الأربعاء، 4 فبراير 2015

متحف - قصة قصيرة - بقلم القاصة صفاء عبد المنعم

 متحف - قصة قصيرة
 القاصة صفاء عبد المنعم / مصر


 
كان يكتسب أهميته من طريقة الوقفة ، فاتحا قدميه على شكل حرف V
ومن العنجهية والتوتر ..وهو يشعل سيجارته ، ثم يلقى بعود الثقاب على الأرض ، بعد أن يحركه في الهواء عدة مرات فينطفئ .ثم يبدأ الحوار بصوت خافت وناعم ومغرى .يجعل خدرا ما يسرى في كيانها ، بعد أن تشرب فنجان القهوة المصنوعة بالروم على نار هادئة .فيحتويها بعينيه الضيقتين واللتين ازدادتا حدة وضيقا ، فيخرج منهما شعاعا نافذا يخترق قلبها ويشل أفكارها ، وهو ينظر إليها بحنان واستعطاف طفل يتيم .فكادت أن تزهق روحها وهى تنتظر خروج الكلمات التي سوف يتبعها بعد ذلك سيلا طويلا من اللعاب في حالة أخذ ورد ، فتبتلع ريقها جيدا وهى تتذكر رباعيات الخيام ( أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب ) .فتثار وتصبح شهوانية ،عندما يهمس لها : هاتى لسانك .هنا الإذابة والنشوة والتعلق برقبته إلي مالا نهاية .قال مدرس الرسم وهو يشرح للطالبات في المتحف عن تمثالين جميلين لزوج وزوجته من العصر الفرعوني :" !ن براعة المثال المصري القديم تظهر في جودة هذا العمل ،لأن جسد الزوجة أكتسي باللون الوردي ،وجسد الزوج أكتسي باللون البني ،دليلا على أن لوحته الشمس ".عندما كانت تنظر !لي ظهره بعينيها التي كانت تصر على أن يظلا مفتوحتين أثناء الحب ، كانت ترى نهرا فياضا من الخمر يتصبب منه ،فتشرب حتى ترتوي ، وجسده الأبيض يشبه الحليب الطازج .قال المدرس مرة أخرى ، وهو يعرض أمام طالباته على اللاب توب صورتين من أعمال صلاح عناني ،الأولى الراقصة والطبال ، والثانية صورة تذكارية ، وأخذ يشرح عبقرية التعبير وتداخل جسد الراقصة وذراعيها وقدميها في لحم الطبال ،وهو يحنو عليها بعينيه الواسعتين ، ويلتهم جسدها .وهى ترفع رأسها تجاهه وتدق بصاجها دقا متواصلا .وقال : إن هذا التلاحم يعطى أهمية للحركة ، وضرورة كل منهما للآخر .. لأنهما لا ينفصلان ، فالطبال لن ينجح إلا برقصات الراقصة ،وهى لن تنجح إلا بإيقاعاته .أما صورة تذكارية فهيمنة الرجل – الزوج – بادية في الشكل الهرمي الذي يعطى الثبات والقوة ، وهو يضع أطراف أصابعه بترفع على الزوجة ،
وهى ساكنة !لي صدره برأسها في وداعة وصمت ، ولون فستانها الأحمر طاغي على اللوحة .كانت تقول له في كل مرة : بحبك.ثم تمسك يده اليمنى وتقبلها جيدا ، وتقول له في وداعة : أشكرك على هذا اليوم الجميل .وبقوة العادة أصبحت مدفوعة تجاهه لا تستطيع إيقاف اندفاعها أو التحكم في مشاعرها نحوه ، لم تتحكم بجد وقوة في عواطفها ،
فصارت تشبه الريشة الخفيفة التي يطوحها الهواء بعيدا ، فتعلو ، وتعلو ، وتعلو .قال مدرس الرسم : إن ما يعيب هذه الأعمال هو سيمترية الألوان .فالأزرق والأحمر دائما لونان يكرران في جميع اللوحات .ثم اتجهوا بعد ذلك إلي رأس نفرتيتي ، فأخذ المدرس يصف جمال وروعة الفن المصري ، ثم أخذوا يتجولون كثيرا في الطرقات .كان فى كل مرة يقف عند أقرب بائع يشترى لها زجاجة عصير لتروى الظمأ ، وهو يشترى علبة سجائر وزجاجة مياة معدنية ، ثم يلقى في حجرها باكو شيكولاتة كبيرا فتأكل في تلذذ ، وتذوب مع طعمها الحلو .جاءها خاطرا الآن .لماذا لا تسير بمفردها في منتصف الليل ؟حيث الشوارع تكاد أن تخلو من المارة .وبرد ديسمبر يبعث لها بعض الوخزات الخفيفة من أسفل الأيشارب ، و فتحات معطفها ، والخدر اللذيذ مازال يملأ جسدها .وقف المدرس عند باب المتحف وقال لتلميذاته : الآن ننصرف .فجهزت كل منهن نفسها لعبور الشارع ، ولم أطراف الشيلان على أكتافهن و انصرفن
قال لهن بصوته العالي قبل أن تبتعد عن عينيه صورتهن : اللقاء القادم في متحف الفن الحديث .هزت كل منهن رأسها ، وصرن يضحكن مقهقهات .والبرد يرسل لهن وخزات خفيفة ، خفيفة ومنعشة .

ليست هناك تعليقات: