الأربعاء، 18 مايو 2016

غزة بين فقرها وتطرفها - د. رياض عبدالكريم عواد

غزة بين فقرها وتطرفها 


د. رياض عبدالكريم عواد
بعد يوم طويل من التعب لاتمام اجراءات التقاعد، وفي سيارة الاجرة في طريق العودة من غزة الى خانيونس، الجو حار والشمس ساطعة والراديو يصرخ، من وين بدي أأكل ولادي، من وين بدي ادفع اجرة البيت، زوجي عسكري راتبه مقطوع، طلقني ورمى الاولاد لانه مش قادر يطعمينا، اهلي كمان بيتهم ضيق وحالتهم على الله، احنا مش مجبورين نطعمي ولاد الناس، تدخلت والدة المرأة الحزينة.

واحدة من يافطات حزب التحرير الاسلامي الكثيرة، التي ترفرف في سماء غزة، ترفرف في مفترق شارع تل الهوى ، بناء على تسميته القديمة، او تل الاسلام كما اطلقت عليه السلطة الربانية، لا حل الا باقامة شرع الله!
أجلس في المقعد الامامي في سيارة ٤ ركاب، السائق شاب في الثلاثين من عمره ، ملتحي وشاربه محفوف، قمحي البشرة متحمس جدا ومفعم بالايمان والثقة بالنفس! في المقعد الخلفي تجلس امرأة مع زوج ابنتها وراكب رابع لم انتبه له ، نزل من السيارة في منتصف الطريق الى خانيونس
بدأ السائق موعظته الطويلة ونقاش سريع اقرب الى الصراخ مع الراكب الملتحي في المقعد الخلفي، فش حل الا حل واحد ، اقامة شرع الله، هذا ما تفعله الدولة في العراق وسوريا، ١.٨ مليون مقاتل في صفوف الدولة لا يبتغون الا وجه الله، تركوا الدنيا وما فيها من اجل اقامة شرع الله، يتفخخ المجاهد منهم ب ٨٠ طن متفجرات، يفجرها في نفسه وفي الشيعة الكفرة الذين يسبون عائشة ويلعنون عمر، وفي قوات الجيش الحر وقوات ال ب ك كي الكردية التي تتحالف مع امريكيا واسرائيل؟!
من اين لك كل هذه المعلومات، حوالي ٤٠٠ مقاتل من غزة يقاتلون في صفوف الدولة، نصفهم كان مقاتلا مع تنظيمات غزة الاسلامية، تركوا هذه التنظيمات عندما تاكدوا ان قادتها وعناصرها لا يريدون اقامة شرع الله ، ولا يقاتلون من اجل الله، هم يقاتلون من اجل متاع الدنيا، والزواج من اربعة نساء ، وركوب السيارات الحديثة
ما الخلاف بين داعش وحزب التحرير الاسلامي، سألت السائق، هذا الحزب يؤمن فقط بطريق الدعوة، مرحلة الدعوة انتهت بوفاة الرسول، الاسلام الآن هو دين جهاد، داعش تقتل الناس وتسبي النساء، احاول ان استفز السائق، هذا كذب ، هذا اعلام وشيوخ السلاطين، من تريدنا ان نصدق، شيخ الازهر، مفتي السعودية، ولا محمد حسان، او عائض القرني، اسأل كم مرتبات هؤلاء المشايخ، وماهي نوع السيارات التي يركبونها، يا راجل هؤلاء يعملون ماسك وماكياج قبل الظهور على التلفزيون!!! تعرف الرجل الفاسق من ذمه للمجاهدين، مقياس جديد لم اكن اعرفه!!!
الناس في سوريا والعراق تتمنى ان تعيش تحت حكم الدولة الاسلامية، معقول!!! لقد وفرت لهم الدولة كل مقومات الحياة والعدالة!!! وماذا عن السبايا ونكاح الجهاد، هذا كذب وافتراء على الدولة، هذا اعلام امريكيا وكيري وأوباما الذي يشوه صورة الدولة الاسلامية، داعش كَرَّهت الناس بالاسلام، هذا رأيك وليس رأي المسلمين، لا يجوز ان تتكلم نيابة عن المسلمين!
لقد حمي وطيس النقاش مما دفع المراة ان تهمس في اذن صهرها خوفا عليه، لا تخافي يا حجة، طمنها صهرها واضاف، لماذا لم تترك غزة وتسافر هناك الى الدولة، سأل الراكب السائق، عندما اريد ان اسافر ساسافر لا يستطيع احد ان يمنعني!
اذن، لماذا لا تجاهد هنا، غزة فش فيها جهاد، فيها حروب وموت من المدنين وتهديم بيوت وتشريد الناس الى المدارس، ماهم كانوا يفجرون السيارات وينفذون عمليات استشهادية، هذا كان زمان ، الان يسمونها عمليات انتحارية، هذا السبب الاساسي اللي خلى الشباب تترك وتسافر هناك لتجاهد مع الدولة الاسلامية؟!
غادرت السيارة وتركت غزة تصرخ بين فقرها وتطرفها؟! هل هذه هي غزة؟! هذه واحدة من صورها ووجوهها المتعددة

ليست هناك تعليقات: