الأحد، 21 أبريل 2019

دون كيشوت وأوهام يوم الجمعة؟! - د. رياض عبدالكريم عواد

دون كيشوت وأوهام يوم الجمعة؟!  


دون كيشوت.. أو دون كيخوتة.. قصة ألّفها الإسباني الأندلسي «سرفانتس»، وهي صارت مثلاً يضرب لكل معركة خيالية أو وهمية، لأن بطل قصة سرفانتس كان يخرج كل يوم على حماره ومعه مرافقه أو مساعده يقاتل طواحين الهواء، أي الأعداء الوهميين، وبالطبع هو يترك الأعداء الحقيقيين والمعارك الحقيقية.


ان واقعنا الفلسطيني يزخر بمثل هذا الدون كيشوت، افرادا وجماعات وأحزابا، تستخدم ضعفاء المجتمع في معارك بعيدة عن معركتهم الحقيقية، تضع فيها الفقراء في مواجهة الفقراء ليأكلون من لحم بعضهم البعض، أو في مواجهة الموت للمتاجرة في دمائهم وأرواحهم وأقدامهم. 

أن المبالغة في الاتهامات والقذف والتخوين وخلق الأعداء الوهميين، وكذلك المبالغة في تعظيم الإنجازات والانتصارات الموهومة يهدف في الأساس إلى التعويض عن الفشل في مواجهة العدو الحقيقي، إضافة الى الفشل المزمن في تقديم إنجازات حقيقية للشعب تتلائم مع الشعارات التي ترفعها وترددها وتواجه بها اعدائك الموهومين.

أن اهم أسباب انتشار هذه الاوهام في مجتمعنا هو: 

اولا، الدخول الطارئ للتيار الديني على المسألة الوطنية، على ابواب الانتفاضة الاولى، وتسعير التناقضات والخلافات مع كل ما هو وطني، فكريا وسياسيا واجتماعيا، مما أدى إلى بروز ما يشبه شعبين متناقضين معزولين كل في جزيرته، وبرنامجين متعاديين وقيادتين متنافرتين، سبل الحوار والتفاهم واللقاء بين هذين "الشعبين" تتعقد يوما بعد يوم، والفجوة تتسع وتمتد عموديا وافقيا وصولا إلى القواعد الشعبية، حتى صارت تصعب على الرتق، ولو على أيدي المهرة من الرتاقين؟!

ثانيا، ضعف الثقافة الوطنية المجتمعية، وعدم مقدرتها على الاجابة على كل الأسئلة والتحديات التي تطرحها القضية والحياة، أو التي تدعيها وتستخدمها التيارات الاسلامية، هذا إضافة إلى انتشار الثقافة الغيبية المبنية على التواكل والولولة والكذب.

ثالثا، ضعف الكادر الوطني وسطحية ثقافته، التي تعتمد على الجمل الثورية والخطابات الفارغة، بعيدا عن المعرفة الحقيقية لكل جوانب القضية التاريخية والسياسية والفكرية. كما لم يقتصر الأمر على ضعف وسطحية الثقافة، بل تعداه إلى الادعاء بالثقافة المبنية على الاستخدام المتكرر للجمل المعروفة، والاتهامات والشتائم والولولة، والهروب من مواجهة الواقع والنضال من أجل تغييره بواقعية وموضوعية.

رابعا، حيادية كثير من المثقفين ومحاولة البعض مسك العصا من النصف، لأسباب كثيرة، وابتعاد، أو حتى استعلاء، البعض الاخر عن الهم الوطني ورفض الغوص وتوسيخ أياديهم الناعمة في قضاياه والانشغال في الامور الخاصة، أو وقوف البعض موقف المتفرج والمتشفي، لانه لم يعد من المحظوظين المتواجدين بالقرب من اصحاب النفوذ والقرار، وكأنهم يقولون "اذهب انت وربك فقاتلا إنا ههنا منتظرون أو متفرجون"؟!.

وهكذا من الممكن أن تتم هزيمتنا جميعا، ونقع ارضا ان لم نتوقف جميعا ونراجع خطابنا وممارساتنا، كما انهزم دون كيشوت وسقط ضحية لاذرع طواحين الهواء الطويلة، التي لم يراها من قبل واعتقدها شياطين، والتي أخذته ورمته أرضاً. ولم يدرك انه يصارع أعداء من الوهم وخرافات خيالية الا بعد صراع طويل أدرك إنّه كان موهوم وإن تضحياته ذهبت دون أن يحقّق أي انتصار، وما قام به هو مضيعة للوقت لم يجني منه إلا أوجاع ومتاعب ليس إلا.

ان المبالغة في خلق المعارك الوهمية والانجازات الموهومة، وتعمق العداء المستحكم بين مكونات المجتمع قد ارهقت الجميع، وحرفت البوصلة عن الأهداف الحقيقية والعدو الحقيقي.

ان استمرار هذه الحالة ستؤدي إلى تآكل ما تبقي من قيم وطنية يستند عليها المجتمع، وستكون نتيجة ذلك هزيمة مجتمعية يدفع ثمنها الجميع.

اننا بحاجة إلى ثقافة وطنية جامعة يقودها مثقفون وطنيون مؤمنون بها، وملتزمون بقضايا الشعب من أجل إعادة لملمة شعثنا واشلاءنا المبعثرة.

عدا عن ضرورة العمل المستمر على توعية شعبنا، وهي عملية طويلة، فان الاهم هو تقديم نموذج عملي من الحكم الرشيد في الضفة يكون مغايرا تماما لما يتم تقديمه في غزة ... وربما اجراء الانتخابات في جامعات الضفة هي احدى وسائل تبيان الفارق، اضافة الى العمل على تعزير الحريات للناس واحترام حقوقهم والشفافية في  كل شؤون الحكم ... كل ذلك سيعمل على انحسار تأثير  "الاسلام السياسي" ولو بالتدريج، لان الناس  تفضل لغة الارض والواقع على لغة الشعارات.....

ليست هناك تعليقات: