الأربعاء، 22 أبريل 2020

منّ لا يرى من غربال كرونا فهو أعمي - د. لؤي ديب

منّ لا يرى من غربال كرونا فهو أعمي 
  
د.لؤي ديب
ما يحدث في العالم علي كل الصُعد السياسية والإقتصادية والإجتماعية لم يكن وليد كرونا وانما كان كرونا بمثابة إختصار عنصر الزمن لأحداث إفتعلت للحصول علي نتائج كرونا والتي أتت سريعا لتفاجيء العنصر البشري.
هل يستطيع عاقل ان يربط انهيار أسعار النفط الأمريكية بكرونا فقط ويتجاهل كل العقوبات الأمريكية التي سبقت كرونا علي الصين ومصدري النفط الأساسيين للصين مثل ايران وروسيا بهدف خنق الإقتصاد الصيني ، ولا ننسي المحاولة التي قادتها السعودية قبل كرونا برعاية ودعم امريكي للخروج من اتفاق خفض الإنتاج وزيادة الانتاج بشكل جنوني من السعودية وحلفائها واستئجار كل ناقلات النقط العالمية وخفض سعر البرميل وسرعان ما جعل كرونا السعودية تتراجع عما اتفقت مع امريكا .


لذا بكلمات اخرى يمكن ان يفهمها كل مواطن بسيط علي هذه الأرض ان اسعار النفط تتهاوي لان امريكا بقيادة ترامب فشلت في عقوباتها ضد الصين ولم تؤثر فيها لذا انهارت اسعار النفط . 

ضربة النفط حاليا تُشكل ضربة لأمريكا ومعها باقي المنتجين ، ولكن ! 
هل يمكن ان تنخفض اسعار الطاقة والمواصلات وباقي الاشياء مع وصول سعر برميل النفط الي اقل من ثمن البرميل الحديدي الذي يحمله ناهيك عن تكاليف النقل والتأمين ؟ 
طبعاً لن ينخفض سعر شيء ولكن تأكدوا جميعاً انه بمجرد ارتفاع البرميل بضع دولارات وسيكون بعيدا عن ملامسة اخر سعر قبل كرونا سيرتفع سعر كل شيء الطاقة والغذاء واشياء كثيرة وسوف تستمر عملية نهب مدخرات الأرض والانسان عليها . 

من لا يري التطورات المتسارعة في امريكا اعمي ، فمن تنازل امريكا عن دورها القيادي في ادارة الأزمه عالميا ، الي صراع ترامب مع حكام الولايات ، وعجز امريكا عن توفير الفحص والعلاج المجاني لمواطنيها ، وكشف كرونا للمستور بالفوارق الاجتماعية التي تنعكس علي الصحة والاصابات والوفيات المرتفعة والتي تلامس 70‎%‎ من ذوي الاصول الافريقية واستفحال المرض في مجتمعات اهملتها حكومة امريكا الفيدرالية والولايات التي يتغذي بعضها يوميا علي العنصرية المحمية بالقانون ،فالبلد الأعظم في العالم اهداه كرونا 22 مليون عاطل عن العمل أغلبهم بدون تأمين صحي وجائت قوانيين التسريح المصاحبة لكرونا لتحمي اصحاب العمل من دفع مستحقات وتعويضات ملايين العمال ليس في امريكا وحسب بل في اوروبا ، وفي الوقت الذي ادارت الحكومة الامريكية ظهرها للفئات الأضعف مكتفية بشيك انتخابي يحرره ترامب لمره واحدة الأمر الذي رفع نسبة الجريمة الي 40 ‎%‎ في امريكا رغم الحظر ومنع التجوال . 

الصين المتهمة غربياً بالمسؤولية عن الفايروس والتي كانت قد انجزت بنسبة 80‎%‎ طريق الحرير الذي يربطها بأوروبا ، استطاعت رغم تراجع اقتصادها والضغوط عليها من ملء الفراغ الامريكي ولم تنقطع قوافل الاغاثة الصينية عن حلفاء امريكا في اوروبا ، واستطاعت استغلال كل ثغرة وخطأ في سياسات امريكا لصالحها ولم تقف عن هذا الحد ، بل اطلقت سفن التنقيب الخاصة بها للانطلاق بعيدا في بحر الصين للبحث عن النفط بحراسة البحرية الصينية مما دعا الي تحرك البحرية الاسترالية بصحبة ما هو متوفر في بحر الصين في انتظار وصول مزيد من القطع الامريكية لمنع الصين من فرض امر واقع يجعل حدود الصين علي مشارف استراليا ويزيد من مخاطر واحتمالات التصادم العسكري . 
اوربا التي تخبطت في الازمة وبرهنت علي فشل كذبتها الكبري بالرفاه وانظمة الرعاية الصحية المتينة ، باستثناء المانيا استطاع كرونا تعريتها وتعرية كذبتها ويطرح تساؤلات عن ميزانيات سابقة خصصت للرعاية وتطوير القطاع الصحي حيث بدأت بعض التقارير تتحدث ان ميزانيات القطاع الصحي والتعليمي ما قبل الأزمة كانت تتعرض للسرقة بنسب لا نقل عن 50‎%‎ . 
ايضا سقط مع كرونا مبدأ التضامن الاوروبي وتم تسجيل فشل ذريع في الاستعداد الصحي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وبين كرونا كما امريكا انه كان اسرع في التغلل بين الاقليات العرقية التي تعاني من الفقر وقلة النظافة والاهمال الحكومي والازدحام السكني ، واستطاع كرونا ان يضع القارة العجوز امام المقارنه بين اجراءات اليمين الشعبوي الذي استبق كرونا بالتضيق علي اللاجئين والاجانب ومطاردة القدماء منهم والجدد في محاكم تقوم علي النظريات والاهواء السياسية مما جعل النظام القضائي في اوروبا قبل كرونا كلعبة في ايدي السياسيين ، ورغم ان كرونا بين ان الالاف الاطباء والممرضين والعاملين الصحيين من اصول اجنبية هم من كانوا في الصفوف الامامية في مواجهة الخطر والموت من اجل ان يحيا من كان يحاربهم ويكفي ان نعرف ان طبيب اتم تعليمه من خارج اوروبا كان يحتاج الي اربع سنوات في معادلة شهادته ليواجه بعدها التنمر في العمل وجاء كرونا بقوانيين الطواريء التي سوف تستمر ليكون عالم اوربا القادم غير مزدهر وقاتم واقل ديموقراطية وبدون رخاء ونستطيع ان نقول ان كرونا اضافة الي الاسئلة الصعبة التي ستعصف بالاوربيين لعقد قادم هدوءا وعنفا ، فانه جعل اوربا مستهلكا علي الاقل لخمس سنوات قادمه دون تأثير سياسي قوي فجل ما تحلم به اوروبا الان هو النجاة والاحتماء باحد الحلفاء الاقوياء . 
وجه كرونا ضربة قاضية لا قيام بعدها لنظام العولمة التي اسست قبل قدوم كرونا للتفاوتات الاجتماعية وتدمير الطبقات المتوسطة وجاء كرونا ليكشف نقص الامدادات وان العولمة قشرة ضعيفة سرعان ما تنهار لصالح الدولة المستقلة واحتياجاتها وفشلت الصين بمليء الاعتماد الغربي كليا عليها وفشلت الامم المتحدة بقيادة الازمة وتقريبا لا دور لها وفشلت مجموعة العشرين ومجموعة السبع وعدم الانحياز والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ونمور اسيا ودول الكومونلث ... الخ وخضعت منظمة الصحة لضغوط الصين وامريكا وما زالت تدير الازمة وفق الحساسيات السياسية وليس وفق صحة البشرية ، وفشلت مفوضية حقوق الانسان في توجيه انتقاد واحد للتعسف المصاحب لكرونا او لتلك القوانيين التي تحمل في عمقها دكتاتوريات وفاشيات توشك ان تولد وتكون اشد علي البشرية من كرونا بالف مره. 

الم يساوي كرونا بين الانظمة التي كانت تدعي الديموقراطية وبين الانظمة الفاشلة والاستبداية ، بل تعتبر الانظمة الاستبداية الاكثر استفادة من كرونا الذي سمح لها بتعزيز سيطرتها علي المجتمعات دون انتقاد بل ان كرونا جاء ليعزز مفهوما سابقا عندما طرح السؤال لمن الاولوية للأمن المصاحب للارهاب ام لحقوق الانسان ، وقتها وقبل كرونا بقليل كانت الارض كلها تسجل انتصار مفهوم الامن الذي جاء كحاجة للارهاب المصطنع وانتزع الحقوق وكرونا لن يختلف وسيجعل الكثير من الانظمة تركز علي الامن الصحي والغذائي علي حساب الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وليس ذلك فحسب ولكن سترون دول فاشلة تنقل تجاربها في الديكاتورية لديموقراطيات كبري . 
منّ منكم لا يري المصير الجديد والمجهول الذي ينتظر افريقيا التي يقترب منها الوباء دون استعداد وانهدام للبنية التحتية بل حتي انعدام الماء والصابون وليس الدواء فحسب وكل التجارب السابقة في افريقيا تؤكد عجزها علي احتواء اي وباء سابقا حتي في اشد حالات التضامن الدولي لمساعدتها فما بالكم في زمن يقول الكل فيه يا الله نفسي . 
من لا يري صعود قوي وهبوط قوي بعد كرونا لم يمسك بغربال كرونا ليري منه الرعب القادم علينا من خلال السيطرة الرقمية واهمال الاعتماد علي العنصر البشري وحصول شركات كبري علي مميزات الدول في النظام الدولي الجديد. لا احد يستطيع ان يجزم شكل النظام القادم بنسبة قاطعة لكن! الاكيد بنسبة 100‎%‎ ان كرونا ضرب وعري وهاجم اسس النظام الدولي القائم بقوة وكشف عيوب متراكمة من مطلع القرن العشرين ، وبشكل اخر استطاع كرونا ان يضع النظام العالمي في غرفة انعاش كاسقاط واجب وليس املا بالشفاء الذي تدرك كل الدول استحالته ولكن من اجل الاستعداد لجنازة النظام الدولي وتشيعه وما هي الا محاولات لتجنب الاصطدام بالمجهول .لذا من لا يري بغربال كرونا هو اعمي وسيكون وقود المرحلة القادمة التي ستحتاج الي الكثير من الطاقة .
د. لؤي ديب

ليست هناك تعليقات: