الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

قضية الصحراء بين "لامبالاة" الأغلبية و"مكر" أنصار الأقلية - د. صبري الحو

قضية الصحراء بين "لامبالاة" الأغلبية و"مكر" أنصار الأقلية 
د.صبري الحو
الدكتور صبري الحو، الخبير في القانون الدولي لحقوق الإنسان، يدق ناقوس الخطر بخصوص قضية الصحراء المتنازع عليها، حيث تتجاذبها "لا مبالاة" الأغلبية التي تنتصر لانضمام الصحراء إلى الوحدة الترابية، وغياب اهتمام البرلمانيين والمنتخبين، و"مكر" أنصار الأقلية التي تنحاز إلى أطروحة الجبهة الانفصالية.  

رغم ما شهدته الأقاليم الجنوبية من نهضة وتطور جذري وعميق في كافة المجالات لا ينكره إلا جاحد. فإن هذا التطور في حاجة إلى إقرار إصلاح لبناء وصياغة تصور جديد لمنهاج وسبيل التنمية يعطي أولوية للبعد الاجتماعي ويشجع على المبادرة الفردية لدى الساكنة لتحقيق اندماجها واستقلالها الاقتصادي، بدلا من جعلها رهينة الاتكال على نظم المساعدات المختلفة المباشرة وغير المباشرة، والتي أفضت إلى انتشار روح وخطاب الريع وأعطت نتائج عكسية امتد إلى المستوى السيكولوجي النفسي، ساهم في إحساس الساكنة أن السلطات العمومية بصدد شراء ولائهم، وهو المبتغى الذي لن يتم بلوغه إلا عن طريق إحداث قطيعة وتغيير في أنماط التفكير والسلوك والعادات لدى أصحاب القرار والنخب المكلفة والمؤهلة لتنشيط عملية وعجلة التنمية في الصحراء.
وقد شكل عجز ممتلكو القرار، من مؤسسات منتخبة ونيابية وسلطات الوصاية على حد سواء، وعقمهما في تدبير الشؤون المحلية في تحقيق انتظارات المواطنين الحقيقية عبر توفير الخدمات الأساسية في السكن والشغل وغيرها، وفي المقابل انهمكت في جمع الثروات وقضاء المآرب الشخصية ضدا على المصلحة العامة ، الشيء الذي سبب بشكل مباشر فقدان ثقة الشباب في تلك المؤسسات وتذمرهم ونفورهم بل وعدائهم لها، فبحثوا عن الخلاص من هول آثار سياساتها التنموية المخيبة في ظل أي خطاب يزرع فيهم الأمل من هول البطالة ومهانة انعدام السكن وهشاشة الحالة.

وهذا الإحساس هو وليد ظلم اجتماعي تقاطع مع تيار آخر سياسي لم تفلح نفس السياسات العمومية المتبعة في كسب وده وثقته، وإقناعه بترك نزعة الانفصال عن قلبه وعقله ووأدها وتحويلهم إلى حراس لتأكيد الوحدة والانضمام المدافعين عنها.

إن الإستراتيجية التي أبدعت فيها البوليساريو وتفوقت فيها على المغرب تتجلى في تحويل واجبها في تربية السكان وتنمية شخصياتهم ونماء قدراتهم إلى مجرد أصنام وقالب ومجسم ونموذج واحد في الفكر والاعتقاد والتكوين، قاسمهم المشترك الإيمان بعداء المغرب، و شعارهم الوهم حد الاعتقاد بخيار الانفصال والاستقلال. وهويتهم وطبعهم وتكوينهم، إنسان جاهل و غير واع بحقوقه، ولا بالخرق الذي طال و يطال حرياته طيلة حياته. وهو طفل تم هضم حقه في تكوين شخصيته المستقلة وتعزيز مداركه، وهو راشد بمصادرة حقه في التعبير والرأي، ناهيكم عن جهله التام والقطعي بمسؤوليات والتزامات الجزائر القانونية لصالحه بل وتحويله من قبلها بمساهمة قادة جبهة البوليساريو ومشاركة مفوضية غوث اللاجئين إلى أداة للاستثمار والتجارة والضغط والدعاية.

إلا أن خشية المغرب لا تكمن في بروز فريق استغل مناخا شبه موات لممارسة مظاهر الحريات العامة في الأقاليم الجنوبية، ويتظاهر من أجل الاستقلال، بل إن ما يستنفر المغرب ويفزعه هو ظهور وتنامي شعور باللامبالاة وانعدام حس المسؤولية لدى الفريق الثاني من المواطنين المؤيدين للانضمام والوحدة، وعدم اكتراث المسؤولين من البرلمانيين والمنتخبين وجمعيات المجتمع المدني، الذين لوحظ غياب أية مبادرة أو مبادرات لديهم، كردة فعل أو أفعال تحوي تلك الصورة و تستغرق تلك المشاهد، إذ بقي الفضاء فارغا لزمرة قليلة تصول وتجول بذريعة أنها غير معنية أو لا تملك حق التفويض للحلول محل المفوض والموكول إليه الأمر والملف وواجب التدبير، أو أن الملف أكبر منها، أو خشية أن تتسبب في أزمة أو مخافة خشية التخوين من الفريق الآخر.

وفي ظل وجود مبررات قد تشفع لتلك الفئة وتبرر عنها فعل الإمساك في الذريعة والحالة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، فإن اعتماد وسلوك نهج الإحجام عن الفعل لتطويق فكر وفعل فئة الانفصال، الذي بات ينتشر كالنار في الهشيم، بحجة مخافة الحشر ضمن مناصري الوحدة والاستقلال، وكأنه ذنب أو خطيئة أو جريمة ، والحال أن الانتماء والولاء للوطن والذود عنه فضيلة ومن واجبات المواطنة على عاتق كافة المواطنين، هو السبب الذي يؤرق السلطة السياسية بقدر ما ينهك أجهزة الدولة، لأنه سلوك أسفر عن عجز مزدوج: فشل في حشد ونيل ثقة الفئة القليلة بتخليها عن فكرة الانفصال والاستقلال ولا ضمن ولاء وإخلاص الأغلبية وتحويلها التلقائي إلى حصن واق ومستغرق للأولى. وهو التصرف الذي يكيف بالأشد فتكا وخطورة على القضية من مجرد وجود فئة خارجة عن الإجماع و تدعو إلى الانفصال وتمارس حقها في التعبير. وهذه الملاحظات سنتناولها في مقالات مستقلة قصد الوقوف مليا على أسباب الكلمة التشريحية، وغير المألوفة للملك خلال افتتاحه للسنة التشريعية الحالية.

ليست هناك تعليقات: