني وتجديد الشرعيات، والالتحاق ب م ت ف لتعزيزها وتطويرها، وتوفير كل مقومات المقاومة الشعبية السلمية على كل الجبهات والمحاور، هي الطريقة الوحيدة لمنع العدوان على غزة، ووقف ضم الضفة الغربية وابتلاعها، ومنع تهويد القدس والمقدسات، وتحقيق الحلم الوطني في الحرية والاستقلال والعودة.

ليست هناك تعليقات: