السبت، 29 يوليو 2017

معركة القدس: شروط الانتصار - د. رياض عبدالكريم عواد

معركة القدس: شروط الانتصار
د. رياض عبدالكريم عواد
اولا: المقدسيون يولدون من جديدواصلت اسرائيل، ومنذ احتلالها مدينة القدس، تغيير معالم المدينة من أجل تهويدها، كما أغرقت أسواق المدينة بالمخدرات، بهدف صناعة جيل يكره المقاومة ويساعدها أمنيا عبر الاستيلاء على العقل والوجود الإنساني الفلسطيني. لقد اثبتت معركة القدس فشل كل هذه المحاولات، وان المقدسيين من خلال الحشودات البشرية الهائلة، امام ابواب الاقصى ولمدة اسبوعين متواصلين، كانوا ولا يزالون امينين لمدينتهم وهم رأس الحربة في الدفاع عنها.


ان ما تحقق في هذه المعركة/الهبة الجماهيرية قد افشل مخططات اسرائيل في تقسيم الحرم القدسي زمانيا ومكانيا، كما اثبتت هذه الجماهير، بالتكاتف مع شيوخ المسجد الاقصى الوطنيين وجميع العاملين فيه، ان هذا المكان المقدس فلسطيني الهوية والقرار، ولا مانع لديهم من اي دعم عربي او اسلامي، لكن بعيدا عن الهيمنة والاقصاء وفرض الاجندة الخارجية على الموقف والقرار الفلسطيني.
ثانيا: التضامن العربي والاسلامي مع القدس والاقصى
ان هذا الانتصار الصغير في معركة القدس لا يجب ان يدخل الوهم في انفسنا، اننا كمقدسيين، او حتى كل الفلسطينيين، نستطيع لوحدنا افشال مخططات اسرائيل المتواصلة من اجل تهويد المدينة وتقسيم الحرم القدسي مكانيا وزمانيا. ان هذه المعركة معركة متواصلة وطويلة، وهي تحتاج الى الدعم العربي والاسلامي، ومن ابرز هذا الدعم الا نترك القدس وحيدة بحجة انها تحت الاحتلال.
لذلك على جميع رجال الدين والازهر وبابا الاقباط ومفتي الديار المقدسة في مكة والمدينة والقدس، وكذلك مفتي وايات الله في العالم الاسلامي ومفتي المؤتمر الاسلامي، ان يصدروا فتوى تشجع المسلمين والمسيحيين على زيارة القدس والصلاة في الاقصى وتقديس الحجة بعد الحج والعمرة على قاعدة شد الرحال ....وتشجيع المسيحيين، خاصة الاقباط، على الحج الى الاراضي المقدسة في القدس وبيت لحم.
على الوعاظ ورجال الدين والحركات الاسلامية وشيوخ التلفزيون ان يتوقفوا فورا، ومن اجل الله فقط، عن الفتاوي الظالمة بحق القدس والاقصى، وان يمتنعوا عن النظر بعين الحزب الى هذه القضية، وكذلك وقف استغلال فتاوي عدم الزيارة للاقصى لاهداف حزبية ضيقة ومعروفة. وان يتم منع ، بل تحريم اي عمل مسلح داخل الاقصى او بالقرب منه، ووقف استخدام الاقصى في التحريض الحزبي الداخلي.
يجب تشجيع العرب والمسلمين على السياحة الدينية والعلاجية والترفيهية الى القدس، وعندما يأتي صلاح الدين، لكل حادث حديث.
ان هذا بحاجة الى جهد دبلوماسي من م ت ف والسلطة الوطنية ومفتي القدس ومحافظها باتجاه الجامعة العربية، المؤتمر الاسلامي وبابا الاقباط ووووو
ثالثا: انتصار القدس: نعم نستطيعحققت القدس انتصارا في معركتها بشأن حرمها القدسي، كما يقول الكاتب زكريا محمد، إنه انتصار صغير بكل تأكيد، فهو يتعلق بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه يوم الرابع عشر من شهر يوليو/تموز فقط، لكنه من حيث مغزاه انتصارا كبيرا جدا. فهو انتصار لإرادة أهل القدس العارية، وانتصارا لتصميمهم وتضامنهم وصلاتهم في الشارع وسهرهم في الليل. انه انتصارا لحرمهم المقدس.
نعم، نستطيع. هذا هو جوهر هذا الانتصار، إذا استعرنا شعار أوباما الشهير، الذي يصلح للتطبيق هنا أكثر من أي مكان آخر. (نعم، نستطيع) سيكون شعار المرحلة القادمة. الناس تستطيع بأيديها العارية أن تفعل. بل وتستطيع، خاصة حين يتعلق بالحرم القدسي، أن تصنع رعشة خوف تصيب كثيرين في المنطقة والعالم، وترغمهم على التحرك.
انتصرت القدس في معركة الارض والسماء، وانتصر الكف على الشبرية، نعم نستطيع....... هذا شعار المستقبل، هذا اول واهم درس لانتصار القدس في اولى معاركها، انتصار صغير، لكنه يؤشر الى المستقبل. نعم نستطيع اذا استوعبنا دروس القدس....
رابعا: انتصار القدس: المقاومة الشعبية السلمية
يجب استلهام دروس معركة القدس واضراب اسرى الكرامة ودروس الانتفاضتين الاولى والثانية، وتجاربنا العسكرية بدءا من عمان مرورا ببيروت، وصولا لتجارب غزة المريرة. يجب أن نطور وسائلنا باتجاه هذا النوع من المقاومة السلمية، الذي اثبتت الاحداث الكثيرة والمتكررة، انه الاسلوب الاكثر فعالية وملائمة لظروفنا وامكانياتنا وواقعنا.
ان الشعب الفلسطيني وهو يقارن بين تجربتي اضراب الاسرى ومعركة القدس الشعبية ونتائجهما، وتجارب غزة العسكرية ونتائجها؟! يتجه رويدا رويدا نحو المقاومة الشعبية السلمية، رغم جعجعة الكثيرين. ان هذا الخيار بدأ يطرح نفسه بقوة على الكثيرين ممن يقدسون العمل المسلح. السيد حسن نصرالله من لبنان يعترف ان في القدس مقاومة من نوع جديد، والسيد يوسف فرحات، احد قادة حماس من غزة، يطالب باعادة الاعتبار لهذا النوع من المقاومة الشعبية السلمية. ان المقاومة الشعبية هي المستقبل وهي خيار المستقبل.
هناك فرصة لكل تجمع فلسطيني ان يطور وسائله للنضال السلمي الفاعل حسب الواقع والظروف. ففي غزة، من الممكن ان تكون مقاومتنا الشعبية من خلال مسيرات سلمية نحو معبر ايرز، ومحاولة اجتياز الحدود من خلال الشريط الحدودي الفاصل على طول قطاع غزة، بكتل بشرية سلمية ضخمة، تحت علم الامم المتحدة وبرفع شعارات انسانية، مثل حقنا في الحياة والعمل والمياه وبيئة نظيفة والعلاج والدراسة والسفر والكهرباء والماء والصيد وووووو
اما في مدينة الخليل، فان اغلاق الحرم الابراهيمي وتقسيمه زمانيا ومكانيا، ومنع المواطنين من دخول وسط المدينة، هو المدخل الاساسي لنضال جماهيري فعال وواقعي.
اما في باقي مدن وقرى الضفة الغربية فان انتشار المستوطنات، واعتداءات المستوطنين المتواصلة، وجيش المستوطنين المنتشر، والذي ينافس جيش الاحتلال الاسرائيلي في قوته وارهابه، ومصادرة الاراضي، وسلب حقوقنا في المياه التي تسرقها اسرائيل، وجدار الفصل العنصري والطرق العنصرية، هي مدخل هام للنضال الجماهيري السلمي في مختلف مدن وقرى الضفة الغربية.
يجب ان نتدرب على هذه الاساليب النضالية الفاعلة، ونحاول ان ننزع من عقول شعبنا تقديس السلاح والوسائل العنفية الاخرى، ان هذا النضال يحتاج الى نفس طويل واستمراريه، من اجل ان نحصد النتائج المرجوة.
معركتنا/معاركنا طويلة وتتطلب الواقعية والبعد عن كل اساليب العنف، وبحاجة الى صبر ونفس طويل، ولكن دون ارهاق الناس بالاضرابات التجارية والتعليمية. ان شرط الوحدة الوطنية، وتوفر قيادة وطنية واحدة، بعيدا ان يكون لكل فصيل برنامجه الذي يحاول ان يفرضه على الناس، والحفاظ على م ت ف والسلطة الوطنية، الحاضنة الوطنية والسياسية والاجتماعية لهذا النضال، وافشال محاولات نقل هذا الصراع كصراع داخلي ضد السلطة في الضفة الغربية، وعدم الانجرار الى معارك اخرى، صواريخ، معابر....، من اجل التغطية على المعركة الرئيسية، هي شرط من شروط الانتصار.
خامسا: الوحدة الوطنية والقرار الفلسطيني المستقل
لقد اعادت معركة القدس الاعتبار للقرار الفلسطيني المستقل، فبالرغم من كل الضغوط الامريكية والاسرائيلية وضغوط الرباعية العربية، الا ان الرئيس ابو مازن اكد انحيازه الكامل للقرار الفلسطيني المستقل، وانه لا مجال ان نكون تبعا لهذه الدولة او تلك او نعمل وفقا لاجندتها. ان التضامن العربي لا يعني، ولا للحظة واحدة، التنازل عن القرار الفلسطيني المستقل. هذا ما ابدع فيه الفلسطينيون تاريخيا من خلال م ت ف وقيادتها الوطنية.
الرئيس ابو مازن اعلن مرار ان التنسيق الامني مقدس، لكن كل الضغوط لم تمنعه من ان يتخذ قرارا بوقف هذا التنسيق الأمني، وكل أنواع التنسيق. ويعلن ان الوضع سيستمر طالما بقيت اسرائيل تواصل انتهاكاتها بالأقصى. كما اعلن الرئيس للجميع وبوضوح ان الأمور ستكون صعبة جدا، وان هذا موقفا حاسما وحازما. اننا لا نغامر بمصير شعبنا، ولا نأخذ قرارات عدمية، وإنما قرارات محسوبة، نأمل أن تؤدي إلى نتيجة إذا تحملنا وصبرنا، بالتأكيد سنصل إلى ما نريد، القرار اتخذ بالإجماع من قبل القيادة الفلسطينية. هل مازال هناك مزاودين ومناكفين؟! رغم كل ذلك فان هؤلاء ما زالون يتمسكون بمواقفهم؟!
ان التفاف الشعب حول الرئيس ابو مازن هو السياج الذي سيحميه من ان يلقى مصير عرفات، كما تخطط اسرائيل وصرحت بذلك ليفني: علينا ان نلحق ابو مازن بعرفات؟! يجب عدم ترك الرئيس وحيدا، رغم انه لا يهاب هذا المصير.
سادسا: التحالف بين الارادة الشعبية والارادة السياسية 
ينتصر الشعب ونضاله الوطني عندما تتحالف ارادته مع ارادة قيادته. ففي الانتفاضة الاولى، كان هم بعض الفئات والمثقفين الفلسطينيين، وما زال للاسف، ان يثبتوا ان هذه الانتفاضة لا علاقة لها لا ب م ت ف ولا بالفصائل الفلسطينية، رغم ان اغلب الشهداء والاسرى والجرحى الفلسطينين كانوا من ابناء هذه الفصائل، وان م ت ف كانت الحاضنة السياسية والاجتماعية لهذه الانتفاضة.
تعود اليوم، وفي معركة القدس، نفس النغمة تحت ذريعة ان هذه انتفاضة المقدسيين، وان لا احد، فلسطينيا او عربيا، له علاقة بذلك، ليس حبا في المقدسيين ، ولا اعترافا لهم بانهم هم رأس الحربة واهل البيت، ولكن لاهدافهم السياسية من اجل اضعاف السلطة الوطنية ومواصلة الهجوم عليها. ان هذه معركة الشعب الفلسطيني وقيادته م ت ف و كل الفصائل الفلسطينية، هذه معركة السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها ابو مازن، حاضنة كل النضالات الفلسطينية في الاراضي المحتلة، سياسيا واجتماعيا
سابعا: معركة القدس والتضامن العربي 
ممنوع استثمار هذه المعركة لمصالح حزبية ضيقة، كما انه من الممنوع توظيف هذه المعركة في الصراع العربي الداخلي، القدس والاقصى فوق الجميع وبحاجة للجميع.
كل العرب، حكومات وقوى سياسية وشعوب جزء من معركة الاقصى. كل المسلمين، حكومات وقوى سياسية وشعوب جزء من معركة الاقصى. كل المسيحيين ودول العالم يجب ان تكون في صفنا في هذه المعركة.
نحن محتاجون الى اموال الحكومات ومواقفها السياسية، لا تناقض بين الحاجة الى الشعوب وحكوماتها، يجب سحب القضية الفلسطينية كورقة تستخدم من الاحزاب والقوى السياسية ضد حكوماتها.
يجب فضح اي محاولات لاستخدام القدس والاقصى في الصراعات العربية الداخلية، كما فعلت قناة الحوار الاخوانية من لندن، حيث حاولت ان تزج بقضية الاقصى في الخلاف القطري السعودي.
ثامنا: معركة القدس والاعلام الفلسطيني
يجب التركيز اثناء الصلاة امام الاقصى وفي المسيرات على رفع لافتات باللغات العالمية، اضافة الى اللغة العبرية تدين العنصرية والقمع والاستيطان والاعتقال والقتل. كما يجب تطوير الاداء الاعلامي والتنظيمي في هذه العركة. يجب التصدي لاي فوضى او اعمال فوضوية، يجب ان نكسب الراي العام الدولي الى جانب مطالبنا العادلة، يجب ان تصل مطالبنا الى كل العالم وبكل اللغات. على سفاراتنا ودبلوماسينا وجالياتنا الفلسطينية، في كل ارجاء الدنيا، ان يعلموا انهم جزء اصيل من معركة الكل الوطني.
انتصار القدس.......انه انتصار صغير، كل انتصاراتنا ستكون بالنقاط ولكننا سنراكمها، معركتنا طويلة ومستمرة، سننتصر ان استطعنا ان نعي دروس معركة القدس ومعاركنا الكثيرة الاخرى، ونعمل على تطبيق دروسها....سنواصل المشوار

ليست هناك تعليقات: