الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

المشهد الفلسطيني في وجدان العرب بين واقع عربي ميت و فلسطيني يحتضر - نسرين حلس

الكاتبة نسرين حلس تكتب: 

المشهد الفلسطيني في وجدان العرب بين واقع عربي ميت و فلسطيني يحتضر

بقلم/ نسرين حلس
ogle+
من واشنطن ……..كثيرة هي الأزمات التي مر بها الشعب الفلسطيني علي مدى عقود طويلة من الزمن. أزمات لم تنتهي ولن تنتهي، بل ومع مرور الوقت فإن الأزمات خلفت أزمات أكبر وأعقد منها إلى أن وصل الحال حافة الهلاك. 
آخرها كان أزمة الأقصى التي لازالت حديث بعض الفلسطينين في بلاد المهجر وكان أجمل ما فيها آنتهائها لصالح الفلسطينين المصلين والسماح لهم بالدخول وأسوء ما فيها تلك الأرواح التي أزهقت والدماء التي تضجرت في كل مكان، بالإضافة إلى تخلي العالم عنهم حيث تأكد الفلسطينيون وقتها بأنهم في معركتهم لم يكونوا إلا وحدهم ولن يكونوا بعد اليوم في أي معركة إلا وحدهم، سواء كانت الحرب في غزة أم في الضفة الغربية ولا تستثنى مدينة القدس من ذلك. حيث لا فرق أبدا فتضامن الشعوب العربية معهم بات مفقودا وربما منتهيا، وحل محله التعاطف والمواساة فقط. …….. إن لواقع العربي اليوم حول هذه الشعوب لأجساد شبه ميته خالية من الإحساس. الصورة التي تجلت أمامنا في تلك الأزمة كانت شبة معضلة للبعض حيث لم يقدر على استيعابها وتقبلها حتى اللحظة. فالقدس لها وضعية خاصة عند العرب عامة والمسلمين خاصة. لإعتبارها جزء مهم في القضية الفلسطينية. ويكاد يكون لها اعتبار ديني عند المسلمين والمسيحين واليهود أكثر منه سياسي ما يجعلها جوهر خلاف كبير في الصراع العربي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، ويحول وجودها لقضية عالمية نظرا لتلك المكانه. ومن هنا كانت الصدمة للكثير ممن تابعوا الحدث واهتموا له حيث شاهدوا بأم عينهم عدم الإكتراث واللامبالاه لما حدث. فلم يتحرك أحد على الرغم من كبر الحدث. بل مر مرور الكرام علي كل شعوب المنطقة بلا استثناء وكأن شيئا لم يكن كما مرت حرب غزة ٢٠١٤ بل ولم نشهد مظاهرة واحدة تخرج. وقد يكون هناك من أظهر تعاطفه علي صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، إلا أن الغالبية لم تكترث للأمر

ربما لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يشعر الفلسطينيون آنهم وحدهم في حربهم ومحنتهم وأنهم يواجهون شبح الموت بأجسادهم العارية وأيديهم الخالية من السلاح، ولكن لنقل ربما أنها المرة الأكثر تأثيرا نظرا لمكانة القدس التي لا تختلف عن مكانة مكة والمدينة فيجعلها موجودة في وجدان كل عربي. فكيف إذن يمر الحدث بهذه الصورة؟ ..لازال الكثرين يستغربون ذلك..ولا أعرف لما كل هذا الإستغراب فهل هو قصر نظر لعدم قراءة الواقع العربي العالمي اليوم قراءة صحيحة أم أنه انفعال واندفاع عاطفي؟

الحقيقة أن ما حدث وما سوف يحدث بعد اليوم لا يجب أن يكون مفاجا لأي كان، فإذا كنا قد قرأنا الواقع العربي اليوم بطريقة صحيحة فلا عجب ولا عجاب مما حدث وما سيحدث مستقبلا. فواقع الأمة العربية منذ اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي واقعا ميتا لا حراك فيه .لأن ما حدث أنتج فوضى عارمة وقتل ودمار عاشته البلاد التي اندلعت فيها تلك الثورات فحولتها إلى رماد هي ومن عليها. بل وانعكس ناتجها علي البلاد المجاورة لها فأحدث خضة كبيرة لهم من المستقبل القادم وأصبح الكل يعيش الخوف والجحيم مما قد يحدث في حال تم اندلاع آي ثورة أو مجرد حراك في بلادهم. الكل يعرف تماما أن المنطقة العربية كاملة تعيش حالة انتظار للتغيير وأن ما يحدث وما سيحدث مستقبلا ما هو إلا نتاج مخطط تم اعداده مسبقا، وما كانت الثورات العربيه إلا طعما لبدء شرارة التغيير. فهل ستضحي الشعوب بأمنها واستقرار من تبقى منها لأجل حماية مدينة القدس وتحرير الأقصى، المدينه التي كتب عليها الله ان تبقى أسيرة هي ومن عليها. أما الأقصى فعلى الرغم من مكانته الدينيه في نفوس المسلمين إلآ أنه لا يمكن أن يفكر أحد بتحريره وعقله مقيد يسلاسل الخوف من مصير مرتقب ينتظر تلك الشرارة للإنطلاق. كيف لشعوب تخرج للدفاع عن بيت من بيوت الله وجزء من تلك الشعوب بيوتها هدمت ودمرت واليوم تعاني القتل والتشريد والضياع، أو نطالب شعوب تقيدت عقولها بسلاسل الخوف لما قد يحدث بعد ذلك تنظر بحسرة لما حدث في المنطقة وتخاف من ذات المصير، فهي تؤمن من داخلها ألتغيير قادم وما هي إلا مسألة وقت وتحاول قدر الإمكان الإبتعاد عنه لحماية نفسها وبلادها وذات المصير، شعوب تعلمت من كل ما رأت أن تقبل ما لديها بكل ما فيه حتي لا تصل لذات القاع المخيفة التي وصلت إليها الشعوب الأخرى. فإما شعوب تعاني الحروب والقتل والتشريد منها وإما شعوب تعاني الإرهاب وجيوشها تقف لحماية بلادها من الإرهاب وتقاتله وتقتل بسببه. لقد أدركت الشعوب أخيرا أن الحروب والثورات لا يمكنها أن تثمر إلا الفقر والويلات والجماعات الإرهابية والتشريد وأن واقعها بكل ما فيه من أسى أفضل ألف مرة من مستقبل غامض تقوده جماعات تكفيرية تقوم بنحر الناس باسم الدين تنتظر شرارة الحروب حتى تبدأ بالظهورو التفريخ لفرض نفسها في واقع أليم لا يستطيع أحد أن يفتح فيه فمه ولا أن يعترض…إذن لا عتاب علي الشعوب ولا تجريم لهم ولا إدانة

أما إذا تحدثنا عن الجيوش العربية فأين هي الجيوش العربية الأن؟ ما هو واقعها؟ كل الجيوش العربية مشغولة في حربها ضد الإرهاب.ويتم استنزاف قوتها ما بين إما قتلها أو شغلها في حروب طويلة لإنهاكها. فلو نظرنا للجيش المصري الذي هو من أقوى الجيوش العربية في المنطقة . اليوم يحارب الإرهاب والجماعات التكفيرية في سيناء وإذا نظرنا للجيش العراقي فهو أيضا يحارب الإرهاب والجماعات التكفريية في العراق والموصل وكل مكان من الحدود للحدود بل ومع الأسف هناك من يحاربه من خلال التشكيك في اعتباره جيشا ويسهم في إطلاق تسمية مليشيات الحشد الشعبي عليه بدلا من تسميه الجيش العراقي أو الحشد الشعبي عليه لتصغيره وتحوليه لميليشيات تساهم في القتل والتعذيب . أما الجيش السوري فحدث ولا حرج فلازال يخوض حربا شرسة لا هوادة فيها وسوريا اليوم تحارب في كل الجبهات فهي مشغولة في محاربة المعارضة كما أنها تحارب الجماعات التكفيرية التي انتشرت في المحافظات البعيدة.ولا يختلف عنه الجيش الليبي الذي يعاني الأمرين فيجابه الإرهاب والإرهابيين بكل قوة من جهة ويجابه الإنقسام من جهة أخرى ويحارب لأجل أرضه. والجيش في اليمن اليوم مشغول في حربه مع الحوثيين، كما الجيش السعودي الذي يحارب في اليمن إذن ما الذي تيقى؟ كل دولة في المنطقة لها ظروفها الخاصة وجيوشها تعيش حالة استنفار قصوى للدفاع عن أرضها والثبات لحماية الدولة من أعداء الدولة ذاتها..إذن فكيف ستقدم جيوش علي المحاربة وهي نفسها تعاني داء الإرهاب؟

وفي السياق ذاته………..اليوم لدينا مشكلة كبيرة في العالم العربي تسمى “النازحين” وهي مشكلة متفجرة يكاد لا يكون لها حلا..هؤلاء المهجرين من بيوتهم ومناطق سكنهم لازال الكثير منهم إما يقطنون في بلاد غير بلادهم كلاجئين أو يقطنون الخيام. وهناك من ضحى بنفسه في هجرة غير شرعية في قوارب صيد عابرين البحار علي أمل أن يجد بلاد جديدة تأويه وأن يحظى بفرصة عمل تعطيه أملا في واقع جديد. هذا من جانب ومن الجانب الأخر البعض منهم أستطاع الخروج لبلاد أوروبية أو لاتينية أو أمريكية وغيرها من… البلدان التي سمحت لهم بالإقامة علي أمل الإستقرار أو إقامة مؤقته لحين انتهاء الأزمة في بلادهم فهل بعد كل ذلك يستطيع أي منهم أن يخرج في مظاهرة سواء كانت للأقصى، أو لأي سبب أخر. لا يمكن لإنسان فقد بيته وحياته أن يخرج ليثور وأن يساند أخر وهو الذي يحتاج لمن يمد يد العون والمساندة له فهل بعد أن وجد من يأويه يخرج متظاهرا غاضبا من أجل بلد أخر أم أن يصمت. حتى لو كان ذلك البلد يساند إسرائيل في مطلبها باعتبار القدس عاصمة لهم ويغض الطرف عما تفعل. فالواقع يقول أن تلك البلاد هي التي فتحت أبوابها له وأستقبلته حينما تخلى عنه الجميع في محنته …وخرج مغامرا بحياته مفضلا أن يكون طعاما للسمك بدلا من البقاء في بلاده التي دمرتها الحروب ولم تقبل البلاد العربيه باستقباله علي أراضيها…..إذن بالتاكيد سيصمت

ثم علينا أن ندرك جيدا بأن كل من عانت بلاده الحروب والويلات خلفت في داخله حقدا وكرها على العرب جميعهم بلا استثناء . فكل منهم يشعر بأن بلاده لم يساندها أحد وأن العرب جميعهم متآمرين على بلاده عندما قرروا أن يتخلوا عنهم وعن مساندتهم.. وقد زادت هذه النزعة بعد ظهور الجماعات التكفيرية التي لا جنسية لها حيث يتكون أفرادها من مختلف الجنسيات العربية والغير عربيه بمن فيهم ابناء بلاده. فكر تلك الجماعات يقوم على تكفير المجتمعات التي تخالفهم ويجيزون قتل أفرادها باعتبار ذلك أن عمل بطولي حلال على حسب تفكيرهم..وعندما كان بعض أفراد تلك التي الجماعات لا جنسية لها من الفلسطينين فإن ذلك لابد أن ينعكس سلبا علي الفلسطينين و يخلف غضبا وحنقا كبيرا عليهم، حتى لو كان الفلسطينين أنفسهم بريئين من تلك الأفعال، وأن من يقوم بفعل ذلك لا يتوانى عن فعل ذلك في أي مكان حتى مع أبناء بلاده لأن فكرة الوطن والمواطنة فكرة ملغية في عرف تلك الجماعات ومسألة الحدود مسألة وهمية لهم فمن يقوم بذلك لا يرى في نفسه فلسطينيا ولا مصريا ولا عراقيا بل هو مسلما وعليه واجب…وهذا هو المنطق الذي يستندون عليه في فكرهم وأفعالهم.

النقطة الأهم في هذا كه أننا يجب أن نواجه أنفسنا جيدا ونجلدها جلدا ذاتيا. لنضرب أنفسنا بالسياط ضربا مبرحا.فنحن اليوم عند كل أزمة ندفع ثمن أخطاء كانت قد مضت قامت بها قياداتنا في السابق وصولا لهذا اليوم سواء في الداخل أو الخارج. نحن لسنا دوما ضحايا لواقع غيرنا. ولكننا أحيانا نصبح جزءا من المشكلة رغما عنا. وأحيانا أخطاء البعض تدخل الشعب في دوامة كبيرة ويكون الشعب ضحايا لفئة معينه لا تقف إلا مع مصالحها أو مصالح دول أخرى ليس للشعب الفلسطيني ناقة فيها ولا جمل. إن مشكلة فلسطين الأبدية أنها لا تملك التمويل الذاتي ما جعلها دوما في حاجة للتمويل الخارجي هذا التمويل جعل بعض القوى السياسية والأحزاب تابعة لأجندات البلد الممول لها ففقدت سلطتها علي نفسها وأصبحت مصلحة الممول تساوي مصلحة فلسطين وعليها أن تقف بجانب كل من يمولها.الأمر الذي أضر بالقضية الفلسطينية كثيرا وجعلها مكروهة لدى بعض الشعوب. كما ساهم كثيرا في اتساع الفجوة بينها وبين الشعوب في المنطقة وخلف حقدا كبيرا دفينا تدريجيا بدأ يسهم في قتل التعاطف في وقت الأزمات. فالتدخل في شئون الغير لابد له من ثمن يدفع فيما بعد، ومن يدفع ذلك هو الشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو الخارج. إن الشعب الفلسطيني قويا وقد ظهر ذلك جليا في أزمة القدس التي لم يحلها سوى الشعب وسلطته بقيادة الرئيس أبو مازن التي ساهمت في حل الأزمة. كما في الأزمات السابقة. فاليوم بالرغم من الواقع المزري الذي تعيشه القيادة الفلسطينيه في فلسطين إلا أنها كانت ولا تزال وحدها الصوت الوحيد الذي يمثل الشعب الفلسطيني وهي الوحيد القادر علي حل مشاكلها…..لذلك علينا أن لا نستغرب كثيرا ردود الآفعال وعليه سيبقي الحال علي ذلك آذا لم نستطيع استخلاص الدروس والعبر من كل ما فات…… فالشعب الفلسطيني ليس شعبا جبانا ولا متخاذلا ولا ضعيفا ولكن عليه دراسة الواقع المحيط به فالظروف المحيطة لا تساعد علي المواجهة. والدول العربية لا تريد المواجهة فكل بلاد لديها ما يكفي من المشاكل والهموم والمواجهة قد تشعل المنطقة بحرب لا يعرف مداها وإلى أين قد تصل……فهل الشعوب مستعدة بعد كل ما حدث لذلك………لا أعتقد فالكلام شئ والدخول في الحرب شئ أخر.

ليست هناك تعليقات: