الأحد، 6 يناير 2013

أكبر من المسافة - شعـر جودة بلغيث

أكبر من المسافة - شعـر جودة بلغيث

**جودة بلغيث**

يمنحني القمر هذه اللّيلة ألقا ، يُحوّطُني بنور شفّاف يأخذني إلى أبعادي فتترآى لي على 
مرمى المدى ، يسحبُني نحو مجاهل روحي و أدغال نفسي، يلُفُّني و يلتفُّ و يجعلني ألفُّ
- حتّى ماعدتُّ أنا ،- هالة من نور سابحة أنا ، أريج عطر مُنساب من عطور الشّرق الآسرة أنفاسي
أكاد لا أعرفُني فصوتي المكتوم تدفّق سيلا يجرفني إلى حيث المنبع ، إلى حيث البدء...إلى 
.زمن الطّهر
أدعوك هذه اللّيلة لأنّك حاضر بقوّة في وجداني ، طيفك لا يبارح مُخيّلتي، أراك وراء مكتبك 
بإحدى زوايا البيت السّاكن من حولك ترفع قلما شارد النّظرات، سرحت بك أفكارك و  نسيت فنجان القهوة
.الّذي أعددته بنفسك ينطلق منه بخار يُشعرك بالدّفء و الرّفقة
كنتَ وحدك هناك و كنتَ معي هنا و كنتُ إلى جانبك هناك، أسمع همسك و أقرأ بعضا
من حروف.
و كلمات يرسُمها قلمك على ثلج الورقة فتغدو و قد طُرّزت بشهُب من نار

بدا غائبا و هو يتناول الفنجان و يرشُف منه بضع قطرات من السّائل المُلتهب فلمعت عيناه و انتعشت روحه
ثمّ تركه بين يديه مستعذبا الحرارة الّتي تسلّلت إلى أوصاله و غزته...وضع الفنجان برفق ثمّ طوّق جسمه
. بذراعيه و تحسّسه فشعُر بها ترتعش بين أحضانه كطائر بين يدي طفل مأخوذ برقّة ذلك الكائن الهش
استحضرها ضاحكة، باسمة تتحدّث إليه بعفويّة ، تتحرّك بخفّة فتتطاير خصلات شعرها ثمّ ينزل
بعض منها على وجهها فيمُدُّ إليها يده ليُزيحها فتُلامس خدّها الحارّ فترتعش و تسري الرّعشة في كامل
...جسده فيرتبك و يتبعثر في حين كان يراها تواصل حديثها دون أن تُحسّ بما يُكابده
صمتت تنتظر ردّا أو تعليقا فرأته يرمُقها بنظرات وديعة حالمة كشفت عواطف 
. نبيلة جامحة فعلت خدّيها حُمرة 

جهدت نفسها لمُداراة خجلها . مرّرت أصابعها على شعرها تعيد ترتيبه.رفعت رأسها 
و شيّعت بصرها بعيدا، بعيدا إلاّ أنّها لم تكن ترى شيئا... أمسك بيدها و ضغط.
عليها بحنوّ ليُعيدها إليه. رسمت على شفتيها ابتسامة لتُخفي حرجها و ارتباكها
فجذبها إليه و ضمّها بقوّة و لهفة باحت بكلّ شوقه. ألقت برأسها على صدره ، اطمأنّت
و اندسّت كقطّة مذعورة و انعدم الزّمن ...
انتبه على رنّه هاتفه الجوّال.. إنّها هي، فتح الخطّ و تكلّم :
- مساء الخير 
- مساء النّور ، ستبرُد قهوتك 
- سنترشّفها معا 
ثمّ قال : هيّا حدّثيني 
قالت : أحدّثك عنّي و عن أشيائي الصّغيرة
يطول الحديث
يعبُر حدود الزّمن
يفوح بكلّ عطور الشّرق
يروي حكاية شهرزاد 
حين تسكُت 
عن الكلام المباح...
قال:اللللللللله
حديث الحكمة و الجمال و الحبّ
بلقيس و سليمان ...

......... لم تردّ
: سمعته يقول
مسكونة بأناشيد الأفق أنت
أغنية من نار أنت 
امرأة من لهيب 
..تتوهّج أملا و شوقا

ليست هناك تعليقات: