الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

فضيحة سياسية تورط فيها «إخوان» عبد الإله بنكيران - عبد الرحيم أريري

فضيحة سياسية تورط فيها «إخوان» عبد الإله بنكيران  - عبد الرحيم أريري
«الوطن الآن» العدد 495 -29 نونبر2012 

دخل فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب مدعوما بحلفائه في الأغلبية إلى سجل الغرائب والطرائف في الممارسة البرلمانية بالمغرب. ففي مسابقة هي الأولى من نوعها تقدمت فرق الأغلبية بتعديل على مشروع قانون المالية بهدف تخفيض نفقات التسيير لمؤسسة دستورية، ويتعلق الأمر هنا بمجلس الجالية المغربية  بالخارج، وهو التعديل الذي استهدف تقليص تلك الاعتمادات من 49 مليون درهم إلى 9 ملايين درهم، أي حذف 40 مليون درهم دفعة واحدة، علما أن هذا الحذف يستهدف جزء من الميزانية العامة المسجلة لحساب رئيس الحكومة أي رئيس الأغلبية عبد الاله بنكيران!. وهو التعديل الذي يدخل في سياق تصفية الحسابات بعد أن تبين جهل الأغلبية للدستور ومحاولة منها للتغطية على فضيحة لا قانونية استدعاء مؤسسة دستورية لمجلس النواب وكأنها مقاولة عمومية تجارية أو صناعية.
وهذا الأمر في حد ذاته يعتبر أيضا سابقة في الممارسة البرلمانية، إذ كيف يعقل أن تقدم الأغلبية بما يشبه «ملتمس رقابة» لتقليص اعتمادات مخصصة لميزانية رئيسها السياسي؟ الأخطر من كل هذا أن فريق العدالة والتنمية علل هذا التعديل بـ «عدم شفافية التدبير المالي لهذه المؤسسة (المقصود هنا مجلس الجالية). هذا التعليل يكشف نوعية الممارسة السياسية-البرلمانية «للإخوان» المفتقدة لكل حس بالمسؤولية وسوء تقدير بيّن لما يمكن أن يترتب عن كل هذه الممارسات المبنية على «الدسائس». فإذا كان أصحاب التعديل على يقين تام بأن مجلس الجالية لا يتوفر على تدبير مالي شفاف، فمن مسؤوليتهم إعمال  المقتضيات القانونية المسطرية الصحيحة التي من شأنها أن تكشف الحقائق، كما بإمكانهم عبر الجهة المختصة تحريك الآليات الرقابية المعنية بمراقبة المال العام، علما أن المشرع منح للبرلمان حق تشكيل لجنة تقصي الحقائق أو تفعيل مسطرة طلب للمجلس الأعلى للحسابات ليدقق في تدبير هذه المؤسسة أو تلك بحكم أنهم يملكون الأغلبية والحكومة. فهل من المنطقي أن نجرد مؤسسة دستورية من وسائل العمل الأساسية بعلة الشك في ذمتها المالية، أو الانتقام منها لدواعي شخصية إرضاء لنزوات برلمانية أو إرضاء لطموحات شخصية لبعض المنتمين للحزب الحاكم؟
لحسن الحظ أن هذا التعديل الذي حرص فريق العدالة والتنمية للترويج له في بعض المنابر الإعلامية، وكأنه «فتح مبين»، تحول إلى «فضيحة سياسية» ودستورية، وانقلب السحر على الساحر، مما اضطر معه رئيس الحكومة عبد الاله بن كيران شخصيا إلى التدخل بقوة لدفع فريقه البرلماني وحلفائه إلى سحب هذا التعديل-الفضيحة أمام لجنة المالية بمجلس النواب، وتجنب عرضه على التصويت.
ولفهم أحد الأسباب الرئيسية لهذه «الحماقة» لابد من الرجوع قليلا إلى الوراء. فقد سعى فريق العدالة والتنمية من خلال رئيس لجنة المالية النائب سعيد خيرون إلى «إجبار» مجلس الجالية للامتثال إلى قراره بالحضور إلى اجتماع للجنة بهدف دراسة «التدبير المالي للمجلس»، وأرفق ذلك بحملة إعلامية وتسريب الحزب الحاكم لمعلومات تمحورت حول تقديم رئيس المجلس كمن يرفض المثول أمام لجنة برلمانية محترمة للمسائلة، مما دفع هذا الأخير إلى إصدار بيان صحفي ورسائل إلى كل الفرق البرلمانية يؤكد فيها أنه لم يتوصل قط بأي دعوة في الموضوع، علما بأن العارفين بالنظام الداخلي لمجلس النواب وبأبجديات التعامل الإداري بين المؤسسات، يعلمون أن كل المراسلات تتم عبر قناة رئيس المجلس ورئيس الحكومة (انظر ص: 10)، وهذا  الأخير الذي تلقى فعليا طلب لجنة المالية السالف الذكر واحتفظ به لمدة 6 أشهر لأسباب لا يعلمها إلا هو، ليفرج عن جوابه على ذلك الطلب المعلوم، والذي حصلت «الوطن الآن» على نسخة منه (انظر نص رسالة بنكيران المجمدة في ص: 9)، والذي يؤكد أن الطريق الذي سلكها فريق حزبه لـ «محاكمة» مجلس الجالية غير دستورية وغير قانونية. ومما جاء في جواب بن كيران على الطلب الموجه إليه (الطلب مؤرخ في 19 أبريل 2012، والجواب في 12 أكتوبر2012) ꞉
«فقد التمستم مني دعوة السيد رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج لحضور اجتماع تعقده لجنة المالية والتنمية الاقتصادية لتدارس موضوع التدبير المالي للمجلس المذكور.
وفي هذا الإطار أود التذكير بالمقتضيات الواردة في الفصل 159 من الدستور تنص على أن «الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة تكون مستقلة» وأن هذه المؤسسات بمنطوق قرار المجلس الدستوري رقم 12-829 بتاريخ 4 فبراير 2012 بشأن النظام الداخلي لمجلس النواب، لا تخضع لا للسلطة الرئاسية  لوزير معين ولا لوصايته، الأمر الذي يمتنع معه أن يطبق عليها ما ينص عليه الفصل 102 من الدستور (انظر ص: 11). وهو الفصل الذي اعتمد عليه رئيس لجنة المالية لاستدعاء رئيس مجلس الجالية اعتقادا منه -عن جهل بين بالمقتضيات الدستورية- أن المجلس مثله مثل المؤسسات العمومية التجارية والصناعية والإنتاجية الخاضعة للوصاية، كالعمران والخطوط الملكية الجوية والقرض الفلاحي...إلخ.
ألا يحق لنا بعد كل هذا أن نتساءل: أيوجد حكيم في بطانة رئيس الحكومة؟ أيوجد فقيه دستوري برئاسة الحكومة؟ إن كان العكس فما علينا سوى قراءة الجنازة على الدستور المؤطر لعمل السلطات!
أعد الغلاف عبد الرحيم أريري
 مدير نشر أسبوعية «الوطن الآن»
العدد 495 - الخميس 29 نونبر2012 

ليست هناك تعليقات: