الأحد، 26 نوفمبر 2017

مسجد الروضة، جريمة العصر - د. رياض عبدالكريم عواد

مسجد الروضة، جريمة العصر
د. رياض عبدالكريم عواد
هناك إجماع واسع على إدانة جريمة قتل المصلين من عرب الجريرات في مسجد الروضة وهم يصلون صلاة الجمعة، هذه الإدانة الشعبية الواسعة أخذت ثلاثة اشكال:

الشكل الشعبي الواسع، غير الحزبي، الذي أدان هذه الجريمة وحمل مسؤوليتها لداعش، التي أعلنت مسؤوليتها عن هذه الجريمة التي تتسق مع فكرها وممارساتها في كل أماكن تواجدها الحالية والسابقة. ان هذا الشكل الشعبي الواسع من التضامن يتجلى بوضوح في غزة، وكأن غزة، كل غزة، تريد ان تهجم على الدواعش وتبيدهم، كما عبر احد الاصدقاء على صفحته على الفيسبوك. إن غزة تشعر بألآم عرب الجريرات، لان كثيرا من اهلها جربوا ضيافتهم وكرمهم عندما كانت تتقطع بهم السبل، كما ان غزة اكتوت بنيران الارهاب والتطرف من قبل، وللحقيقة ايضا، فان غزة مازالت تخاف من تجدد هذا الارهاب، لان بذوره منتشره وارضه خصبة؟!
شكل آخر ترحم على الشهداء وتحسبن وتحوقل على الفاعلين، ولكن دون ان يعرف او انه يتجاهل، وهذا هو الاقرب الى الحقيقة، من هي الجهات التي تقف خلف هذه الجريمة، رغم راياتهم السوداء المرفوعة في المسجد الضحية، ورغم اعلان دولتهم المزعومة عن تبني هذه العملية وتبريرها، بضلال وبدعية هؤلاء القوم لما يقومون به من "حضرات" ذكر لله ورسوله، لقد سبق ان حذرناهم بان الحضرات ممنوعة في ارض الدولة الاسلامية، هذا ما يقوله بيانهم.
اذن لماذا يتحاشى هذا الفريق ويتجاهل عن قصد الاشارة الى الفاعلين. الاجابة على ذلك ببساطة، أنه لا يستطيع ادانتهم وإدانة فكرهم، لانه بادانة فكرهم يدين الفكر الذي تربى ونشأ عليه، كما ان الظروف المحيطة به من ضعف وعدم تمكين، وحجم وبشاعة العملية وحجم الادانة الشعبية، ولان الضحايا من نفس المذهب الذي يتبناه، رغم انه يُبدعهم ويُضللهم، لكل هذه الاسباب، لم يستطع ان يعلن تبريره او قبوله او حتى بهجته بهذا القتل، كما كان يفعل عندما كانت داعش تفجر مساجد الشيعة في العراق وباكستان ووووو
اما الشكل الاكثر خطورة والذي تقوده فضائية الجزيرة وحركات الاسلام السياسي وعدد من المثقفين، واسعي الخيال، فهو اتهام المخابرات المصرية ونظام السيسي بأنهم خلف هذه العملية، تساوقا مع صفقة ترامب وتفريغ سيناء من اهلها، كمقدمة لانشاء وطن بديل للفلسطينيين. ان هذا المقال غير مخصص لدحض عبثية وخيال وعدم واقعية هذا الطرح، لانه ببساطة لن يتخلى الشعب المصري عن ارضه، ولن يرضى الفلسطينيون بغير ارضهم، ومن يقول بخلاف ذلك يهين الشعبين وروحهم وتاريخهم النضالي الطويل، رغم كل ادعاءاته الوطنية والثورية.
ليس غريبا على هذا الفريق الاخير ان يكون هذا موقفه، فهذا موقف تكرر دائما، من الجزائر في العشرية السوداء مرورا بسوريا واتهام نظام الاسد، والعراق واتهام ايران بانها تقف خلف تفجير مساجد الشيعة. ان الهدف الحقيقي لحركات الاسلام السياسي هو ضرب شرعية الدولة الوطنية وهدمها، وايهام الناس ان هذه الدولة لا تستطيع ان تحميهم من الارهاب، بل انه من السهل علي هذه الدولة التفريط بالتراب الوطني، متناسيا الموقف الوطني للرئيس مبارك الذي رفض نقاش، فكرة سيناء كوطن بديل، مع نتياهو واكد له ان هذا الطرح، ان اصررتم عليه، سيكون سببا كافيا لاندلاع الحرب من جديد، بين مصر واسرائيل.
يستطيع المثقفون انتقاد الانظمة الوطنية في مجالات متعددة، ومنها عدم مقدرتها تجفيف منابع الفكر المتطرف، من ضعف في التعليم، وانتشار للفقر والبطالة، وتفشي الجهل والشعوذة، وانتشار استخدام الدين وتؤيلاته ضد كل المفاهيم العلمية، وضعف في الحريات العامة والديمقراطية، ولكن من الخطورة ان يصطف هؤلاء المثقفون بجانب حركات الاسلام السياسي وفهمها التامري المقصود للاحداث وتؤيلاتها، كوسيلة من وسائلهم للوصول الى كرسي الحكم والاستيلاء على السلطة. ان حدث هذا فانتم اول ضحاياهم؟!

ليست هناك تعليقات: