الأحد، 10 أغسطس 2014

العراق .. بين الإرهاب وشبح التفكيك - محمد السيد حمادة

العراق .. بين الإرهاب و شبح التفكيك
محمد السيد حمادة

يعيش العراق مرحلة انتقالية صعبة نتيجة للتحديات العديدة، التى يواجهها سواء مع تصاعد خطر تنظيم داعش وسيطرته على كثير من المناطق العراقية, أو تصاعد مطالب الأكراد بالانفصال، وأيضا باستمرار الخلل فى العملية السياسية القائم على منهج الطائفية ، ومعاناة كثير من الفئات من التهميش, وكل ذلك يهدد باستمرار دوامة العنف المستعرة حاليا، وانزلاق البلاد إلى السيناريو الأسوأ وهو خطر التفكيك والتقسيم.

فالبيئة العراقية الآن أضحت هشة، خاصة فى ظل تأجيج الاختلافات السياسية والعرقية والدينية والطائفية متعددة، والتى لن يجدى معها سوى تصحيح العملية السياسية وتكريس الديمقراطية الحقيقية، القائمة على المواطنة السياسية التى تساوى بين جميع العراقيين على اختلاف توجهاتهم الطائفية والعرقية فى الحقوق والواجبات، ومحاربة العنف والإرهاب، والحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها، ومنع كافة اشكال التدخل الخارجى.
 
خطر التقسيم يلوح فى سماء العراق فى استمرار المعارك العنيفة بين الجيش العراقى وتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش)، ومساعى الأكراد فى الشمال للحصول على مكتسبات على الأرض، خاصة فى المناطق الغنية بالنفط، مما يمهد لإعلان استقلال الإقليم, واستمرار الاحتجاجات السنية ضد الحكومة العراقية، وتعبيرهم عن رفض التهميش فى العملية السياسية, إضافة إلى استمرار تعثر التوافق على اختيار رئيس الوزراء فى ظل معارضة قطاعات كبيرة, من بينها فصائل وأطراف شيعية لاستمرار نور المالكى رئيسا للوزراء لولاية ثالثة.
لكن إلى أى حد يمكن ان تقود تلك التحديات إلى سيناريو تقسيم العراق؟ الإجابة على هذا الاستفهام لها مدلولات منطقية أولها، يتكون العراق من ١٨ محافظة ويضم العديد من الطوائف أبرزها السنة والشيعة والأكراد بالإضافة إلى الطوائف الأخرى المكونة للتركيبة السكانية العراقية مثل، التركمان، والمسيحيين، والصابئة، والايزيدية, فالكل يبحث عن هوية ذاتية تشعره بأهم مافقده العراق خلال السنوات الـ ١١ الأخيرة منذ الغزو الأمريكى فى ٢٠٠٣ . وقد يكون البلد الثانى بعد لبنان فى المنطقة الذى تتمتع بعض أقاليمه بالنقاء العرقى بمعنى أن هناك أقاليم يقطنها سكان ينتمون إلى ديانة وطائفة بعينها.

واللافت أن العراق يمنح منذ عام ١٩٧٠ إقليم كردستان حكما ذاتيا، والذى يطالب بالاستقلال على نطاق أوسع، بل بالانفصال عن العراق فى دولة كردية مستقلة تحقيقا للحلم التاريخى، الأمر الذى يرفع من نغمة الانقسام فى التركيبة العراقية, بالإضافة إلى مطالب السنة بمنطقة حكم ذاتى لعدة محافظات، خاصة أن الدستور العراقى يسمح بذلك، ومن الأسباب التى تغذى المطالب بالتقسيم شعور السنة بالتهميش فى ظل سيطرة الطائفة الشيعية على مقاليد الأمور فى البلاد وشعورهم بأن المالكى أكثر حرصا على مصالح الشيعة (طائفته) عن باقى العراقيين، وهو ما دفعهم إلى الاحتجاج والاعتصام فى المحافظات السنية منذ أكثر من ١٥ شهرا, خاصة فى الأنبار والرمادى والفلوجة وصلاح الدين والموصل، وهى المناطق ذاتها التى تشهد اشتباكات عنيفة بين الجيش العراقى وأبناء العشائر وتنظيم "داعش "الدولة الاسلامية فى العراق والشام، ونزوح مئات الآلاف من المواطنين عن مناطقهم, حيث وصل عدد النازحين من محافظة الأنبار وحدها نحو نصف مليون مواطن، ومثلهم من الموصل وخاصة بعد تهجير المسيحيين، وهو ما أدى إلى غياب مظاهر الدولة وعدم الاستقرار فى هذه المناطق.

ولعل تحذيرات مسعود بارزانى، رئيس إقليم كردستان من تفكك العراق كانت أبرز التصريحات التى دقت ناقوس الخطر حول مصير وحدة العراق عندما حذر بقوله :" هذا هو العراق اليوم ، الإرهابيون يمارسون نشاطهم علنا، وليست هناك قناعة أو إيمان بالديمقراطية وقبول الآخر، فالعلاقات السنّية - الشيعية، مشكلة قديمة والمطلوب سياسات عاقلة لاحتوائها لا إشعالها".

التكاتف بين كل العراقيين, سواء شيعة أو سنة أو اكرادا, والتوافق الوطنى واستكمال مسيرة الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات، والإسراع فى تسمية اسم رئيس الوزراء بشكل توافقى, وتصحيح الخلل فى العملية السياسية والتخلى عن الطائفية وتحقيق التنمية والتقدم وتوظيف موارد البلاد النفطية الضخمة, هو الكفيل بالحفاظ على العراق الديمقراطى الموحد المزدهر والضامن للقضاء على خطر الإرهاب.

ليست هناك تعليقات: