السبت، 21 أبريل 2018

الجبهة الشعبية والمجلس الوطني - د. رياض عبد الكريم عواد

الجبهة الشعبية والمجلس الوطني 
د. رياض عبد الكريم عواد
أثار قرار الجبهة الشعبية عدم حضور الاجتماع القادم للمجلس الوطني على ارض الوطن في رام الله في 30 ايار 2018، استهجانا ونقاشا واسعا بين الوطنيين، الذين استغرب الكثير منهم هذا القرار وهذا التصرف، من فصيل وطني مؤسس ل م ت ف، ومشهود له بوطنيته، وبذوده على الحقوق الوطنية، وفي مقدمة ذلك حق الفلسطينيين وتمسكهم بقرارهم المستقل، ووحدانية تمثيل م ت ف لشعبها.
ان موقف الشعبية هذا، يتناقض ايضا مع ما اقرت به الجبهة في ادبياتها الصادرة عن المؤتمر الرابع للجبهة في 1981، الذي قيم سلبيا خروج الجبهة من اللجنة التنفيذية ل م ت ف في منتصف السبعينات، ايام ما سمي جبهة الرفض، واستخلص واوصى بعدم تكرار ذلك، فكيف الان تقاطع الشعبية اجتماع المجلس الوطني، وبالتالي لن تكون ممثلة لا في اللجنة التنفيذية ولا في المجلس المركزي، إن هذا التصرف يمثل قطعا شبه تام مع م ت ف ومختلف مؤسساتها التمثيلية.
قد يجد بعض المؤيدين أو المتفهمين لقرار الجبهة هذا بعض الحق لها بسبب التبريرات والشكاوى التي تطرحها الجبهة على أساليب العمل في المؤسسات الفلسطينية، وعلى شعور الشعبية بالتهميش والإقصاء والغبن، اضافة الى معاناتها، خاصة بعد توقف حصولها على مخصصاتها الشهرية من الصندوق القومي الفلسطيني، وغير ذلك من التبريرات والملاحظات، التي قد تكون محقة فيها أو في بعضها.
لكن الكثير لم يستوعب واستهجن، ربط موقف الشعبية هذا بحضور حركتي حماس والجهاد للمجلس، بحجة أهمية عقد مجلس وطني توحيدي، وفقا لقرارات المجلس المركزي الاخير في بيروت، وتحميل حركة فتح والسلطة الوطنية مسؤولية عدم حضور هذان الفصيلان لاجتماع هذا المجلس.
إن الجبهة الشعبية تعرف قبل غيرها أن فصائل الإسلام السياسي، لا تؤمن بالعمل الجبهوي، ولاتؤمن ب م ت ف كجبهة وطنية عريضة تمثل تطلعات الشعب الفلسطيني، وأن هذه الفصائل لم تنفك يوما من السعي الحثيث واستغلال كل الفرص، المشروعة وغير المشروعة، لتطرح نفسها بديلا عن م ت ف.
ان موقف هذه الفصائل الاسلامية بعدم الانضمام إلى القيادة الوطنية الموحدة في الانتفاضة الشعبية الأولى، واصرارهم على خلق قيادة موازية وبرنامج نضالي خاص بهم، مازال ماثلا في الذاكرة الوطنية، التي تعرف مدى الضرر الذي لحق بهذه الانتفاضة، جراء هذا الفعل غير الوحدوي وغير المسؤول. ان موقف هذه الفصائل الاسلامية من القيادة الوطنية الموحدة هو نفس الموقف الذي تتخذه من الإطار القيادي للاسرى الفلسطينيين واصرارهم على أن يكون لهم إطار نضالي خاص بهم.
إن الجبهة الشعبية كانت ومازالت هي واحدة من أكثر الجهات التي تعاني من تصرفات، وتتعرض إلى سهام بعض حركات الإسلام السياسي، من رشق أعضائها بالاحماض الحارقة، إلى اتهامهم بالعلمانية والكفر والتبعية، والتقليل من اهميتهم عددا ونوعا، عند كل منعطف وفي مواجهة أي نقد توجهه الشعبية لتصرفات هذا الاتجاه الديني.
إن هذا الموقف من الجبهة الشعبية يطرح تساؤلا هاما عن الأسباب الحقيقة ودوافع الشعبية، التي قد تفسر موقفها هذا من وراء اتخاذها هذا القرار.
1. الجغرافيا السياسية
إن الجبهة الشعبية، مثل مختلف الفصائل الفلسطينية، ما زالت تعاني وتخضع للجغرافيا السياسية الظالمة.
ان تشتت الفصائل الفلسطينية وعملها على أراضي تخضع لنفوذ قوى سياسية متناقضة يؤثر، شاءت أم أبت، على طريقة عملها، ويحد من استقلالية القرارات التي تتخذها. وهكذا فإن قرارات تنظيم الشعبية في لبنان لابد وأنها تتأثر وتأخذ في حسابها موقف حزب الله، كقوة مسيطرة ونافذة هناك، وموقف إيران كحليف متنفذ لحزب الله في لبنان. وهذا ينطبق إلى حد كبير على موقف تنظيم الجبهة في غزة، الذي قد يتأثر بمواقف حركة حماس التي تسيطر على الحكم وحركة الجميع داخل البقعة الجغرافية الضيقة التي تتحكم في حركة كل من عليها. ولا يختلف الوضع في الضفة الغربية عن الوضع في غزة ولبنان حيث يضطر تنظيم الشعبية هناك أن يراعي مواقف السلطة الفلسطينية. ان هذا التشتت الجغرافي، قد يفسر جانبا من الأسباب التي أثرت على مواقف بعض أعضاء اللجنة المركزية القادمين من هذه المناطق، وهو ما يفسر أايضا، أن القرار قد تم اتخاذه داخل اللجنة المركزية بالأغلبية.
2. أساليب النضال
مازالت الفصائل الفلسطينية تتبنى الكفاح المسلح، كشكل رئيسي من أشكال النضال. ان هذا الشكل من النضال، خاصة بعد أن ابتعد عن نهج حرب العصابات، واتجه نحو تشكيل قوة عسكرية شبه نظامية، لها تراتبية عسكرية، وتمتلك أسلحة ثقيلة. ان هذا النهج في العمل العسكري، بعيدا عن فاعليته وتأثيره وملائمته للأوضاع الفلسطينية والجدوى منه، يضع على كاهل هذه الفصائل، ومنها الجبهة الشعبية، أعباء مالية عالية تضطرها، خاصة بعد تضخم ميزانيتها، وعدم اعتمادها على التمويل الذاتي، وتوقف التمويل الوطني، وبروز سلوكيات في الانفاق تتناقض مع العمل الثوري، كل هذه الأسباب وهذا الواقع قد يضطرها إلى الاعتماد في تمويلها و تسليحها على أطراف محلية أو خارجية تسلب جزءا من استقلالية قراراتها.
أن دعوتنا إلى تبني المقاومة الشعبية السلمية، لا تنبع فقط من إيماننا المطلق بهذا الطريق، ولا بجدواه وملائمته للظرف الفلسطيني، ولا بسبب النتائج التدميرية التي ألحقها نهج العسكرة بالنضال الفلسطيني، ولكن أيضا لان المقاومة الشعبية السلمية لا تحتاج إلى ميزانيات وتمويل باهض، وتعتمد في ذلك على الشعب، وهي بالتالي تعزز من مقدرة الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية من الاعتماد على الذات، ورفض المال والسلاح المسيس، وصون والحفاظ على القرار الوطني المستقل.
ما العمل
على حركة فتح و م ت ف أن تحفظ للجبهة الشعبية تمثيلها داخل اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، من خلال أعضاء الشعبية الممثلين في المجلس الوطني عن الكفاءات والمنظمات الشعبية. ان هذا الموقف الوطني يحافظ على بقاء فصيل وطني أساسي مهم من نواحي متعددة ممثلا داخل مؤسسات م ت ف .
على الجبهة الشعبية أن تراجع قرارها، والا تتمادى في ذلك، ولا تنصاع للدعاوى، غير الوطنية، التي تطالبها بتشكيل مؤتمرات موازية أو جبهات إنقاذ، مع من لا يؤمنون لا بالوطنية ولا بالعمل الجبهوي. ان قرار الشعبية بعدم حضورها المجلس الوطني، كان وما زال خطأ، لكن الانزلاق في هذا الاتجاه الضار وطنيا، وغير المتسق أخلاقيا وتاريخيا، هو خطيئة لن يغفرها لا الواقع ولا التاريخ.
خاتمة
ان انعقاد المجلس الوطني، في المكان والزمان المحددين، ضرورة تاريخية ووطنية، لا يتوقف انعقاده على حضور او عدم حضور هذا الفصيل أو ذاك، خاصة الفصائل التي لم تكن يوما من نسيج م ت ف الوطني، ولا على هذا العضو أو ذاك، مهما ادعى من بطولات وتاريخ صادق أو زائف ...من حق من لا يريد ان يحضر الا يحضر، ولكن عليهم تحمل مسؤولية عدم حضورهم، الأخلاقية والوطنية.
ان هذه فرصة لوضع حد نهائي لهذا التسيب اللامسؤول.. كما يجب التأكيد على ان تكون القرارات بالاغلبية الوطنية و ليس بالمحاصصة الفصائلية....و بان يكون التمثيل مجاليا و ليس سياسيا، الفصائل ليست هي غزة، على سبيل المثال. كما انه من الاهمية، ليس فقط الحضور، ولكن ايضا، الالتزام بالقرارات الوطنية التي يتم اتخاذها، وفقا لمبدا الاختلاف الديمقراطي.
المجلس الوطني ليس برلمان ولا معنى فيه للمحاصصة.... وقراراته تاريخية ووطنية ملزمة للجميع.
ان انعقاد المجلس لا يجب ان يكون مشروطا بالتوافق الفصائلي ولكن بالتمثيل الوطني، و ان كان هناك اعتراضات، فلتطرح داخل المجلس، وليس كمناكفات و مزايدات للاستهلالك الاعلامي.
المجلس الوطني يمثل القضية ولا يمثل التيارات، و ان كانت ضمنه ...انه صوت التاريخ وصوت الشعب، وحقه الثابت غير القابل للتصرف. المجلس الوطني هو عصارة افكار ومقترحات و خطط لتمتين المكتسبات و رسم الافاق والغايات، إنه مجلس أعلى للامة وضميرها يعلو على المحاصصات و التقسيمات والمبررات والتعريفات والمناورات، التي يسعى البعض لتكريسها.

ليست هناك تعليقات: