الأربعاء، 18 ديسمبر 2019

مشروع فلسطين الجديدة، فرصة للحل أم تهديد للوجود؟! - د. رياض عبدالكريم عواد

مشروع فلسطين الجديدة، فرصة للحل أم تهديد للوجود؟! 
د. رياض عبدالكريم عواد
في نهاية التسعينيات القرن 20 عرضت اليو اس ايد على وزارة الصحة الفلسطينية مشروعها الأول لتطوير النظام الصحي الفلسطيني وكان بالملايين، اجتمعت وزارة الصحة في طرفي الوطن بواسطة الفديو كونفرس خارج الوزارة، لأن الوزارة في غزة لم يكن لديها هذه التقنية، حضر الاجتماع وزير الصحة د. رياض الزعنون ووكيل الوزارة د. منذر الشريف وعدد من كوادر الوزارة من مختلف الدوائر المتخصصة، بوجود عدد من المؤسسات الأهلية التي تعمل في مجال الصحة. تم عرض مكونات المشروع ولعدم جدواة رفضت وزارة الصحة هذا المشروع. فما كان من المؤسسة الأمريكية الا ان أعطت المشروع لأحد المؤسسات الأهلية الفلسطينية التي قبلته ضاربة بعرض الحائط موقف وزارة الصحة ورأيها كقائد ومسؤول اول عن النظام الصحي الفلسطيني.

ما علاقة ما حصل في الصحة في نهاية القرن الماضي مع ما يمكن أن يحدث في السياسة في هذه المرحلة؟!
من الواضح أن السلطة الوطنية و م ت ف والعديد من الكوادر والفصائل الوطنية قد أخذت موقفا مسبقا من صفقة القرن على قاعدة أن هذه الصفقة لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية في الدولة والقدس والعودة والأرض والاستيطان والحدود، وهذا موقف مبدئي ينال اعجاب وتصفيق معظم الفلسطينيين، وهو ما تعود عليه الفلسطينيون طيلة تاريخهم النضالي، أن يرفضوا المشاريع التي تعرض عليهم وتنتقص من حقوقهم الوطنية في كل مرحلة من المراحل. فهل يضمن الفلسطينيون ألا يتقدم طرف فلسطيني اخر ويقبل مثل هذه المبادرات؟! خاصة وأن هناك أصوات واضحة محسوبة على حركة حماس تطالب بوضوح بقيام دولة غزة، بعيدا عن م ت ف والسلطة الفلسطينية وتقدم لذلك الكثير من المبررات.
رفض الفلسطينيون الكتاب الابيض الذي قدمته بريطانيا عشية الحرب العالمية الثانية الذي كان يمثل تغيراً مهماً في السياسة البريطانية تجاه فلسطين. هذا ماورد في كتاب "السياسة الداخلية للحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الانتداب والحركة الصهيونية 1945- 1918” للكاتب د نظام عباسي، كما نشره السيد مروان كنفاني على صفحته على الفيسبوك في 17 سبتمبر 2018. إذ قبلت لندن بمبدأ إنهاء الانتداب وقيام دولة مستقلة في فلسطين ترتبط مع بريطانيا بمعاهدة، مع السماح بهجرة 75 ألف يهودي إلى فلسطين لتعتبر بذلك أنها قد وفّت بوعدها لليهود بوطن قومي. ونظراً لحرص بريطانيا لترتيب أوضاع المنطقة عشية الحرب العالمية الثانية فقد وافقت على مساعي رئيس الوزراء المصرى محمد محمود لإجراء تعديلات لصالح العرب، لكنه فوجئ في اليوم التالي بالصحف اللبنانية تنشر رفض الحاج امين الحسيني لهذه المساعي.
كما رفضت القيادة الفلسطينية ممثلة بالهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني قرار التقسيم رقم 181 في 1947 الذي أعطى الفلسطينيين، الذين كانوا يمثلون 67% من سكان فلسطين، 42.3% من مساحة فلسطين مع تدويل القدس وبيت لحم.
ولم يستطع الفلسطينيون بعد النكبة تشكيل دولة في الأراضي التي بقيت تحت السيطرة العربية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وذهبت محاولات تشكيل حكومة عموم فلسطين إدراج الرياح تحت ضغط الرفض الأردني التي تم منحه في مؤتمر اريحا 1949 الوصاية على الضفة الغربية التي ضُمت إلى إمارة شرق الاردن وأُعلن بعدها عن قيام المملكة الأردنية الهاشمية في 1950.
في عام 1965 دعا بورقيبة خلال زيارته لمدينة اريحا في الضفة الغربية، وكانت في ظل الحكم الاردني، الى قبول قرار التقسيم لفلسطين الصادر عن الامم المتحدة عام 1947 والذي ينص على تقسيم مناطق ال 48 الى دولتين يهودية وعربية، قوبل هذا الخطاب برفض وهجوم عربي على الرئيس بورقيبة. وعقد المجلس الوطني الفلسطيني دور انعقاده الثاني في القاهرة، خلال الفترة من 31 مايو حتى 4 يونيو 1965، بحضور الرئيس جمال عبدالناصر. وأعلن أن تصريحات الحبيب بورقيبة خيانة عظمى لقضية الفلسطينية، وخروج على الاجماع العربي، وافتئات على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وطالب الشقيري بفصل تونس من الجامعة العربية ومجلس الدفاع العربي المشترك. أخذ بورقيبة على العرب تمسكهم بمبدأ "الكل او لاشيء" وطالبهم باستبداله بمبدأ "خذ وطالب" وعليهم أن يقبلوا التقسيم لانهم لو فعلوا لكان حالهم أفضل.
يتواصل الرفض الفلسطيني لكل المشاريع التسووية بدءا من مشروع الملك حسين الذي أقترح تشكيل كونفدرالية مع الضفة الغربية في 1972 وتم رفضه إسرائيليا وعربيا وفلسطينيا، واتهام كل من تعاطى معه من الفلسطينيين، أمثال المرحومين الياس فريج ورشاد الشوا رئيسي بلديتي بيت لحم وغزة وقتئذ، بالخيانة ومحاولة تصفيتهم على أيدي الفصائل الفلسطينية، جرت محاولة اغتيال المرحوم رشاد الشوا في يوليو 1972.
كما رفض الفلسطينيون ما عرض عليهم في معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل بالمشاركة في المفاوضات والحصول على حكم ذاتي في الضفة الغربية وغزة قبل أن يغزوها الاستيطان والمستوطنين؟! حيث تفيد وثيقة أفرجت عنها وزارة الخارجية المصرية بعد 40 سنة عن توقيع اطراف معاهدة كامب ديفيد الثلاثة، الرئيس السادات ومناحم بيغن وجيمي كارتر، على وثيقة عام 1979 تنص على إقامة حكم ذاتي كامل للفلسطينيين في الضفة والقطاع، وعلى البدء بترتيبات "انتقالية لفترة لا تتجاوز خمس سنوات"، تنسحب على اثرها "الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية منها، بمجرد أن يتم انتخاب سلطة حكم ذاتي من قبل السكان في هذه المنطقة عن طريق الانتخاب الحر لتحل محل الحكومة العسكرية الحالية". وأن مفاوضات الوضع النهائي للضفة وغزة ستجرى بحلول نهاية الفترة الانتقالية، وستدور المفاوضات بين مصر وإسرائيل والأردن وممثلي سكان الضفة الغربية وغزة.
وهذا ما رفضه الشهيد ياسر عرفات في كامب ديفيد الثانية حيث فشلت قمة كامب ديفيد للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي عقدت في يوليو عام 2000 لمدة اسبوعين متواصلين بحضور الرئيس عرفات ورئيس وزراء إسرائيل ايهود باراك والرئيس الامريكي بيل كلينتون. رفضت م ت ف المقترحات الأمريكية الاسرائيلية التي تمنح الفلسطينيين دولة منزوعة السلاح والسيادة على 94% من أراضي الضفة الغربية (عدا القدس) وكامل أراضي قطاع غزة. مع السماح لقوات الاحتلال الإسرائيلي بالتواجد في أراضي وأجواء هذه الدولة وبالتالي بقاء الدولة مقطعة الأوصال. اضافة الى إعطاء الفلسطينيين سيطرة على المعابر الحدودية مع الأردن ومصر ضمن إطار استمرار الرقابة الأمنية الإسرائيلية عليها. اشترطت الاتفاقية تقسيم مدينة القدس وضم أغلبها إلى سيادة إسرائيل باستثناء بعض الأراضي و "البقع" تحت السيادة الفلسطينية. وضم المسجد الأقصى (في القدس القديمة في القدس الشرقية) إلى السيادة الإسرائيلية. وفيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، يتم حل هذه القضية بتوطين هؤلاء اللاجئين بالبلاد التي يقيمون فيها مع تعويضهم وإعادة 100 ألف لاجئ، واعتبار ذلك بمثابة موافقة على قرار 194، إضافة إلى السماح للدولة الفلسطينية بإعادة نصف مليون منهم وفق برنامج زمني محدد. بعد نحو شهرين على انتهاء القمة بالفشل، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000 لتؤجج الصراع من جديد.
المتابع لسلسلة المشاريع التي تم تقديمها للفلسطينين تاريخيا يلاحظ ما يلي:
أن هذه المشاريع تنتقص من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وأن هذا الانتقاص يتواصل والمعروض يتاكل باستمرار لدرجة أنه لن يعد يلبي أي حد أدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية في الاستقلال والدولة والعودة والقدس.
أن هذه المشاريع طرحت أحيانا كمحاولة للقفز على م ت ف الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وإيجاد بدائل محلية في غزة والضفة لها.
انه لا يوجد ضمانات إقليمية أو دولية تلزم اسرائيل بالتقيد ببنود هذه الاتفاقيات والمدد المحددة فيها إضافة الى ممارساتها الحثيثة لافراغ عملية التفاوض من محتواها وجدواها واطارها الزمني المححد، لا تواريخ مقدسة عند اسرائيل؟!
أن أخطر ما يمكن تسجيله أن الفلسطينيين لم يتصدوا موحدين لهذه المشاريع، هذا ما ظهر جليا في التعامل مع اتفاقية أوسلو، حيث لم تعترض الفصائل سياسيا على هذه الاتفاقية فقط بل استخدمت كل الوسائل الإعلامية والسياسية والعسكرية ضد هذه الاتفاقية، مما أضعف السلطة الفلسطينية التي لم تستطع أن تلزم هذه الفصائل بمشروعها، ولا أن تخفف من ممارساتها ضد هذه الاتفاقية مما أدى إلى انقلاب هائل داخل المجتمع والمؤسسة الاسرائيلية من هذه الاتفاقية ومن عملية السلام مع الفلسطينيين برمتها، على إثر العمليات التفجيرية داخل اسرائيل التي قامت بها معظم الفصائل الفلسطينية، والتي تُوجت بالانتفاضة العسكرية الفلسطينية التي جرت اسرائيل من خلالها السلطة الفلسطينية إلى مربع العنف لتدمير مؤسسات السلطة وتُشيع حالة من الفوضى والضعف داخل الأراضي المحتلة، وتُصبح الفرصة سانحة لحماس وحلفائها للاستيلاء على هذه السلطة، من خلال الانتخابات أولا واستكمال ذلك بالانقلاب على ما تبقى من سلطة في غزة.
حاليا تمر القضية الفلسطينية في مرحلة سياسية سيئة من تاريخنا النضالي على مختلف الصعد الوطنية والعربية وعلى صعيد الإقليم والعالم، كل هذه الظروف إضافة إلى واقعنا تقول اننا وصلنا إلى مرحلة صعبة وعلينا أن نختار او نرفض موحدين ما يعرض علينا في ما يسمى فلسطين الجديدة كجزء من صفقة القرن؟!
السؤال الهام كيف يمكن التعامل مع ما هو مطروح آخذين في الاعتبار أنه من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، التوافق مع فصائل الإسلام السياسي بصفة عامة ومع حماس بصفة خاصة على مواقف موحدة، لان هذه الفصائل لها مشاريعها الخاصة المرتبطة بفهمها وايدلوجيتها وعلاقاتها وتبعيتها الإقليمية. رغم كل ذلك فيجب الا نعدم محاولة خلق وجهة نظر فلسطينية موحدة للتعاطي مع ما هو مطروح مع تحليل دقيق للمكاسب والخسارة والتهديدات التي قد تتعرض لها القضية في كلا الحالين، القبول أو الرفض
طبعا ما يعرض علينا لا يلبي طموحاتنا الوطنية، وهذا سبب كاف للرفض وسبب كاف لاتهام كل من يقبل بأبشع التهم، ووصفه بالتفريط والتنازل واتهامه بغلق أبواب النضال أمام الأجيال القادمة، إضافة إلى التكفير والتفسيق ومخالفة للشرع والدين والمبادئ النضالية، وصولا إلى فقدان شرعية تمثيل الشعب وطنيا وعربيا واسلاميا.
ان الخوف من هذه الاتهامات، اضافة الى خطورة ما هو مطروح، قد يدفع الى الانحياز الى خيار الرفض، بغض النظر عن ما يسببه هذا الرفض للشعب والقضية؟!
ان خطورة الرفض لمثل هذه المشاريع في ظل وجود طرف فلسطيني يقبل بها، كما تقول كل المؤشرات، ستعيدنا مرة أخرى إلى الانقسام كفريقين، كما حدث في التعامل اثناء مرحلة أوسلو، لنخرج في النهاية بخسائر للجميع. وسيترسخ الانقسام بين غزة والضفة وصولا إلى الفصل الكامل وإعلان غزة هي الدولة.
كما سيتواصل تعزيز الهجوم ضد السلطة الوطنية والتضييق عليها وافشالها وتحريض المجتمع والنقابات ومؤسسات الانجوز والقبائل ضدها، تحت ذرائع وأسباب مختلفة وصولا الى تصفية السلطة وتصفية الفصائل التي تسمى مقاومة وخلق فوضى في الأرض المحتلة وتعريض الشعب إلى الملاحقة من الاحتلال والمستوطنين وخطر الترحيل والتهجير والضم والوصاية وفقدان الهوية الوطنية.
هل قبولنا لهذه الصفقة موحدين يضمن بقاء شعبنا على أرضه، ويضمن مواصلة توسعه وتمدده وتطوره في مختلف مجالات الحياة؟، هذا التطور السكاني والعمراني والاقتصادي من الممكن أن يفرض نفسه مستقبلا ويفرض حلول ومقاربات أخرى أقرب ما تكون إلى حل الدولة الواحدة.
لكن قبولنا لهذه الصفقة سيجبرنا أن نوقع على وثائق تثبت تنازلنا عن باقي حقوقنا وتقيد مواصلة النضال، هذا يطرح سؤال؟! السؤال وهل تمنع الوثائق أو منعت شعبا عندما يستعيد نفسه وقواه من ممارسة حقه والمطالبة فيه والنضال مرة أخرى من جديد؟ اليابان وألمانيا فعلت ذلك؟!
أيهما أفضل؟! السؤال صعب والواقع اصعب والخيارات محدودة، بالتأكيد هذا بحاجة إلى تفكير وطني عام وتحليل علمي شامل وفقا لنموذج SWOT في التحليل، لتحديد نقاط القوة والضعف والفرصة المتاحة والتهديدات وخطورتها.
يجب ان نمتلك الشجاعة مرة واحدة ونجلس موحدين كفلسطينيين عقلاء نناقش امورنا بعقل منفتح وسياسة واعية بعيدا عن الشعارات والخطابات، اما ان نقبل مجتمعين او ان نرفض مجتمعين، حتى لا نعيد ما فعلناه في انفسنا بعد أوسلو؟ هل هذا ممكن، صعب؟!

ليست هناك تعليقات: