الثلاثاء، 6 يونيو 2017

درس في الانشقاق؟! - د. رياض عبدالكريم عواد


درس في الانشقاق؟!
د. رياض عبدالكريم عواد

في رسالة بعنوان "أهلكنا فتح فلا تهلكوا حماس و الوطن" ارسلها أبو خالد العملة الى السيد خالد مشعل، يقول فيها "كما تاه أتباع موسى في سيناء، تهنا نحن مع أبو موسى في بادية الشام، وفي الحالتين كان الكفر سيد الموقف، وكان القتل، وكان الإجرام".

توفى ابو خالد العملة في سجن المزة العسكري في سوريا بعد ان اعتقل بتهمة إنشاء وتنظيم خلايا مسلحة تحت اسم 'فتح الإسلام'. المرحوم العملة كان واحدا من أربعة قادة قادوا الانشقاق المسلح الاول، الذي مولته ليبيا وأعلنه أبو موسى في 9/5/1983 من البقاع في لبنان ضد فتح، للهيمنة عليها وعلى منظمة التحرير الفلسطينية وتسخيرها لصالح سياسات وتوجهات سوريا الإقليمية والدولية.
بحماية سورية وتمويل ليبيا، باشر المنشقون حملة عسكرية واسعة ومنظمة ضد قواعد الثورة الفلسطينية في البقاع اللبناني، ثم خاضوا حربا شرسة ضد قوات الثورة في طرابلس شمال لبنان عام 1983، ثم ضد المخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب اللبناني عام 1985 بهدف تصفية 'فتح'، وإنهاء كل وجود لها على الأراضي اللبنانية والسورية.
أدار الخالد أبو عمار معركة الدفاع عن الثورة بحكمة ودراية مشهودة، إذ أعاد نسج علاقات 'فتح' و م ت ف العربية والدولية من جديد، وعقد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان عام 1984، ليجدد ويؤكد شرعية القيادة الفلسطينية، وعمل على إعادة بناء وتنظيم قواعد الحركة وأطرها في لبنان، مما أدى الي إلحاق الهزيمة بهذا المشروع الانشقاقي.
حتى ينجح الانقلاب/الانشقاق، لا بد من تمهيد الطريق له بتصفية كل الرموز الوطنية الفاعلة التي من الممكن ان يعيق وجودها هذا الانقلاب/الانشقاق، والتي تتمتع بروح وطنية ووحدوية، وتمتلك من الكريزما الوطنية ما تؤثر به على قواعد التنظيم وتمنع انحيازهم لهذا الخيار الدموي. كذلك من الهام تفريغ المؤسسات الفلسطينية من الرموز الذي يضفي وجودها ويدلل على الانحياز للوطنية الفلسطينية والقرار الفلسطيني المستقل.
لذلك مهدت المخابرات السورية لهذا الانشقاق/الانقلاب باغتيال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، القائد ماجد ابو شرار، في روما بايطاليا ١٩٨١، والسؤال لماذا ماجد؟ يجيب المرحوم العملة: "كان ماجد ابو شرار العائق للانشقاق، وكان صمام الأمان العصي على عبث العابثين في القضية الوطنية المقدسة، ولم يكن ليسمح لنا نحن المقربين منه أو القريبين من فكره، من الشطط أو الخروج خارج الدائرة الفلسطينية". ان هذا واحدا من الدروس الهامة التي يجب ان يستلهمها كل الوطنيين الفلسطينين؟!
ومن ثم تم اغتيال القائد سعد صايل، ابو الوليد، في البقاع في سبتمبر ١٩٨٢، لماذا ابو الوليد؟ بالأمس ماجد ابو شرار، واليوم سعد صايل، يجيب ايضا المرحوم العملة في رسالته: "بالتأكيد لن تفلح الخطة اذا ما بقي هذا القائد؟!". لم تمض الا شهور قليلة، يقول المرحوم العملة، حتى اكتشفنا بأننا نسير في طريق إجبارية لتحقيق الأهداف السورية، وما كنا نحن الا الاداة والوسيلة فقط، لا حول لنا ولا قوة، ودخلنا في طريق اللاعودة ولا مجال للتراجع، وقد كنا المطية ونفذوا باسمنا ما نفذوا، يحددون الأولويات، نحن ننفذ كل شيء في وقته.
وامتدت يد الغدر لتغتال فهد القواسمه عضو اللجنة التنفيذية ل م ت ف بعد شهر واحد من انتخابه لهذا الموقع القيادي، بعد انعقاد المجلس الوطني في عمان ١٩٨٤. الأسئلة نفسها تعود لتطرح نفسها: من اغتال فهد؟ ولماذا فهد القواسمه؟ ولمصلحة من؟ انها الأسئلة المطروحة دائما. ان اغتيال القواسمة كان يهدف لتدفيعه فاتورة موقفه الوطني الملتزم، وموافقته على العضوية في اللجنة التنفيذية ل م ت ف، ودفاعه عن القرار الوطني الفلسطيني المستقل، وليكون عبرة لكل من ينحاز للوطنية الفلسطينية ولتعرية اللجنة التنفيذية من احد اهم رموز الوطنية من ابناء الارض المحتلة.
ينصح المرحوم ابو خالد العملة في رسالته للسيد خالد مشعل "أرجو منك يا ولدي الانتباه لحالتك، فلا ارى أمامي الا الحالة نفسها تتكرر من خلالك، فما أشبه اليوم بالأمس، بالأمس ابو خالد واليوم خالد، نحن عائلة من المتبرعين، ليتنا ما كنا ولا كانت الحالة؟!
أعلن العقيد ابو موسى انشقاقه عن حركة فتح بهدف التصحيح، متذرعا بما جرى من تقصير خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وما لحقه من إجراءات إدارية وتنظيمية داخلية. كما استخدم قادة الانشقاق/الانقلاب نفس الشماعة التي يستخدمها واستخدمها الكثيرون، من تبشيرنا بالتنازلات المجانية والتعامل مع المشاريع السياسية والمبادرات الدولية [مشروع فاس، مبادرة ريغان، التعامل مع اليسار الاسرائيلي] الى حرصهم على قدسية البندقية وطهارة شعارات المقاومة والكفاح المسلح وعدم الاعتراف باسرائيل.
انحاز لهذا الانقلاب/الانشقاق في بدايته خيرة ابناء حركة فتح والكثير من كوادرها وعدد من قادتها، كما اصيب العديد منهم بالاحباط واثر الانزواء بعيدا. امتد تأثير هذا الانشفاق، الذي ادعوا مقترفيه انه "حركة اصلاحية" من اجل وقف التدهور التنظيمي، ومنع تفرد عرفات بالقرارات السياسية والتنظيمية، وردعه عن تقديم التنازلات المجانية التي ستؤدي الى ضياع فتح والشعب والقضية!!!، امتد هذا الانشقاق ليشمل العديد من كوادر واعضاء التنظيمات الفلسطينية الاخرى، بالاضافة الى العديد من المثقفين والكتاب والاعلاميين، الذين وقعوا جميعا ضحايا لوهج وسحر الشعارات الكبيرة، ولم يتلمسوا خطورة عبث الايدي الخارجية في القضية الفلسطينية، ومصلحتها في السيطرة على هذه القضية لتستخدمها كورقة لتحقيق اهدافها المحلية والاقليمية.
ورغم ان كثيرا من تنظيمات م ت ف أدانت هذا الانقلاب/الانشقاق وادانت اللجوء لاستخدام السلاح في حل الخلافات السياسية والتنظيمية الداخلية، الا انهم اضطروا لاسباب جيوسياسية وفكرية مختلفة الى التعامل مع هذه الحركة "التصحيحية" وعدم تحميلها المسؤولية الكاملة عن ما اقترفته بحق الشعب والثورة، واخترعوا مصطلحات جديدة "القيادة اليمينية المتنفذة" لتحميلها المسؤولية، بالتساوي مع المنشقين، على ما آلت إليه أوضاع الساحة الفلسطينية، وتبنوا الدعوة الى انهاء هذا الانقلاب/الانشقاق من خلال المصالحة والحوارات الوطنية والثنائية (نظرية طرفي الانقسام!!!).
في ضوء ما تمر به القضية الفلسطينية من صعوبات وتعقيدات، ان كان على صعيد اطالة امد الانقلاب/الانقسام، الذي اصبح فتىً ابن أحد عشرة سنة، هذا الانقلاب الذي استخدم نفس الشعارات التي استخدمها قادة الانشقاق. أو إن كان على صعيد التغييرات الدراماتيكية في الوضع الدولي بعد قدوم ترامب وانهيار الوضع العربي الرسمي والشعبي، بالاضافة الى الوضع المعيشي المأساوي الذي يخيم على قطاع غزة واهلها، وتعقيدات الظروف الفلسطينية، ومواصلة تنكر اسرائيل للحقوق الوطنية الفلسطينية، وتراجع اماكنية حل الدولتين. وفي ضوء ما تتناقله وكلات الانباء عن اوضاع قطر الحرجة والصعبة ومواقفها الجديدة من حركة حماس، والذي ستضطر الى اتخاذ مزيدا من مثل هذه الاجراءات على ضوء ما يمارس عليها من ضغوطات عربية ودولية، بالاضافة الى مطالبتها لعدد من قادة حماس مغادرة اراضيها بعد خطاب ترامب الذي صنف حركة حماس ضمن الحركات الارهابية.
كل تلك المعطيات تؤكد اهمية استيعاب دروس الانشقاق/الانقلاب بانه لا يمكن اصلاح الوضع الفلسطيني سياسيا او تنظيميا بالانقلاب عليه او باستخدام العنف المسلح، وان كل من يضع نفسه ضمن مخططات الاخرين، بذريعة التغيير او الاصلاح، او التصدي للتنازلات والمؤامرات، يفقد قراره وقيمته ويصبح ورقة في مهب الريح، يتعامل معها كلٌ حسب حاجته ومصلحته.
إن الوضع الفلسطيني امام لحظة الحقيقة، إن هذا يتطلب النزول عن الشجرة والرجوع فورا للحضن الفلسطيني، الذين ما زال دافئا وفي انتظار الجميع، أفرادا وتنظيمات. إن الاستجابة لمبادرة الرئيس ابو مازن هو الحل الوطني، الاسهل والاجدر، لانقاذ كل الوضع الفلسطيني من تحت المقصلة .

ليست هناك تعليقات: