الجمعة، 5 يوليو 2013

حق المواطنين في الحصول على أحكامهم داخل آجال معقولة

حق المواطنين في الحصول على أحكامهم داخل آجال معقولة 
ذ. ياسين مخلي

تقديم:

يعتبر حق المواطنين في الحصول على حقوقهم داخل اجل معقولة من أهم مؤشرات دعم ثقة المتقاضين بالسلطة القضائية و أعضائها ، و ذلك لارتباطه بمجال احترام حقوق الانسان و الحريات الأساسية ,اذ نصت المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الانسان أن لكل شخص عند الفصل في حقوقه المدنية و التزاماته أو في اتهام جنائي موجه اليه الحق في مرافعة علنية عادلة خلال مدة معقولة أمام محكمة مستقلة و غير منحازة و مشكلة طبقا للقانون.(1) و هو ما أكدته المبادئ التوجيهية للجنة وزراء مجلس أوربا بشان حقوق الانسان و مكافحة الارهاب بتاريخ 15 يوليوز 2002 و التي نصت على أن اي شخص متهم بارتكاب أنشطة ارهابية له الحق في محاكمة علنية عادلة خلال مدة معقولة .

و لأن هذا الحق يعتبر من الحقوق الكونية فقد نصت عليه أيضا الاتفاقية الأمريكية لحقوق الانسان بتاريخ 22 نونبر 1969 من خلال المادة 8 و التي جاء فيها أن لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية خلال مدة زمنية معقولة أمام محكمة مستقلة و غير منحازة و مشكلة طبقا للقانون للبت في اي اتهام جنائي موجه اليه أو عند الفصل في حقوقه و التزاماته المدنية و العمالية و المالية أو أي طابع آخر.

ورغم أن الدستور لم يكن يتضمن مقتضيات مشابهة ، الا أن بعض المقتضيات القانونية تناولت هذا الجانب ، و هو ما ترجم أخيرا مع اقرار دستور 2011 ، و الذي نص في الفصل 120 على أنه لكل شخص الحق في محاكمة عادلة ، و في حكم يصدر داخل أجل معقول .
فماهو مفهوم الاجل المعقول ، و هل المنظومة القانونية تتضمن مقتضيات تجسد هذا المبدأ الدستوري ، و ماهي المبررات المعتمدة و غير المعتمدة للقول باحترام هذا الحق الدستوري من عدمه.
1-مفهوم و نظرة المشرع المغربي لحق المتقاضيين في الحصول على حقوقهم داخل اجل معقولة:
ان مفهوم حق الحصول على الحقوق داخل اجال معقولة يعتبر مفهوما مرنا يختلف باختلاف نوعية القضايا و تعقدها و طبيعة السلوكيات المعتمدة سواء من طرف السلطات المختصة أو المتقاضيين أنفسهم ، مما يصعب معه تحديد قواعد معيارية موحدة و جامدة لهذا المفهوم .
و لهذا السبب فان المشرع عمد الى تحديد اجال محددة للبت في العديد من القضايا ذات الارتباط المباشر بقضايا الأسرة و حوادث الشغل و المعتقلين اذ نصت المادة 97 من مدونة الأسرة على أنه يفصل في دعوى الشقاق في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب .و بخصوص القضايا المتعلقة بالنفقة فقد نصت المادة 190 على أنه يتعين البت في القضايا المتعلقة بالنفقة في أجل أقصاه شهر واحد.
و هكذا يبدو أن المشرع المغربي اعتبر أن تحديد اجال قصيرة للبت في بعض الدعاوى يعتبر تنزيلا مباشرا لحق المتقاضين في الحصول على حقوقهم داخل اجل معقول ، و هو في ذلك يناقض حتى بعض المقتضيات القانونية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية و التي تستلزم مرور آجالات محددة بين تاريخ التوصل و تاريخ انعقاد الجلسة ،و خصوصا حينما يكون مكان اقامة المدعى عليه خارج التراب الوطني و ما يستتبع ذلك من اجراءات التبليغ عن الطريق الدبلوماسي .
و بإجراء تحليل وصفي للمقتضيات القانونية المنظمة لقضايا حوادث الشغل يتضح أن نفس الاشكال يطرح بشدة أكبر و ذلك بخصوص الأجل المحدد لإجراء البحث ، اذ نص الفصل 30 من ظهير 6 فبراير 1963 على أنه يجري البحث في ظرف الخمسة أيام الموالية لتاريخ استلام الملف ، غير أن هذا الأجل يبقى غير ذي مفعول بحسب ما تطلبه نفس المشرع في الفصل الموالي من أن البحث يجرى بطريقة حضورية أو بعد استدعاء الأطراف عاجلا بواسطة رسالة مضمونة الوصول أو تبليغ يوجه طبقا لقانون المسطرة المدنية .
و تزداد أهمية النقاش حول حق المتقاضين في الحصول على أحكامهم داخل اجال معقولة بالنسبة لقضايا المعتقلين ، و لهذا السبب فقد حدد المشرع المغربي اجلا للاعتقال الاحتياطي و الذي يجب الا يتعدى شهر واحد في القضايا الجنحية ، و يمكن تمديده لمرتين و لنفس المدة بمقتضى أمر قضائي معلل تعليلا خاصا يصدره قاضي التحقيق بناء على طلبات النيابة العامة المدعمة بأسباب(2).
و رغم أن المشرع حدد مدد الاعتقال الاحتياطي فانه لم يتجاوز ذلك ليضع اجال للبت في ملفات المعتقلين من طرف المحاكم المختلفة و ذلك راجع بالأساس الى تنوع القضايا الجنائية و تعقدها في حالات كثيرة ، و قد خلصت دراسة ثم انجازها من طرف مديرية الشؤون الجنائية و العفو خلال سنتي 2006 و 2007 أن أغلب القضايا الجنحية يصدر فيها الحكم داخل أجل سنة بالنسبة لمستوى واحد من درجات التقاضي ، بالرغم من عدم وجود مؤشرات احصائية دقيقة على أسباب تأخير البت في الملفات (3)
و من خلال ما سلف يتضح أن حل اشكالية تنزيل حق المتقاضيين في الحصول على حقوقهم داخل آجال معقولة لا يتوقف على تحديد آجال على مستوى النص الدستوري أو القانوني ، بل يتطلب توفير بنية متماسكة و مندمجة على مستوى منظومة التبليغ و التنفيذ ، و توفر معطيات احصائية علمية تساعد على تجاوز الاشكاليات المطروحة و ايجاد الحلول الملائمة لها ، و في هذا السياق فقد سبق لوزارة العدل أن أصدرت أول رسالة دورية تطرقت الى موضوع معالجة البطء في تصريف القضايا و البت فيها داخل آجال معقولة ، و التي تضمنت تحديد العديد من الاجراءات العامة دون أن تتجاوز ذلك لوضع اليات تشريعية لايجاد الحلول المتعلقة بضبط و تنفيذ اجراءات التبليغ ومراقبتها .(4)
و لوضع تصورات متقدمة لحق المتقاضيين في الحصول على حقوقهم داخل آجال معقولة ، و بسبب غياب رؤية وطنية للموضوع لغياب احصائيات موضوعاتية تحدد أسباب تأخر البت في الملفات و تدبير الزمن القضائي ، فان اجتهادات المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان تعتبر المرجع المتاح لتعميق النقاش حول هذا المبدأ الدستوري ومعرفة مدلولاته .

2-تطبيقات المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان لحق المواطنين في الحصول على حقوقهم داخل آجال معقولة:
تناولت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان حق المواطنين في الحصول على حقوقهم داخل آجالات معقولة في اطار مراقبتها لمدى التزام الدول بتنفيذ بنود الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان و خصوصا المادة 6 منها ،و قد عمدت المحكمة و هي بصدد بتها في الشكاوى المقدمة اليها الى قبول بعض التبريرات و رفض البعض الآخر، و هكذا اعتبرت أن سلوك المتقاضي يعتبر عنصرا موضوعيا يستوجب الوقوف عليه خلال المسطرة للقول باحترام الدول لمقتضيات المادة أعلاه من عدمه ، و لهذا السبب فان فترة سنتين و أربعة اشهر و ستة أيام بين تاريخ هروب الظنين و تاريخ القاء القبض عليه لا تعتبر في احتساب الآجال المعقول مادام أن الظنين يتحمل وحده المسؤولية في ذلك(5) ، و نفس التوجه ثم اعتماده في قضية klamecki و اعتبرت أن غياب الظنين مدة ست سنوات و شهر واحد في اطار مسطرة جنائية لا يمكنه من الاحتجاج بخرق حق المشتكي في الحصول على حقوقهم داخل آجل معقولة ، مادام ان السبب الرئيس يعود الى غياب الظنين المتكرر للجلسات لأسباب صحية غير مبررة و كذا غيابه لاجراء الفحوص الطبية المأمور بها من طرف المحكمة.
و يرى البعض أن الأسباب التي تحول و تأخر المتقاضيين في الحصول على حقوقهم ، يرجع بالأساس الى عدم توفر الامكانيات المادية و البشرية ، و يبقى التذرع بذلك من طرف الدول مبررا غير مقبول ، و قد اعتبرت المحكمة الأوروبية في العديد من الحالات أنه للدول الخيار في اعتماد الوسائل لملائمة أنظمتها القضائية مع حق المتقاضيين في الحصول على حقوقهم داخل آجل معقولة ، و لكن حينما لا تتخذ الاجراءات الضرورية و الكافية فانها تبقى مسؤولة عن خرق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان ، و لهذا يبقى مثلا الاحتجاج بالارتفاع المتزايد للقضايا و عدم كفاية الموارد البشرية الكافية احتجاجا لا يبرر خرق حق المتقاضين في الحصول على حقوقهم داخل الآجال المعقول .
وتعتبر مسؤولية الدول عن الاخلال بحق مواطنيها في الحصول على حقوقهم داخل آجل معقولة مسؤولية بدون حاجة لاثبات الضرر ، ففي قضية جورج لينا اعتبرت المحكمة أن عدم حصول الضرر للمتقاضي لا يشكل مبررا لخرق الاتفاقية الأوروبية بهذا الخصوص .
و اذا كانت هذه بعض المبررات غير المقبولة من طرف المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان فانها من جهة تانية تناولت بعض المبررات المقبولة و ذهبت الى أنه لا يمكن تحميل السلطات النمساوية مسؤولية الصعوبات المرتبطة بتنفيذ الانابات في الخارج ، و لعل جزء من الأسباب تأخر البت في قضايا المتقاضيين في المغرب يعود الى تأخر تنفيذ بعض الانابات في الخارج ، و لهذا أعتقد أن الدولة تبقى مسؤولة عن تأخر الاجراءات التي تسبق توصل الدولة التي تتولى تنفيذ الانابة في الخارج ، و لا يعتبر هذا سببا مقبولا بخصوص تنفيذ الانابات بين المحاكم أو الأوامر و التعليمات التي تتولى النيابة العامة توجيهها للضابطة القضائية بخصوص البحث التمهيدي أو تنفيذ أوامر المحاكم لتجهيز الملفات .
و قد عرفت بعض الدول خوض العديد من المتدخلين في منظومة العدالة اضرابات و أشكال احتجاجية ، و تعتبر الاضرابات التي يخوضها القضاة أو المحامين أو هيئة كتابة الضبط من الأسباب التي تبرأ التزامات الدول بهذا الخصوص شريطة أن تقوم اهذه الأخيرة بالاجراءات الضرورية لتجاوز المخلف المسجل نتيجة هاته الاحتجاجات ، و هو ما لم تتبث أن الدولة قد قامت به في حالة احتجاجات كتابة الضبط خلال سنة 2010 -2011 .
و يتضح من خلال استعراض بعض المبررات سواء المقبولة منها أو غير المقبولة أن الالتزام بضمان حق المتقاضيين في الحصول على حقوقهم داخل آجالات معقولة هو التزام يقع على عاتق الدولة و التي عليها اتخاذ اجراءات و تدابير تشريعية لملائمة نظامها القضائي مع هذا المبدأ الحقوقي و كذا توفير جميع الامكانيات البشرية و المادية لذلك ، و ليس باعتماد وسائل التأثير و التدخل في عمل القضاة بذريعة احترام حقوق المتقاضيين و التي تعتبر حقوق الدفاع مكونا أساسيا من مكوناتها.

ذ. ياسين مخلي
رئيس نادي قضاة المغرب
------------------------------------------------

(1) اعتمدت في روما في 4 أيلول –سبتمبر 1950.
(2) نصت المادة 177 من ق م ج ان مدة الاعتقال الاحتياطي في قضايا الجنايات الى شهرين و التي لا يمكن تمديدها الا في حدود خمس مرات و لنفس المدة ، و اذا لم يتخذ قاضي التحقيق أمرا بانتهاء التحقيق خلال مدة التمديدات فانه يطلق سرح المتهم بقوة القانون
(3) نتائج الدراسة ثم استعراضها من خلال الورقة المقدمة من طرف مديرية الشؤون الجنائية و العفو بمناسبة الحوار الوطني لاصلاح منظومة العدالة ، اذ شملت الدراسة حوالي 470000 ملفا سنة 2006 و حوالي 620000 ملفا سنة 2007 ،و خلصت الى النتائج المحددة في الجدول ، مع الاشارة الى عدم وجود دراسات حديثة و شاملة لكل الملفات الرائجة بالمحاكم و العمر الزمني للملفات بجميع درجات التقاضي من جهة أولى، و عدم و جود دراسة احصائية دقيقة عن نسبة الملفات التي يتم تأخير البت فيها بسبب تعثر التبليغ ،
مدة البت معدل السنتين
أقل من شهر الى ثلاثة أشهر 68.19
بين ثلاثة أشهر و سنة 24.92
بين سنة و سنتين 3.87
أكثر من سنتين 0.88
(4) الرسالة الدورية عدد 59 س 2 بتاريخ 30-12-2009 حول موضوع معالجة البطء في تصريف القضايا و البث فيها داخل آجالات معقولة عن طريق ضبط اجراءات التبليغ و تنفيذها و مراقبتها و عقلنة التعامل مع اجراءات التحقيق و ذلك بعدم اللجوء اليها الا عند الضرورة ، و عقلنة منح المهل الاضافية ، و احداث هيئة خاصة لتصفية الملفات القديمة ....
(5) قضية ساري

ليست هناك تعليقات: